| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

 

الخميس 11/10/ 2007

 

 


وداعاً أيتها المناضلة الفاضلة الدكتورة نزيهة الدليمي!

كاظم حبيب

غادرتنا صباح هذا اليوم (9/10/2007) الأخت الفاضلة والعزيزة ورفيقة النضال الطويل في سبيل حرية الشعب واستقلال وسيادة العراق وفي سبيل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية , والمدافعة الأمينة والصارمة عن حقوق المرأة ورائدة هذا النضال الدكتورة نزيهة الدليمي بعد إصابتها ومعاناتها من عدة أمراض منهكة تحملتها بصبر , وعن عمر بلغ 84 عاماً. كانت أوضاع العراق خلال سنوات ما بعد سقوط النظام ثقيلة عليها بسبب القتل المجنون والمتواصل للناس الأبرياء , بسبب الإرهاب الدموي والصراعات الطائفية التي لم تعرفها ولم تقبل بها ولم تجدها يوماً في نفوس الناس البسطاء والطيبين من بنات وأبناء الشعب العراقي , فكلهم عندها سواسية , فهن مواطنات وهم مواطنون لا غير , فعندها ساد المبدأ الأساسي للدولة العلمانية الديمقراطية الحديثة وللإنسان الحر والحكم العقلاني : " الدين لله والوطن للجميع".
حين يعود الإنسان بذاكرته إلى أيام النضال الصعبة في العراق في ظل نظم سياسية وحكومات كثيرة ابتداءً من الحكم الملكي ومروراً بفترة الجمهورية الأولى ثم الجمهوريات القومية المستبدة والدكتاتورية والمشوهة , يتذكر وجه الدكتورة وصوتها وحسها الحاد لقضايا الشعب والمرأة ودورها في التعبئة لصالح قضايا النساء , سواء عبر مهنتها كطبيبة تستقبل بسطاء وفقراء الناس في عيادتها في كربلاء أم في السليمانية أو أثناء عملها فيما بعد في بغداد ابتداءً من النصف الثاني من سنوات العقد الخامس من القرن العشرين وفي أعقاب وثبة كانون الثاني 1948 , أم وهي ترتدي عباءتها الشعبية لتتنقل في شوارع وأزقة بغداد وتعمل في المنظمات الحزبية للحزب الشيوعي العراقي أو تعمل في إطار تنظيمات رابطة المرأة من أجل تعبئة النسوة للنضال في سبيل حقوقهن في المناطق الشعبية من بغداد.
التقيتها مباشرة ولأول مرة في برلين , بعد أن عرفت عيادتها ورأيتها في كربلاء قبل ذاك وأنا صبي صغير , حين جاءت بزيارة لاتحاد النساء الديمقراطي العالمي مع الدكتورة روز خدوري , حيث كانت رئيسة لرابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية في حين كانت خدوري عضو الهيئة القيادية للرابطة , وكنت في حينها رئيساً لجمعية الطلبة العراقيين في ألمانيا الديمقراطية , فاستقبلتها مع بقية الطلبة بحرارة ونظمنا لها برنامجاً وجولة جميلة قضينا أياماً حلوة معهما ومع طموحاتهما من أجل غدٍ أفضل للعراق وللمرأة العراقية خصوصاً والمرأة في العالم عموماً. ثم عملنا معاً فيما بعد في العراق وفي فترة حكم الأخوين عبد السلام وعبد الرحمن عارف في السرية , وكذلك في فترة مجيء البعث إلى السلطة ثانية. ثم التقينا وعملنا سوية ولفترات مختلفة في براغ ودمشق وفي مجالات عدة , سواء في مجالات العمل الديمقراطي أم العمل السياسي والحزبي.
كانت الدكتورة المناضلة جادة وجدية في عملها وفي المهمات التي كانت تأخذ على عاتقها إنجازها. تحاورنا وتناقشنا واتفقنا واختلفنا وتصارعنا , ولكن حافظنا باستمرار على علاقة اجتماعية وإنسانية مليئة بالود والاحترام المتبادل والتقدير لنضالها ودورها في الحركة الوطنية العراقية وفي الحركة النسوية ورغبتها في رؤية المرأة حرة مستقلة تتمتع بكامل حقوقها المتساوية مع أبيها وأخيها وزوجها وابنها وزميلها ورفيقها الرجل.
لقد كانت الدكتورة الراحلة نشطة في القراءة والكتابة , سجلت مذكراتها في أكثر من مئتي صفحة , ولكنها لم تنشرها حتى الآن , أمتلك نسخة مصورة منها , في حين توجد النسخة الأصلية ضمن أوراقها لدى عائلة أخيها الراحل واثق الدليمي.
لقد فقدت أحبة لها , أخوتها الواحد تلو الآخر , وهم اصغر منها سناً , وكانت بمثابة ضربات وهزات إنسانية متلاحقة وكبيرة لها , كانت تريد العودة إلى العراق وإلى إقليم كُردستان حيث عملت في سنوات مهنتها الأولى وتعلقها بالشعب الكردي حيث وقفت إلى جانب نضاله في سبيل قضيته العادلة وطموحه في تقرير مصيره. ولكننا لم نوفق ولم توفق بسبب تدهور وضعها الصحي من جهة , وتدهور الوضع السياسي في العراق عموماً وصعوبة نقلها على العراق في فترة مرضها المتفاقم من جهة أخرى.
غادرتنا المناضلة المقدامة بعيداً عن وطنها الحبيب وفي الغربة التي كانت تعذبها كثيرا, إذ أنها كانت تعرف العمل في صفوف الناس ومع البسطاء والفقراء من الناس توصل لهم صوتها المميز في الدفاع عن هؤلاء الناس. لقد حلمت المناضلة بمجتمع تسوده الحرية والديمقراطية والاشتراكية , وهي أحلام وآمال الفقراء والطيبين من الناس في سائر أنحاء العالم , لأنهم يعانون من غياب الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية , وخاصة في بلداننا النامية , ومنها العراق , وبسبب فقدان المرأة لحقوقها المشروعة والعيش في مجتمع ذكوري متخشب.
غادرتنا الدكتورة نزيهة ولم تفقد طموحها وآمالها الكبيرة وحافظت على حبها للحياة في أصعب أوقات مرضها وشيخوختها.
لتبقى ذكراها الطيبة تعيش معنا ومع النساء العراقيات والمجتمع العراقي الذي عرف أهمية دورها الرائد في فترة النضال الصعبة في سبيل حقوق المرأة وحقوق الإنسان بشكل عام.
أصدق مشاعر الحزن والمواساة لعائلة الأخت الراحلة ولجميع رفاقها ومعارفها ومحبيها من الناس البسطاء والطيبين في العراق.


9/10/2007
نشر التوديع في جريدة المدى 11/10/2007