| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عبدالخالق حسين

 

 

 

الخميس 29/10/ 2009



حول إشكالية حكومة المشاركة أو المحاصصة

د.عبدالخالق حسين

اقترحت في الفصل السابق جملة من الإجراءات للقضاء على التمييز الطائفي والعرقي بين المواطنين، والعمل على مشاركة الجميع في مسؤولية حكم بلادهم، وإدارة شؤونهم، وصنع القرار السياسي وفق مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص. وأشرت إلى أن هذه الإجراءات قد يفسرها البعض بأنها تأييد لما يسمى بـ(المحاصصة الطائفية). وفي هذا الفصل أود إزالة الالتباس، وأبين الأغراض الكيدية من وراء استخدام تعبير "المحاصصة الطائفية" بدلاً من تعبير "المشاركة الوطنية" في السلطة في عراق ما بعد حكم البعث الصدامي. لذلك رأيت من المفيد تخصيص فصل خاص لشرح هذا الموضوع، مع العلم أن من يخوض في هكذا موضوع معقد، لن يسلم من تهمة الدعوة والتأييد للمحاصصة الطائفية والعرقية. ولكن مع خطورة هذه الاحتمالات، أرى من المفيد شرح هذه المسألة وتوضيحها خدمة للحقيقة.

والسؤال الذي يواجهنا هو: ما هي طبيعة الحكومة العراقية الحالية؟ هل هي محاصصة طائفية وعرقية، كما يصفها البعض؟ أم مشاركة ممثلين عن جميع مكونات الشعب العراقي في حكم وطنهم، كما يراها البعض الآخر؟ وما الفرق بين "المشاركة الوطنية" و"المحاصصة الطائفية والعرقية"؟

من المعروف أن الشعب العراقي يتكون من تعددية قومية ودينية ومذهبية، وهذه المكونات موزعة على مناطق جغرافية، كل منطقة فيها غالبية لمكونة معينة. فمحافظات الوسط والجنوب غالبية سكانها عرب شيعة، والمحافظات الشمالية الغربية عرب سنة، والمحافظات الشمالية الشرقية (كردستان العراق) أكراد، وبين المنطقة الكردية، والمنطقة العربية السنية، شريط فاصل غالبية سكانه تركمان. إضافة إلى أقليات أخرى مثل المسيحيين والأيزيديين والشبك، في الشمال، والصابئة في الجنوب. أما بغداد فسكانها مزيج من كل مكونات الشعب العراقي، وكذلك محافظة كركوك. وهذا التوزيع الأثني الديني الجغرافي أنعكس على تشكيل معظم الأحزاب والقوى السياسية العراقية. فلحد الآن لا توجد أحزاب تضم في قياداتها وقواعدها أعضاء من مختلف مكونات الشعب عدا الحزب الشيوعي، وأحزاب علمانية صغيرة أخرى، وجميعها لم تفز بأي مقعد برلماني فالانتخابات التشريعية لعام 2010. ولذلك فمن تحصيل حاصل أن تتألف الحكومة من ممثلين لهذه المكونات والمناطق.

وهذا الاستقطاب المذهبي والقومي، لم يأت من فراغ، بل نتيجة ظروف موضوعية أوجدها نظام حكم البعث الساقط. فمن نافلة القول، أن كل مرحلة هي وليدة المرحلة السابقة، ولكل فعل رد فعل. لذلك وكما أكدتُ في الفصول السابقة، أن حرمان مكونات كثيرة وكبيرة من الشعب العراقي من حقوق المواطنة الصحيحة، والمشاركة العادلة في حكم بلادهم، ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية، أو كغرباء في بلادهم، كان السبب الرئيسي لعدم استقرار الدولة العراقية منذ تأسيسها عام 1921، وحتى انهيارها عام 2003. إذ كما يقول الفيلسوف الايرلندي إدموند بيرك: " لكي نحب الوطن يجب أن يكون في الوطن ما يدفعنا لحبه ".

لذلك، وتلافياً لهذا الغبن، ومنعاً لتكرار المأساة، أكد الدستور العراقي الدائم الجديد، على مشاركة جميع مكونات الشعب العراقي في الحكم، وحسب ما تفرزه صناديق الاقتراع بشكل فعال وعادل، وليس صورياً، وللديكور فقط كما كان يجري في العهود السابقة.

