| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

khabib@t-online.de

 

 

 

 

الثلاثاء 12/9/ 2006

 



كيف يمكن أن تقرأ سياسات الولايات المتحدة مع لأوضاع المزرية في العراق؟

 

كاظم حبيب

حلت هذه الأيام الذكرى الخامسة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001, وهي ذكرى حزينة جداً, حين يواجه الإنسان موتاً لما يقرب من 3000 إنسان أمريكي برئ من قوميات وأديان ومذاهب واتجاهات فكرية وسياسية مختلفة من جهة, وهي ذكرى يشعر الإنسان فيها بالغضب الشديد على تلك القوى المجرمة التي خططت ونفذت تلك العملية الإجرامية, كما يدرك بوضوح مدى دناءة وقذارة تلك العناصر والتنظيمات التي وجهت العملية وأساءت إلى اسم الإسلام والمسلمين بأفعالها المجرمة من جهة أخرى, وهي ما تزال تسعى إلى إشاعة وترويج وممارسة ما يطلق عليه بصراع ونزاع الحضارات والثقافات والأديان في العالم.
لم تكن السياسات التي مارستها الإدارة الأمريكية خلال السنوات الخمس المنصرمة تنسجم من الناحيتين التكتيكية والإستراتيجية مع طبيعة الحدث, بل كانت عبارة ردود فعل حادة وسريعة وغاضبة دون أن تكون هناك رؤية مشتركة مع حليفات الولايات المتحدة ومع بقية دول العالم لمواجهة الإرهاب وفق أسس عقلانية وواقعية وذات أفق واضح في تدمير تنظيمات وعلاقات تلك القوى الإرهابية. أي أنها مزجت بين إستراتيجيات سابقة للحدث مع ما عنَّ لها بعد الحدث, فكانت النتيجة ردود فعل حادة متوترة وسريعة وذات عواقب سلبية على المجتمع الدولي وعلى مجموعة كبيرة من البلدان, وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا. وقد أدت ردود الفعل تلك إلى استقطاب جديد وانفراط عقد التحالف المتماسك والضروري لمواجهة الإرهاب الدولي للقوى الإسلامية السياسية بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية ودول أخرى. إن الضربة الصاعقة التي نزلت على رأس الدولة الأعظم في المركزيين التجاريين الدوليين في نيويورك وغيرهما أطارت صواب الإدارة الأمريكية وأفقدتها أعصابها تماماً وسعت إلى الانتقام المباشر. ومن هنا نشأ المطب الأمريكي, إذ جاءت ردود أفعال البيت الأبيض بائسة ويائسة ومحبطة في آن واحد. وهو ما يفسر تراجع أو انحسار حقيقي في شعبية جورج دبليو بوش في داخل الولايات المتحدة الأمريكي, دع عنك تدهور سمعة رئيس الولايات المتحدة إلى حضيض لم يبلغه أي رئيس دولة أمريكي سابق.
لقد نجحت الإدارة الأمريكية في مسألة واحدة هي نقل المعركة مع قوى الإرهاب من الولايات المتحدة إلى مناطق أخرى من العالم, إلى أفغانستان والعراق على نحو خاص. وإذا كانت الولايات المتحدة قد فقدت أقل من ثلاثة ألاف إنسان في أحداث الحادي عشر من سبتمبر, فأن العراق خلال السنوات المنصرمة ومنذ سقوط النظام فقد عشرات أضعاف هذا العدد من القتلى والجرحى والمعوقين, دع عنك الخسائر المالية. ولكن هذا النجاح الجزئي المحسوب من جانب قيادة الولايات المتحدة لمنع وقوع حوادث أخرى في بلدها, فإنها في المقابل خسرت نصف عدد ضحايا أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 حتى الآن في العراق وحده. ولا يمكن أن يقدر الإنسان متى تنتهي العمليات العسكرية في العراق ولا حجم الضحايا المحتمل من عراقيين وأمريكيين أو من غيرهما .
