| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عبدالخالق حسين

 

 

 

 

الخميس 29 /3/ 2007

 

 

قضية الأقليات والمرأة في الشرق الأوسط...المشكلة والحل!! *


د.عبدالخالق حسين

مقدمة
لا شك إن الأقليات والمرأة في دول الشرق الأوسط تعاني الكثير من المظالم والإجحاف بسبب اختلافها عن هويات السلطات الحاكمة أو الأكثرية، إما في العرق أو الدين أو المذهب أو اللغة وكذلك في الجنس (الجندر) في حالة المرأة. وكان هذا التمييز في التعامل بين أبناء الوطن الواحد سبباً مهماً في عدم استقرار دول المنطقة وعرقلة تقدمها. لذلك عقد ولأول مرة في التاريخ، مؤتمر في زيورِخ /سويسرا، ما بين 24 و26 من مارس 2007، برعاية منظمة (الأقباط متحدون) وعميدها المهندس عدلي أبادير يوسف، دُعِيَ إليه ممثلون عن الأقليات وعدد غير قليل من المثقفين الليبراليين من العرب المسلمين الذين ينتمون إلى الأغلبية من شعوب المنطقة، ويدافعون عن حقوق هذه الأقليات، لمناقشة هذه المحنة وأسبابها والبحث عن الحلول الناجعة لها. وكان كاتب هذه السطور أحد المدعوين إلى هذا المؤتمر، لا لأنه من الأقليات بل لأنه نصير لها ويؤمن إيماناً جازماً بأن لا يمكن لأية أغلبية أن تكون حرة ما لم تقبل بالمساواة مع الأقليات في الحقوق والواجبات وأن تتوقف عن اضطهاد غيرها. إذ كما قال ماركس: " أن أمة تستعبد أخرى لا يمكن أن تكون حرة". وهذا القول ينطبق على حالة التعامل مع الأقليات في الوطن الواحد أيضاً.

1- هل هناك مشكلة أقليات في الشرق الأوسط ؟
هناك من اعترض على عقد هذا المؤتمر بقوله، أن جميع شعوب دول الشرق الأوسط مضطهدة من قبل حكوماتها المستبدة، فلماذا مؤتمر خاص بالأقليات فقط؟

وجوابي على ذلك، هو: نعم جميع شعوب المنطقة مضطهدة من قبل الأنظمة المستبدة، ولكن الظلم هنا على أنواع ودرجات. فحصة الأقليات من الظلم مضاعفة، لأن الأقليات تمثل الحلقة الأضعف في المجتمعات البشرية وخاصة المتخلفة منها، كمجتمعاتنا في الشرق الأوسط والعربية منها بوجه خاص. وفي هذه الحالة يقع عليها الظلم ليس من قبل السلطة الجائرة فحسب، بل ومن قبل استبداد المجتمع الجائر أيضاً. وعلى سبيل المثال لا الحصر، الشعب السوداني مضطهد بكامله، ولكن حصة الأقليات في دارفور الإبادة. وكان الشعب العراقي في عهد البعث مضطهداً بكامله، ولكن حصة الأكراد كانت إبادة الجنس عن طريق الغازات السامة في حلبجة وعمليات الأنفال وغيرها، والمقابر الجماعية كانت من حصة الشيعة العرب في الوسط والجنوب. كذلك الشعب المصري مضطهد بكامله، ولكن الأقباط حصتهم مضاعفة من الاضطهاد، ولذلك فرغم الإنفجار السكاني في مصر إلا إن نسبة الأقباط في التعداد السكاني في تناقص بسبب الهجرة التي هي نتيجة الاضطهاد. الشعب السعودي بلا حقوق ديمقراطية ولكن الشيعة لا يعترف بهم كمواطنين أساساً ولا تقبل منهم حتى شهاداتهم في المحاكم. السنة في إيران غير معترف بحقوقهم الوطنية وممنوع عليهم حتى بناء مسجد لهم في طهران العاصمة. واليهود كانوا يشكلون نحو ثلث سكان بغداد عند تأسيس الدولة العراقية بعد الحرب العالمية الأولى، وقد تناقصوا تدريجياً إلى أن اختفوا بالكامل في عهد حكم البعث. وكذلك الأقليات الأخرى في العراق من المسيحيين والصابئة المندائيين في تناقص سريع وعلى وشك الاختفاء وخاصة بعد تحرير العراق من حكم البعث، وذلك بسبب حرب الإبادة التي شنتها المليشيات الإسلامية والإرهاب الإسلاموي ضدها. فعدد الصابئة المندائيين في عهد حكم البعث كان نحو 60 ألف نسمة بينما الباقي منهم الآن لا يتجاوز خمسة آلاف، وهكذا حال الأقليات الدينية الأخرى.

