| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

                                                                                  الأحد 11/9/ 2011


 

برلين تعمل على بناء جسور الحوار والتفاعل بين الثقافات

كاظم حبيب 

المهمات الجديدة للبرنامج العربي للدويتشه فيله

نشرت مجلة الشؤون الخارجية في صيف عام 1993 مقالاً بعنوان "الصدام بين الحضارات؟" للكاتب والأستاذ الجامعي صموئيل هنتنكتون, ثم اعقبها بكتاب تحت عنوان "صدام الحضارات صدر في العام 1996 وترجم إلى العديد من اللغات, ومنها العربية والألمانية والفرنسية ..الخ. ثم قام بجولة تبشيرية لنظريته في الكثير من الدول الأوروبية ومنها ألمانيا حيث ألقى في برلين العاصمة وفي قصر الثقافات العالمية محاضرة بذات العنوان, اختلف واتفق معه الكثير من الحضور. ولكن نظريته هذه وجدت صدى واسعاً في الأوساط الأوروبية, وخاصة القوى والجماعات اليمينية والنازية الجديدة والمتعصبة دينياً وقومياً. وكانت لها عواقب غير طيبة على الصعيد الأوروبي وإزاء الأجانب بشكل خاص. وقد ركز في نظريته على الصراع والنزاع بين الحضارات الشرقية ( ويعني بها الإسلامية والصينية والهندية ...) والحضارة الغربية, ولكنه أكد بشكل خاص على الصراع بين الحضارة والثقافة الإسلامية والحضارة والثقافة الغربية المسيحية. وتضمنت هذه المحاولة إبعاد الرؤية عن الصراع السياسي الاقتصادي الحقيقي والفعلي القائم في العالم باتجاه التشديد على الصراعات الدينية والمذهبية في كل دولة وفي الأقاليم وعلى الصعيد العالمي. وكانت كتابات وأبحاث ومحاضرات هنتنكتون تروج بشكل واسع لهذه النظرية وتساهم في توسيع الكراهية بين أتباع الديانات والمذاهب بدلاً من دفعها للحوار والتفاعل والتلاقح بين الثقافات على الأصعدة المختلفة. وقد جنى العالم الكثير من الكوارث نتيجة لترويج مثل هذه النظريات, التي استفاد منها الإسلاميون السياسيون المتطرفون ليؤكدوا الكراهية على الكراهية والدعوة ضد المسيحيين واتهامهم بالكفر والعداء للإسلام والمسلمين !!  

ثم جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2011 الإجرامية التي نفذتها تنظيمات القاعدة الإسلامية السياسية الإرهابية في محاولة منها لتأكيد وجود صراع الثقافات والحضارات والأديان. وكانت فاتحة لمزيد من الكوارث على الصعيد الإقليمي والعالمي, وبشكل خاص نشوب حربين الأولى في أفغانستان والثانية في العراق راح ضحيتهما وضحايا العمليات الإرهابية مئات ألوف القتلى والجرحى والمعوقين, إضافة على المزيد من الخسائر المالية والحضارية, كما أصيب الاقتصاد العالمي بمزيد من المشكلات وتعرض للكثير من الخسائر, عانى منها بشكل خاص الفقراء والمعوزون والعاطلون عن العمل في الدول النامية والدول المتقدمة اقتصادياً. إن نظريات من هذا النوع لا تخدم التفاعل والتفاهم بين شعوب العالم بمختلف قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم واتجاهاتهم الفكرية والسياسية, بل تثير المزيد من المخاوف المتبادلة وعدم الثقة وتثير الحقد والكراهية التي يمكن أن تقود إلى الكثير من الفواجع وتكرس الكثير من الأحكام المسبقة ذات التفكير النمطي إزاء الآخر أو إزاء الشعوب الأخرى.

واليوم تمر الذكرى العاشرة لفاجعة الحادي عشر من سبتمبر/أيلول, وما تزال قوى الإرهاب الإسلامي السياسي المتطرفة تسعى إلى التخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية في مختلف دول العالم أو ممارسة التفجيرات في الدول العربية ومنها العراق وأفغانستان. وبالأمس اعتقلت الأجهزة الأمنية الألمانية شخصين, أحدهما من لبنان والثاني من غزة, من بين الأوساط الإسلامية السياسية, كانا يخططان لتنفيذ عملية إرهابية أو أكثر في ألمانيا حيث ضبط في شقتيهما مواد تستخدم لصنع المتفجرات وبكميات كبيرة.

إلا أن شعوب الدول العربية, وأغلبيتهم من المسلمين, نهضت من سباتها الطويل بانتفاضاتها وثوراتها الشبابية والشعبية معلنة عن رفضها للاستبداد والجور والقهر والاضطهاد والحرمان والبطالة والفقر من جهة, ورافضة من جهة أخرى لنظرية صراع الحضارات والثقافات ومعبئة قواها من مختلف القوميات والأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية وساعية لإقامة مجتمع مدني وديمقراطي في بلدانها, إضافة إلى رفضها لقوى الإسلام السياسي المتطرفة والإرهابية التي عرضت الكثير من البشر إلى الموت أو إلى مصاعب الحياة والتنقل والعلاقات الطبيعية بين الشعوب.

