| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. خالد يونس خالد

Khalid_k2009@yahoo.se

 

 

 

الأحد 5/10/ 2008



هل نقرأ بوعي تاريخ الأدب العربي؟
قراءة نقدية في حوار مع الأستاذ الشاعر عبد الجبار الفقيه على ملاحظاته الأدبية

د. خالد يونس خالد

كتب الأستاذ عبد الجبار الفقيه في 6 أيار 2008 في منتدى "ملاحظات على كتابات تجمع الشعراء" مايلي:

ملاحظات سريعة:
• 1- معظم المشاركات هي عبارة عن مجاملات ليس لها علاقة بالنص. وهذه ظاهرة خطيرة وخاصة عندما تصدر من الشعراء.
• 2- أرى أن المكان المناسب للتنبيه على الأخطاء هو النصوص المدرجة من قبل الأعضاء، وإن تم هذا فستنتظم الكثير من الأمور. لم أرى شاعرا واحدا في هذا التجمع يغضب من النقد، فلماذا لا نوجه النقد بشكل مباشر وصريح؟؟؟
• 3- إدراج مواضيع متتالية من نفس العضو غالبا ما يؤدي الى التشويش على نصوص أخرى، وعادة ما يؤدي الى ضعف المشاركة في مواضيع العضو نفسه.
• 4- الكثير من الأعضاء تتركز مشاركاتهم في مواضيعهم الخاصة وتندر في مواضيع الغير.
• 5- أرجو من الشعراء الكبار الزيادة من "العطاء"، فإن أي نقد لأي نص يفتح عيوننا على معلومات جديدة أو يذكرنا بمعلومات منسية.
• 6- بعض الردود طويلة جدا جدا لحد يصعب متابعتها. وباعتقادي أن الشعراء هم أمهر الناس في الاختصار وهم أكثر الناس بلاغة، فلماذا الإطالة؟؟
• 7- فليسامحني أي شخص غضب من الملاحظات السابقة، لكن الهدف هو أن يكون هذا الصرح مختلفا عن أي منتدى عادي.
دمتم جميعا بخير


حوار وقراءة نقدية بعنوان: هل نقرأ بوعي تاريخ الأدب العربي؟
بعد نشر هذا الحوار وهذه القراءة في التجمع المذكور لمست من الشاعر الفقيه حسن الخلق وتجاوب الأدباء، وهو تعبير عن فهمه للأدب والآداب

ملاحظة: أنقل هنا نص حواري وقراءتي النقدية بدون تغيير كما نشر في (منتديات تجمع شعراء بلا حدود).

أخي عبد الجبار الفقيه
بتارخ 13 من الشهر الجاري (أيار 2008) كتب الأخ الأستاذ محمود النجار ردا طويل نسبيا على ملاحظاتك السريعة. أعتقد أنه كان موفقا في تبيان آرائه التي أعجبتني في خطوطها العريضة، لذلك لا أريد أن أكرر ماسجله الأخ النجار. لكن لدي ملاحظات توضيحية ونقدية على نقطة واحدة من النقاط التي طرحتها، وهي النقطة السادسة التي أعتبرها تعميما غير مقبول منهجيا.

فيما يلي ردي على النقطة السادسة.

طرحتَ جملة من الملاحظات المهمة في سبع نقاط أتفق معك في ست منها ، لكنني لا أتفق معك في نقطة واحدة، وهي النقطة السادسة، وتنص ما يلي:
• بعض الردود طويلة جدا جدا لحد يصعب متابعتها. وباعتقادي أن الشعراء هم أمهر الناس في الاختصار وهم أكثر الناس بلاغة، فلماذا الإطالة؟؟

هذه النقطة تضم في الأساس شقين مهمين. أود أن أحاورك فيهما.
الشق الأول: "بعض الردود طويلة جدا جدا لحد يصعب متابعتها".
الشق الثاني: "وباعتقادي أن الشعراء هم أمهر الناس في الاختصار وهم أكثر الناس بلاغة، فلماذا الإطالة؟؟"

