| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

 

السبت 11/3/ 2006

 

 

 

هل يستخدم الإرهابيون الصراع الطائفي لصالحهم في العراق؟

 

كاظم حبيب

لم يعد هناك أي مجالٍ للصمت أو للمجاملة أو المهادنة, لم يعد مقبولاً ولا مشروعاً السكوت على ما يجري في العراق من قبل المثقفين والواعين ومن أتباع جميع الأديان والمذاهب الإنسانية والاتجاهات الفكرية والسياسية والقيم والأعراف والتقاليد الأمينة لشعوبها,
فالإرهاب اليومي يحصد رقاب المزيد من الناس, ويسعى الإرهابيون إلى تشديد التوتر ودفع الأوضاع صوب الفتنة الطائفية, صوب الحرب الأهلية. فالأجواء الطائفية السياسية غير النقية وغياب الثقة المتبادلة والرغبة الجامحة في الهيمنة على الحكم من جانب الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية من جهة, والخشية من فقدان الحصة المطلوبة في الحكم من الأحزاب الإسلامية السياسية السنية من جهة أخرى, تهيمن على ذهنية السياسيين العراقيين في هذه الأحزاب وتساهم في خلق المستلزمات المناسبة لتصاعد نشاط الإرهابيين وعملياتهم الإجرامية, سواء أكان ذلك بقتل الناس الأبرياء أم بعمليات التخريب المادي وتدمير البنية التحتية للاقتصاد العراقي, أم, وأخيرا,ً بنسف القبة الذهبية لمرقد الإمامين الفاضلين على الهادي والحسن العسكري في سامراء. ورغم أصوات الاحتجاج والإدانة والرفض التي انطلقت من حناجر الناس الطيبين في سائر أنحاء العراق بغض النظر عن أديانهم ومذاهبهم واتجاهاتهم الفكرية والسياسية, ورغم الإدانة الصريحة والدعوة الرشيدة من جانب علماء الدين الشيعة والسنة إلى التزام جانب الهدوء والعقلانية والابتعاد عن أعمال انتقام اعتباطية وفوضوية غير مشروعة في كل الأحوال والتي تزيد من رمي الحطب على النيران التي يراد إشعالها والفتنة التي يراد تحقيقها ولن تقود إلا إلى المزيد من توتير الأجواء السائدة. ورغم النداءات التي توجه بها السيد رئيس الجمهورية ورؤساء الأحزاب والكيانات السياسية المختلفة, فأن مجموعات من الأشرار أو الجهلة المتعصبين في أنحاء متفرقة من العراق, وخاصة في بغداد والبصرة وبعقوبة وفي غيرها أيضاً, نفذوا عمليات إجرامية بحق الكثير من أبناء الشعب العراقي فقتلوا الناس على الهوية المذهبية بدم بارد, ودمروا المساجد السنية, وهي بيوت الله, ثم اختلط الحابل بالنابل, وهو ما كان يسعى إليه الإرهابيون من أجل تأجيج الفتنة الطائفية وإشعال فتيل حرب طائفية لا تبقي ولا تذر. إن جمهرة من هؤلاء ينتمون إلى المليشيات المسلحة التي نادى رؤساؤها بالتزام طريق الحكمة والتعقل والابتعاد عن أعمال الانتقام الشريرة. وعلينا أن نتذكر باستمرار الحقيقة القائمة التي لا بد لنا من تذكير قوى الأحزاب السياسية بها, وهي أن الكثير من البعثيين من أعوان النظام السابق من الشيعة والسنة قد تغلغل إلى داخل الأحزاب الإسلامية السياسية, وخاصة تلك التي لها مليشيات مسلحة والتي ما تزال تؤمن بالعنف طريقاً للحصول على ما تراه حقاً لها, يمارس عمليات القتل يومياً ومن وراء ظهر المجتمع والدولة. وهو أمر يزيد في الطين بلة ويقدم للإرهابيين مجالاً رحباً لمواصلة عملياتهم الإجرامية الدموية ويجنون فائدة كبيرة من تلك العناصر الدخيلة في تفجير العلاقات الطائفية المتردية حقاً بسبب سياسات الأحزاب الإسلامية السياسية التي تعتمد الطائفية طريقاً لها في التبشير الديني المتطرف أو في الحكم. إن وجود مليشيات عسكرية تخفي أسلحتها ثم ترفعها في الوقت الذي تختاره وتستخدمه أيضاً لتحقيق أغراضها, كما حصل في اليومين المنصرمين, من قبل ميليشيات السيد مقتدى الصدر وميليشيات فيلق بدر, دليل قاطع على انفلات الوضع السياسي والأمني في البلاد, وتأكيد جديد لغياب دور الدولة ومؤسساتها الشرعية, ومنها العسكرية الحيادية, ودليل ثابت على عجز الدولة عن أداء المهمات الملقاة على عاتقها في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العراق السياسي الحديث. وعلينا أن ندرك بما لا يقبل الشك بأن أوضاع العراق الديمقراطية والاستقرار والأمن لا يمكن أن تستقيم ما دامت هناك الاتجاهات التالية:
التربية الدينية التي تقوم على أساس طائفي سياسي, أي على أساس التمييز بين الطوائف وسباق الطوائف للهيمنة على الحكم.