والجدير بالذكر أن كلمة (شراكة) ليست جديدة في القاموس السياسي العراقي، إذ أكدت المادة الثالثة من الدستور المؤقت لجمهورية ثورة 14 تموز 1958، على أن "العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية". كما وشكلت ثورة 14 تموز مجلس السيادة مؤلفاً من رئيس عربي سني، اللواء نجيب الربيعي، ونائبين أحدهما عربي شيعي، الشيخ محمد مهدي كبة، والآخر كردي، (خالد النقشبندي) ولما توفي الأخير تم تعيين كردي آخر بديلاً له، ولم يطلق عليه أحد اسم محاصصة، مقابل المجلس الرئاسي ما بعد حكم البعث، والذي هو نسخة طبق الأصل من مجلس السيادة. كذلك في عهد حكم البعث كان نائب رئيس الجمهورية، كردي، وكانت هناك خمس وزارات (ولو غير سيادية) مخصصة للكرد، ومع ذلك لم يسمِّيها أحد بـ(المحاصصة الطائفية والعرقية)، ولكن تطلق هذه التسمية على عراق ما بعد البعث على نطاق واسع لتشويه صورة المشاركة الوطنية.

ولذلك، ومنذ سقوط حكم البعث، ولأول مرة في تاريخ العراق الحديث، تمت مشاركة جميع مكونات الشعب العراقي بالحكومة والبرلمان وجميع مؤسسات الدولة، مشاركة حقيقية وفعالة وحسب نسبها العددية في الشعب. ولكن هذه المشاركة لم تمر بسلام، إذ لم ترض عنها الفئة التي احتكرت السلطة لوحدها لعشرات السنين، وفجأة وجدت نفسها على قدم المساواة مع الفئات الأخرى، فخسرت امتيازاتها واستئثارها بالسلطة. لذلك قيل الكثير ضد هذه المشاركة أو الشراكة، وأنزلوا عليها اللعنات ووظفوا اللغة للبحث عن مفردات لتقبيحها، فوصفوها بأقذع الصفات، وأطلقوا عليها أسماءً تسقيطية مثل (المحاصصة الطائفية والعرقية!!).

يقول الراحل علي الوردي في موضوع اللفظ والمعنى ما يلي: "إن اللفظ هو الوعاء الذي توضع فيه المعاني، فالوعاء يجب أن يكون نظيفاً سهل التناول وفيه من الاناقة الطبيعية ما يساعده على أداء وظيفته. أما إذا كان قذراً مثلوماً فإن النفس تمج الشرب منه على أي حال".

وهكذا إذا كنتَ عزيزي القارئ مع مشاركة مكونات الشعب العراقي في حكم بلادهم، فتصف الفكرة بكلمات جميلة وتسمي العملية (مشاركة أو شراكة partnership). أما إذا كنت ضدها، فتعبر عنها بكلمات قذرة وتسمي العملية (محاصصة طائفية وعرقية بغيضة). ومع الأسف الشديد عبرت حيلة التلاعب بالألفاظ على الكثيرين، فوقع معظم المثقفين والسياسيين في هذا الفخ، إلى حد أنه حتى البعض من أعضاء الحكومة راحوا يستخدمون مفردة "المحاصصة" في وصف العملية السياسية بدلاً من المشاركة وذلك من أجل تبرئة أنفسهم من تهمة الطائفية والعرقية.

أعتقد أن الغرض من هذه التسمية (المحاصصة الطائفية والعرقية) ليس بريئاً، بل مشاركة مكونات الشعب هي المستهدفة من هذه التسمية البذيئة، من أجل تشويه صورتها بإضفاء صفات قبيحة عليها، وكذلك إظهار الحكومة المنتخبة بصفات طائفية قبيحة، وتجريدها من شرعيتها، وإنكار انتخابها من قبل الشعب وأبلستها، ووصفها بأنها حكومة طائفية عميلة نصبها الاحتلال، كل ذلك لتبرير الهجوم عليها، بل وحتى تحميلها مسؤولية الإرهاب، والتمهيد لإسقاطها، وإلغاء مشاركة الآخرين في الحكم. ولكن ماذا بعد إسقاط الحكومة المنتخبة؟ هل البديل سيكون أفضل؟ أم عودة البعث وبصيغة وهابية طالبانية؟ أعتقد جازماً أن الاحتمال الثاني هو الأرجح.