قد تكون ملاحظتك أعلاه واردة نسبيا في بعض الحالات الخاصة، لكنها كما أفهمها في بعض جوانبها المنهجية غير مقبولة من الناحيتين العلمية والعملية. صياغة الجملة عامة مما يفهم القاريء اللبيب في التحليل تعميما للفكرة، والعلوم الإنسانية ترفض التعميم في مثل هذه الحالات. كما أنها غير واردة عمليا بشكل عام مع إستثناءات قليلة جدا. وعليه أعتبرها من المغالطات التي عممتَها دون أي تعليل أو تفسير أو تحديد للفكرة. إن ما طرحته تعبير عن وجهة نظر لا تتفق مع الواقع العملي في تطبيقات النقد الأدبي بشكل عام كما أفهمها من خلال دراساتي وأبحاثي في هذا المضمار.

أقول بأسف أن بعض الأخوة، ولا أقول كلهم، يكتب في هذه الصفحة، أعني "ملاحظات على كتابات تجمع شعراء" لايطبق ما يكتبها، ويبدو أن الكتابة تكون من أجل الكتابة.

دعني أحاورك مفسرا ومعـللا وموثوقا بالمصادر شرحي في بعض دراسات النقد الأدبي.
أولا: أحاورك في الشق الأول من النقطة السادسة:

أنت تقول: "بعض الردود طويلة جدا جدا لحد يصعب متابعتها".

أنت تحدد أن يكون الرد قصيرا على أساس صعوبة متابعتها. وأتساءل: ماهي معايير الرد القصير على نقد قصيدة شعرية؟ لماذا يجب أن يكون الرد قصيرا في كل الحالات؟
هل أن الرد القصير يكفي دائما لتحليل قصيدة ما وشرحها وبيان الجوانب اللغوية والذات الجمعية أو الذات الفردية، والجوانب الأدبية ولاسيما الصورة الفنية، والعوامل البيئية للشاعر، وتأثير المنهج المتبع من قبل الشاعر؟

هل يتسنى للناقد في رد قصير أن يبين المقياس الذي يتبعه الشاعر إذا كان فنيا "أدبيا" أو منهجا اجتماعيا أو تاريخيا؟
هل يمكنه أن يوضح انتماء الشاعر لمدرسة أدبية عربية أو أجنبية، أو بلاغة لغوية أو عاملا سوسيوليوجيا أو أو أو؟

نقاط كثيرة تدخل في تقييم قصيدة معينة لم اقرأها مع الأسف لحد الآن في منتدى تجمع شعراء بلا حدود في نقد "ناقد" أو "شاعر" لقصيدة معينة مستثنيا قلة قليلة منهم، على سبيل المثال الأخ الشيخاني والأخ الدكتور عمر هزاع . ما قرأتها في الغالب تقديم جميل لقصيدة شعرية تحت عنوان "قراءات نقدية". لكن عندما نقارن هذه القراءات النقدية بالقراءات النقدية الرائعة في تاريخ الأدب العربي نجد تراجعا كبيرا في النقد في هذا التجمع للشعراء. بل عندما نقرأ قراءات نقدية في بعض المجلات التي نتعامل معها مثل "مجلة الغربال" ومجلة الفوانيس، وموقع الدروب وموقع النور، وووو نجد الفرق بين تلك المنتديات والمواقع وبين تجمعنا التي لانريد فيه إلأ ردودا قصيرة قد لاتعطي دائما للقصيدة حقها في النقد.

أليس من الصواب القول أن نصوصا تتطلب ردودا طويلة، ونصوصا أخرى تتطلب ردودا قصيرة بدلا من التعميم؟ أما وأن تحدد الرد بضرورة أن يكون قصيرا، فهذا ليس من العقلانية ولا من العلمية بشىء، لأنك قد لاتعطي حق نص معين يتطلب ردا طويلا بدافع محتوى النص نفسه. أما وأن تحدد الرد بغض النظر عن معيارية النص نفسه، يعتبر تجنيا على الأدب والفكر، وتعديا على الناقد في أن تحدد له المعايير التي ليس لها أساس علمي وعملي.

