| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

khabib@t-online.de

 

 

 

 

الأثنين 13 /11/ 2006

 

 

رؤية حوارية

هل من جديد في العلاقات العراقية الأوروبية ؟

 

كاظم حبيب

اتخذت غالبية دول الاتحاد الأوروبي موقفاً مخالفا للحرب الأمريكية ضد النظام العراقي التي بدأت في آذار وانتهت بسقوطه في التاسع من نيسان/أبريل 2003, ورفضت تأييدها, رغم أن بعضها قد رحب بانتهاء وجود الدكتاتور صدام حسين على راس السلطة البعثية في العراق. وكثيراً ما جرى التحليل والتدقيق في العوامل التي تسببت في رفض هذه الحرب والانقسام الذي عرفته أوروبا في الموقف منها, إذ أن عدداً منها, ومنها بشكل خاص بريطانيا وأسبانيا وإيطاليا وغيرها قد أيدت وساهمت بقوات عسكرية, إضافة إلى أخرى ساهمت بقوات رمزية. وأهمية البحث في هذا الموضوع تنبثق من التأثيرات السلبية التي نشأت عن التباين بين مواقف الولايات المتحدة الأمريكية وغالبية الدول الأوروبية بشأن الحرب ونتائجها على العلاقات المهمة بين العراق ودول الاتحاد الأوروبي التي يحتاجها العراق كثيراً, بل هو بأمس الحاجة إليها, والتي هي الآن بعيدة كل البعد عن أن تكون جيدة وإيجابية كما يستوجبها وضع العراق الراهن. ولكن ما هي الأسباب الكامنة وراء التباين في الموقف إزاء الحرب ونتائجها بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي؟
عند الإجابة عن هذا السؤال يفترض التفكير بثلاثة مجالات مهمة, وهي:
1. التباين في الأساليب السياسية التي تمارسها الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
منذ أن قادت الولايات المتحدة الأمريكية الصراع في فترة الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي وبقية دول المعسكر الاشتراكي على رأس المعسكر الرأسمالي وانتصرت عليه في نهاية العقد التاسع من القرن العشرين, برزت في الساحة السياسية الدولية مؤشرات مهمة اعتبرتها الولايات المتحدة مستلزمات ضرورية لممارسة سياسة جديدة على الصعد الدولية والإقليمية والمحلية. وما يهمنا معالجته هنا هي العلاقات الدولية والإقليمية. فقد برز للمتتبع وكأن العالم يقوم على قطبية واحدة بعد أن غاب القطب الثاني المناهض, وهي قطبية الولايات المتحدة التي استندت إلى اعتراف العالم بها لأنها تمتلك أكبر ترسانة للسلاح النووي وأحدث الأجيال من صنوف الأسلحة الفتاكة, أي أنها أقوى دولة عسكرية في العالم, وهي ما تزال كذلك حتى الآن. وارتبط بروزها بمرحلة أصبحت معالم العولمة الموضوعية تتسارع بقوة بعد أن زال العامل المعوق لها, وبالتالي وجدت الولايات المتحدة نفسها أنها قادرة على استثمار منجزات العولمية الموضوعية الجارية بممارسة سياسات تسعى إلى فرضها على بلدان العالم وتخدم مصالحها أولاً وقبل كل شيء. واقترنت هذه الظاهرة بتنامي وهيمنة الفكر اللبرالي الجديد للمحافظين الجدد في الولايات المتحدة وفي دول أخرى في أوروبا ومنها بريطانيا. والذي كان يعني دون أدنى ريب ممارسة سياسات تتسم بالقوة وعدم المساومة حول مصالح الرأسمال العالمي واستعادة ما تحقق من مكاسب للطبقة العاملة وبقية الشغيلة في سنوات الصراع مع دول المعسكر الاشتراكي ..الخ. ولم يقتصر هذا الموقف على السياسات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية فحسب, بل والسياسات الخارجية, ومنها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والعسكرية. وتجلى بشكل صارخ في مواقف الولايات المتحدة في المؤتمرات الدولية الخاصة بالبيئة أو المشكلات الاجتماعية أو المؤتمرات الاقتصادية.