عندما يبدأ الإنسان بالنظر إلى هذه المسألة ويسعى إلى تحليل الظاهرة سيجد نفسه أمام لغز كبير يبدو أحياناً صعب الحل أو النفوذ إلى داخله, ويبدو أحياناً أخرى واضح المعالم يمكن وضع اليد عليه بسهولة ودون تعقيدات كبيرة. لست ممن يدعو إلى نظرية المؤامرة المستمرة التي تميز تحليلات الكثير من المحللين في بلدان العالم الثالث, ولكن حين نضع الأمور في تسلسلها المنطقي سنجد إنها ليست مؤامرة, بل هي خطة غير محبوكة, وكانت في التنفيذ أسوأ بكثير من الإعداد أيضاً. وبالتالي, فأن الإدارة الأمريكية تعاني اليوم من إحباط غير قليل وقصر نظر. لقد خاضوا حرباً في العراق ولم يدرسوا ما يفترض أن يقوموا به في مرحلة ما بعد الحرب, إذ تصوروا أو صور لهم الأمر ميسوراً, تركوا الحدود مفتوحة, فدخل إلى العراق الإرهابيون المسلمون الأكثر فاشية من كل حدب وصوب وهم يخوضون المعركة ضد الولايات المتحدة على أرض العراق, أطلقوا العفريت الطائفي من القمقم وليس في مقدورهم إيقافه عند حده وما زالوا عاجزين عن إعادة التوازن المطلوب, أدخلوا المزيد من الأموال لتخرج مرة أخرى إلى جيوب شركاتهم الاحتكارية ذات العلاقات الحميمة بنائب رئيس الجمهورية الأمريكية, وبقي بعض الفتات لمن تعامل معهم عبر هذه الشركات, نشطَّوا الفساد المالي والوظيفي وأصبح خطراً يهدد الدولة والمجتمع وتحول إلى الوجه الثاني من عملة الإرهاب الإسلامي السياسي الدولي للقوى المتطرفة, أضعفوا دور وقدرات القوى الديمقراطية والعلمانية واللبرالية العربية, مما ساعد بدوره على تعزيز دور قوى الإسلام السياسي بكل أجنحتها واتجاهاتها السنية والشيعية.
وليس هذا وحده, بل مارسوا سياسة اللعب على ورقة مجاهدي خلق في العراق للضغط على إيران, ولكنها تحولت إلى إشكالية عراقية تضغط على الواقع العراقي ذاته. كما أن سياستهم في المنطقة والكيل بمكيالين لم ولن تساعد على تحقيق ما يسعون إليه.
إن سياسة الولايات المتحدة في العراق تبدو وكأنها تريد استمرار الوضع الراهن, رغم ما ينشأ عن ذلك من تعقيدات للسياسة الداخلية الأمريكية, إذ أنها لا تريد جهداً إضافياً لمواجهة الوضع في العراق بتحقيق تعاون أفضل مع دول الاتحاد الأوروبي, فهي تخشى على الكثير من الأمور بعد أن أصبح الشرق الأوسط قاعدة أساسية لنشاطها, وخاصة منطقة الخليج, وبشكل أخص دولة قطر, التي سمحت لها الإدارة الأمريكية بالتحرك الحر النسبي لتحقق توازناً نسبياً إزاء الوجود العسكري الأمريكي الواسع والكثيف فيها.
إن دول الاتحاد الأوروبي ترفض سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأساليب تعاملها مع موضوع الإرهاب الدولي ومع الكثير من الملفات السياسية في المنطقة. وقد برز هذا واضحاً في تصريحات الكثير من المسؤولين الأوروبيين في الذكرى الخامسة للحادي عشر من سبتمبر/أيلول. فعلى سبيل المثال لا الحصر, تحدثت السيدة أنجيلا ميركل, مستشارة ألمانيا الاتحادية, وأصدرت تصريحاً تضمن موقفاً واضحاً قالت فيه بأنها في الوقت الذي تعزي أهالي ضحايا الحادي عشر من سبتمبر والشعب الأمريكي على الحادث المروع, فأنها لا تتفق مع السياسة الأمريكية في خمس قضايا جوهرية, وهي:
1. بناء السجون في خارج الولايات المتحدة للمتهمين بالعمل الإرهابي, إذ أنها تعني ممارسة أساليب مرفوضة دولياً مع هؤلاء المعتقلين.
2. رفض الاعتماد على العمليات الأمنية والعسكرية في مكافحة الإرهاب, إذ أنها غير كافية, بل يفترض العمل من أجل مكافحة الفقر والتخلف ودعم جهود التنمية في هذه البلدان.
3. لا يمكن القبول بمبدأ الغاية تبرر الواسطة, إذ أن هذا كله يتعارض مع مبادئ وقيم وأسس المجتمع المدني الديمقراطي.
