| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عبدالخالق حسين

 

 

 

السبت 5/ 7/ 2008



ملف خاص بمناسبة اليوبيل الذهبي لثورة تموز عام 1958

الاستاذ العزيز : د. عبد الخالق حسين

تحية حارة
يبادر موقع (الناس) إلى إعداد ملف عن ثورة 14 تموز 1958 بمناسبة يوبيلها الذهبي. ويشرفنا أن تكونوا أحد الكتاب المساهمين في هذا الملف، الذي يضم محاور متنوعة، علاوة ما تقترحونه من محاور وأسئلة أخرى أو زوايا رؤية لم يجر التطرق إليها ، ولكم منا خالص الود والشكر سلفاً .

المحاور والآسئلة المقترحة

9. من الذي يتحمل المسؤولية الرئيسية لما آلت اليه الآمور، حيث تم إجهاض ثمار نضالات وأحلام وأماني الجماهير خلال عشرات السنين؟
-
يتحمل الجميع مسؤولية إجهاض الثورة واغتيالها، ولكن تقع السؤولية الرئيسية على دور الرئيس المصري جمال عبدالناصر الذي كان يتمتع بشعبية واسعة في البلاد العربية آنذاك، فعمل على شق الصف الوطني في العراق، من أجل الوحدة الفورية، وجعل أهداف القومية العربية في حالة تقاطع وصدام مع طموحات الشعب العراقي وأهداف القوى الوطنية العراقية وقيادة الثورة، فعمل على إلغاء الجمهورية العراقية الفتية وابتلاعها في الجمهورية العربية المتحدة، باسم الوحدة العربية الطوباوية غير القابلة للتطبيق. ولتحقيق هذا الغرض، تحالف عبدالناصر مع المعسكر الغربي لإجهاض الثورة العراقية، فتم توظيف حزب البعث لشراسته في استخدام العنف ضد الخصوم السياسيين، وبقية التيار القومي الناصري، لشق الصف الوطني العراقي وضرب الثورة من الداخل، فتحقق لهم ذلك بانقلابهم الأسود يوم 8 شباط 1963 الدموي، وخسر الجميع نتيجة لهذا القصور في الإدراك والرؤيا، وتكالب الجميع على الثورة.