وتنامت الرغبة لدى النخب الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية وفي الحزبين الحاكمين, مع اختلاف ملموس في التكتيكات, في الهيمنة على العملية الاقتصادية الدولية ونشر الثقافة الأمريكية وسبل وأساليب أو نمط الحياة الأمريكية في العالم. وأصبح قادة الولايات المتحدة بشكل عام يشعرون وكأنهم يستطيعون تعليم العالم كله مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان, وأنهم يملكون القدرة والرسالة الإنسانية الربانية التي تسمح لهم بتصدير كل ذلك إلى العالم. وكان هذا النهج الجديد يبرز بوضوح أكبر لدى القادة الجمهوريين, ومنهم أفراد عائلة بوش. وبرز خيط يربط بين الشعور بعظمة الولايات المتحدة وبقدرتها على تصدير الحرية وإيمانها بالله, أي بدأ شيء من التشابك بين الجانب القومي والجانب الديني المسيحي المرتبط بالكنيسة الإنجيلكية. لقد هيمنت مجموعة عقائدية محافظة ومتزمتة من الحزب الجمهوري على البيت الأبيض ووزارة الدفاع, وهي التي تتسبب في المزيد من المشكلات للولايات المتحدة ولحليفاتها في الخارج وفي منطقة الشرق الأوسط.
وإذا كانت دول الاتحاد الأوروبي قد سكتت في الفترة الأولى عن هذا النهج بسبب عدم ظهوره بشكل صارخ في فترة رئاسة بل كلنتون, فأنها برزت بشكل صارخ بعد البدء برئاسة بوش الابن, مما دفع بالأوروبيين إلى أن يتخذوا مواقف مختلفة باتجاهات ثلاث: أ) لا يجوز للولايات المتحدة أن تنفرد بقراراتها السياسية رغم كونها المعترف بقيادتها السياسية وبقيادتها العسكرية للحلف الأطلس, بل يفترض أن تتفق وتتوافق في ذلك مع دول الاتحاد الأوروبي ذات المصالح المشتركة؛ ب) لا يجوز استخدام العنف والقوة في معالجة المشكلات القائمة, بل يفترض بذل الجهود لتجاوز الحروب في معالجة أمور العالم. وفي حالة العجز يمكن عندها استخدام القوة أو الحرب الإقليمية لتحقيق المصالح الحيوية. ج) لا يجوز للولايات المتحدة أن تستفيد بمفردها من منجزات العولمة, إذ أن أوروبا تعتبر الشريك المباشر لها أولاً, كما لا بد من رعاية مصالح الدول النامية لكي لا تتسع الفجوة ويشتد الصراع وتتضرر مصالح جميع الدول الرأسمالية في العالم.
2. المصالح المختلفة بينهما.
كانت الرغبة قديمة جداً لدى قادة الولايات المتحدة في الولوج الكامل لمنطقة الشرق الأوسط حيث منابع النفط وحيث تتركز فيها أكثر من ثلثي احتياط النفط العالمي. ورغم كون النفط يمكن أن تحصل عليه كل دولة في الأسواق الدولية, إلا أن رغبة السيطرة على هذه المنابع والتحكم في عدد من مؤشراته كان وسيبقى يحتل أهمية استثنائية لدى قادة الاحتكارات الرأسمالية الأمريكية, إضافة إلى المصالح الأخرى في منطقة الشرق الأوسط, سواء من حيث وجود الكثير من المعادن والموارد الأولية الأخرى, أم كونها غنية برؤوس أموالها التي غالباً ما توظف في اقتصاديات الدول الرأسمالية, أم في أسواقها التي يمكن أن تستوعب الكثير من المنتجات الصناعية الغربية. وبالتالي فأن هذه المنطقة تتميز بالحيوية ويدور حولها صراع شديد ومستمر. وقد تمكنت الولايات المتحدة خلال العقدين المنصرمين فرض هيمنتها على المنطقة وتحكمها في الكثير من العملية السياسية والاقتصادية والثقافية وتحقيق الكثير من الأرباح على حساب الشركاء الآخرين ومنهم دول الاتحاد الأوروبي.
3. التباين في التكوين الحضاري لهما
رغم أن لأوروبا تاريخ استعماري طويل في منطقة الشرق الأوسط وبقية مناطق العالم, ورغم أن الولايات المتحدة لا تمتلك مثل هذا التاريخ الاستعماري, إلا أن سنوات النصف الثاني من القرن العشرين على نحو خاص شهد بروز مسألتين, وهما: رغبة عارمة لدى قادة الولايات المتحدة في السيطرة على العالم بطريقة لا تختلف من حيث الجوهر عن الطريقة التي تمت السيطرة فيها على الولايات المتحدة ذاتها في الصراع مع الهنود الحمر من جهة, ورغبة واضحة لدى الدول الأوروبية, وخاصة في العقود الثلاثة الأخيرة, للابتعاد عن محاولة الهيمنة المباشرة على اقتصاديات وسياسات شعوب بلدان الشرق الأوسط, بل تسعى للاستفادة منها والحصول على ذات المكاسب ولكن بأساليب أخرى تعبر عن استفادتها النسبية من تراثها الاستعماري في المنطقة.
إن الخلفية الحضارية للولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية, رغم أن غالبية الحكام الأمريكيين هم من أصل أوروبي, تجد تعبيرها اليوم في ممارسة السياسة, والتي تبرز في أجواء التعالي والعنجهية والرغبة في ممارسة القوة والعنف واستخدام قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان لأغراض المصالح الضيقة. وقد وجد هذا تعبيره في ممارسة بول بريمر وبقية القادة العسكريين والمدنيين للسياسة الفعلية المباشرة في العراق خلال الأعوام الثلاثة والنصف المنصرمة.