لذلك أرى من الواجب إعادة النظر في المقاصد وراء هذه الحملة التسقيطية والتعامل معها بمنتهى التحفظ والحذر والمسؤولية. والجدير بالذكر أني نشرتُ عام 2005 مقالاً في هذا الخصوص بعنوان: (المحاصصة شر لا بد منه)(1).

ولذلك أود العودة للموضوع لتوضيحه مجدداً وذلك بذكر الحقائق التالية:

1- شئنا أم أبينا، وكما بينت مراراً في هذا الكتاب، أن المجتمع العراقي منقسم على نفسه إلى فئات عرقية، ودينية، ومذهبية عديدة، (عرب، أكراد، تركمان، نحو 95% منهم مسلمون: سنة وشيعة، وكذلك هناك مسيحيون وصابئة وأيزيديون...الخ)، وهذه التعددية ليست من صنع العراقيين أنفسهم، وليست حديثة، بل هي من صنع التاريخ والجغرافيا كما بينا في الفصول السابقة، وهو قدرنا المكتوب الذي لا مفر منه، ويجب التعايش معه، لأنه ليس بإمكان أحد إلغائه. لذلك يجب على العراقيين أن يقبلوا بهذه التعددية وحق الاختلاف، وإيجاد آلية حضارية ليتعايشوا معها بسلام أسوة بالشعوب الأخرى.

2- في العهود السابقة، أي قبل 9 نيسان/أبريل 2003، كانت فئة واحدة باسم مكونة واحدة فقط من مكونات الشعب، تتحكم بمصير كل الشعب وتحتكر صنع القرار السياسي، واستأثرت وحدها بالمناصب السياسية والعسكرية والنفوذ والثروة. وكانت المحاصصة موجودة منذ تأسيس الدولة العراقية ولكن بقسمة مجحفة وظالمة بحق المكونات الأخرى، ودون أن يسمح لأحد بالتصريح بها، ومع ذلك لم يسمها أحد بالمحاصصة. فكانت مشاركة المكونات الأخرى في السلطة في معظم الأحيان هي مشاركة أفراد قلائل، شكلية، ورمزية، وهامشية، وسطحية، وللديكور فقط ، ولم يكن لهم أي دور فعال في صنع القرار السياسي أو القرارات الهامة الأخرى. وقد فرضت فئة الأقلية الحاكمة إرادتها على المكونات الأخرى بالقوة الغاشمة وحكم الاستبداد والقبضة الحديدية، أي عن طريق الظلم والقهر.

3- أكد عالم الاجتماع العراقي الراحل علي الوردي، الحقيقة أعلاه بقوله: "إن الشعب العراقي منشق على نفسه، وفيه من الصراع القبلي والطائفي والقومي أكثر مما في أي شعب عربي آخر- باستثناء لبنان- وليس هناك من طريقة لعلاج هذا الانشقاق أجدى من تطبيق النظام الديمقراطي فيه، حيث يتاح لكل فئة منه أن تشارك في الحكم حسب نسبتها العددية. ينبغي لأهل العراق أن يعتبروا بتجاربهم الماضية، وهذا هو أوان الاعتبار! فهل من يسمع؟!(على الوردي، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، درا كوفان، لندن، 1992، ص 382- 383.)

4- ونظراً للاضطهاد والتمييز اللذَين تعرضت لهما الفئات الأخرى المحرومة من حقوق المواطنة من قبل الحكومات الجائرة، وبالأخص في عهد البعث الصدامي، حصل استقطاب قومي، وديني، وطائفي، وقَبَلي على شكل أحزاب دينية وقومية برزت نتائجه في جميع الانتخابات التي جرت بعد سقوط حكم البعث.  

5- ونتيجة لما تقدم، وبعد سقوط البعث، حصلت كل فئة على حصتها في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والمحلية حسب نسبتها العددية التي أفرزتها صناديق الاقتراع. وإذا كانت الانتخابات قد كشفت عن الاستقطاب المذهبي والقومي، فهذا لا يقلل من نزاهتها، وعدالة المشاركة فيها، بل لأن شعبنا يتكون من هذه التعددية الدينية والأثنية. ومهما قالوا في مساوئ المشاركة وأطلقوا عليها أسماء بذيئة مثل (محاصصة طائفية وعرقية...الخ)، فهي في جميع الأحوال أفضل من استئثار فئة واحدة بالسلطة، فحزب البعث، الذي حكم العراق لـ 35 عاماً، كان طائفياً وعنصرياً ومستبداً رغم إنكاره لهذه الحقائق في دستوره وإعلامه.

