موقع الناس     http://al-nnas.com/

ما مدى الصدق والعقلانية في موقف الرئيس البارزاني في إنزال العلم الصدامي؟

 

كاظم حبيب

الأثنين 11/9/ 2006

ما أن صدر قرار رئيس إقليم كردستان الأخ السيد مسعود البارزاني بإنزال العلم العراقي الصدامي من على ساريات البنايات الكردستانية الرسمية ورفع علم الجمهورية العراقية الأولى في أعقاب ثورة الرابع عشر من تموز 1958 والذي يرمز إلى الشعبين العربي والكردي وإلى تاريخ العراق الحضاري القديم ببقية شعوبه, كحل مؤقت للمشكلة التي ما تزال قائمة بشأن العلم العراقي الذي يفترض أن يرفع في جميع أنحاء العراق وإلى حين الاتفاق على علم جديد للجمهورية الخامسة في البرلمان العراقي وفق المادة 12 من الدستور العراقي, حتى بدأت الأصوات النشاز تتحدث بنبرات متباينة الشدة والهجومية ضد هذا القرار وتعتبره تجاوزاً وتقسيماً لوحدة العراق. ولكن أسوأ تلك التصريحات تلك العربدة التي انطلقت من عدد لا يستهان به من السياسيين ومن بعض رجال الدين وبعض القوميين والبعثيين الشوفينيين. فعلى سبيل المثال لا الحصر أوردت وكالات الأنباء "وصف رجل الدين الشيعي عبد الزهراء السويعدي في خطبة الجمعة 8-9-2006 في مدينة الصدر" (لثورة) قرار رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني بقوله: أن "إنزال العلم العراقي في الشمال بإيحاء أمريكي ورضا رئيس الجمهورية جلال طالباني هي مقدمات للانفصال وطاعة لإسرائيل". وندد بالقرار الذي اعتبره "تخليا عن الوطن". (أخبار وآراء 1801 المساء).
كم كان معقولاً أن يخوض هؤلاء جميعاً حواراً عقلانياً مع القيادة الكردستانية عن مدى صواب أو خطأ مثل هذا الإجراء بدلاً من ارتفاع بعض الأصوات الزاعقة, كما في المثل السابق, لشتم الكرد والقيادة الكردية على الإجراء الذي اتخذته بشأن إنزال علم صدام حسين ورفع العلم العراقي الأقدم. إن في مقدور كل إنسان شريف ومعقول أن يدرك بأن أولئك الذين في نفوسهم مرض لا يستطيعون تفويت أي فرصة يعتقدون أنها مناسبة لإنزال جام غضبهم على أي قرار صائب تتخذه القيادة الكردستانية من أجل إزالة الآثار السلبية المدمرة للسياسات والإجراءات التي اتخذها ومارسها صدام حسين في العراق عموماً وفي كردستان خصوصاً, باعتباره قراراً ضد وحدة العراق وبوحي أمريكي وخدمة لإسرائيل. ويبدو لي بوضوح تام أن أكثر أولئك الذين يخدمون إسرائيل هم الذين يزعقون بمثل هذه الإساءات الوقحة ويمارسون سياسة تمزيق الوحدة الوطنية طائفياً ويمارسون القتل الطائفي في أنحاء العراق المختلفة, ويرفضون الاعتراف بوجود إقليم كردستان باعتباره فيدرالية تتمتع بحقوقها الكاملة المقررة في الدستور العراقي ضمن الوحدة العراقية, وبالتالي يعجزون حتى عن ذكر اسم كردستان بل يتحدثون عن شمال العراق لا غير.
والسؤال المنطقي الذي كان وما يزال يفترض أن يطرحه كل فرد على نفسه هو: ما هي الأسباب الكامنة وراء اتخاذ مثل هذا القرار من جانب السيد رئيس الإقليم؟ لقد عبر القرار الذي اتخذه الرئيس مسعود البارزاني بشأن العلم العراقي عن وعي بعدد من الحقائق التي لا يستطيع القوميون الشوفينيون ولا الإسلاميون المتطرفون, الذين يرفضون الاعتراف بالقوميات ويصرون على الأمة الإسلامية دون القوميات, رؤيتها بصورة عقلانية وبصدق مع النفس وفي ضوء الأهداف السليمة التي اتخذ القرار من أجلها. ومع أني كتبت عن هذا الموضوع قبل ذاك فلا بد من استكمال الصورة والإجابة عن هذا السؤال هذه المرة أيضاً. ويمكن بلورة الإجابة بالنقاط التالية:
1. لقد وضع العلم العراقي في الجمهورية البعثية الثانية حين سعى القوميون والبعثيون إلى إقامة وحدة مصرية – سورية - عراقية لم تتم في ظل حكم البعثيين والقوميين رغم صراخهم وضجيجهم حول الوحدة العربية, ورغم القرار الذي وقع من قبل القوميين والبعثيين والناصريين في حينها. وهو لا يعبر عن وحدة أرض العراق التي تتكون من وادي الرافدين وكردستان العراق, بل يعبر عن هدف لم يتم ولا يعبر عن الواقع العراقي الراهن.
