| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عبدالخالق حسين

 

 

 

السبت 31/ 5 / 2008



على هامش مؤتمر العهد الدولي الثاني

د.عبدالخالق حسين

عقد في ستوكهولم، عاصمة السويد، يوم الخميس 29 مايو/أيار 2008، المؤتمر الثاني للعهد الدولي بشأن العراق. والعهد الدولي هو عبارة عن مخطط تنموى على الصعيدين الاقتصادي والسياسي لمدة خمس سنوات اقر في المؤتمر الدولي الأول الذي عقد في مايو/ أيار عام 2007 في منتجع شرم الشيخ المصري. وقد تعهد خلال ذلك الاجتماع مسؤولون رفيعو المستوى يمثلون اكثر من 60 دولة ومنظمة، الغاء 30 مليار دولار من ديون العراق، كما ألزموا الحكومة العراقية بتنفيذ ما عليها من واجبات معينة على الصعيد الأمني والاقتصادي والسياسي. أما المؤتمر الثاني في ستوكهولم، فقد حضره ممثلون من نحو مائة دولة ومنظمة دولية، وعلى رأسها الأمين العام للأمم المتحدة، السيد بان كي مون. كما حضره من الجانب العراقي وفد رفيع المستوى برئاسة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي.

وكان هدف العراق من المؤتمر، وكما جاء في خطاب السيد المالكي، مناشدة الدول التي وقعت على وثيقة العهد الدولي في المؤتمر الأول بـ "الالتزام بدعم سيادة العراق، ومنع التدخل في شؤونه الداخلية، والتعاون المشترك لخلق مناخات ملائمة للتفاهم الإقليمي والدولي، وإنهاء العقوبات الدولية بموجب البند السابع التي جرها النظام السابق على الشعب العراقي، وإلغاء الديون والتعويضات المتبقية المترتبة على العراق، نتيجة مغامرات النظام السابق وحروبه الداخلية مع دول الجوار وبرنامجه التسليحي."

أما غرض ممثلي المجتمع الدولي من حضور المؤتمر، فبالإضافة إلى ما ذكره السيد المالكي، هو الإطلاع على جرد حساب للتأكد من نشاطات الحكومة العراقية فيما إذا وفت هي بدورها بما عاهدت به المجتمع الدولي من التزامات، وهل نفذت من جانبها الواجبات التي طلبت منها في تلك الوثيقة. وقد قدم المالكي جرداً شاملاً لما قامت به حكومته منذ المؤتمر الأول في شرم الشيخ إلى الآن. ومن القائمة الطويلة من الإنجازات التي ذكرها السيد المالكي في خطابه الشامل أمام الوفود، يأتي على رأسها العمل على تحسين الوضع الأمني وإلحاق الهزيمة بالإرهاب، ومواصلة العمل على إلغاء المليشيات، وبناء القوات المسلحة ومؤسسات الدولة، وتوفير الخدمات، وإيجاد العمل للعاطلين، وتحسين الاقتصاد. يبدو من تلك الكلمة أن المالكي استطاع إقناع الوفود بأن حكومته قد قطعت شوطاً بعيداً في معظم هذه المجالات، وحققت إنجازات لا يستهان بها في ظروف صعبة للغاية مليئة بالمشاكل مثل: تفشي الجريمة المنظمة والإرهاب الدولي وانتشار الفساد الإداري.

ولنكون منصفين في حكمنا على المالكي وحكومته، يبدو أنه فعلاً قد حقق نجاحات لا يستهان بها في عدة ميادين، حيث استطاع إقناع ممثلي المجتمع الدولي بالمساعي المبذولة من جانب حكومته في تنفيذ ما قطعه على نفسه من تعهدات والتزامات أمام المجتمع الدولي. والدليل على ذلك هو ما جاء في البيان الختامي للمؤتمر الذي اقر فيه "بان الجهود التي تبذلها الحكومة ساهمت في إحراز تقدم في العراق. ودعا المجتمع الدولي إلى دعم العراق. وأن المشاركين في المؤتمر يعترفون بالجهود الكبيرة التي بذلتها الحكومة العراقية، كما وأشادوا بأن النجاحات التي تحققت ترتدي أهمية اكبر بالنظر الى الظروف الصعبة التي تحققت فيها."

