| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عبدالخالق حسين

 

 

 

الأثنين 28/9/ 2009



صلاة الكذابين

د.عبدالخالق حسين

عنوان هذا المقال استعرته من رسالة صديق يرفدني وغيري، مشكوراً، بمقالات وتقارير صحفية مهمة جديرة بالقراءة، ومنها تقرير CNN العربية، ليوم 26/9/2009، بعنوان (أمريكا: آلاف المسلمين يقيمون صلاة الجمعة "بكابتول هيل
الرابط في هامش المقال.

يفيد التقرير أن " تجَمَّع آلاف المسلمين بالقرب من مبنى الكونغرس الأمريكي، بالعاصمة واشنطن كي يؤدوا صلاة الجمعة هناك، في لفتة اعتبر منظمو الحدث أنها تهدف إلى "إلهام" الأمريكيين المسلمين وغيرهم، وتوضيح انتمائهم إلى الولايات المتحدة، دون أن يمر الأمر من غير إثارة حفيظة بعض الجهات الدينية بالبلاد."

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل شحت الأماكن المناسبة للصلاة على مسلمي أمريكا كي يؤدوها في حدائق الـ "كابِتول هيل؟" أم إنها لغرض التحرش والاستفزاز؟ إذ كلنا نعرف أن المكان الصحيح المناسب لصلاة الجمعة هو المسجد والجامع وليس مقرات الحكومات. لا شك أن الغرض من تنظيم هذا الحدث هو سياسي وليس ديني لمرضاة الله كما يدّعون. إذ هكذا يبدأ الإسلاميون نشاطاتهم السياسية بأقوال وشعارات تبدو وكأنها حق وعن نوايا طيبة، ولكن القصد منها سياسي وباطل، أي إبراز عضلاتهم في وجوه غير المسلمين واستفزازهم تحت مختلف الواجهات الزائفة والكاذبة. فبدلاً من أن يشكروا الدول الغربية التي آوتهم ووفرت لهم العيش الكريم، وآمنتهم من خوف ومن جوع، نراهم يستغلون سماحة الغرب والحريات الشخصية المتاحة فيه فينكرون الجميل ويقومن بمثل هذه الأعمال الاستفزازية. ولنتصور الأمر معكوساً، إذ ماذا ستكون ردود أفعال المسلمين وحكوماتهم فيما لو قام مسيحيو البلدان الإسلامية بأداء صلاة القداس أمام مقرات حكوماتهم؟

لقد سمعنا وقرأنا كثيراً عن تسامح الإسلام والمسلمين مع غير المسلمين، كما وقرأنا الكثير مما نشر في الإعلام العربي عن مؤتمرات الحوار بين الأديان التي نظمتها ومولتها السعودية. ولكن التطبيق العملي أثبت أن الغرض من هذه المؤتمرات هو تلميع صورة النظام السعودي بعد أن اكتشف أمره بأنه الممول الأكبر لنشر التطرف الإسلامي الوهابي الإرهابي في العالم. كذلك نعرف عملياً زيف هذه المؤتمرات، حيث تصادر الأناجيل من المطارات السعودية إذا ما عثر عليها عند أي قادم مسيحي إليها، ناهيك عن منع بناء أية كنيسة في أرض المملكة، علماً بأن يعمل فيها مئات الألوف من المسيحيين. فهل هذا جزء من توصيات تلك المؤتمرات التي يطبلون لها؟ وهل هذا روح التسامح التي يتبجح بها المسلمون ليل نهار؟ ليس هذا فحسب، ففي مصر المحروسة التي كانت مثالاً للتآخي والتعايش السلمي بين المسلمين والأقباط المسيحيين في النصف الأول من القرن العشرين، صار الآن الهجوم الدموي على الأقباط من قبل المتطرفين الإسلاميين فريضة مكملة لصلاة الجمعة.

