| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عبدالخالق حسين

 

 

 

 

الأحد 7 / 10 / 2007

 

 

ماذا لو انهارت أمريكا ؟ *

د.عبدالخالق حسين

بمناسبة حلول الذكرى السادسة لهجمات 11 أيلول/سبتمبر ضد الولايات المتحدة الأمريكية، استفتت أسرة صحيفة (المسار) الغراء في جامعة السلطان قابوس، عدداً من الكتاب، بمن فيهم كاتب السطور، طلبت منهم الإجابة على السؤال التالي: ماذا لو انهارت الولايات المتحدة الأمريكية ؟!! وما هي تداعيات وعواقب هذا الانهيار على العالم من الناحية الاقتصادية والثقافية و العلمية والتكنولوجية..الخ. وهل دولنا العربية وخاصة المنتجة للنفط والطاقة مستعدة لمثل هذا التصور؟ ألن يؤثر ذلك على مجريات الدول العربية ويعيدها إلى نقاط ما قبل الصفر؟ وماذا سيحل بدول كدول أفريقيا الفقيرة جدا، والتي تعاني أصلا من مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية ضخمة؟

أعتقد أن الأسئلة أعلاه وجيهة جداً ومحفزة على التفكير وجديرة بالتأمل رغم أن احتمال انهيار أمريكا هو افتراضي وتحقيقه غير ممكن خاصة في ظل الظروف التي تعيشها الدولة العظمى في زمن العولمة. ولكن مع ذلك، فهناك عدد لا يستهان به من المثقفين، وخاصة الإسلاميين والقوميين العرب، يرددون فكرة انهيار أمريكا وكأنه سيحصل قريباً، وأنه آت لا محال وحصوله مجرد وقت!! ولعل أكثر الذين رددوا فكرة انهيار أمريكا هم زعماء الحركات الإسلامية والأنظمة التي تبنت الآيديولوجية القومية العربية والإسلاموية المستبدة ومن يتعاطف مع هذه الاتجاهات.

ولكن لو تأملنا الولايات المتحدة الأمريكية بما تتميز به من إمكانيات ثقافية وعلمية وتكنولوجية واقتصادية وقدرات بشرية، وكونها دولة المؤسسات المدنية تدار بنظام ديمقراطي عريق وناضج، وشعبها يتمتع بأوسع ما يمكن من حقوق، فمن الصعوبة بمكان تصور انهيار هكذا دولة، وفي هذه الحالة، فالذين يرددون فكرة انهيار الدولة العظمى، هم من الذين أعلنوا العداء الشديد لها لأسباب آيديولوجية بحتة وبالأخص من أعداء الديمقراطية الذين يخشون سقوط أنظمتهم المستبدة، فيتمنون لها الانهيار وبأسرع وقت ممكن غير مدركين المضاعفات الكارثية لهذا الانهيار على شعوبهم وعلى العالم أجمع.

ولنطرح السؤال بشكل آخر، ماذا لو لم تقم أمريكا بالدور الذي لعبته ومازالت تلعبه في العالم منذ الحرب العالمية الأولى وإلى الآن؟ فرغم الضجيج العالي بالعداء ضد أمريكا من قبل خصومها، ولكن في الحقيقة أرى أن كل البشرية مدينة لهذه الدولة العملاقة العظمى التي قامت بإسقاط الأنظمة الفاشستية المعادية للبشرية وأخذت على عاتقها نشر الحرية والديمقراطية في مناطق مختلفة من العالم. فأمريكا هي صاحبة مبدأ (حق الشعوب في تقرير المصير) الذي أصدره الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون في أعقاب الحرب العالمية الأولى. ولولا دور أمريكا في الحرب العالمية الثانية لكانت أوربا كلها، إن لم نقل البشرية كلها، خاضعة الآن لحكم النازية الألمانية والفاشية الإيطالية والعسكرية العنصرية اليابانية، ولما تمتعت الشعوب الحرة بهذه الأنظمة الديمقراطية. ولولا أمريكا لانقرضت شعوب البلقان بالكامل في التسعينات من القرن الماضي، وخاصة المسلمة منها، على أيدي الفاشية الصربية بقيادة ميلوسوفج، ولأبيد شعب تيمور الشرقية عن آخره من قبل حكومة سوهارتو في اندونيسيا. ولولا أمريكا، لكانت جميع دول شبه الجزيرة العربية، بما فيها المملكة العربية السعودية ترزح الآن تحت نير حكم صدام حسين بعد غزوه للكويت عام 1990. أما فيما يخص المساعدات، فأمريكا تقدم نحو 60% من المساعدات الغذائية للشعوب الفقيرة في العالم الثالث.