10. إختلف الكثيرون في تحليل شخصية قائد الثورة الشهيد عبد الكريم قاسم. فمن قائل يقول إنه دكتاتور، وآخر يقول إنه وطني حقيقي وعراقي صميمي، أو يتهم بالتناقض والتقلب. في أي موقع يمكن وضع هذا الرجل؟
-
كان قائد الثورة الشهيد الوعيم عبدالكريم قاسم، وكما وصفه ذو النون أيوب (حمامة سلام في ثوب نسر) لأنه كان في اللباس العسكري، ولكنه في السلوك كان ذلك المدني الديمقراطي الوديع والمحب للشعب وبالأخص الفقراء منهم. فهو أول من عمل على نشر روح التسامح ومبدأ (عفا الله عما سلف) في مجتمع تشبع بالعنف وروح الانتقام. وكان مؤيداً للأحزاب الوطنية، وأجازها وأطلق حرية العمل الحزبي والصحفي، ومؤسسات المجتمع المدني بمنتهى الحرية، ولكن بدلاً من دعم الثورة وحماية الوطن من التآمر الخارجي الذي كان يتهددهم، انشغلت الأحزاب في صراعات دموية فيما بينها على مصالح فئوية. كما وبذل الرجل كل ما في وسعه لإقناع القوى الوطنية والعسكرية ترك خلافاتهم الثانوية جانباً والتركيز على حماية الثورة والمصلحة الوطنية، ولكن لم يصغ إليه أحد. وإني أراه قد مرَّ في نفس الظروف التي مرَّ بها الإمام علي عندما عصاه أتباعه، فقال قولته المشهورة (لا رأي لمن لا يطاع). إن القادة من أمثال علي بن أبي طالب وعبدالكريم قاسم يذهبون عادة ضحية مثلهم العليا واخلاقيتهم العالية. فالسياسة تتطلب أحياناً الغش والخداع والتآمر على الخصوم، ومدارات المذنبين على حساب العدالة والحق، والمثاليون من أمثال قاسم يتجنبون ذلك. لذا فتقييمي لهذا الرجل كما يلي:
من هو عبدالكريم قاسم؟ عبدالكريم قاسم، شخصية وطنية نادرة، قلما يجود الزمن بمثله، جسَّدَ في شخصه وبصورة مكثفة، الجوانب الإيجابية والمشرقة من القيم والأعراف والتقاليد العراقية الجميلة المحببة إلى العراقيين في الوطنية والقومية والإنسانية والنبل والشهامة والشجاعة والكرم والمروءة والتسامح والبساطة والعفو عند المقدرة وحب الناس، وبالأخص الفقراء منهم، والثقة العالية بالنفس وبالشعب وبالناس المحيطين به والاعتماد عليهم. فكان يحب كل الناس ويعتقد أنه كل الناس دون استثناء يحبونه كذلك. وهذه الصفات النبيلة والقيم المثالية التي آمن بها، هي التي أحالت بينه وبين المكر الذي قد يلجأ إليه السياسي الداهية أحياناً لإيهام الخصوم والإيقاع بهم وإبقاء الموالين له متماسكين حوله، والحفاظ على التوازنات السياسية ووحدة القوى الوطنية.
وقد وضعته الأقدار في قمة القيادة وسلمته أعلى مسئولية لقيادة البلاد في مرحلة من أشد مراحل تاريخ العراق غلياناً وعربدة وهياجاً وانفجاراً. ففي تلك الانعطافة التاريخية الحادة كان لا بد من حصول الإنشقاق والصراع العنيف بين مكونات الشعب وقواه السياسية التي لم يسلم منها أعظم رجالات التاريخ مهما أوتوا من قدرة وكفاءة ودهاء. لذا فلست مغالياً إذا قلت أن الظروف التي مر بها قاسم وما وجهه من معانات كانت فوق طاقة أي قائد مهما كان حكيماً وداهية، أشبه بتلك التي مر بها الإمام على بن أبي طالب.
كذلك أعتقد أن عبدالكريم قاسم كان يمتلك في شخصه طاقات كامنة وإمكانيات كبيرة كسياسي ورجل دولة، ولكن لم تسمح له الظروف العاصفة بعد الثورة ولم تمنحه الوقت الكافي لإبرازها وتوظيفها في السياسة والإدارة والإعمار، لأنه ورغم تلك الظروف العاصفة وقصر الوقت، استطاع الرجل وبفترة قصيرة، أن يحقق الكثير للعراق ودون أن يكون عنده حزب أو مؤسسات استخبارية قمعية نشطة لتحميه.
وعليه أعتقد أن نهاية قاسم بتلك الطريقة اللئيمة، لا تدل على ضعفه في شيء، بل كانت حتمية فرضتها ظروف المرحلة التاريخية التي جاءت بالثورة والقوى السياسية التي ساهمت بها، ولأن تلك القوى كانت وما تزال في مرحلة المراهقة السياسية، لم تدرك المخاطر المحيقة بها. ولذلك كان قاسم وكأي شهيد في التاريخ، برز وهو أقوى بعد مصرعه مما كان عليه في حياته. وسيبقى عبدالكريم قاسم، ابن الشعب العراقي البار، رمزاً للوطنية العراقية والعدالة الاجتماعية، حياً في وجدان الأغلبية الساحقة من الشعب العراقي.