2- أقلية ضمن أقلية
كذلك توجد في بعض البلدان العربية أقلية ضمن أقلية. ففي العراق مثلاً عندنا القومية الكردية التي كانت مضطهدة من قبل الحكومات المتعاقبة وخاصة في عهد البعث الساقط. والأكراد في أغلبيتهم من المسلمين السنة. ولكن فيهم شريحة تدعى بالكرد الفيلية وهم شيعة، وهؤلاء عانوا الأمرَّين، لأن اجتمعت فيهم "اللعنتان" الكردية والشيعية. ولذلك كانت حصتهم من ظلم نظام البعث أضعافاً مضاعفة أيضاً، حيث تم تهجير أكثر من ربع مليون منهم إلى إيران بتهمة التبعية الفارسية وهم عراقيون أباً عن جد، ولهم تاريخهم النضالي المشرف في الأحزاب الوطنية في الدولة العراقية الحديثة، ودورهم البارز في الثقافة العراقية، وتمت في عهد حكم البعث مصادرة ممتلكاتهم، وتجريدهم من جميع وثائق انتمائهم للوطن والشهادات الدراسية، بل وحتى من إجازة السياقة، وألقي بهم على الحدود في أراض مزروعة بالألغام أيام الحرب العراقية الإيرانية. كما وتم حجز عشرات الألوف من شبابهم في المعتقلات وأبيدوا فيما بعد تخلصاً منهم. كذلك هناك شرائح أخرى ضمن الكرد مثل الأيزيدية الذين يدينون بديانة رافدينية قديمة، وكذلك الشبك وهم كرد شيعة. وهؤلاء جميعاً يعانون اليوم من الإرهابيين الإسلاميين.

أما حصة الأمازيغ في دول المغرب (شمال أفريقيا) فهم كغيرهم من الأقليات في البلاد العربية، يعاملون في بلادهم كمواطنين من الدرجة الثانية، فآخر تصريح للزعيم الليبي معمر القذافي أنه ألغى حتى وجودهم بقوله أن: " الامازيغية انقرضت وانتهت، وما سكان شمال أفريقيا إلا هجرات من اليمن وعبروا البر، لهذا تمت تسميتهم بربر".

لقد وصل الأمر في التعامل مع الأقليات في البلاد العربية إلى حد أن نشرت وزارة الأوقاف المصرية كتاباً للداعية الإسلامي محمد عمارة، يكفر به المواطنين من أتباع الديانات غير الإسلام ويبيح إستحلال أملاكهم وهدر دمائهم. لذا علينا إيصال هذا الكتاب إلى الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان للإطلاع على ما يجري من اضطهاد ضد الأقليات في مصر.

وإذا ما عرفنا أن في هذه المجتمعات الإسلامية (للذكر مثل حظ الأنثيين) في الامتيازات، وهذا يعني أن للمرأة حصة مضاعفة من المظالم والاضطهاد بسبب الأعراف والتقاليد البالية، لأدركنا أن حصة نساء الأقليات من الظلم أضعافاً مضاعفة. وهكذا نجد أن الظلم في هذه المجتمعات ليس متساوياً كما يتصور البعض، بل  يتضاعف على الإنسان بشكل متوالية هندسية وحسب انتمائه الأثني والطائفي والجندري أي (حسب الجنس). ومن هنا تبرز أهمية الحاجة إلى عقد هذا المؤتمر.