السؤال المهم الذي يطرح نفسه هو: هل أن النقاد في تاريخ النقد الأدبي، ولا سيما عربيا مارسوا النقد في حدود أن يكون الرد قصيرا دائما؟ سبب غير وجيه وبعيد عن الدائرة العلمية والأدبية والبراغماتية. السبب من وجهة نظرك كما أوردتَها هو "يصعب متابعتها". هذا غير مقبول وينم عن عدم رغبة متابعة ممارسة النقد الأدبي السليم. إنه هروب من الأدب وتجني على فن النقد الذي يعتبر أرقى مرتبة من بين الأنواع الأدبية الأخرى طبقا لمفهوم ميخائيل نعيمة وطه حسين ومونتسكيو وفولتير وغيرهم. حتى أن مونتسكيو قال: "الكاتب هو ذلك الذي يقف عاريا تحت الأمطار في غابة كثيقة مليئة بالوحوش المفترسة ينتظر أن تفترسه تلك الوحوش في أية لحظة لتنبش لحمه". لماذا؟ لأنه معرض للنقد، بل لأنه قد يكون ناقدا إلى جانب كونه شاعرا.

أسمح لي أن أنقل أسلوب الناقد طه حسين في النقد، حيث وصفه لي كاتب إلتقيت به في سمينار بالنرويج، قال: "كان العميد ينقد، يذكر الجوانب الإيجابية بإيجاز شديد لقصيدة ما أولا، وحالما يصل إلى الجوانب السلبية التي كان يبدأها بـ "ولكن" كان شاعر القصيدة يرتجف عندما يقرأ "ولكن". وكان بعض الشعراء يقولون قاتل الله "لكن" أخت إنَّ وأنَّ.

أخي: الجملة التي كتبتَها "بعض الردود طويلة جدا جدا لحد يصعب متابعتها".
مغالطة لايمكن قبولها. أنت طرحتَ وجهة نظر شخصية ثم حكمتَ بصعوبة متابعتها. جعلتَ مع الأسف موقفك مقياسا لمواقف الآخرين من أنه يصعب متابعة الرد الطويل. ثم كتبتَ في ملاحظتك "بعض الردود طويلة جدا جدا". رد طويل جدا جدا يعني مئات الصفحات. ولم يكتب أحد أي رد في هذا التجمع قد تجاوزت صفحاته عدد أصابع اليدين. أما وأن تعتبر ردود في بضعة صفحات "طويلة جدا جدا" فليس بالتعبير المناسب لغويا في هذه الحالة. لأن فهمك لكلمة "جدا" مرتين في آن واحد لها دلالتها التي تفسر لنا صعوبة متابعة النصوص الأدبية حتى إذا تجاوزت عدد صفحاتها اليد الواحدة. مأساة حقا.
كتابة رد في بضعة صفحات ليس طويلا جدا جدا، وليس طويلا جدا، بل ليس طويلا بدون جدا لتقييم قصيدة قد تتطلب ردا في بضعة صفحات. دعني أعطيك بعض الأمثلة لنقاد وشعراء مارسوا النقد بشكل مغاير لما طرحته، مجرد أمثلة من آلاف الأمثلة التي يمكن سردها. لأبرهن عدم صحة ما عممته في حكمك على كل رد طويل، حتى وإن تطَلَب النقد ذلك.