4. ضرورة التعاون الدولي والاتفاق على أسس واضحة في مواجهة الإرهاب الدولي.
5. من الضروري أحياناً القيام بعمليات عسكرية حين تقتضي الحاجة الماسة إلى ذلك وفي حالات استثنائية.
ولكنها أكدت بأن تراجع الرئيس الأمريكي عن بعض القضايا يدلل على أن أجواء الديمقراطية تفرض الالتزام بمبادئ الدستور الأمريكي والابتعاد عما يتناقض معه.
وبهذه الوجهة تحدث آخرون من السياسيين الأوروبيين منتقدين الولايات المتحدة باعتبار ممارساتها تتعارض مع حقوق الإنسان وقيم الدمقراطية والحضارة الإنسانية المعاصرة, وخاصة في ما يخص معتقل غوانتنامو في كوبا أو سجن أبو غريب في العراق أو السجون التي اعترف الرئيس الأمريكي بوجودها في بعض الدول الأجنبية وتحت إدارة وكالة المخابرات المركزية CIA, ولكن لم يعرف مكان وجودها حتى الآن رغم الشكوك التي تحوم حول ثلاث دول هي بولونيا وبلغاريا ورومانيا.
إن في مقدور التعاون الأمريكي - الأوروبي - العراقي أن يحقق نجاحاً أسرع في العراق بثلاثة اتجاهات أساسية, وهي:
1. توفير أجواء أفضل للمصالحة الوطنية ومعالجة المشكلات القائمة وفق أسس المجتمع المدني الديمقراطي والتخلي عن نهج الطائفية السياسية.
2. تعزيز القدرات الأمنية وتبادل الخبرات والمعارف والمعلومات والعمل المشترك بين هذه القوى الثلاث التي يمكنها أن تلجم أولاً ثم تصفي الجيوب القذرة للقوى المناهضة لعراق مدني اتحادي ديمقراطي.
3. العمل على منع دول الجوار من التدخل الفظ والمتنوع في شؤون العراق الداخلية.
والسؤال المنطقي الذي يطرحه كل قارئ على نفسه هو: هل جلبت الذكرى الخامسة نتائج إيجابية على صعيد مكافحة الإرهاب في العراق والعالم؟ يحق لنا أن نقول ما يلي: إن الذكرى الخامسة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر المروعة لم تجلب معها السلام والطمأنينة والاستقرار إلى نفوس شعوب العالم, كما لم تجلب الراحة والاستقرار والتقدم للشعب العراقي بكل مكوناته القومية والدينية والمذهبية والفكرية, وستبقى المعاناة طويلة ما لم تغير الولايات المتحدة الأمريكية من تكتيكاتها السياسية والعسكرية أولاً, ومن إستراتيجيتها الفكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية ثانياً, وبشكل خاص سياساتها العولمية ومواقفها من قضايا الفقر والتخلف في العالم ودورهما في تنشيط الإرهاب الدولي, إضافة إلى سياسة الكيل بمكيالين في عدد غير قليل من القضايا السياسية وخاصة في منطقة الشرق الأوسط.
إن الأخطاء المرتكبة في العراق من جانب الولايات المتحدة حتى الآن لا تعالج اليوم بانسحابها الفوري من العراق, إذ أن ذلك لا يعني سوى الهيمنة الفعلية لقوى الإرهاب على العراق والشروع بحرب أهلية مدمرة, إذ منذ الآن بدأت بعض أقطاب هيئة علماء المسلمين يتحدث عن ضرورة إنهاء الاختلال في توازن وجود الأسلحة في المحافظات المختلفة, ويقصد المحافظات التي فيها أغلبية سكانية شيعية أو سنية.
إن الحكومة العراقية تتحمل اليوم مسؤولية معالجة المشكلات الرئيسية التي تواجه المجتمع, وهي الإرهاب والفساد والمليشيات المسلحة والطائفية السياسية ورفض إقامة فيدراليات على أساس طائفي. وهي مهمات ثقيلة يصعب على الحكومة وحدها تحمل عبئها حالياً. ولا بد للمجتمع الدولي من تقديم الدعم والعون الضروريين لمعالجة المشكلات الواردة في أعلاه.

خاص: المدى البغدادية
الرأي الآخر 12/9/2006