سياسة طائفية تقبل بها وتمارسها أحزاب سياسية إسلامية تقود إلى صراعات ونزاعات طائفية مميتة بين أتباعها ومؤيديها وبالتالي في المجتمع كله.
غياب الدولة وفعل أجهزتها ومؤسساتها الشرعية وخاصة التنفيذية منها, والعسكرية منها على نحو أخص لمواجهة الأوضاع المتأزمة.
وجود ميليشيات شبه عسكرية تريد القيام بدور الدولة لصالح حزبها أو الطائفة التي تريد تمثيلها والجهة التي تعمل من أجلها ولا يمكن أن تكون إلا متحيزة وظالمة للآخر وللمجتمع بأسره.
ومثل هذه الظواهر تقود, شاء الإنسان أم أبى, إلى غياب الوحدة الوطنية والصراع حول المراكز والمواقع قبل الصراع على السياسات والمبادئ ومصالح الشعب والوطن وحقوق الإنسان.
وعند وجود مثل هذه الاتجاهات سيواجه المجتمع ما يلي:
توفر إمكانية عالية ومجالاً رحباً لقوى الإرهاب التكفيري والصدّامي على حماية وتطوير بناها التحتية وزيادة الفاعلين معها وتوسيع قاعدة نشاطاتها وزيادة الأضرار التي تلحقها بالمجتمع والاقتصاد الوطني وبالحالة الروحية والنفسية للإنسان العراقي, كما حصل أخيراً بالنسبة إلى مرقد الإمامين في سامراء.
توفر الأرضية الصالحة للقوى المتشددة والأكثر طائفية على زرع الفتنة في صفوف المجتمع ودفع البلاد إلى أتون حرب طاحنة لا ينجو منها أحد. " استمرار العجز لدى الحكومة وأجهزتها عن توفير الأمن والاستقرار والخدمات الضرورية للمجتمع ودفع البلاد في حلقة مفرغة من العنف والعنف المضاد الذي تسعى إلى صنعه في العراق كل القوى الإرهابية وعصابات بن لادن والظواهري والزرقاوي وأنصار الإسلام السنة من العرب والكرد, وكذلك الجماعات المسلحة العائدة لتلك الأحزاب السياسية التي تعلن عن مساهمتها في العملية السياسية, ولكنها في حقيقة الأمر تضمر الشر للعراق الديمقراطي الاتحادي وتريد عراقاً خاضعاً للفكر الشمولي والاستبداد أياً كان ذلك الفكر, سواء أكان بوجهة علمانية بائسة أم دينية مسطحة. إن العراق بحاجة إلى دولة مدنية اتحادية ودستورية ديمقراطية, إلى دولة القانون الديمقراطي القادرة على حفظ الأمن والسلام والاستقرار في البلاد, دولة غير منحازة لهذه الطائفة أو تلك, بل هي دولة الجميع, دولة تعمل على قاعدة "الدين لله والوطن للجميع". إن المؤشرات التي تحت تصرفنا تؤكد بأن قوى الإسلام السياسي بسياساتها الراهنة عاجزة حقاً عن توفير الأوضاع الديمقراطية المناسبة للعراق للسيرعلى طريق البناء الديمقراطي, ولهذا علينا أن نسعى دستورياً وديمقراطيا منع وصولها بمفردها إلى السلطة, بل يفترض أن تشارك معها كل القوى الديمقراطية واللبرالية والعلمانية العراقية, العربية والكردية والتركمانية والكلدو آشورية, لكي تحد من غلواء التوجهات الطائفية التي تتجلى في بعض أبرز قادة الأحزاب الإسلامية السياسية وفي بعض ابرز الجماعات العاملة في هذه الأحزاب وفي بعض ابرز مناهج التعليم لهذه القوى الإسلامية السياسية. إننا أمام محنة كبيرة, ولكن الوقت لم يفت بعد ولم نصل إلى ما نسميه "بعد خراب البصرة", وعلينا أن ندرك بأن العمل الذي قام به الإرهابيون أخيراً لا يستهدف سوى الوحدة الوطنية العراقية, لا يهدف إلا إلى نسف العلاقة التي يفترض أن تتطور بين جميع القوى السياسية العراقية باتجاه اللقاء على القواسم الوطنية المشتركة والمواطنة العراقية.
أملي أن تكون هذه المأساة الجديدة وسقوط ما يقرب من 250 إنساناً في يومين وقتل الصحفيين الذين ينقلون الحدث إلى كل الناس في جميع أرجاء العالم, كما حصل للصحفية الشهيدة أطوار بهجت وزميليها, وما حصل لمئات من العلماء الباحثين والأساتذة الأفاضل الذين حصدهم الموت بشتى الطرق وبأيدي قوى مختلفة, ولكنها كلها إرهابية ومعادية للعراق أياً كانت الهوية التي تتستر بها والجماعة التي تحتمي بها.
إن نداء القوى السياسية العراقية الذي بادر إليه وتلاه السيد رئيس الجمهورية وبموافقتها يؤكد حراجة الموقف من جهة, وضرورة العمل السريع لتحقيق الائتلاف الوطني الواسع وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية المنشودة من جهة أخرى, هو الضمانة الفعلية الراهنة للخلاص من هذه الأجواء القاتمة والمعتمة. إن العراق كله في رقاب جميع الناس الخيرين وعليهم تحمل المسؤولية المشتركة لإيصال البلاد وشعبها إلى شاطئ الأمن والاستقرار والسلام وبدء الشعب بقطف الثمار الطيبة للوحدة الوطنية.

نشر المقال في جريدة الصباح البغدادية