| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

                                                                                  الأثنين 12/9/ 2011


 

هل المالكي يغامر بحياته السياسية ومستقبله في العراق؟

كاظم حبيب 

كل الأحداث الجارية في السنوات الأربع الأخيرة في العراق تدلل بما لا يقبل الشك على إن رئيس وزراء الحكومة الاتحادية يحث الخطى في السير نحو طريق مسدود لا يجلب له سوى الخيبة والعزلة ونهاية  حياته السياسية, كما يجلب للشعب المزيد من الآلام والمزيد من الاحتجاجات. لقد اختار طريق الاستبداد والعنف والقمع والتشهير في مواجهة حركة الاحتجاج الشبابية والشعبية في بغداد بشكل خاص, وهو الطريق الذي سيدفع بالمزيد من الناس إلى الاحتجاج والتظاهر. لقد كشف اغتيال المخرج المسرحي والمثقف العراقي الديمقراطي هادي المهدي بكاتم الصوت على أيدي أجهزة الأمن, التي هددته قبل ذاك, عن مسألتين أساسيتين هما:

1. إن المجرمين الذين اغتالوا الكثير من العناصر الديمقراطية بكواتم الصوت ليسوا سوى ذات العناصر التي اغتالت كامل شياع وقاسم عبد الأمير عجام والعشرات غيرهم, إضافة إلى ممارسة قوى القاعدة والبعث وجماعات سياسية إرهابية أخرى لمثل هذه الجرائم.

2 . إصرار رئيس الوزراء على السير في الطريق الذي سار عليه صدام حسين وانتهى إلى مزبلة التاريخ.

حين تسلم المالكي رئاسة الوزراء من رئيسه السابق في حزب الدعوة الإسلامية, الدكتور إبراهيم الجعفري, وكان نائبه في الحزب, تمنى له الكثير من العراقيات والعراقيين, كاستحقاق انتخابي, رغم معرفة الكثيرين بطبيعة الحزب الطائفية السياسية, إضافة على التجاوزات التي حصلت في الانتخابات, أن يتخذ طريقاً غير الطريق الذي سلكه سلفه الجعفري في رئاسة الوزارة, سواء أكان في ممارسة سلوكية طائفية متطرفة أم ممارسة أسوأ أنواع الديماغوجية أم فتح أبواب دوائر الأمن والشرطة للمليشيات الطائفية الشيعية المسلحة. وتمنى له الكثيرون بأن يبتعد عن الطائفية السياسية ويكافح الإرهاب والفساد ويستجيب لإرادة الشعب في توفير الخدمات الأساسية ومكافحة البطالة والفقر في البلاد وأن يمارس مبادئ الديمقراطية في الحكم. ولم نكن نتوقع أن تنجز هذه المهمات في فترة قصيرة. وسار الرجل في طريق أشعر الكثيرين بأنه يسعى إلى التغيير, وخاصة حين أطلق على قائمته دولة القانون, وكذلك الموقف الذي اتخذه من المليشيات الطائفية المسلحة, ميليشيات جيش المهدي في بغداد والجنوب, وخاصة في البصرة. ولكن ما أن سار في الدرب الصحيح لفترة قصيرة جداً حتى انقلب عليه وبدأ يحث الخطى ويسير في اتجاه معاكس غير مدني وصوب العشائرية والسكوت عن الفساد والاستمرار في نسيان الخدمات الأساسية لفئات المجتمع وتراجع الأمن وتزايدت العمليات الإرهابية مرة أخرى.

وحين رفع الناس صوت الاحتجاج منبهين رئيس الوزراء والحكومة الاتحادية لما يجري في العراق, ارتعب رئيس الوزراء وسار بالاتجاه المعاكس لإرادة المحتجين والمطالبين بالإصلاح وأساء لجميع من طالب بالتظاهر وحرك وعاظه لترديد صدى إساءاته. وكانت بداية السير في الطريق المسدود, الطريق الذي لا يفضي إلى ما يسعى إليه الناس, بل يدفع البلاد صوب المزيد من الفردية والاستبداد, الطريق الذي يطلق عليه الناس: "درب الصد ما رد".