كما وتتمتع أمريكا بأكبر عدد من الجامعات والمعاهد العلمية والثقافية وأرقاها في العالم، فأكثر من 70% من الحائزين على جائزة نوبل هم من أمريكا، وأكثر من 75% من الاكتشافات العلمية والطبية والاختراعات التكنولوجية هي من أمريكا. هذه الحقائق لا ينكرها إلا المعاند والمكابر. وهناك مفارقة وازدواجية في السلوك العربي حيث نقرأ أن 80% من العرب يكرهون أمريكا ويناصبونها العداء، ولكن في نفس الوقت يتمنى 60% منهم الهجرة إليها والعيش فيها كما أظهر ذلك تقرير التنمية العربية للأمم المتحدة لعام 2002، وربما النسبة أكثر من ذلك بكثير.

والسؤال هو: هل من الممكن أن تنهار أمريكا كما انهارت إمبراطوريات في التاريخ مثل الإمبراطورية الفارسية، والرومانية، والأموية والعباسية والعثمانية، وأخيراً الاتحاد السوفيتي؟ الجواب في رأيي، كلا. لأن هناك فرق كبير بين أمريكا وبين تلك الإمبراطوريات. فالإمبراطوريات التي انهارت كانت عبارة عن أنظمة مستبدة تضطهد شعوبها، وكانت شكل من أشكال الاستعمار، وفي مراحل وظروف تاريخية مختلفة. أما أمريكا فهي ليست إمبراطورية ولا مستبدة، بل هي من أعرق الدول الديمقراطية وشعبها يتمتع بأوسع فضاء للحريات وحقوق الإنسان كما ذكرنا آنفاً. كذلك كان توحيد ولاياتها طوعاً وليس قسراً، وتزداد أواصر هذه الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب الأمريكي بمختلف انتماءاته العرقية والدينية والطائفية واللون واللغة، يوماً بعد يوم، فالجميع سواسية أمام القانون، ولا حكم إلا للقانون، بحيث بإمكان مواطنة عادية مثل مونيكا لونسكي تقديم رئيس هذه الدولة العظمى إلى المحكمة الدستورية والمحاكم القضائية للمساءلة وترغمه على دفع التعويض لها. ولذلك أعتقد أن هكذا دولة تتمتع بكل هذه الإمكانيات والكفاءات والحريات وحكم القانون وغيرها من المواصفات، من المستبعد جداً انهيارها.

ومع ذلك، لنفترض جدلاً، وكما يتمنى لها خصومها، أن أمريكا ستنهار قريباً، فماذا سيحصل للعالم؟
اقتصادياً، إن معظم أموال الأثرياء في العالم، مستثمرة في أمريكا، والتي تقدر بمئات الترليون (الترليون= ألف مليار= مليون مليون) من الدولارات سوف تختفي، وهذا يعني الإفلاس التام لهؤلاء المستثمرين. كذلك معظم ثروات الدول مرتبطة بالبنوك والمصارف الأمريكية وبالدولار الأمريكي تحديداً، هي الأخرى ستزول، وستعلن تلك الدول إفلاسها. إضافة إلى ذلك، فمعظم الشركات والمؤسسات الاقتصادية العالمية ومتعددة الجنسيات وحتى المحلية، وجميع احتياطي الدول في العالم ستختفي لأنها مرتبطة بالدولار الأمريكي. وهذا يعني أن اقتصاد العالم كله سينهار بانهيار أمريكا. ففي ظل العولمة صارت مصالح الشركات التجارية والإنتاجية والمالية وأسواق البورصة العالمية وغيرها متداخلة ومتشابكة ومعقدة بحيث لا يمكن الفصل بينها. وانهيار أي منها سيؤثر سلباً على غيرها، فما بالك بانهيار دولة عظمى مثل أمريكا التي ارتبط بها اقتصاد العالم كله.