3- "ما ضاع حق وراءه مطالب"
لا شك أن صمت المظلومين والمضطَهدين شجع الظالمين على التمادي في ظلمهم واضطهاد شعوبهم. فالمعروف في علم الاجتماع أن الظلم وحده لا يكفي لإثارة المظلومين ضد الظلم، بل الشعور بالظلم هو الذي يدفع المظلومين للوقوف بوجه الظالم. إذ يقول عالم الإجتماع العراقي الراحل علي الوردي: "
إن الوعي تجاه الظلم يثير الإنسان أكثر مما يثيره الظلم نفسه". ومن هنا تبرز أهمية رفع وعي وتعميق شعور المظلومين بالظلم والذي هو من مسؤولية الكتاب الليبراليين، إذ كما قال فولتير: "أينما وجد الظلم فالكتاب هم المسؤولون عنه." أما مارتن لوثر كنغ فقد قال: (المصيبة ليس في ظلم الأشرار، بل في صمت الأخيار). وعليه فنحن المثقفين تقع علينا مسؤولية الدفاع عن حقوق الأقليات والمرأة وكل المظلومين في الأرض أو (المعذبون في الأرض) على حد تعبير عميد الأدب العربي الراحل طه حسين، ومن واجبنا الاخلاقي أن نقوم بفضح الظالمين والدفاع عن المظلومين إلى أن يختفي الظلم العار من وجه الأرض.

4- ضرورة توحيد الجهود والعمل المشترك والمنظم
إن الجهود الفردية المتناثرة والمبعثرة هنا وهناك هي جهود ضائعة في هذا الفضاء الفسيح ولن يكن لها ذلك التأثير كبير. لذا يجب التخلص من التشرذم، والعمل على جمع هذه الجهود المتناثرة ولملمة الشمل في تنظيم موحد ومنسق، وتوجيهها نحو أهداف واقعية قابلة للتحقيق. فالعمل الجمعي المنظم الموحد المنسق له تأثير أكبر من الجهد الفردي المشتت الضائع.

ومن هنا أيضاً تبرز أهمية هذا المؤتمر التأسيسي التاريخي الرامي إلى جمع شمل الأقليات المضطهدة وأنصارهم في تنظيم موحد وتنسيق جهودها في مواجهة الظلم والاستبداد والتمييز بجميع أشكاله، العنصري والديني والطائفي والجندري في البلاد العربية ومنطقة الشرق الأوسط. ونأمل أن يلعب هذا المؤتمر دوره المطلوب بفعالية لتحقيق أهدافه الإنسانية المنشودة.

ما العمل؟ كيف نترجم الأقوال إلى أفعال؟
أقترح تركيز جهودنا لتحقيق ما يلي:

1-  النضال من أجل إقامة دولة المواطنة والتي هي وحدها الضمانة لتحقيق العدالة في التعامل بين أبناء الوطن الواحد بالتساوي في الحقوق والواجبات، وبدون أي تمييز والتأكيد على الهوية الوطنية والولاء الوطني أولاً، ومن دون إلغاء الهويات والانتماءات الثانوية الأخرى، ورفض الصهر القومي القسري فيما يسمى ببوتقة الوحدة الوطنية. فالوحدة الوطنية تتحقق فقط في الاعتراف بالتنوع إذ كما تفيد الحكمة: (الوحدة بالتنوع unity in diversity ).

2-  رفع شعار "الديمقراطية هي الحل". وهذا ليس مطلباً طوباوياً خيالياً، إذ انتهى عصر الآيديولوجيات الشمولية، إذ نعيش اليوم في عصر انتصار الديمقراطية وسقوط الأنظمة التوتاليتارية المستبدة، خاصة وإن التاريخ جعل من أمريكا، الدولة العظمى، نصيرة للديمقراطية بعد انتهاء الحرب الباردة و أحداث 11 سبتمبر الإرهابية، وفي ظل العولمة حيث صارت الديمقراطية ضرورة ملحة في محاربة الإرهاب والتقارب بين الشعوب وتداخل مصالحها ومصائرها. لذا يجب الاستفادة من هذه التحولات التاريخية إلى أقصى حد. وكما قال تشرتشل: "أن الحكومة الديمقراطية ليست الحكومة المثالية وبلا مشاكل، ولكن لحد الآن لم توجد حكومة أفضل من الحكومة الديمقراطية". نعم الديمقراطية مصحوبة في البداية ببعض المشاكل مثل احتمال فوز أعداء الديمقراطية في الانتخابات، ولكن الديمقراطية هي وحدها كفيلة بحل المشاكل الناجمة عنها. وأهم نقطة في التحول من الاستبداد إلى الديمقراطية أن تكون تدريجية ومنضبطة، وليست الديمقراطية المفاجئة المنفلتة بدون ضوابط كما حصل في العراق. إذ كما قال برنارد لويس: "يجب معاملة الديمقراطية كالدواء، فالجرعة العالية تقتل المريض".