لم يتعلم المالكي من المستبدين السابقين ولا من تجارب الشعوب في النضال ضد المستبدين, إذ أن الشعوب تمهل ولا تهمل, وإن الدم ينزف دماً, على حد قول الشاعر الجواهري. والقتل ليس من شيمة من يمتلك ذمة وضمير, وأن قتل صحفي في داره بكاتم صوت لا ينهي المشكلات القائمة في البلاد, ولا المطالبين بحلول لها ولا يقضي على الاحتجاجات ومطالبات الشعب بالتغيير. بل سيد هؤلاء الحكام أنفسهم وراء قضبان المحاكم لتحاكمهم على  الجرائم التي ارتكبوها أو حرضوا عليها أو حموا القتلة من العقاب.

لقد ارتكب القتلة جريمة جديدة تضاف إلى جرائم التعذيب التي يمارسونها في المعتقلات والسجون أو حين يختطفون الناس لأيام معدودات ليواجهوا صنوف التعذيب والتهديد بالاغتصاب والقتل, تماماً كما كان يفعل أتباع المجرم القاتل والمقبور صدام حسين وبتخويل وتوجيه منه, ثم يقتلون فيما بعد أو يموتون مسمومين.

من كان لا يعرف القتلة الذين صوبوا كواتم الصوت صوب الإنسان المثقف والديمقراطي كامل عبد الله شياع, فقد عرفهم الآن. إن قتل هادي المهدي لا يطيل عمر الحكومة بل يقصرها ويزيد من تدهور الأوضاع الأمنية ويثير القلق والرعب في صفوف الناس, ولكنه في الوقت نفسه يميط اللثام عن وجه القتلة ومن يدفع بهم إلى قتل المناضلين الديمقراطيين. والسؤال الذي يطرحه الناس على أنفسهم هذه الأيام: من سيكون القتيل الشهيد القادم على أيدي نفس العصابات الأمنية التي قتلت هادي المهدي. فليس قادة المظاهرات وكتبت المقالات النقدية وحدهم مهددون بالاختطاف والتعذيب أو الاغتيال فحسب, بل وأولئك الذين يكشفون يومياً عن مزيد من الفساد المالي في الدولة العراقية حتى وجد الشيخ صباح الساعدي نفسه أحد مرشحي الاغتيالات اللاحقة, بسبب دوره المميز في الكشف عن الجرائم المالية من خلال وجوده على رأس لجنة النزاهة في المجلس سابقاً وعضوية المجل النيابي حالياً.

إن على  الحكومة, إن أرادت أن تبرئ نفسها من هذه الجريمة البشعة, أن تعتقل القتلة المجرمين والمحرضين على  القتل وحماتهم في أجهزة الدولة, وإلا فأصابع الاتهام تتوجه صوب رأس الحكومة, كما نقرأ حالياً في الصحف العالمية والعربية والمواقع الإلكترونية. واليوم أدانت منظمة العفو الدولية هذه الجريمة وطالبت باعتقال مرتكبيها وتقديمهم للمحاكمة العادلة. وستتسع حملة الاحتجاجات ضد القتل العمد.

لم يعد يكفي الاحتجاج, بل لا بد من تشديد النضال لوقف الإرهاب والقمع والقتل بكواتم الصوت وعبر أجهزة مهمتها حماية أمن وسلامة المواطنين.

وستستمر المظاهرات المطالبة بالتغيير إلى أن يتحقق التغيير المنشود.

الذكر الطيب للشهيد الجديد هادي المهدي, والصبر والمواساة لعائلة الشهيد ولأصدقائه.

الخزي والعار للقتلة المجرمين وحماتهم.

والنصر الأكيد لقوى الشعب في نضالها من أجل مجتمع مدني علماني وديمقراطي وحياة حرة وكريمة.

 

12/9/2011   
 

 

free web counter