11. جبهة الأتحاد الوطني وّحدت القوى الوطنية الآساسية قبل الثورة، لماذا غاب دورها وتصدّعت بعد الساعات الأولى من نجاح الثورة؟ هل يعود ذلك إلى أن أطرافها لم يضعوا برنامجاً يتعلق بالفترة التي تلي هذا النجاح؟
-
في الحقيقة لم يغب دور الجبهة في حكومة الثورة، كذلك غير صحيح بأن أطرافها لم يضعوا برنامجاً لحكم البلاد بعد النجاح. إن التصدع الذي حصل بعد أشهر من تفجير الثورة، كان ناتجاً عن عدة عوامل، منها نقص التجربة وقلة الخبرة لدى قيادة الجبهة في التعامل في مثل هذه الظروف المستجدة والعاصفة وفي منعطف تاريخي حاد وتحولات اجتماعية سريعة لم تعهدها البلاد. والأهم من كل ذلك هو التآمر الدولي على الثورة، وبالأخص تدخل الجمهورية العربية المتحدة في شؤون الثورة العراقية، وتصميم عبدالناصر على إرباك قيادتها وبث الفرقة والصراع بين قادة الثورة، وخاصة بين الزعيم عبدالكريم قاسم والعقيد عبدالسلام محمد عارف، والقصة معروفة. لتأكيد ذلك، من المفيد أن أستشهد هنا بما أدلى به اللواء الركن عبدالوهاب الأمين، وكان يشغل منصب الملحق العسكري في القاهرة بعد ثورة 14 تموز 1958، أنه قدم تقريراً إلى الزعيم عبدالكريم قاسم ضمَّنه ما اطلع عليه خلال وجوده في القاهرة من تقديرات حول الثورة العراقية. وأكد الأمين الإشارة إلى تقريره في وثيقة نشرت في دراسة ذات وجهة ناصرية، ذكر فيها: "عدت إلى العراق في 30 تشرين الأولـ [1958] وقدمت تقريراً يحتوي على النقاط التالية: إن الرئيس عبدالناصر بعد عودته من موسكو[في 16 تموز 1958] جمع مجلس قيادة الثورة وبحث ثورة العراق ... وكان رأي عبدالناصر أن العراق قام بثورة لم تجارها ثورة مصر 23 يوليو ويعني ذلك إن قادة الثورة رجال أكفاء .. وبإمكانياتهم ونجاح ثورتهم بهذا الشكل الخاطف، فالاحتمال أنه سيقوم في العراق -لإمكانياته الكبيرة- ويقود الأمة العربية وتصبح مصر في الخلف ، وإذَاً يجب تدمير الثورة العراقية بأي ثمن" . ويقول اللواء الأمين انه حصل على هذه المعلومات من مسئول مصري كبير يحمل رتبة عميد ذكر إسمه لمؤلف كتاب ثورة الشواف ثم عاد وطلب عدم إدراج إسمه في الكتاب. (
خليل إبراهيم حسين، ثورة الشواف، ج1، ص235.).
وبنجاح عبدالناصر بدفع عبدالسلام عارف ضد عبدالكريم قاسم، حصل الإنشقاق من الرأس إلى القمة في أطراف الجبهة، التيار القومي العربي (حزب الاستقلال وحزب البعث) إلى عبدالسلام عارف من جهة، ضد التيار الوطني (الحزب الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي) إلى جانب عبدالكريم قاسم من جهة أخرى. وكذلك شمل هذا التصدع ضمن ضباط الجيش الذين ساهموا في تفجير الثورة. ثم حصل صراع بين مكونات التيار الوطني نفسه، حيث انشق الحزب الوطني إلى جناحين، جناح محمد حديد المؤيد للزعيم قاسم، والآخر بقيادة كامل الجادرجي الذي خذل الزعيم. ثم تعمق الصراع بين جميع الأطراف من أجل مكاسب وقتية وفئوية، مما فسح المجال أمام أعداء الشعب للإطاحة بالثورة.

12. الصراع الذي أندلع بُعيد إنتصار الثورة سواء على نطاق الضباط أو على نطاق القوى السياسية التي ساهمت للتحضير لهذا الإنجاز، هل دار حول قضايا سياسية أو اقتصادية - اجتماعية، أم على قضايا تتعلق ببناء الدولة الجديدة ؟ وهل كان هذا الصراع يتعلق بالصراع الإقليمي أم جزء من أفرازات الحرب الباردة المستعرة في تلك الفترة؟
-
كما أفهم من قراءتي لتاريخ تلك المرحلة، إن السبب الرئيسي للصراع بين أطراف الجبهة بدأ بفرض الوحدة العربية الفورية على قيادة الثورة من قبل التيار القومي العروبي، وبالأخص حزب البعث، بعد عشرة أيام فقط من تفجير الثورة عندما هبط ميشيل عفلق في بغداد بطائرة خاصة قادماً من دمشق، واجتمع على الفور بقيادة حزب البعث العراقي، وطرح شعار الوحدة العربية الفورية (أي إلغاء الجمهورية العراقية الفتية)، ثم دور العربية المتحدة في هذه الفتنة. بينما أرادت قيادة الثورة وقادة التيار الوطني إعمار العراق والعمل على تحسين أحوال ومعيشة الشعب العراقي أولاً، ومن ثم التوجه نحو القضايا القومية، وكان الشعار التيار الوطني هو (الإتحاد الفيدرالي) وليس الإندماج الكلي. وقد أثبت الزمن صحة موقف التيار الوطني. كذلك خوف الدول الإقليمية من وصول شرارة الثورة إلى بلدانهم، خاصة خوف شاه إيران من قانون الإصلاح الزراعي العراقي، وخوف السعودية من الخطر الشيوعي، إضافة إلى تعقيدات الوضع العراقي، و دور التآمر الدولي في ظروف الحرب الباردة، كل هذه العوامل مجتمعة وغيرها كثير، تكالبت على الثورة وساهمت في وأدها.