إذا رجعت إلى كتاب عميد الأدب العربي طه حسين "حافظ وشوقي"، وهو شيخ النقاد، تجد أن نقد العميد لبضعة أبيات لأحمد شوقي أو حافظ إبراهيم قد تطلب عدة صفحات من الشرح والتحليل، فما بالك بنقد قصيدة كاملة؟

نأخذ مثالا لشاعر كبير مارس النقد إلى جانب كتابة الشعر، وهو الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري الذي اعتبره بعض النقاط "آخر عمالقة الشعر الكلاسيكي المعاصر"، في معرض نقده لفكرة واحدة طرحها طه حسين في كتابه "في الشعر الجاهلي" وهي فكرة إنكاره لذلك الشعر . كتب الجواهري مقالا طويلا بعنوان "الشعر الجاهلي بين مطرقتين: الفردية والنكران" في مجلة النهج رقم 3، الصادرة في قبرص عام 1984 تضمن صفحات طويلة وهو يحاور وينقد طه حسين في تلك الفكرة.

إنك أخي عبد الجبار الفقيه قد تعتبر رد الجواهري طويل جدا جدا "يصعب متابعته".

نأخذ مثالا ثالثا من فيلسوف الشعراء (أبو العلاء المعري) في نقله بيت شعر من ديوان الشاعر الجاهلي عبيد بن الأبرص وتدوين ذلك البيت في كتابه "رسالة الغفران" نص البيت:

هي الخمر تُكنى الطلاءُ
كما الذئبُ يُكنى أبا جُعده

كتب النقاد حول هذا البيت صفحات كثيرة مع اختلافات في النص، منهم، على سبيل المثال وليس الحصر، المستشرق سير جيمس ليال، حيث حذف أسم الإشارة "هي" في نقله لديوان الأبرص. واكتفى بـالكلمات اللاحقة "... الخمر تُكنى الطلاء" ثم كتب العجز.

أمثلة عديدة من الردود بحوالي ثلاثين صفحة تجدها في كتاب "المعارك الأدبية بين زكي مبارك ومعاصريه" تأليف محمد جاد البنا، طبعة دار الكتاب السعودي ، 1986. على سبيل المثال رد زكي مبارك على الكاتب أحمد أمين وجنايته على الأدب العربي. وما أكثر هذه الجناية التي نقرأها بقلم بعض مَن هم " نقاد " اليوم. أضع هنا كلمة " نقاد" بين علامتي اقتباس لدلالتها الخاصة.

أرجو أن ترجع إلى كتاب الناقد المصري محمد مندور بعنوان " النقد والنقاد المعاصرون" طبعة القاهرة، فترى الإسترسال والتحليل الدقيق لمنهج شاعر معين عند عباس محمود العقاد مثلا في صفحات كثيرة.

وهناك أيضا ردود في كتب كاملة. عندما صدر طه حسين كتابه "في الشعر الجاهلي" عام 1926، ظهرت عدة ردود عليه، بعضها تجاوز مئتي صفحة، مثل "النقد التحليلي لكتاب في الشعر الجاهلي" للسيد محمد أحمد الغمراوي، وكتاب "الشعر الجاهلي والرد عليه" للسيد محمد حسين.

أخي الفقيه:
ينبغي أن لا نلعب بالأدب العربي بهذا الشكل، فيصيبنا "الكسل العقلي" كما قال طه حسين الذي دعى الباحثين العرب إلى ضرورة تطبيق منهج البحث العلمي في الدراسات الأدبية، وانتقد الشعراء والنقاد لأنهم أهملوا الأدب العربي القديم أساس اللغة العربية الفصحى إلى جانب القرأن الكريم. والسبب هو " الكسل العقلي" كما قال. نحن نريد البساطة والتسهيل إلى درجة مطالبة البعض بترك لغة الأدب والقرآن، وتبديلها باللهجات العامية – المحكية. وإدعاء البعض أن العلوم الإنسانية لا تتطلب تطبيق منهج البحث العلمي. نحن نريد البساطة لأنه يصعب علينا متابعة صعوبات تطبيق منهج البحث العلمي. نحن نريد البساطة لأننا قد نعتبر الرد الطويل مهم أحيانا، ولكن ممل. هذه الإشكالية جعلت بعض جامعاتنا ومؤسساتنا ومنتدياتنا تبيع الشهادات العليا أو توزع الألقاب. بعضها لايساوي أية قيمة علمية في الأوساط العلمية والأدبية الدولية.