6- والجدير بالذكر إن المحاصصة الطائفية، والعرقية متبعة في لبنان منذ استقلاله ولحد الآن، ولم نسمع أحداً ينتقدها بمثل ما أثاروا من ضجة واسعة ضد المشاركة الديمقراطية في العراق. والسبب هو أن الفئة التي استأثرت بالحكم في العراق لثمانية عقود قد أدمنت على الاستئثار بالسلطة والنفوذ، فترفض التغيير والتنازل عن امتيازاتها السابقة، وترفض مشاركة المكونات الأخرى من الشعب في حكم البلاد حسب نسبتها العددية، وهذه الفئة تتمتع بامتداد ودعم خارجي لإثارة هذه الضجة المفتعلة. والملاحظ أن البعث نجح في خدع العرب السنة داخل العراق وخارجه، في الإعلان عن نفسه أنه الممثل الشرعي الوحيد للسنة العرب، وبدون مشاركته ليست هناك مشاركة حقيقية منصفة للسنة العرب!!. وهذا هراء وافتراء. وتمسكت بعض الحكومات العربية بهذه الفرية، وحاولت إضفاء المصداقية عليها لغاية معروفة، وهي إفشال العملية السياسية الديمقراطية في العراق، خوفاً من وصول عدواها إلى شعوبها. ونحن هنا لا ندعو إلى المحاصصة، بل إلى مشاركة ممثلي مكونات الشعب العراقي في السلطة.

7- والملاحظ أيضاً، أن معظم الذين يستنكرون المحاصصة قولاً ويصبون عليها اللعنات، يدافعون عنها عملياً ولكن باسم آخر وهو (الشراكة) وبعبارات مموهة. فعلى سبيل المثال، عندما صوت البرلمان العراقي عام 2009 على لائحة قانون انتخاب مجالس المحافظات، وألغوا المادة رقم خمسين التي كانت تنص على تخصيص مقاعد للمسيحيين وغيرهم من الأقليات في بعض المحافظات، لأن النواب أرادوا بذلك ترك الحرية للمرشحين والناخبين أنفسهم في تقرير العدد، إذ من حق أي عدد من المسحيين وغيرهم من الأقليات الترشيح في أية محافظة دون تحديد العدد أو وضع سقفية (كوتا) محددة له على أساس الحصة االأثنية أو الدينية، إلا إن هذا الحل لم يرضِ الكثيرين بمن فيهم المسيحيين أنفسهم، لذلك شن المثقفون حملة مكثفة ضد إلغاء المادة المذكورة، وأصروا على إعادة النظر في القانون وتعديله وتمت الاستجابة لهم. وكذلك تطالب المرأة بحصة 25% في البرلمان والحكومة. أليس هذا تأييداً للمحاصصة؟ في الحقيقة هذا النوع من التمييز الديني، والأثني والجندري هو ما يسمى بالتمييز الإيجابي، أي لرفع الغبن عن المرأة والأقليات. ولذلك خصص قانون الانتخابات التشريعية لعام 2009 ثمانية مقاعد للاقليات بينها خمسة للمسيحيين وواحد لكل من الصابئة المندائيين والايزيديين والشبك، وهو إجراء صحيح في رأينا.

8- إن ما أود التأكيد عليه هنا هو أن وضع العراق الحالي يفرض هذه المشاركة العادلة حتى ولو سُمِيَّت بالمحاصصة، فالمهم المحتوى وليس التسمية، إذ إننا نتمنى أن يتخلص العراق من التمييز العرقي، والديني، والطائفي، وأن يكون رئيس الجمهورية مرة مسيحياً و مرة صابئياً وأخرى أيزيدياً أو من الشبك وهكذا من أية مكونة أو أقلية أخرى على التناوب.

