| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

khabib@t-online.de

 

 

 

 

السبت 11 /11/ 2006

 



أقتلوني ومالك!


كاظم حبيب

تؤكد الأحداث السياسية الجارية في العراق, إضافة إلى اللقاءات الصحفية والأحاديث والخطب والندوات السياسية لقادة الأحزاب السياسية الإسلامية وميليشياتها المسلحة, العلنية منها والسرية, الشيعية منها والسنية, إلى أن هؤلاء جميعاً يسيرون على قاعدة مهلكة مليئة بالحقد والكراهية وعدم الاستعداد للاعتراف بالآخر والتفاهم والتسامح حتى الآن, بل أنها تزيد يومياً من سقف شروطها ومطالبها ومشاريعها الطائفية وعملياتها العسكرية, ومن عدد القتلى المجندلين والجرحى المعوقين المرميين في الشوارع, سواء الذين يقتلون في السجون ثم يرمون على قارعة الطريق, أم أولئك الذين يتم اصطيادهم من الشوارع ثم يعذبون ويقتلون أو يصابون بالشلل ثم يموتون ثم يرمون بجثثهم في شوارع بغداد وأزقتها أو في نهر دجلة, قاعدة تستند إلى المثل المعروف عربياً والقائل: "أقتلوني ومالك", نعم أقتلوني ولكن عليكم أن تقتلوا مالك أيضاً.
لسنا نريد بهذا المثل أن نتحدث عن قوى الإرهاب التكفيرية المنظمة والقادمة من وراء الحدود والمتشابكة مع قوى تكفيرية داخلية تابعة لها, قوى القاعدة وأيمن الظاهري وأبو حمزة, وأبو عمر البغدادي ومن لف فلهم من إرهابيين ومفسدين في الأرض ومجرمين قتلة, إضافة إلى ممارسات قوى البعث الصدامية التي تقوم بقتل أفراد الجيش والشرطة بحجة مشاركتهم ودعمهم لقوى الاحتلال وكذلك ممارسة عمليات الاغتيال الدنيئة لخيرة مثقفي, من مفكرين وأدباء وفنانين وعلماء ومتخصصين والكثير من أبناء وبنات الشعب العراقي التي يراد بها دفع الناس إلى الهجرة وترك العراق, بل أن هذا المقال يركز على الأحزاب السياسية الإسلامية المشاركة في الحكم أو خارجه أو المعترضة عليه والتي لها كلها مليشيات مسلحة معلن عنها وتمارس عملياتها الإرهابية, أو تمارس عملياتها دون ضجة إعلامية ولكنها تؤكد حقها في "المقاومة المسلحة وبكل أنواعها".
جميع هذه القوى الإسلامية السياسية تدرك عدداً من الحقائق الأساسية التي لا تريد الاعتراف بها وتركب رأسها وتعيش العزة بالإثم وهو أمر جلل. فكل هذه القوى تعرف حقاً ما يلي:
أن بعضها لا يمكنه إلغاء البعض الآخر أو استئصاله من العراق مهما كانت عمليات القتل الإجرامية المتبادلة ومهما كان التهجير القسري من المناطق, بما فيها تلك العمليات الإجرامية الموجهة ضد أتباع الأديان الأخرى.
يعش في العراق الراهن, بقسميه الكردستاني والعربي, الكرد والعرب والتركمان والكلد أشور, السنة والشيعة والمسيحيين والصابئة المندائيين والأيزيديين والكاكائيين والشبكيين, وأصحاب الأفكار والآراء السياسية المختلفة, جنباً إلى جانب ولا يمكن إخلاء العراق من أي منهم, بل هم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات والمسؤولية المشتركة عن حياة وحرية الفرد والمجتمع.
أن العراق لا يراد له التقسيم, وإذا كانت فيدرالية كردستان حقيقة ثابتة, فأن فيدرالية الجنوب وهم وإساءة كبيرة لا يمكن ولا يجوز مرورها وفق الأسس الطائفية المرسومة, بل لا بد من إقناع الآخرين بعدم صوابها وجدواها وفق آليات ومفاوضات سلمية وديمقراطية والعمل من أجل وجود فيدراليتين في العراق لا غير.
وأن العراق لا يمكن أن يحكم من قبل فئة أو حزب أو جهة أو شخص واحد, بل لا بد من إيجاد لغة مشتركة وبرنامج مشترك لبناء العراق على أسس ديمقراطية بعيدة عن الاستئثار والانفراد بالسلطة أو الفرض الهيمني بحجة الأكثرية وإهمال رأي الأقلية. والعراق بحاجة إلى مسؤولية مشتركة بعيداً عن الطائفية السياسية والمذهبية المتعصبة أو القومية الشوفينية أو ضيق الأفق القومي.
وأن القوات الأجنبية, التي تسببت سياسات صدام حسين أساساً والاستراتيجية الأمريكية المعروفة لنا جميعاً بوجودها, سوف ترحل لا محالة, ولكن رحيلها السريع سيقود في ظل نهج "أقتلوني ومالك" ونشاط قوى الإرهاب الصدامية إلى حرب أهلية وحرب تحرق اليابس والأخضر وتدمر ما تبقى من بنية تحتية والكثير الكثير من البشر.
وهي تدرك أن إطالة عمر الإرهاب في العراق سيطيل لا محالة وجود القوات الأجنبية حتى بعد الفوز الحزب الديمقراطي بالأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ, والعكس هو الذي يعجل برحيلها.
