| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عبدالخالق حسين

 

 

 

الثلاثاء 6/4/ 2010



سيناريوهات تشكيل الحكومة القادمة

د.عبدالخالق حسين

حكومة المشاركة أَم المحاصصة... ما الفرق؟

بعد كل عملية إنتخابية تشريعية تتجدد المشكلة نفسها، وتحتدم الصراعات حول تشكيل الحكومة، وأية حكومة نريد؟ وفي نهاية المطاف يصطدم الجميع بصخرة الحقيقة الصلبة، وهي أنه ليس بإمكان أية قائمة فائزة تشكيل الحكومة لوحدها، بل لا بد وأن تتحالف مع كتلتين أخريين أو أكثر. ولذلك يطالب معظم السياسيين والمعلقين، المعتدلين منهم وغير المعتدلين، إسلاميين وعلمانيين، بتشكيل حكومة المشاركة، أي حكومة تضم ممثلين عن جميع مكونات الشعب العراقي من الكتل الأربع الكبرى الفائزة (العراقية، دولة القانون، الائتلاف الوطني، التحالف الكردستاني). ولكن المشكلة أنه في الوقت الذي يطالب الجميع بحكومة المشاركة الوطنية (partnership)، مازال هؤلاء يعلنون معارضتهم لما يسمى بـ"حكومة المحاصصة". وعندما تسألهم: ما الفرق بين (المشاركة والمحاصصة!!)؟ لا يعطوك الجواب الشافي الواضح والمقنع، بل يتهمونك بالجهل والدعوة للطائفية والعرقية.

والجدير بالذكر أني نشرت عن هذا الموضوع (المشاركة والمحاصصة) مقالين، أحدهما قبل عدة أعوام بعنوان (المحاصصة شر لا بد منه!! )، والثاني بعنوان: (حول إشكالية المحاصصة) قبل أشهر. وفي كلا المقالين أوضحت أنه نظراً لإنقسام الشعب العراقي على نفسه إلى تعددية الأقوام والأديان والمذاهب، وإذا أراد هذا الشعب أن يعيش بسلام، فلا بد من حكومة تضم ممثلين عن جميع مكوناته ووفق الاستحقاق الانتخابي. ونتيجة لهذه الحقيقة، تشكلت الحكومات المتعاقبة منذ سقوط حكم البعث عام 2003 من جميع مكونات هذا الفسيفساء العراقي الجميل.

ولكن هذه الحكومة الائتلافية (المشاركة الوطنية) التي ضمت ممثلين من جميع الأطياف، لم تمر بسلام، إذ ظهرت علينا جماعة من أعداء المشاركة فأطلقوا عليها عبارة "حكومة المحاصصة الطائفية البغيضة". وهذا يدل على أن الذين رفعوا عقيرتهم بالصراخ ضد ما أسموه بـ"المحاصصة" إنما يقصدون المشاركة، أي قول حق يراد به باطل، وغايتهم من ذلك إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، أي إلى عهد استحواذ فئة واحدة على السلطة والنفوذ، لتفرض سلطتها على بقية المكونات بالنار والحديد، تماماً كما كان عليه الوضع في عهد البعث الفاشي الساقط. ومن هنا نعرف أن المؤيدين لشراكة مختلف المكونات الوطنية يطلقون عليها كلمات مهذبة مثل (حكومة الشراكة الوطنية)، أما الذين يعارضونها فيستخدمون تعابير بذيئة ضدها لتشويه صورتها فيسمونها (حكومة المحاصصة الطائفية والعرقية البغيضة)، وهي عملية تلاعب بالألفاظ ليس غير، أما المعنى فواحد.

يقول الراحل علي الوردي في موضوع اللفظ والمعنى ما يلي: "إن اللفظ هو الوعاء الذي توضع فيه المعاني، فالوعاء يجب أن يكون نظيفاً سهل التناول وفيه من الاناقة الطبيعية ما يساعده على أداء وظيفته. أما إذا كان قذراً مثلوماً فإن النفس تمج الشرب منه على أي حال". ونستنتج مما تقدم أن العيب ليس في أن تضم الحكومة الإئتلافية ممثلين من مكونات الشعب، بل العيب في التسمية البذيئة عن قصد سيئ لتقبيح معنى المشاركة وتشويه صورتها لدى المواطن. ومع الأسف الشديد وقع كثيرون من الأخيار، وحتى من دعاة المشاركة أنفسهم، في هذا الفخ، فراحوا يستنكرون أية حكومة تضم مختلف مكونات الشعب وأطيافه السياسية والقومية والدينية، ويصفونها بأنها حكومة المحاصصة الطائفية العرقية البغيضة!!.

