| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

                                                                                     الجمعة 11/2/ 2011

 

تجربة مصر الثورية ... هل تقدم دروساً غنية للشبيبة العراقية؟

كاظم حبيب

عانى الشعب المصري الأمرين على أيدي النخبة المصرية الحاكمة تجلت في البطالة الواسعة والفقر العام ونقص الخدمات العامة والاجتماعية واتساع الفجوة الدخلية بين الأغنياء المتخمين والفقراء من ذوي البطون الخاوية وأزمة السكن المتفاقمة وعجز الشبيبة عن الزواج بسبب البطالة والفقر والسكن غير المتوفر وبطالة متسعة بين خريجي الكليات وانتشار الفساد المالي على نطاق واسع ونهب موارد البلاد, والهجرة الواسعة للتحري عن عمل في دول أخرى, إضافة إلى الفساد الإداري. كما عانى الشعب وخاصة الشبيبة من غياب الحريات الديمقراطية والحياة الدستورية النزيهة, فتزوير الانتخابات ومطاردة المرشحين من غير أعضاء الحزب الحاكم أو منع الترشيح لرئاسة الجمهورية واعتقال المعارضين وزجهم في المعتقلات والسجون وتعريضهم للتعذيب الوحشي... وتفاقم الحملات المضادة للقوى المدنية من قبل قوى الإسلام السياسية المتطرفة وتأجيج الصراعات الدينية والاعتداء المتواصل على أتباع الديانة المسيحية القبطية كلها مظاهر سلبية حادة جعلت الشباب لا يستطيع تحمل هذه الحياة القاسية والمريرة, فانفجر بعيداً عن دور الأحزاب ومساوماتها بطرق مختلفة, فكانت انتفاضته الرائعة والمستمرة منذ الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير 2011 التي لم تهز مصر وحدها, بل الشرق الأوسط كله وستكون لها تداعيات أخرى في هذه الدول وفي غيره من دول الشرق الأوسط. إنها انتفاضة الوعي الجديد للشبيبة المقدامة والشعب المعذب.

إن الطريقة التي تفجرت المظاهرات تؤكد ثلاث مسائل مهمة:
1. ثقة المنتفضين بعدالة قضيتهم وأن الشعب المصري في غالبيته معهم ويساندهم,
2. قدرتهم على المواصلة وجلب المزيد من الناس للمشاركة معهم والتي تجلت في المظاهرات المليونية التي عمت البلاد, وخاصة القاهرة.
3. رفضهم المساومة على حساب الشعب وقضيته العادلة والخلاص من النظام غير الديمقراطي والفاسد الذي ساد في مصر طويلاً.

إن الإنتفاضة وسيلة المتظاهرين وهدفهم كنس النظام المصري الراهن ورأسه محمد حسني مبارك وزمرته, وإقامة نظام ديمقراطي دستوري حر ونزيه على انقاضه يعي ويستجيب لإرادة الشعب ويعمل من اجل تغيير الأوضاع كلها في واحد من أكبر الدول وأكثرها نفوساً في الشرق الأوسط.

إن مناورات النظام وتذرعه بالدستور لا يمكنا أن تخفي محاولته الالتفاف على الانتفاضة والمنتفضين, إذ إن الجميع يعرف بإن عصابة النظام هي أول من اغتصب الدستور وزور الانتخابات وشوه الحياة النيابية وضحك على ذقون الشعب والدستور في آن واحد.

لقد سقطت في يد النظام مناورته الأخيرى حين خطب مبارك وأعقبه سليمان الذي لم يختلف عن سيده, بل هو الذي كلف بممارسة المناورة, ولكنه فقد مصداقيته حين هدد وأصر على استمرار سيده العجوز في الحكم واتهم, كسيده, بتدخل الخارج في شؤون مصر, في حين أنه يدرك جيداً بأن المنتفضين لا يتعاملون مع الخارج, بل هي إرادتهم الحرة وحدها التي حركتهم وجعلتهم يقدمون 300 شهيد حتى الآن والكثير من الجرحى والمختطفين والمغيبين إلى الآن.

هذه الانتفاضة تقدم الدروس الغالية لكل شعوب منطقة الشرق الأوسط بقدرتها على تعبئة الناس وبالطريقة السلمية التي تعاملت مع المشكلة والصبر الطويل في مواجهة الحكم ولكن بإصرار رائع على الهدف المركزي . الخلاص من النظام ورحيل راس النظام وإقامة النظام الديمقراطي الحر.