3-  التأكيد على العلمانية وفصل الدين عن الدولة والسياسة

لا يمكن تحقيق النظام الديمقراطي إلا في ظل العلمانية. وفي الحقيقة لا ديمقراطية في ظل أية آيديولوجية شمولية، سواءً كانت دينية، أو قومية أو شيوعية. يجب الوقوف بحزم في وجه الآيديولوجيات الشمولية ومهما كانت هذه الآيديولوجيات، فعصرها قد ولّى وإلى الأبد.

4-  التأكيد على استخدام الوسائل السلمية في النضال، إذ يجب تجنب العنف، وقد عرفنا من التاريخ أن العنف لا يخدم القضايا الإنسانية، خاصة في عصر الثورة المعلوماتية والإعلام والعولمة حيث يمكن تحقيق الأهداف الإنسانية النبيلة مثل العدل والمساواة والحرية والديمقراطية بالوسائل السلمية وبأقل خسائر في الأرواح والممتلكات.

5-  تبني نظام انتخابي عادل: يجب تبني نظام انتخابي عادل يكفل للأقليات نسبة من المقاعد في البرلمانات والمجالس المحلية تتناسب مع نسبتها العددية في السكان، وهذا لن يتحقق إلا بتبني نظام التمثيل النسبي proportional Representation=PR،

6-  تشكيل مجموعات الضغط، ولوبيات في الخارج: يجب أن يكون لنا، نحن أعضاء هذا المؤتمر ومن ينظم لنا في المستقبل، وخاصة المقيمين منا في المهجر، ثقل في الدول الديمقراطية الغربية التي نقيم فيها وذلك بتكوين منظمات الضغط، ولوبيات (lobbies وذلك بإقامة علاقات واسعة مع الإعلاميين والسياسيين والأحزاب والشخصيات السياسية ومنظمات المجتمع المدني في هذه البلدان، ونقوم بفضح المظالم التي تتعرض لها الأقليات والمرأة في بلدان الشرق الأوسط، ونطالب الرأي العام العالمي وخاصة الغربي، بالوقوف بحزم ضد الحكومات العربية والشرق أوسطية التي تحدث فيها هذه الانتهاكات ضد الأقليات وتحرمها من حقوقها الوطنية.

7-  شن حملة تثقيف: يحب على المثقفين العمل على الترويج لدولة المواطنة والديمقراطية والعلمانية ونشر ثقافة روح التسامح مع المختلف، واحترام حرية الأديان وحرية الإنسان كفرد في المجتمع واعتباره قيمة إنسانية عليا مطلقة وهو مصدر القيم، وإشاعة ثقافة حب الحياة وتقديسها، ولن نكتفي بفضح استبداد السلطة فقط وبل وفضح الاستبداد الاجتماعي ومواجهة التزمت الديني والتعصب الطائفي وفضح فقهاء الموت ومقاضاتهم، والعمل على نشر هذه الأفكار في كافة وسائل الإعلام المتاحة لنا وكل من موقعه وحسب اقتداره. 

وختاماً أتمنى لمؤتمرنا هذا كل النجاح والتوفيق، وشكراً على حسن إصغائكم وانتباهكم.

* ألقيت هذه المداخلة في مؤتمر "منظمة الدفاع عن حقوق الأقليات والمرأة في الشرق الأوسط" الذي عقد في زيورخ/سويسرا ما بين 24-26 مارس 2007.