13. الحزب الشيوعي العراقي لعب دوراً هاماً في التهيئة للثورة وفي توجيه الشارع بعد نجاحها. كيف يقيم أداء ومواقف الحزب بإيجابياته وسلبياته؟
-
لا شك أن الحزب الشيوعي لعب دوراً كبيراً في التهيئة للثورة وذلك برفع الوعي السياسي ونشر القيم الوطنية والمعادية للاستعمار وضد العهد الملكي وسياساته آنذاك في أوساط الجماهير الشعبية. كذلك دور الحزب في تشكيل جبهة الاتحاد الوطني، الذراع السياسي للثورة، فكان هناك اتصال سري بين ممثل الحزب من خلال المرحوم عامر عبدالله، عضو اللجنة المركزية، والمرحوم رشيد المطلك، صديق الزعيم عبدالكريم قاسم. فكان الحزب على علم بالتحضيرات للثورة من قبل اللجنة العليا لتنظيم الضباط الأحرار. وبعد الثورة، لعب الحزب دوراً بارزاً في تعبئة الشارع للإلتفاف حول الثورة وقيادتها، وحماية الجمهورية من العدوان الخارجي والداخلي.
ومن سلبيات سياسة الحزب الشيوعي آنذاك، أنه أبرز بشكل علني قوته وهيمنته على الشارع، وشعبيته الواسعة، وقدرته التنظيمية على تعبئة الجماهير وقيادتها، وطرح بعض الشعارات مثل المطالبة بالمشاركة في الحكم، كل ذلك أثار رعب القوى الرجعية في الداخل، وفزع الدول الإقليمية والغربية في الخارج، مما أعطى الانطباع بأن الثورة هي شيوعية وأن الزعيم عبدالكريم قاسم شيوعي، وأن العراق مقدم على إقامة نظام شيوعي...الخ. وهذه النشاطات في فترة كانت الحرب الباردة في أوجها، اعتبرت تجاوزاً للخط الأحمر. لذا فقد ساهم هذا النشاط العلني، في إثارة أعداء الشعب العراقي والعمل في التعجيل في التآمر على الثورة واغتيالها وإعادة الحصان الجامح إلى حظيرة الدول الغربية.