ومن الناحية التكنولوجية وخاصة الإلكترونية، فستحصل فوضى عارمة في جميع المجالات المالية والبنوك والمصارف والأسواق والطيران والإبحار وكل وسائل الاتصالات والمواصلات. كذلك ستتأخر عملية التطور والتقدم في المجالات العلمية والثقافية والاجتماعية، فأميركا هي المحركة لهذه العملية. فمصائر الشعوب والدول صارت مرتبطة بعضها بالبعض في ظل العولمة التي هي من نتاج أمريكا والتي هي تحصيل حاصل للتكنولوجية المتطورة في الإعلام والمواصلات والثورة المعلوماتية التي حولت العالم إلى قرية كونية صغيرة بقيادة أمريكا.

أما بالنسبة للشعوب العربية، وخاصة الخليجية وغيرها من الدول النفطية منها، فستخسر كل أرصدتها المالية المستثمرة في أمريكا وهي بعشرات الترليون من الدولارات وستعلن إفلاسها. وهذا يعني توقف الاقتصاد وعودة البلاد العربية إلى ما كانت عليه في الماضي، أي قبل اكتشاف الثروة النفطية واستثمارها. وأما الشعوب الأفريقية الفقيرة والتي تتلقى المساعدات المالية والدعم الاقتصادي والصحي والثقافي فستحرم من هذه المساعدات وستواجه هذه الشعوب الفقيرة المزيد من المشاكل الاقتصادية والتي بدورها ستؤدي إلى المزيد من حروب الإبادة وعدم الاستقرار، وبالتالي إلى هلاك أعداد كبيرة من أبناء الشعوب الفقيرة بسبب انقطاع المساعدات الأمريكية لها. كما وإن الـ 60% من المساعدات الغذائية لدول العالم الثالث الفقيرة سوف تتوقف، وهذا يعني المزيد من المجاعة وانتشار الأمراض وتصاعد وتيرة الوفيات وعدم الاستقرار.

ولا ننسى خطر انتشار السلاح النووي وغيره من سلاح الدمار الشامل، إذ هناك العديد من الدول في العالم الثالث مثل إيران وكوريا الشمالية وليبيا وغيرها، تحرم شعوبها من ثرواتها وتبددها على امتلاك السلاح النووي، وستجد نفسها في حل من أي التزام أو ردع لتحقيق طموحها في هذا المجال، وبذلك يصبح العالم عبارة عن غابة مزروعة بالسلاح النووي ومصيره بأيدي قادة الحكومات المارقة، مهدد بالفناء في أي وقت.

ومن هنا ندرك أهمية دور أمريكا كشرطي حراسة في العالم للجم هذه الدول ومنع انتشار السلاح النووي وغيره من سلاح الدمار الشامل، يعمل لحفظ السلام العالمي وحماية العالم من خطر الحرب النووية التي قد تبادر بها أية دول مارقة.
ومن كل ما تقدم، نعرف أن سلامة أمريكا وأمنها واستقرارها هي ضمانة لسلامة وأمن واستقرار العالم كله، فكما يقول الغربيون: "إذّا عطست أمريكا، فالعالم يصاب بالزكام!"

* نشرت هذه المقالة قي مجلة (المسار) العُمانية، في عددها 116 الصادر يوم 20 سبتمبر 2007، بعنوان:
إذا عطست أمريكا يصاب العالم بالزكام.