أنا شخصيا كنت في زيارة دراسية مع وفد من الطلاب إلى الجامعات المصرية عام 1984 على نفقة السويد. وفي لقاء لنا مع بعض أساتذة جامعة الأزهر نصحنا نائب شيخ الجامعة بضرورة التدقيق والتحليل والتأكيد على اللغة العربية الفصحى. وهنا نحتاج إلى أن نعطي حق النقد، بدلا من المجاملات التي نقرأها في بعض المنتديات. وكتابة ردود كثيرة في سطر أو سطرين للحصول على رقم كبير دليلا على النشاط الحيوي.

نحن متأخرون في هذا المجال، ونردد دائما نحن المنتصرين.

أشعر بالأسف من شاعر يصعب عليه قراءة رد قد يكون طويلا في نقد قصيدة شعرية أو فكرة أدبية. هنا أتذكر القول المؤلم للأرعن الإرهابي الأعور "موشي دايان"، حين سألوه : كيف هُزمَ العرب؟ قال بوقاحة "العرب لايقرؤون".

وأتأسف أن أقول أن احصائيات الأمم المتحدة تقَيم قراءتنا في العالم العربي كله أقل من قراءة الأسبان في أسبانيا وحدها في نفس المدة الزمنية. مَن هو المسؤول عن كل ذلك؟

أقول بقناعة، نحن نقرأ كثيرا. ولكننا، كما قال مستشرق ألماني، تخونني الذاكرة أن أتذكر إسمه بالضبط، " نحن نقرأ بلا وعي". قراءة التاريخ بدون وعي لاتعتبر قراءة منهجية، وهي لا قراءة في قراءة كثيرة، وتعتبر مضيعة للوقت. نقرأ ثم ننسى ماقرأنا وهذا سر هزائمنا تجاه إسرائيل وأمريكا لأننا لا نستفيد من تجارب فشلنا ونجاحنا، فتركنا شعبنا أسيرا في زانزاناتنا على أرضنا المحتلة، تسيطر عليها الصهاينة وأمريكا. وأصبحنا نركض وراء الألقاب ونوزع الألقاب، ونخاف النقد ونستمتع بالكسل العقلي. أين نحن من صلاح الدين الأيوبي الذي أبى أن يبتسم لأنه كما قال، يخجل من الله أن يبتسم لأن مسجد الأقصى يحتله أعداء الله؟ ناضل وجاهد فأعانه الله بالنصر. أين نحن من أجدادنا الذين صنعوا المجد للإنسانية، فكانوا رواد العلم والمعرفة والشجاعة والإيمان.

قد يقول لي عضو في التجمع، أنه لايمكن كتابة نقد لقصيدة في رد طويل في هذا التجمع. وجوابي: إذا كان كذلك فنحن لا نعطي للآداب العربية الإسلامية حقها، ونحن حينذاك نخفي أنفسنا وراء الواجهات. وما أكثرنا دهاء في ميكانيكية الدفاع. ندعو إلى النقد ونخاف من النقد لذلك لانريد أن ننقد خشية أن يكون الرد طويلا فيصعب علينا متابعته.

أخي الفقيه

دعني أحاورك في الشق الثاني من نفس النقطة.

أنت تقول:
"وباعتقادي أن الشعراء هم أمهر الناس في الاختصار وهم أكثر الناس بلاغة، فلماذا الإطالة؟؟" .

كلام عام لايستند لأية حقيقة. من أين جئتَ بهذه الفكرة العامة من "أن الشعراء هم أمهر الناس في الاختصار وهم أكثر الناس بلاغة".