إن هذه الانتفاضات الشبابية والشعبية في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والحركات السياسية في المغرب والأردن وكذلك التحركات الشبابية والشعبية في العراق قد وجدت صدى طيباً لها لدى شعوب وحكومات دول الاتحاد الأوروبي وأن كان بمستويات مختلفة.

وفي ألمانيا نشط الإعلام الحكومي والمستقل إلى إبراز الحركات الشبابية والشعبية التي أطلق عليها بالربيع العربي وأسعد الكثير من الأوساط الشعبية والمثقفين الألمان وغير من النظرة النمطية التي كانت سائدة عن العرب في أوروبا.

وكان الإعلام الألماني سباقاً في دعم هذه الحركة الشبابية والشعبية الديمقراطية والتبشير بأهميتها للشعوب العربية وللعالم وخاصة حين أكد أهمية دعمها من أجل إقامة المجتمع المدني والحياة الحرة والديمقراطية والتزام نظمها السياسية باحترام وممارسة حقوق الإنسان.

وبادر الإعلام الرسمي الحكومي, وخاصة البرنامج العربي في الدويتشه فيله إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات المهمة والجديدة لزيادة عدد ساعات بثها باللغة العربية وزيادة عدد الندوات الحوارية بين الشباب العرب والشباب الألمان وكذلك بين السياسيين والمختصين من العرب والألمان وكذلك المسؤولين, إضافة إلى زيادة عدد العاملين العرب في البرنامج العربي. وهي خطوة تنسجم مع التطورات الإيجابية الجارية في الدول العربية والرغبة في توسيع حوار الحضارات والثقافات ورفض فكرة صراع الحضارات والثقافات.            

وكخطوة أولى على طريق تنشيط هذا الحوار ودعم الحركات الفكرية الديمقراطية في العالم العربي أقام البرنامج العربي في الدويتشه فيله في الثامن من شهر سبتمبر/أيلول 2011 ندوة فكرية وسياسية ساهم فيها وزير الخارجية الألماني السيد الدكتور گويدو فيسترفيلة والسيد الدكتور جمال عبد الجواد (مدير مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية والسياسية, والسيدة سهام بن سدرين, الحقوقية والصحفية التونسية والمدونة والصحفية المصرية الشابة السيدة سمر كرم, وأدارت الندوة بنجاح كبير الإعلامية والمذيعة الأساسية في الدويتشة فيله الآنسة ديما الترحيني حضرها جمع غفير من المدعوين العرب والألمان والأجانب وسفراء بعض الدول العربية ورئاسة جمعية الصداقة العربية الألمانية. وقد ناقش المشاركون في هذه الندوة, والتي تقرر أن تعقد كل يوم اثنين من كل أسبوع, العواقب السلبية التي نجمت عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول على الصعيد العالمي وعلى البلاد العربية والمسلمين في مختلف دول العالم.

وقد برزت السيدة سدرين الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية في مجال حقوق الإنسان في معركتها ضد الإرهاب وخاصة ممارسة التعذيب ضد المعتقلين والتجاوز على المحرمات في هذا المجال, وذكرت بما جرى في سجن غوانتنامو في القاعدة البحرية الأمريكية وفي أفغانستان والعراق على سبيل المثال لا الحصر.

وقد أكد وزير خارجية ألمانيا وكذلك بقية المشاركين في الندوة على أهمية دعم نضال الشعوب في الدول العربية في سبيل إقامة مجتمعاتها المدنية والديمقراطية والحياة الدستورية والعمل على تنمية اقتصاديات الدول العربية ومكافحة البطالة والفقرة والفجوة الدخلية المتفاقمة, وضرورة دعم الدول الأوروبية, وألمانيا بشكل خاص, لجهود الشعوب العربية في التنمية والتطوير الاقتصادي والاجتماعي.

لقد وجد الحضور إن البرنامج العربي للدويتشه فيله يسعى للنهوض بدور جديد ومهمات جديدة بالارتباط مع الحراك الشبابي والشعبي في الدول العربية للخلاص من الأوضاع التي كانت أو ما تزال تعيش تحت وطأتها. وكانت أحاديث الحضور في أعقاب الندوة تشير إلى أهمية أن تكون مواقف حكومات دول الاتحاد الأوروبي, ومنها وبشكل خاص ألمانيا, إزاء القضايا العربية متناغمة مع دعواتها لحقوق الإنسان ودولة القانون ورفض دعم النظم الاستبدادية والرجعية في المنطقة كما كان يحصل في السابق أو الوقت الحاضر, أي أن لا تقيس حكومات الدول الأوروبية الأحداث الجارية في الدول العربية بمكيالين, وأن تساهم في حل المشكلات القائمة في الشرق الأوسط ومنها قضية شعب فلسطين وموضوع الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية ومزارع شبعا ومرتفعات الجولان السورية. لقد كانت الندوة بداية ناجحة نتمنى للبرنامج العربي للدويتشه فيله التقدم والاستمرارية.

 

11/9/2011   
 

 

free web counter