إن كل ذلك جعل الموقف الأوروبي من الحرب الأمريكية ضد النظام العراقي موضع نقاش وعدم اتفاق واختلاف. وكانت أوروبا تخشى من عواقب الحرب التي لا يمكن تقدير نتائجها وخط سير تلك النتائج. ومن الملفت للانتباه أن سقوط النظام العراقي تحت ضربات القوات الأمريكية والبريطانية بشكل خاص قد دفع بالدولتين إلى التصرف بشكل منفرد, وخاصة الولايات المتحدة, في العراق وتحاولان الهيمنة الكلية, مما خلق المزيد من التناقضات والصراعات بين القوات الأجنبية والقوى السياسية العراقية التي أيدت الحرب ضد النظام وسعت إلى إسقاط الدكتاتورية, ولكنها أحبطت بسياسات غير عملية وغير واقعية من جانب الولايات المتحدة. وبدا للأوروبيين أن الولايات المتحدة قد هيمنت على العراق ومنطقة الشرق الأوسط وأنها ستثير لهم مشاكل لا حصر لها, مما دفعها إلى اتخاذ مواقف الرفض من التعاون الجدي معها لمواجهة ما وقع في العراق فيما بعد وخاصة في ما يخص الإرهاب وتفاقمه لرغبة منها في الانتقام من الولايات المتحدة وتلقينها درساً في أن لا تنفرد بقراراتها, بل تخضعها للمشاورة والاتفاق مع حلفائها الرأسماليين الآخرين.
ولكن هذا الموقف المتصلب والجامد للأوربيين لا يعاقب الحكومة الأمريكية, بل يعاقب الشعب العراقي بكل مكوناته الذي عاني من الدكتاتورية ويعاني اليوم من الفوضى والإرهاب والقتل المتواصل. ويبدو هذا واضحاً في مسائل كثيرة بما في ذلك عدم وجود أي مبادرة فعلية للتعاون وتقديم المساعدة لمواجهة واقع الإرهاب الجاري في العراق وللعملية الاقتصادية المتعثرة بخلاف مواقفها إزاء الوضع في أفغانستان, رغم الزيارات المتكررة لبعض المسؤولين إلى مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل.
لا شك في أن السياسات الأمريكية على صعيد المنطقة والعالم بحاجة إلى إعادة نظر, فهي لم تعد القطب الأوحد, بل أوروبا تشكل قطباً آخر, وكذا الصين وروسيا واليابان والهند, فنحن في عالم من أقطاب لا يفترض أن تكون متصارعة, بل لها مصالح مختلفة يمكن التنسيق في ما بينها لصالح التعاون الدولي والسلام في العالم ولصالح تنمية بلدان العالم الثالث. فهل ستتخلى الولايات المتحدة الأمريكية عن هذه السياسة المتسمة بالعنف والتسلط بعد أن انتصر الديمقراطيون في الانتخابات النصفية, وفي ما إذا انتصروا في انتخابات رئاسة الجمهورية بعد سنتين؟ لقد فاز الديمقراطيون كما كان متوقعاً, ويأمل الإنسان أن تتغير ثلاثة أمور في جانب السياسة الأمريكية, وهي:
1. الكف عن التعالي والانفراد بالقرارات في العراق والتعاون الكامل مع الحكومة العراقية وتسليمها الملفات, إضافة إلى وضع جدول زمني للانسحاب من العراق في ضوء تطور الوضع الأمني وأهلية القوات العراقية للدفاع عن العراق وأهله.
2. الكف عن ارتكاب المزيد من الأخطاء الفادحة من جانب الإدارة والقوات الأمريكية في العراق ومكافحة الفساد المستشري في الشركات الأمريكية العاملة في العراق وكذلك في صفوف القوات الأمريكية وما يتعرض له السكان من إيذاء وتلحق بهم من أضرار.
3. التعاون مع الدول الأوروبية في مختلف المجالات التي تستوجبها الأوضاع الراهنة في العراق والدخول بحوار مع دول الجوار لمعالجة الإشكاليات القائمة بدلاً من أسلوب القوة والعنف والتهديد.
يصعب تصور إجراء تغيرات واسعة في السياسة الخارجية بسبب مسؤولية بوش عنها مباشرة, ولكن يمكن إجراء تعديلات معينة عليها, في حين يمكن أن يتحقق التغيير النسبي في أعقاب انتخابات الرئاسة القادمة والتي يحتمل أن يفوز بها الديمقراطيون.
قام السيد رئيس الجمهورية جلال الطالباني بزيارة ودية إلى فرنسا خلال الفترة الأخيرة التقى بالرئيس الفرنسي جاك شيراك وبالمسؤولين الآخرين. فهل يمكن أن تفتح هذه الزيارة وزيارات مماثلة إلى كل من ألمانيا وأسبانيا وغيرها من الدول الأوروبية وروسيا مثلاً, الطريق لمعالجة الموقف الراهن والبدء ببناء علاقات عراقية-أوروبية جديدة؟ هذا ما سنجيب عنه لاحقاً

أوائل تشرين الثاني 2006
خاص : جريدة الاتحاد العراقية