2. أضيفت إلى العلم كلمة "ألله أكبر" وخطت في البداية بدم الجزار العراقي صدام حسين, وهو بذلك أساء إلى اسم الله وإلى العلم ذاته, وهو ما لا يجوز قبوله بأي حال.
3. تحت هذا العلم البائس الملطخ "بدم صدام حسين" والمكتوب "بخط يده", خاض النظام العراقي حروباً عدوانية صد الجارة إيران وغزا الكويت واحتلها ورفع العلم الصدامي على سارياتها معلناً إلحاق دولة الكويت أرضاً وشعباً بالعراق واعتبارها المحافظة التاسعة عشر العراقية! وبذلك تجاوز حتى على العلم الذي كان يفترض أن يمثل الوحدة الطوعية وليس الاغتصاب عبر الغزو والعدوان.
4. وتحت هذه الراية البائسة خاض النظام حرباً دموية ضد الشعب الكردي, إضافة إلى تنفيذه مجازر الأنفال وأسقط بطائرات تحمل ذات العلم الأسلحة الكيماوية على أهل حلبچة وقتلت في كل تلك الحروب والمجازر ضد الكرد وكردستان ما يزيد عن ربع مليون إنسان.
5. وتحت هذه الراية السوداء نظم النظام عمليات قتل الناس في انتفاضة 1991 وعمليات التهجير القسري للعرب والكرد الفيلية في الثمانينات من القرن الماضي من العراق إلى إيران أو قتل الكثير منهم ودفنهم في مقابر جماعية.
6. وتحت هذا العلم القذر حكم صدام حسين العراق بالحديد والنار 35 عاماً ومارس سياسات عنصرية وشوفينية قذرة وعمليات تعريب وتهجير قسريين, كما مارس سياسة دينية وطائفية مقيتة ضد الشيعة ولكنه لم يرحم السنة من أهل العراق وبقية أتباع الأديان الأخرى أيضاً. لقد أدت السياسات التي رسمت تحت هذا العلم إلى ما يعاني منه العراق حالياً بعد أن فقد في حروب ومظالم النظام أكثر من مليوني إنسان عراقي, دع عنك الجرحى والمعوقين وقتلى إيران والكويت والمصريين.
لهذه الأسباب قرر الرئيس مسعود البارزاني ومنذ البدء عدم رفع العلم العراقي الصدامي, بل رفع علم كردستان في ربوع كردستان إلى أن يتم الاتفاق على علم جديد للعراق الذي يراد له أن يكون جديداً. والقرار الأخير برفع علم الجمهورية العراقية الأولى جاء بسبب الاتفاق بين كل القوى الكردية على رفع علم عراقي موحد في ربوع كردستان بدلاً من التباين في الأمر أولاً ومن أجل الإسراع بوضع العلم الجديد وفق المادة 12 من الدستور العراقي الجديد ثانياً, ومن أجل أن لا يقال أن كردستان لا تريد رفع علم العراق الموحد ثالثاً.
من هنا يتبين لنا بأن الإجابة عن السؤال الذي شكل عنوان المقال هو أن القرار يعبر عن الصدق والعقلانية في مواجهة الوضع الراهن وتأكيد حرص القيادة الكردستانية على ما يلي:
أولاً: على إزالة كل ما له صلة بالنظام الصدامي السابق الذي أذاق الشعب الكردي الموت والدمار والخراب على مدى عقود كثيرة, وخاصة هذا العلم الذي لا يرمز للوحدة الوطنية.
ثانياً: يشكل إقليم كردستان جزءاً من الدولة أو الجمهورية العراقية الموحدة, وأن شعب كردستان أو الشعب الكردي هو جزء من الشعوب المتآخية في العراق, أي مع العرب والتركمان والكلدان والآشوريين, وأن الكرد يسعون إلى تعزيز هذه الوحدة وتوطيدها على أسس ديمقراطية وروح المواطنة المشتركة والمتساوية.
من هنا يتبين لنا مدى الضرر الذي يريد هؤلاء الناس إلحاقه بالعراق حين يتحدثون بشراسة متناهية وبروح شوفينية مقيتة عن كون قرار رئيس إقليم كردستان السيد مسعود البارزاني وبموافقة الرئيس العراقي السيد جلال الطالباني هو بمثابة تقسيم للعراق وبإرادة ووحي أمريكي ولخدمة إسرائيل.
كفوا أيها المشعوذون عن شتم الكرد واتهامهم بما تعانون منه وتخضعون له, فالمثل العراقي يقول (إللي جوه أبطه عنز يبغج). فالوحدة العراقية سليمة بوجود الكرد بجنب أخوتهم العرب وبقية القوميات الأخرى في العراق, وهم جزء أساسي ورئيسي من قوة الحماية الفعلية التي تعزز وحدة العراق وتمنع سقوطه في أيدي القوى القومية والبعثية اليمينية والشوفينية العربية المتطرفة أو في أيدي القوى الإسلامية السياسية الإرهابية أو المتطرفة أو المغالية التي تريد إقامة عراق يخضع لولاية الفقيه على شاكلة ما يجري في إيران أو ما كان يجري في أفغانستان.


9/9/2006
نشر في جريدة الاتحاد البغدادية