| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

 

السبت 11/2/ 2006

 


 

 

ما الطريق لحماية وتطوير العلاقات الإنسانية بين أوروبا والعالمين العربي والإسلامي؟

 

كاظم حبيب

في أعقاب الحرب العالمية الثانية بدأ نظام الحكم الاستعماري يتهاوى بوتائر سريعة نسبياً بفضل نضالات شعوب القارات الثلاث, أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية, وبفضل الدعم الواسع الذي حظي به هذا النضال من جانب القوى الحرة والديمقراطية في الدول الرأسمالية الاستعمارية ذاتها وبفضل تأييد دول المعسكر الاشتراكي حينذاك لهذا النضال, إضافة على الأزمة الحادة التي عاشها نظام الحكم الاستعماري ذاته. وبعد أن أحرزت بلدان القارات الثلاث حريتها واستقلالها السياسي, بدأت بإقامة وتطوير علاقات جديدة أكثر واقعية مع الدول الأوروبية وتعمل على بناء وتعزيز استقلالها الاقتصادي, رغم أنها لم تحقق الكثير على طريق التخلص من التخلف المتعدد الجوانب والتبعية للاقتصاد الرأسمالي العالمي. وهذه الحالة ناشئة عن وجود الدول النامية, ومنها الدول العربية والإسلامية, تتحرك على محيط متباين المسافات عن مراكز التطور الصناعي في إطار تقسيم العمل الدولي غير المتكافئ.
وبسبب التخلف الاقتصادي والاجتماعي وغياب الحريات الديمقراطية ووجود نظم وحكومات استبدادية في معظم دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بدأت هجرة واسعة من هذه القارات, ومنها جمهرة كبيرة من بنات وأبناء شعوب الدول العربية والإسلامية إلى مختلف بلدان العالم الأوروبي والأمريكي وغيرها. وشملت الهجرة أو التهجير القسري جمهرة كبيرة من الساعين للحصول على فرصة عمل أو للخلاص من مطاردة أمنية أو حكم سياسي, أو اضطهاد قومي أو ديني أو طائفي أو فكري, أو خشية من قتل وسجن وتعذيب, أو من أجل الدراسة والتدريب, حتى بلغ عدد الأجانب المسلمين المقيمين في الدول الأوروبية أكثر من 21 مليون إنسان, أو ما يعادل 11,3 % من إجمالي سكان أوروبا الغربية البالغ عددهم 186,1 مليون نسمة في منتصف عام 2005. ويمكن أن ترتفع النسبة بسرعة بسبب معدلات النمو السنوية العالية بين المسلمين بالمقارنة مع نسبة نموها السنوية بين السكان من أصل أوروبي.
ورغم كل التعقيدات والتمايز بين ثقافات الشعوب المهاجرة والشعوب الأوروبية, ورغم بعض مظاهر التمييز, وخاصة في فرص العمل والدراسة, نشأت وتطورت علاقات إنسانية طيبة بين السكان الأوروبيين والجماعات المهاجرة العربية والإسلامية. وهي ناجمة عن واقع سيادة مبادئ ومضامين الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان لدى أوسع أوساط شعوب هذه البلدان وعيشها في نظم تحترم هذه المبادئ وتسعى إلى ممارستها في بلدانها. كما أن القضاء المستقل في هذه البلدان يمارس دوراً إيجابياً في منع التجاوزات على الحقوق عموماً.
إن عيش نسبة مهمة من العرب والمسلمين في هذه الدول الأوروبية في أجواء من السلم الاجتماعي والتفاهم والتلاقح الحضاري يشكل ضمانة مهمة لتعزيز أواصر التعاون والصداقة ومعالجة المشكلات التي تنشأ بالطرق السلمية والموضوعية بعيداً عن العنف والتهور والإساءات. فالعنف, كما هي الحرب, لا يحل المشكلات بل يزيد من تعقيداً وصعوبة إيجاد الحلول لها. ولا شك في أن ألدول الأوروبية استقبلت عدداً غير قليل من الجماعات الإسلامية السياسية المتطرفة والإرهابية, ولكن بجوارها كانت الغالبية الطيبة والمسالمة من المسلمين.