14. كيف نقيم أداء ومواقف الحركات القومية العربية على الساحة العراقية، إضافة إلى أداء ومواقف الحركة القومية الكردية والحركات القومية الأخرى بعد الانتصار ودورها سلباً أو أيجاباً في مسار الأحداث اللاحقة؟ وكيف نقيم تيارات سياسية أخرى كالحزب الوطني الديمقراطي في التعامل مع الأحداث العاصفة التي تلت انتصار الثورة؟
-
هذا السؤال طويل ومتشعب، وقد يحتاج إلى كتاب كامل للإجابة عليه بشكل وافي، وفعلاً أجبت على جميع هذه الأسئلة في كتابي الموسوم (ثورة 14 تموز وعبدالكريم قاسم ) نشر عام 2002، وسيصدر بطبعة ثانية منقحة ومستفيضة هذا العام في بغداد. كما ونشرت طبعته الأولى على مواقع الانترنت وهذا هو الرابط لمن يرغب في قراءة المزيد وبشكل مفصل: 
http://albadeal.com/albadeal-2006-1/jul-1-1/31-31-31/dr-1-1.htm
ولكن يكفي أن نقول في هذه العجالة، أن جميع هذه الحركات القومية ساهمت في البداية بشكل إيجابي في دعم الثورة ونجاحها، وشاركت في الحكم. ولكن شهر العسل لم يدم طويلاً، إذ لعبت قوى الظلام لعبتها ودقت فيهم "عطر منشم" كما تقول العرب. وفي نفس الوقت كانت هذه الحركات تعاني من قصر نظر نتيجة لتخلف المرحلة وتعقيدات الوضع العراقي والإقليمي والدولي، فساهمت بشكل وآخر، وبنسب مختلفة، على ضرب ثورة 14 تموزواغيتالها، وكان مردود أعمالها معكوس على الثورة وعلى الشعب العراقي وعلى هذه الحركات ذاتها، دفع ثمنها الجميع ولحد الآن وإلى مستقبل غير منظور.
فالتيار القومي العروبي، تآمر على الثورة منذ الأشهر الأولى من اندلاعها، وقرروا إلغاء الجمهورية العراقية بإذابتها في كيان الجمهورية العربية المتحدة فوراً، وقد أشرنا إلى هذا الموضوع أعلاه.
أما حركة القومية الكردية، فالثورة حققت لها الكثير من المكاسب، حيث أكدت في الدستور المؤقت في مادته الثالثة، ولأول مرة في تاريخ العراق، أن "العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية" وهي خطوة لم تكن موجودة في القانون الأساسي (الدستور في العهد الملكي) الذي ألغي في 14 تموز 1958.
ويكفي هنا أن أستشهد بما قاله السيد مسعود بارزاني، زعيم الحركة الكردية في هذا الخصوص ما يلي: [ إني أسمح لنفسي أن أبدي ملاحظاتي وأستميح كل مناضلي الحزب الديمقراطي الكردستاني والشعب الكردي الذين مارسوا أدوارهم في تلك الفترة عذراً لأن أقول وبصراحة بأنه كان خطأً كبيراً السماح للسلبيات بالتغلب على الإيجابيات في العلاقة مع عبدالكريم قاسم، مما ساعد على تمرير مؤامرة حلف السنتو وعملائه في الداخل والشوفينيين وإحداث الفجوة الهائلة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وعبدالكريم قاسم. فمهما يقال عن هذا الرجل فإنه كان قائداً فذاً له فضل كبير يجب أن لا ننساه نحن الكرد أبداً. لا شك أنه كان منحازاً إلى طبقة الفقراء والكادحين وكان يكن كل الحب والتقدير للشعب الكردي وكان وطنياً يحب العراق والعراقيين وكان التعامل معه ممكناً لو أحسن التقدير. يُتَهَمّ عبدالكريم قاسم بالإنحراف والديكتاتورية، أتساءل هل من الإنصاف تجاوز الحق والحقيقة؟ لقد قاد الرجل ثورة عملاقة غيَّرت موازين القوى في الشرق الأوسط وألهبت الجماهير التواقة للحرية والإستقلال وشكل أول وزارة في العهد الجمهوري من قادة وممثلي جبهة الإتحاد الوطني المعارضين للنظام الملكي ومارست الأحزاب نشاطاتها بكل حرية. ولكن لنكن منصفين ونسأل أيضاً من انقلب على من؟ إن بعض الأحزاب سرعان ما عملت من أجل المصالح الحزبية الضيقة على حساب الآخرين وبدلاً من أن تحافظ أحزاب الجبهة على تماسكها الذي كان كفيلاً بمنع عبدالكريم قاسم من كل إنحراف، راحت تتصارع فيما بينها وبعضها تحاول السيطرة على الحكم وتنحية عبدالكريم قاسم ناسية أولويات مهامها الوطنية الكبرى. إني أعتبر أن الأحزاب تتحمل مسئولية أكبر من مسئولية عبدالكريم قاسم في ما حصل من انحراف على مسيرة ثورة 14 تموز (يوليو)، لأن الأحزاب لو حافظت على تماسكها وكرست جهودها من أجل العراق، كل العراق ووحدته الوطنية الصادقة، لما كان بإمكان عبدالكريم قاسم أو غيره الإنحراف عن مبادئ الثورة. إن عبدالكريم قاسم قد انتقل إلى العالم الآخر، ويكفيه شرفاً أن أعداءه الذين قتلوه بتلك الصفة الغادرة فشلوا في العثور على مستمسك واحد يدينه بالعمالة أو الفساد أو الخيانة. واضطروا إلى أن يشهدوا له بالنزاهة والوطنية رحمه الله. لم أكره عبدالكريم قاسم أبداً حتى عندما كان يرسل أسراب طائراته لتقصفنا، إذ كنت امتلك قناعة بأنه قدم كثيراً لنا، كشعب وكأسرة لا يتحمل لوحده مسئولية ما آلت إليه الأمور. ولا زلت أعتقد أنه أفضل من حكم العراق حتى الآن. (مسعود البارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، فصل عن ثورة 14 تموز 1958، من كتاب: البارزاني والحركة التحررية الكردية.)
أما الحزب الوطني الديمقراطي، فكان له حصة الأسد في تشكيل حكومة تموز الأولى، وكان الزعيم قاسم متأثراً جداً بمبادئ وأهداف الحزب، وكان يعتبر نفسه تلميذاً لزعيم الحزب المرحوم كامل الجادرجي، إلا إن الأخير، و لنرجسيته المفرطة، وتجربته الفاشلة السابقة في تأييده لإنقلاب بكر صدقي وندمه فيما بعد، رفض التعاون مع الزعيم قاسم وانقلب عليه وخذله، وخرج على القسم الأكبر من قادة حزبه، مما أدى إلى انشقاق الحزب، وولادة الحزب الوطني التقدمي بقيادة المرحوم محمد حديد الذي بقي وفياً للثورة ولقائدها إلى آخر لحظة. وبالتالي أعلن الجادرجي تجميد ما تبقى من حزبه ثم أعلن الإعتزال السياسي. لقد أخطأ الجادرجي مرتين، الأولى عندما أيد انقلاب بكر صدقي عام 1936، وهو لا يستحق التأييد، والثانية عندما رفض دعم الزعيم عبدالكريم قاسم، وهو يستحق كل التأييد، فشتان بين صدقي وقاسم. فالأول كان مدفوعات بطموحات نابليونية وبلا رسالة، بينما كان الزعيم قاسم ذا رسالة وطنية وإنسانية ويقود ثورة حقيقية. ولمن يرغب في المزيد، فاليفتح هذا الرابط:
ثورة 14 تموز وعبدالكريم قاسم (5)ثورة 14 تموز وموضوعة الديمقراطية
http://albadeal.com/albadeal-2006-1/jul-1-1/15-15-15/dr-1-1.htm

