| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الأحد 11/4/ 2010

 

الإرهابيون القتلة يمارسون مهنتهم بنجاح .... فهل فشلنا في المواجهة؟

كاظم حبيب

دماء زكية كثيرة سالت على أرض بغداد الحبيبة, دماء أهلنا, دماء أخواتنا وأخوتنا وأطفالنا, دماء ستبقى وهاجة تذكرنا بالقتلة الذين لا ترويهم هذه الدماء , فهم "دراكولا العراق" الذي ما أن يمتص دماءً حتى يصرخ من جديد هل من مزيد!
لا شك في أن المعركة الجارية قاسية وشرسة وطويلة الأمد, ولا شك في أن القتلة سوف لن يتركوا شعبنا يبني حياته المنشودة, فهم قساة وجبناء ولا يعشقون سوى رؤية الدماء تسيل والخراب يعم البلاد والظلام.
لا شك في أن المعركة الجارية ضد قوى الإرهاب في العراق هي معركة الشعب من أجل ضمان أمنه واستقراره وسلامته, من أجل وقف سيل الدماء والموت والخراب, من أجل البناء والتقدم وتجاوز المحن والآلام التي لا تزال يعاني منها الناس منذ ما يقرب من نصف قرن. ومن هنا تبدو لنا بوضوح أن مهمة إيقاف نزيف الدم كانت وستبقى مهمة الشعب كله, مهمة كل الناس الطيبين والشرفاء والمخلصين لهذا الشعب, فالإرهابيون يقصدون الشعب دون غيره, ويقصدون بشكل خاص كادحي هذا الشعب ومنتجي خيراته والنائمين (نامي) على زبد الوعود ..... تداف في عسل الكلام , كما عبر عن ذلك الجواهري الكبير..
ولكن السؤال العادل والمشروع الذي يفترض طرحه هو:
** هل هذه المعركة هي معركة كل القوى السياسية العراقية أم أن هناك من بينها من يجد في نشاط قوى الإرهاب عاملاً مفيداً له, إذ يدفع بالأمور باتجاه تحقيق مكاسب معينة له؟ هذا السؤال لا يهدف التشكيك بأحد, بل يسمح بدوره على طرح أسئلة أخرى تستوجب التحري والتدقيق, منها مثلاً:
** هل هناك من يمارس العملية السياسية, ولكنه يمارس في الوقت نفسه الإرهاب أو يدعمه؟
** وهل هناك تحالفات سياسية جديدة بين قوى في الداخل وقوى وحكومات دول الجوار ترعى هذه العمليات الإرهابية أو تنشطها؟
** وهل أن أجهزة الأمن العراقية مخترقة بقوى متنوعة تسمح بوقوع مثل هذه العمليات الإرهابية؟ وأن هذا الاختراق الذي تم في عهد الدكتور أياد علاوي والدكتور إبراهيم الجعفري على نحو خاص لا زال مستمراً بصيغ وقوى متنوعة؟
** وهل أن قوى الحكومة وأجهزتها المختلفة وقعت في فخ الغرور والقناعة المزيفة بعجز قوى الإرهاب عن تحقيق ما تريد, وأنها قد وجهت لها ضربات قاضية لا تنهض منها؟
** وهل هناك من كان ولا يزال يريد إبراز نوري المالكي وكأنه فشل في تحقيق المهمة المركزية التي تواجه المجتمع والدولة في العراق, مهمة التصدي للإرهاب؟
** وهل كل العمليات الإرهابية خلال الأسبوع الدامي هي من صنع القاعدة وحلفائها الأوباش, أم أن هناك من هم بيننا يمارسون ذلك لأهداف لا يخطئ العراقيون ولا العراقيات من تشخيصها؟
** وهل هناك عناصر تحتل مواقع مهمة في أجهزة الدولة ولدى المسؤولين ولكنهم لا يملكون الكفاءة والشفافية والصراحة لممارسة مهماتهم ومساعدة كبار المسؤولين في إنجاز أعمالهم ومنها مكافحة الإرهاب؟
أسئلة كثيرة لا يمكن تجاوزها ولا يمكن نفيها, ويمكن أن يكون في كل منها شيء من الحقيقة أو أكثر, وليس فينا من يحق لها أن ينفي أو يبرهن عليها دون أن يكون هناك تحقيقاتً جديةً وشفافة للوصول إلى معرفة القتلة ومن يقف خلفهم.
ندرك تماماً بأن أمامنا وبصورة مباشرة أعداء هم القاعدة والبعث من أتباع الدوري وبعض القوى القومية العربية اليمنية المتطرفة والإسلامية السياسية الطائفية المتطرفة التي لا تتنكر لذلك بل تعلن مواقفها صراحة والتي تسعى الآن لتشكيل تحالف واسع والتقى بعضها قبل ذاك في خيمة القذافي وقبل عقد مؤتمر القمة العربي! ولكن علينا أن ننتبه إلى من هو من غير هؤلاء أيضاً. فالعراق الضعيف والهش والمتشرذم والمتصارع بل والمتنازع يطمع فيه الكثير من أبنائه ومن غير أبنائه من دول الجوار. والأموال تتساقط عليهم من سموات عديدة.
نحن لسنا أمام أسرار أو طلاسم لا يمكن فكُّها, بل نحن بحاجة إلى مزيد من الجدية والهدوء والتفكير العميق بما يجري في العراق والتحري الدقيق عن نواقصنا والثغرات التي يلج منها الأعداء, فهم موجودون لإلحاق الأذى بالشعب, ونحن موجودون لإبعاد الأذى عن الشعب وقطع دابر الأعداء. علينا أن نضع أيدينا على جروحنا ونعالجها, وأن نصد من يرمي الملح على جراحنا ليواصل الألم والنزف والتقيح.