تشير السنوات الأخيرة إلى أن الدول الأوروبية وقفت إلى جانب القضية الفلسطينية وسعت إلى دعم وتقديم العون للفلسطينيين في صراعها ضد قوات الاحتلال الإسرائيلية وتبنت مواقف معتدلة في مختلف المشكلات المثارة في العالم العربي, بما في ذلك وعي شعوبها لأهمية حماية السلام في العالم وتمتع الشعوب العربية بنظم ديمقراطية وإدانة النظم الاستبدادية التي تتجاوز على حقوق الإنسان, إضافة إلى أنها وقفت ضد الإرهاب الذي تمارسه المنظمات الإرهابية التي تدعي التزامها بالإسلام, وتسعى إلى التفريق بين مبادئ الإسلام والمسلمين وبين قوى الإرهاب التي تستخدم الإسلام ستاراً في صراعاتها وعملياتها الإرهابية.
إن المشكلة الأخيرة التي نشأت في الدانمرك بسبب التصرف السيئ الذي تجاوز, برسومه الكاريكاتيرية, على الرسول محمد بن عبد الله وعلى مشاعر المسلمات والمسلمين, فيه الكثير من الفهم الخاطئ لحرية النشر والديمقراطية ونسيان المسؤولية الذاتية, إذ أن القوانين الدانمركية تعاقب من يتجاوز على الأديان أو يسيء إلى الآخرين أو يحرض على صراع الحضارات والثقافات والأديان. وبالتالي كانت وما تزال فأمام المسلمات والمسلمين فرصة كبيرة في إقامة الدعوى على الرسام والصحيفة الدانمركية التي نشرت الرسوم لمقاضاتهما أمام القانون واعتبار ذلك سابقة لكل التشريع الأوروبي, إذ أن التشريع الأوروبي متقارب تماماً, سواء أكان في الدساتير أم في القوانين المنظمة لمثل هذه الأمور. ومن هنا تبرز أهمية ثلاث مسائل جوهرية, وهي:
1. من حق المسلمات والمسلمين ومن واجبهم إعلان احتجاجهم على محاولة إهانة السيد الرسول محمد أو إهانة مشاعرهم.
2. أن يبقى هذا الاحتجاج وإبداء الرفض والإدانة سلمية وهادئة ومعبرة عن رؤية حضارية في سبل معالجة الخلاقات والمشكلات بين الناس والمجتمعات والدول.
3. أن يكون القانون الدانمركي والدولي هو سبيلنا لطلب الاعتذار من الرسام والصحيفة وإنزال العقاب المناسب بهما عبر القضاء المستقل.
إن المظاهرات التي تميزت بالعنف وحرق الكنائس والسفارات أو القنصليات أو التجاوز على بيوت وأحياء وممتلكات المسيحيين في الدول العربية والإسلامية هي أفعال مرفوضة ومدانة أيضاً, إذ أنها لا تمت إلى المشكلة بصلة ولا تعالج القضية المثارة أصلاً, بل تزيدها تعقيداً وتسيء إلى الشعوب العربية والإسلامية والإسلام الحنيف في آن واحد.
نأمل أن تمارس القوى العقلانية والمسؤولة في العالمين العربي والإسلامي الأسلوب السياسي والدبلوماسي الهادئ الذي يساعد على إيقاف موجات العنف في مختلف البلدان ومنع امتدادها إلى أوروبا, التي يمكن أن تثير إشكاليات من نوع آخر للمسلمين المقيمين في تلك البلدان.
إن الإساءة للأديان والمذاهب ليس طريقاً مناسباً بأي حال للحوار بين أتباع الأديان والمذاهب المختلفة ولتعزيز الصداقة بين الشعوب, بل إن الإساءة تعتبر إثارة وتأجيجاً لصراعات غير مبررة ولا تخدم سوى أولئك الذين يسعون إلى إشاعة الصراع والصدام بين الحضارات وهم موجود في صفوف أتباع مختلف الأديان والمذاهب. وعلينا أن نتذكر الإساءات التي أنزلها أسامة بن لادن والظواهري والزرقاوي وأنصار الإسلام السنة الكرد والعرب بكل المسيحيين وطالبوا بقتل المسيحيين الأمريكيين. وما حرق الكنائس بالعراق وقتل الناس الأبرياء من المسيحيين أو قتل القسيس في تركيا سوى تأكيد على هذا الواقع. إن المسلم الذي يدافع عن دينه ورسوله, يفترض فيه أن يدافع عن كل الأنبياء والأديان والمذاهب ويرفض توجيه الإهانة إليهم جميعاً.
لنعمل جميعاً من أجل نشر ثقافة الاعتراف بالآخر واحترامه, من أجل احترام جميع الأديان والمذاهب وعدم التجاوز عليها وعلى أتباعها, فهو الطريق الوحيد والسليم لتعزيز الأخوة والصداقة والاحترام المتبادل والسلام بين الشعوب والبلدان المختلفة.

نشر في جريدة الصباح البغدادية