15. موقف عبد الكريم قاسم من الحقوق القومية للشعب الكردي والحرب التي شنها ضد الشعب الكردي. هل كان تعاون قيادة الثورة الكردية مع حزب البعث لاسقاط حكم قاسم صحيحاً؟ وإن لم يكن صحيحاً، فماهي خياراتها الأخرى؟
-
أحيل القارئ الكريم إلى جوابي في السؤال رقم 14 حيث أجبت عليه، وللمزيد، أرجو فتح الرابط أدناه:
ثورة 14 تموز وعبدالكريم قاسم (7)الثورة والقضية الكردية
http://albadeal.com/albadeal-2006-1/jul-1-1/17-17-17/dr-1-1.htm

16. ما هو تقييمكم لأهم أجراءات النظام الجديد بدءاً من أعلان الجمهورية والخروج من حلف بغداد ودائرة الاسترليني وأعلان قانون الأصلاح الزراعي وتوفير الحريات المهنية والنقابية وحتى السياسية، رغم محدوديتها، وأصدار الدستور المؤقت الذي يعلن البلاد شراكة بين القوميات القاطنة في العراق، وأصدار قانون الأحوال الشخصية ووضع البلاد على سكة التنمية والإعمار، وأخيراً أصدار قانون رقم 80 الهام الخاص بالثروة النفطية العراقية؟ ما دور هذه الإجراءات في استثارة قوى الردة في الداخل والخارج للأجهاز على الثورة في 8 شباط عام 1963؟
-
هذا السؤال هو الآخر طويل ومتشعب، ويحتاج إلى كتاب، أحيل لمن يرغب في المزيد من القراء الكرام إلى الرابطين التاليين:
1- ثورة 14 تموز وعبدالكريم قاسم (4)منجزات ثورة 14 تموز 1958
http://albadeal.com/albadeal-2006-1/jul-1-1/14-14-14/dr-1-1.htm
2- دور قانون رقم 80 في اغتيال ثورة 14 تموز
http://al-nnas.com/ARTICLE/KhHussen/7bth.htm


أرجو أن أكون قد وفيت بما يجب على قدر الامكان، ولا أدعي احتكار الحقيقة، فالحقيقة كالهرم، لها عدة وجوه .
مع خالص الشكر والتقدير

عبدالخالق حسين
 


¤ الجزء الأول


 

free web counter