| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عبدالخالق حسين

 

 

 

الجمعة 5/2/ 2010



عواقب وخيمة لقرار الهيئة التمييزية لمشاركة البعثيين في الإنتخابات

د.عبدالخالق حسين

كنا قد استبشرنا خيراً بتشكيل الهيئة التمييزية من سبعة قضاة مستقلين صوت عليها البرلمان العراقي قبل أسابيع، مهمتها النظر في الطعون المقدمة من قبل الذين شملهم قرار (هيئة المساءلة والعدالة) بمنعهم من المشاركة في الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها يو 7 آذار القادم. واعتقدنا أن هذه الهيئة التمييزية ستضع حداً للمنازعات وإعادة الحق إلى نصابه، خاصة وأن أحكامها ملزمة لجميع الأطراف. ولكن مع الأسف الشديد، سرعان ما تبخرت آمالنا بعد صدور أول قرار لهذه الهيئة التي سمحت لجميع الذين شملهم قرار المنع دون أي تمييز وبدون أن تكلف الهيئة نفسها النظر في خلفيات المبعدين وأوراقهم بحجة ضيق الوقت.

لا شك أن قرار الهيئة التمييزية جاء متسرعاً، الأمر الذي جعلنا نعتقد أن هناك فوضى وعدم تنسيق وإنسجام بين مؤسسات الدولة العراقية المسؤولة عن تنظيم وإدارة الانتخابات التشريعية. وهذه الفوضى ليست غريبة في هذا الوقت العصيب إذا ما أخذنا بالحسبان الوضع العراقي المعقد، والصراعات العنيفة الجارية بين مختلف الفرقاء في العراق، والخبرة الواسعة لفلول البعث حول خلط الأوراق ونشر البلبلة وتوظيف جميع الوسائل المتاحة في الداخل والخارج لصالحه، إضافة إلى دور العامل الخارجي في دعم البعثيين ومشاركتهم في الانتخابات، لا لإنجاح العملية السياسية بل لتخريبها.

فقبل فترة أصدرت (هيئة المسائلة والعدالة) بناءً على طلب من المفوضية العليا للانتخابات، قائمة بأسماء أشخاص وكيانات سياسية التي يمنعها الدستور من المشاركة في العملية السياسية وفق مادته السابعة (أولاً) التي تنص: "يحظر كل كيانٍ او نهجٍ يتبنى العنصرية او الارهاب او التكفير أو التطهير الطائفي، او يحرض أو يمهد أو يمجد او يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه، وتحت أي مسمىً كان، ولا يجوز ان يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون.".

الملاحظ في هذا النص أنه لا يشمل (البعث الصدامي) فقط، بل أكد عليه ضمن قائمة طويلة من الكيانات الأخرى، كما وأكد (وتحت أي مسمىً كان، ولا يجوز ان يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق،..). لذلك نرى الدستور واضحاً في تشخيص الأفراد والكيانات التي يشملها المنع بدون أي مجال للتأويل.

ومن أشهر الشخصيات التي شملها الإبعاد عن المشاركة وفق المعلومات التي قدمتها هيئة المساءلة والعدالة هما: صالح المطلك وظافر العاني، وذلك لتمجيدهما لحزب البعث علناً في القنوات الفضائية العربية. وعلى ضوء هذه التعليمات أصدرت المفوضية العليا للإنتخابات قرارها بمنع تلك الشخصيات والكيانات السياسية من المشاركة وذلك بعد التأكيد من أدلة هيئة المساءلة. ولكن علمنا مؤخراً من وكالات الأنباء، أن الهيئة التمييزية ألغت قرار المفوضية جملة وتفصيلاً وسمحت بمشاركة جميع المرشحين البعثيين في الانتخابات القادمة دون أي تمييز، بحجة ضيق الوقت للنظر في معاملات الممنوعة مشاركتهم، وأنه يمكن التحقيق في ذلك بعد الانتخابات!! كما وقال السيد رئيس الجمهورية أنه يجب ترك الأمر للناخب العراقي ليقرر موقفه من المرشحين البعثيين!!

