| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

 

الأثنين 10/4/ 2006

 

 

 

واجب الجميع التوقف عن تصعيد الصراع الطائفي في العراق!

 

كاظم حبيب

لم تكن تصريحات السيد رئيس جمهورية مصر العربية حسني مبارك تصب في الوجهة التي تساهم في تخفيف أو عدم تصعيد التوتر والصراع الطائفي السياسي المستفحل في العراق حالياً, بل تصب الزيت عليه, وهو الأمر السلبي في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها العراق والتي تستوجب غير تلك التصريحات. إذ أن هذه الاتهامات المسيئة ستحرك دون أدنى ريب المتعصبين والمتعنتين من أطراف الصراع الطائفي السياسي إلى تشديد الصراع بالاتجاهين المناهضين والمؤيدين لها, وفي الحالتين إساءة كبيرة للواقع العراقي الراهن. فجمهرة من المناهضين لها سيطالبون بمقاطعة مصر أو مقاطعة بضائعها أو السفر إليها أو الإساءة للمصريين الموجودين في العراق, وهي كلها لا تخدم تهدئة الأوضاع في العراق والاستفادة من موقع مصر ودورها في المنطقة. كما أن المؤيدين لتلك التصريحات سيحاولون استخدامها لتشديد الصراع ومواصلة العمليات الإرهابية ضد أبناء الشيعة بحجة ولائهم لإيران وليس للعراق, وهو اتهام باطل بالنسبة للغالبية العظمى من العراقيين العرب من أتباع المذهب الشيعي, دع عنك الجماعات العلمانية واللبرالية والديمقراطية منهم, وهو اتهام وعاجز عن فهم المجتمع العراقي وتاريخه الطويل. كما إنه تجني لا مبرر له واتهام باطل وتافه لاحق به القوميون والبعثيون العرب الشوفينيون الجماعات "الشيعية والشيوعية والشروگية" منذ عقود طويلة!
لقد كانت تصريحات السيد رئيس الجمهورية العراقية الأستاذ مام جلال الطالباني صادقة وصريحة من جهة, وهادفة ومسؤولة وتاركة فسحة من المجال لتراجع السيد مبارك من جهة أخرى, وهي لغة دبلوماسية سليمة ودقيقة, ولكنها في الوقت نفسه واضحة لما تريد. كما أن بعض التصريحات الأخرى, بما فيها تصريحات السيد صالح المطلگ, جيدة وواضحة لا لبس فيها, وكذا العديد من القوى السياسية العراقية الأخرى.
إلا أن ما صرح به رئيس جمهورية مصر العربية ينبغي أن يضعنا أمام حقيقة أخرى كان يريد من خلالها, ولو بطريقة خاطئة كما أرى, أن ينبه إلى ثلاث حقائق جوهرية ينبغي أن لا يغمض المجتمع العراقي وقواه السياسية الواعية والعاقلة والمسؤولة العين عنها بأي حال, وهي:
أولاً: أن العراق يعاني من تدخل إيراني فظ ومتواصل في شؤونه الداخلية وعلى المستويين الرسمي والحزبي أو الشعبي المحافظ من جهة, وعلى مستوى الإرهاب الدولي, حيث أن الحدود مع إيران مفتوحة أمام من يريد الولوج لممارسة الإرهاب في العراق, وهي حدود طويلة جداً, من جهة أخرى.
ثانياً: ادعاء إيران بوجود مصالح لها في العراق وأنها تريد ضمانات لحماية تلك المصالح, مما أجبر السيد عبد العزيز الحكيم, رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية ورئيس قائمة الائتلاف العراقي الموحد, الطلب من الإدارة الأمريكية وحكومة إيران, إجراء لقاء أمريكي إيراني لحل هذه المسألة في العراق, أي أنها لن تكف عن التدخل ما لم تضمن تلك المصالح, وأن تدخلها متفاقم, بحيث لم يعد ممكناً السكوت عنه والقبول به.
ثالثاً: أن في العراق أعوان كثيرون لإيران, شاء الإنسان أم أبى, وهم موزعون على ثلاث جماعات, وهي:
• أعضاء موجودون بهذا القدر أو ذاك في الأحزاب الإسلامية السياسية القائمة حالياً, بغض النظر عن معرفة أو عدم معرفة قياداتها وموقفهم من ذلك.
• أشخاص موجودون في إطار جمهرة رجال الدين الذين يقومون بالدعاية لإيران وتحبيذ النظام القائم فيها والترويج لولاية الفقيه وللسياسة الإيرانية في العراق.
• أجهزة أمن وپاسدران ومخابرات إيرانية تعمل في العراق لصالح إيران ولصالح أهدافها غير المشروعة.
وهذه الأمور تحدثنا وكتبنا عنها قبل أن يصرح بها رئيس جمهورية مصر العربية. ويكفي أن يذهب الإنسان إلى البصرة والعديد من المحافظات الجنوبية ليكتشف بنفسه عمق التغلغل الإيراني في هذه المنطقة من العراق.
وهذه الوجهة الإيرانية تنسجم تماماً مع الوجهة الجديدة التي عاد ليروج لها رئيس جمهورية إيران الجديد أحمدي نجاد القائمة على أساس تصدير الثورة وتكوين تحالف شيعي سياسي في المنطقة مناهض لولايات المتحدة ولأهداف أخرى معروفة.
من هنا تأتي أهمية تحذير المجتمع العراقي بأن عليه أن ينتبه إلى الواقع والتعقيدات الجارية في العراق والمنطقة, وأن على الأحزاب السياسية الإسلامية ذات الوجهة الشيعية أن تدرك بأن المشكلات ستزداد تعقيداًُ أن سمح المجتمع وسمحت تلك الأحزاب باستمرار هذا التغلغل الإيراني في العراق وباستمرار هذه الوجود الاستشاري لهم في بعض المواقع المهمة في أجهزة الدولة العراقية, سواء أكان ذلك بمعرفة أو دون معرفة تلك الأحزاب السياسية أو قياداتها.
إن علينا جميعاً أن نأخذ تلك التصريحات بعين الاعتبار وبكل جدية, لأنها تشكل جزءاً من عملية الصراع الطائفي السياسي الجاري في العراق وفي المنطقة من جهة, وجزءاً من الصراع العربي - الإيراني على العراق من جهة أخرى, ولسنا بعيدين عن تصريحات وزير خارجية السعودية الأمير فيصل بهذا الصدد أيضاً, واحتمال أن يتسع هذا الصراع الطائفي والإقليمي ليشمل صراعاً آخر بين إيران وتركيا على العراق, وهو صراع تاريخي معروف لنا جميعاً.
إن على العراقيات والعراقيين أن ينتبهوا في هذه المرحلة الحرجة إلى كل ما يمكن أن يشوه أو يسيء إلى نضالهم الوطني ومن أي طرف كان, وأن يسعوا إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تذلل الصعاب التي تواجه المجتمع وخاصة الإرهاب والسياسات الطائفية السياسية التي تهيمن على الساحة السياسية العراقية حالياً. وأن يمنعوا تدخل دول الجوار والدول الإقليمية بشؤون العراق الداخلية, ولا أجد بديلاً لحل أول عقدة في الأزمة الراهنة سوى تخلي رئيس الوزراء المنتهية ولايته عن ولاية جديدة وفسح المجال لآخرين من الائتلاف العراقي الموحد لترشيح شخص آخر يقوم بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية المنشودة.
إن على المجتمع أن يبتعد في هذه المرحلة بشكل خاص عن تشديد الصراع مع جمهورية مصر العربية, وعلينا أن نتذكر مآسي الماضي غير البعيد, إذ أنها ما تزال في الذاكرة الجمعية للمجتمع العراقي, ذكرى تدخل عبد الناصر في السياسة العراقية وتحريضه ضد قاسم باعتباره قاسم العراق وتحريضه ضد الشيوعيين باعتبارهم قد هيمنوا على الحكم, إذ كان لها كبير الأثر على تشديد الصراعات السياسية وتفتيت الوحدة الوطنية, وهو ما يفترض أن تتجنبه مصر ونتجنبه نحن في العراق أيضاً.