وشهادة أخرى جاءت في صالح المالكي عندما أشاد الأمين العام للأمم المتحدة السيد بانكي مون، في كلمته في المؤتمر قائلاً: "ان العراق يبتعد عن الهوة التي كنا نخشى ان يقع فيها" وأنه "تم احراز تقدم ملحوظ في ثلاثة ميادين أساسية: هي الأمن والسياسة والاقتصاد على الرغم من التحديات". وأضاف: "لذا فان الحكومة والشعب العراقيين يستحقان التهنئة".

بالطبع لا تعني هذه الشهادات أن الحكومة العراقية قد حققت كل شيء، إذ كما قال الأمين العام للأمم المتحدة بعد انتهاء المؤتمر، انه لا بد من الإقرار "بوجود الكثير من العمل الذي لا يزال من الضروري القيام به" لا سيما على صعيد المصالحة الوطنية وحقوق الإنسان. وأن "العراق لا يزال يحتاج إلى مساعدة".

وبناءً على ما تقدم، نستنج ما يلي:
1- رغم الحملات الإرهابية الشرسة من قبل فلول البعث وحلفائهم من أتباع القاعدة والدول الراعية للإرهاب مثل إيران وسوريا ضد العراق الديمقراطي الجديد، فإن العملية السياسية تسير بخطى متزنة نحو النجاح يوماً بعد يوم، وأن حكومة المالكي المؤلفة من المخلصين الممثلين لمكونات الشعب العراقي، أثبتت نجاحها في مختلف المجالات والأصعدة، وأن أعداء العراق هم في هزيمة مستمرة يلفظون أنفاسهم الأخيرة.
2- إن نجاح مؤتمر ستوكهولم، وشهادة وفود نحو مائة دولة والأمين العام للأمم المتحدة بنجاح الحكومة العراقية، جاءت ضربة قاصمة، وخيبة أمل شديدة لأعداء العراق من الذين ما انفكوا ينعقون ليل نهار، بأن المالكي طائفي وضعيف وأنه عميل لإيران ومنحاز إلى هذه الجهة وتلك... إلى آخره من قائمة طويلة من الاتهامات الباطلة، إضافة إلى المبالغة القصوى في تهمة الفساد لحرق الأخضر بسعر اليابس. فهناك نوع من البشر هم بالأساس ضد النجاح. وكل نجاح تحققه الحكومة العراقية يعتبرونها بمثابة كارثة عليهم. إذ نشاهد على شاشات التلفزة العشرات من أيتام البعث ومرتزقتهم، كيل الاتهامات الظالمة ضد الحكومة العراقية ويصورون الوضع كما لو مقدم على الانهيار غداً وأن البعث قادم لا محال. بينما الواقع أثبت أن البعث انتهى مكانه الطبيعي في مزبلة التاريخ وإلى الأبد. أما تنظيم القاعدة الإرهابي، فهو مطارد، وتم سحقه في معظم الأماكن التي عشش فيها. لذا فليس أفضل جواب على أعداء العراق من العمل المثمر.
3- وشهادة أخرى بهزيمة القاعدة جاءت من مايكل هايدن، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، أكد فيها إن تنظيم القاعدة هزم تقريبا في العراق والمملكة العربية السعودية، وإنه في موقف الدفاع في دول أخرى. وأن مشاعر المسلمين انقلبت ضد القاعدة بعد أن كانت متعاطفة معها، وذلك لبشاعة الجرائم التي ارتكبها الإرهابيون باسم الإسلام. وتأتي تصريحات هايدن التي وصفها مراسلون بأنها متفائلة، بعد أقل من عام على تحذير الوكالة التي يرأسها من انتعاش أنشطة القاعدة. (تقرير موقع بي بي سي العربية، 30/5/2008).
4- أثبت المؤتمر دور العولمة وأهميتها في مساعدة الشعوب في التغلب على مشاكلها في زمن تحول العالم إلى قرية كونية صغيرة، فالمشكلة المحلية أو الوطنية هي مشكل عالمية، ومن حق المجتمع الدولي، بل قل ومن واجبه، التدخل لدعم الشعوب عند الحاجة. فهكذا كان دور المجتمع الدولي في تقديم المساعدات للشعوب التي تعرضت للكوارث الطبيعية، التسونامي في دول حوض المحيط الهندي عام 2004، وإعصار نرجس في بورما، و زلزال الصين هذا العام... الخ. وكذلك دور المجتمع الدولي في مواجهة ومكافحة الإرهاب. وما حصل في مؤتمر ستوكهولم هو رد مفحم على أعداء العولمة من دعاة العزلة من أهل الكهف من اليسار واليمين المتطرفين.
5- كان المؤتمر انتصاراً لرئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي وحكومته، حيث أثبت للعالم أنه فوق الطافية والفئوية، وأنه وحكومته حققا إنجازات لا يستهان بها، ونفذ ما تعهد به للمجتمع الدولي في مؤتمر شرم الشيخ من العام الماضي على الرغم من الصعوبات البالغة. ومن هنا نعتقد أن السيد نوري المالكي برز كرجل دولة شجاع وصبور ومثابر ومخلص للشعب العراقي دون أي تمييز، يستحق من كل مخلص ذي ضمير كل الدعم والتقدير والتشجيع لمواصلة السير في تحقيق المزيد من الإنجازات والمكاسب.
6- نقول للمتشائمين بمستقبل العراق، والذين لا يقدمون سوى المناحات والبكائيات واللطميات وندب الحظ العاثر، أن يعيدوا النظر في حساباتهم وفي رؤاهم عن المستقبل ويرتفعوا إلى مستوى المسؤولية. وليعرفوا إن ما اقترفته حكومات الأيديولوجية القومية العربية، وخاصة بنسختها البعثية الفاشية من خراب ودمار بحق الشعب العراقي خلال أربعين عاماً، ليس بالإمكان التخلص منه بين عشية وضحاها وبعصا سحرية وعلى طريقة "كن فيكون". فالعملية تستغرق وقتاً. وما هذه الآلام التي يعاني منها الشعب العراقي منذ سقوط البعث الفاشي إلى الآن، إلا آلام المخاض العسير لولادة العراق الجديد، عراق كل العراقيين دون استثناء، خال من أي تمييز عرقي أو ديني أو طائفي أو جنسي (جندري).