والشعب في العراق عاني الأمرين من النظام البعثي الدكتاتورالصدامي وواجه جميع اشكال التعسف التي عرفها قاموس الحكام المستبدون في الأرض. وحين أُسقط من الخارج كان الشعب ينتظر حلولاً لمشكلاته, وإذا به يخضع للاحتلال ولنظام طائفي مقيت بدلاً من إقامة نظام ديمقراطي حر يسعى لبناء المجتمع المدني الديمقراطي ويغير أوضاع الشعب المأساوية التي تسببت بها سياسات النظام السابق وحروبه الداخلية والخارجية وإرهابه الدموي ضد الجميع.

واليوم يواجه الشعب الأمرين تحت وطأة البطالة المنتشرة والفقر الشديد الذي يصل إلى نسبة عالية جداً من السكان, ويعاني من أزمة السكن والكهرباء والماء والعناية الصحية وتراكم النفايات وتدهور الوضع البيئي المصحوب بأمراض كثيرة, إضافة إلى الفساد السائد كنظام مطبق في كافة أجهزة الدولة والسلطات الثلاث بصيغ مختلفة, إضافة إلى الهيمنة الحزبية الكاملة على الحكم وإبعاد كل المستقلين عن أجهزة الدولة, وفساد الإدراة المليئة بالبطالة المقنعة. المركزية والاستبداد بدءا يهيمنان على وضع البلاد, إضافة إلى استمرار االعمليات الإرهابية للقوى المتطرفة اليومية من مختلف الأصناف وليس قوى تنظيم القاعدة وحدها.

إن الوضع في العراق لم يعد يحتمل, وبالتالي فالشعب العراقي يستطيع أن يقدم تجربته الخاصة في الانتفاض السلمي على الوضع الراهن, يستلهم الدروس من تجربتي تونس ومصر, ولكن يقدم لنا تجربة جديدة تضاف إلى تجربتي هذين الشعبين, كما تضاف إلى تجارب وثبات وانتفاضات وهبات الشعب العراقي في العقود الماضية.

إن الشعب العراقي بحاجة إلى تلقين أغلب حكام العراق وسياسييه بأنه لا يستطيع ان يهضم سياسات طائفية مقيتة وحكم مركزي واستبدادي يتفاقم وهيمنة الفساد في كافة مفاصل النظام وأجزائه, ولا يمكن أن يحتمل البطالة والفقر والعذاب, لا يحتمل وجود نظام طائفي, سواء أكان شيعياً أم سنياً, فهو يسعى إلى إقامة نطام ديمقراطي حر وحياة ديمقراطية ومجتمع مدني ديمقراطي حر. إن محاولات السير على طريق فرض الشريعة الشيعية أو السنية على الشعب العراقي المتعدد القوميات والأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية والعقائد والجنس (ذكور وأناث) لا يمكن أن يمر وسوف يقاوم بكل ما يملك الشعب من قوة, إنه يريد النظام الذي يفصل بين الدين والدولة ويفصل بين حقوق المواطنة والدين او المذهب الذي يتبناه الإنسان طوعاً لا قسراً أو الجنس. فمن حق المواطن أن يؤمن بالدين او المذهب أو الفكر الذي يراه مناسباً له, والإنسان يولد ذكراً أو أنثى دون إرادته, ولكن الكل يشتركون في المواطنة الحرة والمتساوية, الكل يتمتعون بالجنسية العراقية, ويرفضون أي تمييز بينهم على أي من تلك الأمور.

الشبيبة العراقية, نساء ورجالاً, تعيد ترتيب أوراقها وستنهض بأعباء التغيير لصالح إقامة نظام ديمقراطي حر, وستجد هذه الشبيبة إن الشعب, الذي يراد له ان يكون طائفياً مقيتاً, لا يؤيد الطائفية بل يمقتها, وسيركض وراء الشبيبة بسرعة فائقة ليتخلص من الواقع البائس الراهن الذي يعيش فيه.

لنشد على أيدي الشبيبة التي ترفض المساومة وتسعى لأخذ المهمة على عاتقها وتستعين ببقية القوى والأحزاب والشخصيات الديمقراطية التي لا تقف ضد طموحاته بل تساندها وتسعى إليها وتشارك معها.

لنستعد جميعاً ونكون على موعد مع هذه الشبيبة الذي حددته لنا فنحن معها على الطريق السليم لبناء عراق جديد خال من الشوفينية وضيق الأفق القومي والطائفية والتمييز ضد اتباع الديانات والمذاهب الدينية والاتجاهات الفكرية الديمقراطية, ورفض التمييز ضد المرأة وممارسة العنف الذكوري والحكومي ضدها, لنكون على موعد في الخامس والعشرين من شهر فبراير/ شباط 2011 في ساحة التحرير وهي الساحة الشقيقة لميدان التحرير في مصر, ولتكن التظاهرة السلمية خير بداية لتعبئة الشعب, كل الشعب من أجل حقوقه المشروعة والعادلة.

 

11/2/2011

 

 

free web counter