سيناريوهات تشكيل الحكومة الجديدة

أعتقد أن هناك خمسة سيناريوهات لتشكيل الحكومة، ولكن قبل مناقشتها، هناك حقيقة يجب توضيحها والاعتراف بها إذ بدونها لا يمكن تشكيل أية حكومة ديمقراطية في العراق، والحقيقة هي: أنه لا بد وأن تكون الحكومة القادمة بقيادة زعيم أحد أكبر الكتلتين الكبيرتين: إما زعيم كتلة "العراقية"، أو زعيم كتلة "دولة القانون"، وهذه الحكومة لا بد وأن تضم التحالف الكردستاني، وممثلين عن العرب السنة والشيعة يتناسب عددهم في الحكومة مع عددهم في البرلمان، أي الاستحقاق الانتخابي. وعلى ضوء هذه الحقيقة نناقش السيناريوهات كما يلي:

السيناريو الأول: حكومة الكتلة الفائزة بأكبر عدد من المقاعد، يعني في هذه الحالة أن يقوم رئيس الجمهورية الجديد بتكليف الدكتور إياد علاوي زعيم كتلة "العراقية" بتشكيل الحكومة دون مشاركة أية كتلة أخرى، وذلك وفق مبدأ «الفائز يأخذ كل شيء the winner takes it all»؟

هذا السيناريو غير ممكن عملياً، لأنه ليس بإمكان أي حزب أو تحالف أن يحكم شعباً وعدد ممثليه في البرلمان 28% فقط، أي أن 72% من النواب هم ضد هذه الحكومة.

السيناريو الثاني: حكومة الوحدة الوطنية، أي حكومة تتشكل من جميع القوى السياسية التي لها تمثيل في البرلمان بغض النظر عن نسب هذا التمثيل كما هي الحال في حكومة السيد المالكي الحالية. وإذا كانت هذه الحكومة مقبولة خلال السبع سنوات الماضية فلأن الديمقراطية كانت هشة وغير مستقرة، ولكنها غير مرغوبة في الوقت الحاضر لأن هذه الحكومة تكون ضعيفة بسبب عدم الانسجام بين مكوناتها، ولأنها بدون معارضة برلمانية، أو هناك معارضة ولكنها تتصف بالازدواجية لأنها مشاركة في الحكومة ومعارضة لها في آن واحد، بينما المطلوب في النظام الديمقراطي أن تكون هناك معارضة ديمقراطية صريحة من خارج الحكومة، ممثلة في البرلمان لتراقب أداء الحكومة وتحاسبها، لأنه لا يمكن أن تكون حكومة ديمقراطية صالحة بدون معارضة ديمقراطية صالحة. لذا فهكذا حكومة مؤلفة من جميع الكيانات السياسية هي الأخرى غير مرغوب فيها.

السيناريو الثالث: يرى البعض أن تتفق كتلة كبيرة مثل "العراقية" أو "دولة القانون" مع بعض الكيانات السياسية المنضوية في التحالفات الأخرى، وطرحوا في هذا الصدد التيار الصدري الذي حصل على 38 مقعداً في البرلمان، وكيانات أخرى مثل التوافق، والتغييرالكردستاني...الخ.

أعتقد أن هذه الحكومة ستكون ضعيفة ومصيرها مرتبط بالكتلة الصغيرة التي بإمكانها إبتزاز الحكومة وحتى إسقاطها في أي وقت ما لم تستجب رئاسة الحكومة لشروطها، وقد تكون هذه الشروط مخلة بسياسات وبرنامج القائمة الكبرى التي تقود السلطة.

السيناريو الرابع: أن تتفق جميع الكتل الأربع الكبيرة (العراقية+دولة القانون+التحالف الكردستاني+الائتلاف الوطني) في تشكيل الحكومة. أعتقد أن مثل هذه الحكومة غير ممكنة بسبب الخلافات في الرؤى، والنفور بين زعامات أكبر الكتلتين: العراقية ودولة القانون. لذلك لا أعتقد أن مثل هذه الحكومة ممكنة، وستكون هذه الحكومة بدون معارضة قوية فاعلة، وإذا تشكلت فبمقابل تنازلات كثيرة وكبيرة من قبل الجميع، وهكذا حكومة تكون غير متجانسة يمكن أن ينفرط العقد بينها وتسقط في أي وقت.

وأخيراً، السيناريو الخامس: تشكيل الحكومة من ثلاث كتل من الكتل الفائزة الكبيرة بحيث يكون عدد مقاعدها أكثر من نصف المجموع، وذلك كما يلي: إما ( العراقية + الإئتلاف الوطني + تحالف الكردستاني) بقيادة زعيم كتلة "العراقية"، وفي هذه الحالة يقود زعيم قائمة "دولة القانون" المعارضة. أو حكومة تتألف من (دولة القانون + التحالف كردستاني + الائتلاف الوطني) بقيادة زعيم كتلة "دولة القانون"، ويقود زعيم كتلة "العراقية" المعارضة.

أعتقد أن السيناريو الخامس هو أفضل السيناريوهات، لأن الحكومة المنبثقة عن هكذا تحالف ثلاثي تكون أكثر تماسكاً وإنسجاماً نسبياً، تقابلها كتلة قوية تقود المعارضة. والنظام الديمقراطي لا يستقيم إلا بوجود معارضة ديمقراطية فاعلة تراقب نشاطات الحكومة وتحاسبها على أدائها وتكشف أخطائها.

 

العنوان الإلكتروني: Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com

الموقع الإلكتروني الشخصي:
http://www.abdulkhaliqhussein.com /


 

free web counter