وهي تدرك تماماً بأنها مستهدفة من قبل القوات التكفيرية التي لا تقبل بأي مذهب إسلامي إلا مذهبها, ولا بأي دين إلا دينها, ولا بأي فكر أو عقيدة إلا فكرها وعقيدتها, ولا بأي شريعة إلا شريعتها الجاهلة. فهي قوى معادية للكل وشمولية ولا تعرف الاعتراف بالآخر أو التسامح معه, إنها قوى عاتية ومجرمة وقاتلة, ويخطئ من يظن غير ذلك. إن المقصودين بالقتل, إضافة إلى أتباع جميع المذاهب والأديان إلا مذهبهم, هم القوميون العلمانيون والاشتراكيون والشيوعيون والمستقلون والعلمانيون والمدنيون من النساء والرجال أو حتى من هم في بطون النساء من هؤلاء, وكذلك جمهرة من البعثيين الذين لم تتلطخ أيديهم بدماء الناس الأبرياء في فترة حكم صدام حسين. هذه الحقيقة يفترض أن يعرفها كل مسلم ومسيحي وصابئي مندائي وكاكائي وشبكي وأيزيدي, ويفترض أن يعرفها كل شيعي, سواء أكان اثنا عشرياً أم خماسياً أم سداسياً أم غير ذلك, وكل سني, سواء أكان حنفياً أم شافعياً أم مالكياً أم حنبلياً على غير مذهب القاعدة ذات الأصل الحنبلي, كما يفترض أن يعرفها أصحاب الأفكار والعقائد والاتجاهات الأخرى أيضاً, ويفترض أن يعرفها أيضاً أتباع القوميات المختلفة والعديدة في العراق, وبكلمة مختصرة يفترض أن يعرفها كل إنسان عاقل في العراق.
إن هذه الحقائق التي يعرفها الجميع كان يفترض بها أن تقنع الجميع بالتخلي عن كل ما شأنه أن يزيد التباعد والتطاحن بينهم وأن يدفع بالصراع والنزاع إلى فئات المجتمع غير المسَّيسة أو العاملة في الأحزاب السياسية الإسلامية الشيعية والسنية والتي يمكن أن تقود إلى مجازر أبشع وأكثر رعباً عما جرى ويجري الآن.
وفي ضوء هذه الحقائق أيضاً يفترض أن نفتش عن نقاط الالتقاء بين الجميع, وهي مسألة ممكنة, كما يفترض أن ندفع بالقضايا الخلافية إلى مرحلة لاحقة إلى أن تمم عملية تنقية الأجواء من الإرهابيين القتلة ومن قاعدة "أقتلوني ومالك!" واستعادة الثقة المنشودة بين الغالبية العظمى من القوى السياسية.
إن الصراعات الطائفية السياسية الدائرة في العراق اليوم هي التي تشجع القوى التكفيرية البائسة والمكروهة من المجتمع على التصريح العلني بإقامة دولة إسلامية في العراق وإعلان اسم شخصية نكرة جديدة يدعى أبو عمر البغدادي, باعتباره أميراً للمؤمنين على العراق, وأنهم قد وضعوا تحت تصرفه 12 ألف مقاتل ليقيم بها دولة "الإسلام!" في العراق, دولة البغي والعدوان لا غير.
والغريب أن المؤسسات الدينية, ومعهم كثرة كاثرة من رجال الدين, أصبحت لا تحدث عن ذلك, بل تساهم في صب المزيد من الزيت على النيران الطائفية المشتعلة بين المليشيات المسلحة وظهيرها المتمثل بالأحزاب السياسية الإسلامية السنية والشيعية دون استثناء وضحيتها هم الناس الأبرياء من العراقيات والعراقيين, ومن الأطفال والشيوخ.
إن التهديد بالانسحاب من الحكومة وحمل السلاح ما لم تلب مطالب جهة معينة, ورفض بعض المطالب الممكنة من جهة أخرى لن يقود إلى الحوار والمصالحة بين الغالبية العظمى من القوى السياسية الفاعلة في الساحة العراقية, بل هي مساهمة في تعقيد اللوحة الراهنة.
وعلينا أن ندرك بأن هناك الكثير من القوى الدولية والقوى الإقليمية والجيران وبعض القوى في الداخل التي تشعر بالسعادة التامة لما يجري في العراق, كما أن تجارب الحروب وتجار السلاح في ابسوق الدولية والسوق السوداء الموازية في العالم, سعداء لما يجري في العراق, وكذا حال حفاري القبور الذين أصبحت بضاعتهم رائجة بحكم القتل اليومي للناس الأبرياء.
إن المياه الآسنة في مستنقع العراق الراهن يفترض أن تتحرك, أن يفتح على هذا المستنقع مصبات جديدة للمياه تغير من عفونة المياه الراكدة الراهنة, ولا يمكن أن يتحقق ذلك ما لم نعترف بوجود المستنقع, وما لم نعترف بضرورة تغييره, وما لم نعترف بالحقائق المذكورة سابقاً وما لم نملك الإرادة الفعلية والصادقة لتحقيق الوحدة الوطنية. إن قدرنا جميعاً أن نعيش في هذا الوطن المستباح بالدكتاتوريات السابقة والعنف وبجماعة غير قليلة من السياسيين وبعدد غير قليل من الأحزاب السياسية الشمولية التي تريد الانفراد بالحكم أو بالقرار السياسي أو بالفكر الذي يهيمن على البلاد, سواء أكان ديناً أم فكراً شوفينياً وعلمانياً مستبدا.
ومن الصعب أن نطالب الشعب بالتغيير ما لم تغير الأحزاب السياسية ورجال السياسة والدين وجهتهم وبرامجهم ونوازعهم الذاتية ورغبتهم بالهيمنة وأساليب عملهم غير الديمقراطية. وإلى هذا التغيير ندعو لكي يمكن البدء ببناء عراق جديد يضم الجميع دون استثناء ويحقق للجميع الاستقلال والسلام والديمقراطية والرفاهية والسعادة والعلاقات الطيبة مع الجيران والعالم.