لقد بات واضحاً أن قرار الهيئة التمييزية جاء بعد الضغوط الشديدة من إدارة الرئيس الأمريكي أوباما، التي غيرت موقفها مؤخراً من البعث وبتأثير من بعض الدول العربية الصديقة لأمريكا، حيث صارت ترغب بعودة البعث إلى السلطة في العراق على أمل استخدامه أداة ضاربة للوقوف في وجه الخطر الإيراني في المنطقة. يبدو أن إدارة أوباما مقتنعة بطلبات هذه الدول في مشاركة البعثيين في الحكومة العراقية، (وبعد كل تلك التضحيات الأمريكية، البشرية والمادية، في سبيل التخلص من حكم البعث وشروره)، لذلك فرض السفير الأمريكي في بغداد، كريستوفر هيل، ضغوطاً على المسؤولين العراقيين لإلغاء قرار منع البعثيين من المشاركة في الانتخابات، وما حكم الهيئة التمييزية إلا غطاء قانوني لحفظ ماء الوجه بإضفاء الشرعية على القرار.

لقد حصلت ردود أفعال متباينة لهذا القرار، تتلخص في رفض معظم الكتل له، عدا (الكتلة العراقية) التي يترأسها أياد علاوي، والتي تضم البعثيين السابقين بينهم عدد من المشمولين بقرار الإبعاد مثل ظافر العاني وصالح المطلك. ولكن معظم الكتل الأخرى عارضته مثل (قائمة الإئتلاف الوطني) بزعامة السيد عمار الحكيم، وقائمة (دولة القانون) بزعامة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي، وكذلك التحالف الكوردستاني حيث صرح الدكتور فؤاد معصوم رئيس كتلة التحالف الكوردستاني في مجلس النواب العراقي بما يلي: "يؤكد التحالف الكوردستاني على موقفه الثابت والمبدئي حول ضرورة إجراء انتخابات حرة ونزيهة تستند الى الدستور العراقي، الذي حرم وفي بنود صريحة البعثيين الصداميين الذين أجرموا بحق الشعب العراقي في المشاركة في العملية السياسية ومنها الانتخابات التشريعية، وأن كتلة التحالف الكوردستاني تدرس الآن اتخاذ موقف صريح وواضح من موضوع السماح لهؤلاء بالمشاركة في الانتخابات القادمة، يستند الى الدستور، وبما يعزز إجراء انتخابات ديمقراطية وشفافة..."

وبناءً على ما تقدم، نرى أن هناك عواقب وخيمة تترتب على قرار الهيئة التمييزية، نذكر منها ما يلي:
أولاً، نظراً لكون قرار الهيئة ملزم للجميع ونهائي، لذلك كان يجب أن يأتي بعد دراسة وافية ومتأنية للأوراق والحجج القانونية التي اعتمدتها هيئة المساءلة والعدالة في تبرير الإبعاد، ودون أن يكون مخالفاً للدستور، خاصة وأنها هيئة قانونية مؤلفة من سبعة قضاة مستقلين، المفترض بهم الحيادية والعدالة والالتزام بالدستور وقوانين الدولة أكثر من غيرهم. وغني عن القول أن قرار الهيئة التمييزية مخالف للماة السابعة من الدستور، التي أشرنا إليها أعلاه،

ثانياً، إن مخالفة الدستور من قبل هيئة قضائية مستقلة عليا، سابقة خطيرة تمهد الطريق لمخالفات لاحقة في المستقبل، وهذا يؤدي إلى عدم احترام الدستور والتجاوز عليه، وبادرة خطيرة تضر بسمعة الهيئة والدولة العراقية والديمقراطية الناشئة.