وأخيراً، وليس آخراً، أقول وقد يستغرب القارئ من قولي هذا، أنه من حسن حظ الشعب العراقي أن تم إسقاط حكم البعث الفاشي بواسطة الدولة العظمى أمريكا، بغض النظر عن غرض أمريكا من إسقاط هذا النظام المجرم، سواء من أجل النفط أو لسواد عيون العراقيين!! هذا لا يهمني، فالذي يهمني هو خلاص الشعب العراقي من أبشع نظام عرفه التاريخ، وفسح المجال أمامه ليختار طريقه كما يريد في الحكم والحياة.
نعم، أنا من الذين رحبوا ومازلت أرحب بالدور الأمريكي في إسقاط حكم البعث رغم ما حصل من مضاعفات، وذلك للأسباب التالية:
أولاً، لأنه كان من المستحيل إطلاقاً إسقاط حكم البعث عن طريق العراقيين لوحدهم دون دعم الدولة العظمى، وذلك لأن نظام البعث كان على استعداد تام أن يبيد الشعب العراقي عن آخره في سبيل البقاء في الحكم وجعله وراثياً لأبناء وأحفاد صدام حسين، ومواصلة تفريغ العراق من شعبه قتلاً وتهجيراً.
ثانيا، وحتى لو فرضنا جدلاً أنه تم إسقاط حكم البعث الصدامي على أيدي العراقيين وحدهم، لكان مصير العراق كمصير الصومال وربما أسوأ.
ثالثاً، لم تكتف أمريكا بإسقاط حكم البعث الجائر، بل عملت ومازالت تعمل على مساعدة الشعب العراقي على إسقاط المئات المليارات الدولارات من الديون وتعويضات الحروب التي ارتكبها النظام الساقط وتركها على كاهل الشعب الذي لم يكن له ناقة ولا جمل في تلك الحروب القذرة.
فشكراً لمنطق التاريخ الذي سخر لنا الدولة العظمى في إسقاط الأنظمة الجائرة، وشكراً لأمريكا التي استجابت لمنطق التاريخ فأسقطت لنا أبشع نظام همجي سادي في مزبلة التاريخ وإلى غير رجعة، وعملت على إسقاط الديون الباهظة عن كاهل الشعب العراقي الذي حرم من ثرواته في عهد الفاشية، وشكراً لجميع الشعوب والحكومات التي ساعدت الشعب العراقي على النهوض والخروج من عصر الظلمات البعثي إلى نور الحضارة والديمقراطية في القرن الحادي والعشرين، وليذهب جميع أعداء العراق الجديد من أهل الكهف إلى الجحيم. فالحق والنصر المؤزر إلى جانب شعبنا وحلفائه وكل السائرين مع منطق التاريخ.















 


 

free web counter