9- مسألة أخرى جديرة بالذكر، وهي أنه من الصعوبة في هذه المرحلة وحتى في المراحل اللاحقة، تشكيل الحكومة الفيدرالية دون مشاركة ممثلين عن جميع مكونات الشعب، حتى ولو استطاع تحالفان الحصول على أكثر من 50% من مقاعد البرلمان، إذ لا يمكن تشكيل حكومة دون ممثلين عن الأكراد، أو عن السنة، أو عن الشيعة...الخ، لأن لا بد وأن يكون في الحكومة ممثلون عن جميع هذه المكونات. ومن هنا يجب الجمع بين نتائج صناديق الاقتراع، ومكونات الشعب، بتعبير آخر: حكومة شراكة وطنية منتخبة، والتي لا يمكن أن تسلم من تسمية حكومة المحاصصة الطائفية والعرقية!!

10- فالخطأ إذَنْ ليس في هذه المشاركة أو المحاصصة، بل الخطأ في كون الأحزاب الدينية هي المهيمنة على الساحة السياسية، وإذا ما وصفت بالطائفية، فلأن كل حزب ديني يدافع عن مصالح أبناء طائفته، وهذه مسألة طبيعية في مثل هذه الظروف والمرحلة بالذات، ولأن شعبنا منقسم إلى سنة وشيعة. وهذا الاستقطاب الطائفي والقومي نتاج ظروف موضوعية لا يمكن تجاوزها بسرعة أو بمجرد رغبات النخب الثقافية العلمانية، أو بالتأليب عليها. ولكن في نفس الوقت، أعتقد جازماً أن هذه المرحلة هي عابرة، وستنتهي بانتهاء الظروف الموضوعية والأسباب التي أوجدتها، وليس مستبعداً أن يتحول البعض من هذه الأحزاب الدينية تدريجياً إلى أحزاب علمانية ديمقراطية. وإذا ما أصرت هذه الأحزاب الدينية على بقائها كأحزاب دينية طائفية، فستخسر مصداقيتها وتتلاشى في المستقبل وفق مبدأ البقاء للأصلح، أي البقاء للحزب الذي يستطيع التكيف مع المستجدات ويتغير ويتجدد استجابة لمتطلبات المرحلة. إذ نجد هذه الظاهرة حتى في بعض الدول الأوربية الديمقراطية الناضجة، حيث تأسست فيها أحزاب على أسس دينية مثل الحزب الديمقراطي المسيحي (المحافظ) في ألمانيا وهولندا وغيرهما، ولكن مع الزمن تحولت هذه الأحزاب إلى العلمانية رغم الاحتفاظ باسمها الديني. كذلك حزب (العدالة والتنمية) في تركيا، فقد بدأ إسلامياً، ولكن بعد أن استلم السلطة في الانتخابات الأخيرة، استجاب للأمر الواقع وأعلن التزامه وتمسكه بالعلمانية الديمقراطية الليبرالية. لذا ليس مستبعداً أن يحصل الشيء ذاته لبعض الأحزاب الإسلامية في العراق أيضاً، أي تتحول إلى أحزاب علمانية. وهناك مؤشرات تشير إلى بدء السير في هذا الاتجاه.

ومن كل ما تقدم، نستنتج أنه لا بد من حكومة الشراكة الوطنية، وبالتالي لا بد من الديمقراطية التوافقية (2) ،إلا بعد أن تتغير الأحزاب العراقية، وتخرج من شرنقتها الدينية، والمذهبية، وتتحول إلى أحزاب وطنية علمانية عامة، يضم كل حزب في صفوفه أعضاء من جميع مكونات الشعب العراقي ومناطقه دون أي تمييز، كما هي الحال في الأحزاب السياسية في الدول الديمقراطية الناضجة. وهذا التحول لن يتم بين يوم وليلة، بل يستغرق وقتاً قد يطول، إذ لا يمكن حرق المراحل. فرغم الصعوبات التي يمر بها العراق الديمقراطي إلا إنه لا بد وأن ينتصر، لأن ليس هناك حل آخر سوى الحل الديمقراطي.

 

(1) عبدالخالق حسين، مقال: المحاصصة شر لا بد منه

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=36691

(2) د. عبدالخالق حسين، التوافقية لا بد منها في هذه المرحلة

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=241043

 


العنوان الإلكتروني: Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com

الموقع الإلكتروني الشخصي:
http://www.abdulkhaliqhussein.com /


 

free web counter