لماذا هذا التعميم على كل الشعراء أخي عبد الجبار الفقيه؟ قال تعالى ((والشعراء يتبعهم الغاوون. ألم ترَ أنهم في كل واد يهيمون. وأنهم يقولون ما لايفعلون. إلاَ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا)) (
سورة الشعراء/ آيات 224-227) . في الآية القرآنية ترى التمييز بين الشعراء. شعراء في كل واد يهيمون. وشعراء آمنوا وعملوا الصالحات.
لكنك عممت باعتقادك وأنت تقول: "الشعراء هم أمهر الناس في الاختصار وهم أكثر الناس بلاغة".

ماهو دليلك على هذا التعميم؟ هل حقا أن كل الشعراء هم أكثر الناس بلاغة؟
ألا يوجد شاعر أقل بلاغة من البلغاء واللغويين؟
هل حقا أن جميع الشعراء هم أمهر الناس في الاختصار؟

أرجو أن تقرأ ديوان الشاعر الجواهري وبعض دواوين الشاعر نزار قباني لتقرأ قصائدهم الطويلة !!!!

ثق أخي أن فتاة سويدية كانت تجري معي أبحاثا في مركز العلوم اللغوية بجامعة أوبسالا السويدية، كتبت رسالة دكتوراه عن جانب صغير جدا من شعر محمود درويش، وهو الجانب الروحي. وعقدت عشرات السمينارات حول الموضوع، في نقد تصوره في ذلك الجانب.
ولو أراد بعض الشعراء، ولا أقول كلهم في هذا التجمع أن ينقد ذلك الجانب لكتبَ صفحة واحدة بحروف كبيرة جدا في المدح والتبجيل. ولا أخال أن شاعرا كبيرا ونابغا في مستوى محمود درويش يقبل المدح بمعزل عن التقييم العلمي لأنه أعلى من أن يتملق له النقاد أو أشباه النقاد.

يُدرَسُ بعض قصائد محمود درويش في المدارس العبرية في فلسطين المحتلة. وهناك نقد وتحليل بعض النقاد لبعض قصائد محمود درويش يتجاوز العشرين صفحة. أنا قرأت تحليلا ونقدا لناقد أوربي انتقد قصيدة واحدة كتبها شاعر يهودي يصف فترة غزو نبوخذنصر لفلسطين، وكيف أخذ البابليون بعض الربانيين اليهود إلى بابل فكتبوا هناك التلمود البابلي. قرأت ذلك في كورس خاص إستغرق شهرا واحدا من الدراسة مع محاضرات كثيرة. ونحن هنا نقول يصعب علينا متابعة رد في بضعة صفحات. كيف نفهم عدونا الذي يحتل أرضنا إذا لم نطلع على طريقة تفكيرهم في النثر والشعر؟

هناك قصيائد لنزار قباني، كل قصيدة يضم كتيبا كاملا. حتى قصيدته الرقمية الموزونة وبالقافية اليائية التي كتبها عن الدكتور طه حسين تضمنت أربعة وستين بيتا، مطلعها:

ضوء عينيك أم هما نجمتان
كلهم لا يرى وأنت تراني

قرأ قباني تلك القصيدة في الاحتفال بذكرى طه حسين في فبراير عام 1975 إستغرقت قراءتها حوالي ساعة. هل هذا اختصار؟ ألم يكن له أن يكتب عشرة أسطر باختصار يقرأها في تلك الذكرى؟

وأخيرا أود أن أقول: ليس كل شاعر ناقدا، وليس كل ناقد شاعرا. فهناك شعراء لايجيدون النقد وينقدون، وهناك نقاد كبار لكنهم ليسوا شعراء. وهناك نقاد وشعراء في آن واحد مثل عباس محمود العقاد وميخائيل نعيمة. أما الألقاب التي تباع وتشترى فلا تساوي شيئا.

أتأسف إذا كان هذا الرد طويلا.
أرجوك أخي الفقيه أن تأخذ قسطا من الوقت لمتابعته.

تقبل تقديري الأخوي
خالد يونس خالد - السويد



 

free web counter