ثالثاً، يبدو أن الهيئة تسرعت في إصدار قرارها دون أن تكلف نفسها عناء البحث في الطعون وأوراق هيئة المساءلة، إذ كما قال متحدث رئاسة كردستان أنه "كان يتوجب على الهيئة التمييزية أن تنظر في الطعون المقدمة اليها ودراستها لخلفية الأسماء المشمولة بقانون المساءلة والعدالة قبل اتخاذ هذا الموقف ومنحها حق المشاركة لهؤلاء في الانتخابات...لأن القائمة التي أعدتها هيئة المساءلة والعدالة تضم أشخاصا ظالعين في أعمال جرمية ضد أبناء الشعب العراقي كما وتضم آخرين لهم مواقف سياسية معينة"

رابعاً، أعطت الهيئة إنطباعاً أنها تفتقر إلى الإستقلالية والحيادية والالتزام بالقانون، إذ جاء قرارها تلبية لطلب السفير الأمريكي وجهات أخرى، كما جاء في الأخبار، الأمر الذي يؤدي إلى عدم الثقة بها.
خامساً، إن تدخل السفير الأمريكي جاء مخالفاً لما صرح به نائب الرئيس الأمريكي السيد جو بايدن قبل أيام إثناء زيارته لبغداد بأن أمريكا سوف لن تتدخل في هذا الأمر لأنه شأن داخلي بحت وأن أمريكا تحترم السيادة الوطنية العراقية. وهذا أيضاً يسيء بمصداقية تصريحات المسؤولين الأمريكيين.

وختاماً، رغم أني لست متخصصاً بالقوانين، ولكني أعرف، إذ من نافلة القول، أن التحجج بضيق الوقت لا يعطي للهيئة التمييزية العذر لمخالفة الدستور، كذلك تأجيل النظر في شرعية المرشحين البعثيين أو عدمها لما بعد الانتخابات، أمر غير ممكن قانوناً، لأن بعد الانتخابات يكون البعض من هؤلاء المرشحين قد صار نائباً في البرلمان، وفي هذه الحالة لا يمكن مقاضاتهم لأنهم يتمتعون بالحصانة البرلمانية، ولتجريدهم من هذه الحصانة يحتاج موافقة ثلثي الأعضاء، وهذا أشبه بالمستحيل، لأنه في الدورة البرلمانية الحالية هناك 13 نائباً صدر بحقهم قرار من المحكمة الجنائية في بغداد لإلقاء القبض عليهم ومقاضاتهم بتهمة تورطهم في أعمال إرهابية، ولكنهم بقوا طلقاء لحد الآن لعدم إمكانية الحصول على موافقة ثلثي الأعضاء لنزع الحصانة منهم، وهذا يدل على أن أكثر من ثلث أعضاء البرلمان هم إما متعاطفون أو مشاركون مع الإرهاب.

أما رأي فخامة رئيس الجمهورية بترك الأمر إلى الناخب العراقي ليقرر موقفه من المرشحين البعثيين فهو الآخر مخالف للدستور، ونذكره بأن الحزب النازي الألماني بقيادة هتلر جاء إلى الحكم عن طريق صناديق الإقتراع، ونتيجة لذلك، قرر الدستور الألماني بعد الحرب العالمية الثانية منع النازيين من المشاركة في العملية السياسية، بل وحتى في وظائف التدريس ولحد الآن. علماً بأن في العراق سمح لجميع المعلمين المحسوبين على البعث بالعودة إلى وظائفهم وذلك لكون معظمهم لم يكونوا بعثيين أصلاً وإن أنتموا إلى حزب البعث لأساب باتت معروفة.
كذلك يدعي البعض أن قرار هيئة المساءلة والعدالة مجحف لأن معظم الذين انتموا إلى حزب البعث كانوا مرغمين وذلك لتأمين معيشتهم. وهذا صحيح، وطالبنا ومازلنا نطالب بعودة هؤلاء إلى وظائفهم، ولكن سؤالنا هو: هل صالح المطلك وظافر العاني وأمثالهما مرغمين الآن للتمجيد بالبعث والترويج له؟ أفتونا يرحمكم الله!!!!

 

هامش: تقرير ذو علاقة بالموضوع:
فؤاد معصوم : ندرس الآن اتخاذ موقف صريح من مشاركة الصداميين في الانتخابات
http://www.akhbaar.org/wesima_articles/index-20100204-84685.html

 

العنوان الإلكتروني: Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com

الموقع الإلكتروني الشخصي:
http://www.abdulkhaliqhussein.com /


 

free web counter