الواقع القائم في العراق يؤشر إلى عدة عوامل تضافرت لتسمح بوقوع تلك العمليات, وهي:
1. أن قوى الإرهاب تمارس مهمتها بدأب شديد وهي موجودة لهذا الغرض , كما أنها قادرة على إنزال ضربات قاسية بشعبنا, والضربات الأخيرة لن تكون الأخيرة في هذا المسلسل الدموي وهي الدليل على وجود تنظيم وتنسيق وتعاون بارز بين كل قوى الأعداء.
2. وأن قوى الإرهاب ليست من فصيل واحد, بل هي عديدة ومتعاونة في ما بينها ومتضامنة في العواقب التي تترتب عنها وأن اختلفت في الأهداف النهائية.
3. وأن قوى الإرهاب لها من يسندها في الوسط العراقي ويساهم في حمايتها ويمنحها غطاءً ساتراً لعملياتها الإرهابية. وبمعنى أخر هناك أيضاً من يعمل في السياسة نهاراً وينظم ويشرف ويوجه عصاباته الدموية ليلاً لتنفذها في وضح النهار لتعميق التحدي للسلطة وأجهزتها المخترقة.
4. وأن الأوضاع السياسية والأمنية الهشة في العراق تمنح الإرهابيين فرصة ذهبية لممارسة عملياتها الإجرامية وقتل من لا حماية له ولا يسكن وراء الجدران الكونكريتية.
5. وأن هناك من يدعي الحرب ضد الاحتلال ويدرك بأن الاحتلال خارج لا محالة, ولكنه يستفيد من وجوده في العملية السياسية لتعبئة كل القوى المعادية لتطور العراق وتقدمه وزجها لا في العملية السياسية فحسب, بل وفي النشاط الإرهابي المدمر مستفيداً من الوعي المشوه والمزيف الذي يتلمسه المتتبع في واقع العراق حالياً.
6. وأن الأوضاع المعيشية الصعبة والبطالة الواسعة والفقر المنتشر وتفاقم الفجوة بين مدخولات المسؤولين في العراق وبين الفئات الاجتماعية الفقيرة, إضافة إلى انتشار واسع النطاق للفساد المالي والوظيفي كلها عوامل تحرث الأرض وتوفر بعض أهم مستلزمات النجاح في نشاط قوى الإرهاب لكسب المؤيدين لها ولعملياتها الإجرامية.
7. وأن المنافسة غير الديمقراطية والشرسة أحياناً والتهديدات بعدم السكوت والهدوء والاتهامات المستمرة بين بعض أطراف القوى السياسية الفائزة في الانتخابات تخلق أجواء مناسبة لنجاح الإرهابيين في الوصول إلى ما يريدون.
8. وجود فراغ سياسي فعلي بسبب الحوارات البطيئة المقترنة بتراجع ملموس في نشاط أجهزة الأمن والشرطة والجيش, دعْ عنك الولاء السياسي البارز لعدد من المسؤولين في تلك الأجهزة والذي يرتبط بدوره باستمرار الطائفية السياسية في تفكير الكثير من عناصر تلك الأجهزة والمسؤولين عنهم.
9. كما أن تشديد الصراع مع قوى الصحوة, التي كفت عن أن تكون مع قوى القاعدة بل حاربتها, في فترة ما قبل الانتخابات وما بعدها, قد ساعد ويساعد على توفير أجواء عدم الارتياح التي يمكن أن تسبق التحول إلى مواقع لا تخدم العملية السياسية في العراق.

نحن أمام أجواء غير نقية تستوجب جهوداً حثيثة لتنقيتها والسير بها إلى أمام. لا شك في وجود إدراك بالمحنة الراهنة والأزمة العصية على الحل نسبياً. ولكن هل يمكن للدماء الزكية التي سالت في الأسبوع الدامي من شهر نيسان/أبريل 2010 أن تقنع الكثير من القوى الفائزة وغير الفائزة بأهمية إيجاد حل سريع للفراغ السياسي الراهن.
يبدو لي أن اختيار شخصية سياسية مستقلة عن جميع تلك القوى والأحزاب ويحظى بالاحترام ويمتلك الآهلية الإدارية لقيادة الحكومة الجديدة بعيداً عن الأسماء الواردة في قائمة الاستفتاء التي طرحها الصدريون هو أمر بعيد المنال وحلم لا يطال ولكنه الأفضل, بسبب الصراع المتفاقم بين من يريد هذا المركز ويرفض الآخر, إذ أنه الحل الأمثل لحالة العراق الراهنة.
أن على من يتسلم مسؤولية الحكومة أن يتعهد أمام الشعب ومجلس النواب بالالتزام بقواعد وشروط إضافة لما في الدستور لإدارة دفة البلاد, وحين النكوص عنها أو النكوث بها يعزل من رئاسة الوزراء ويجري اختيار غيره عبر مجلس النواب والاتفاق السياسي بشأنه.
من أجل وقف نزيف الدم, من أجل السير في بناء العراق, من أجل عودة الحياة الطبيعية لا بد من الإسراع بمعالجة تشكيل الحكومة العراقية وفق أسس واضحة وملزمة. ومن يتأخر في ذلك سيعاقبه التاريخ, ولكن الشعب سيتحمل عواقب ذلك.


11/4/2010



 

free web counter