إن منظر المصلين في حدائق مقر الحكومة الأمريكية مقزز ومثير للقرف، ويشير إلى نفاق القائمين بهذا الحدث. كما وهناك الكثير من التساؤلات عن مغزى وغاية هذا الحدث الذي يدل على استغلال الإسلام السياسي للديمقراطية وحرية الأفراد والجماعات في بلاد يطلقون عليها (بلاد الكفار) و(دار حرب) رغم أنهم يجازفون بحياتهم من اجل العيش فيها وفي غيرها من بلاد "الكفر".

إن الغرض الرئيسي من تجمع آلاف المسلمين وهم يؤدون الصلاة في حدائق البيت الأبيض، هو تحدي الإدارة الأمريكية واستفزاز المسيحيين... ويا لها من بطولة خارقة!! فهل بإمكانهم تحد نظام القذافي أو النظام البعثي في سورياً مثلاً... وهم يعرفون ما سيحل بهم كما حل بهم قبل ثلاثين عاماً في مدينة حماه؟

بالتأكيد لم يكن هذا التصرف ناتجاً عن الحرص على أداء فريضة الصلاة التي من المفترض أنها نوع من التأمل الباطني meditation كعملية التواصل الروحي مع الله الذي يؤمن به المصلي، إذ لا يمكن القيام بهكذا اندماج روحاني مع الله إلا في جو من الهدوء والسكينة، الذي لا يتوفر إلا في البيوت أو دور العبادة المخصصة لهذا النوع من النشاط الديني. ولكن الإصرار على أداء هذه الفريضة في حدائق مقر حكومة الدولة العظمى، وأمام وسائل الإعلام والإشهار، وكل هذا التطبيل والتحضير له، لدليل على أغراض غير دينية، أي تسييس هذه الفريضة وتجريدها من القصد الديني، وإظهار البطولة الزائفة، للتعويض عما عانوه في بلدانهم الإسلامية من إخصاء على أيدي حكامهم المسلمين.

و كما أفاد تقرير CNN، كان منظمو المناسبة يأملون حضور أكثر من مليون مسلم أمريكي، حيث عملوا على هذا المشروع عبر الانترنت لعدة أشهر، واتصلوا بأكثر من ثلاثة ملايين من مسلمي أمريكا، ولكن لم يحضر إلا عدة آلاف. وحتى هذا العدد، فهو كبير ولا بد وأن يعتبره الإسلاميون نصر لهم وأنه "غزوة" واشنطن السلمية، بعد أن نفذ "مجاهدوهم" غزوة مانهاتن الدموية يوم 11 سبتمبر 2001. وهذا نوع من التكتيك الخبيث يلجأ إليه الإسلامويون لاستثمار جميع الوسائل المتاحة لهم، سلمية على شكل صلاة بالآلاف في حدائق مقر الحكومة في واشنطن، أو تحويل طائرات المسافرين إلى صواريخ بشرية لضرب المركز التجاري العالمي في نيويورك والبنتاغون في واشنطن قبل ثمانية أعوام.

والغرض الآخر من هذا السلوك هو استفزاز الشعب الأمريكي وبالتالي تحريض المتطرفين ضد المسلمين للقيام بصدامات بين المسلمين وغير المسلمين، وهذا ما حصل بالفعل، إذ كما أفاد التقرير: "... قام بعض الأشخاص المعادين للإسلام، بالتظاهر بالقرب من هذه المناسبة، إضافة إلى تحذير القس كانون جوليان دوبس، رئيس تجمع كبير للمسيحيين الإنجيليين، من وجود "إستراتيجية لأسلمة المجتمع الأمريكي." وذكر دوبس في بيان له "من المهم للمسيحيين أن يعرفوا أن مبادرة صلاة الجمعة التي أداها المسلمون بواشنطن، هي جزء من إستراتيجية مرسومة بوضوح لأسلمة المجتمع الأمريكي واستبدال الإنجيل بالقرآن، والصليب بالهلال الإسلامي، ودقات أجراس الكنيسة بصوت الآذان، لقد آن الأوان كي يُحمل المجتمع الأمريكي لأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار."

الأغراض التي ذكرها القس كانون جوليان دوبس ليست بلا دليل، إذ لدينا صور لمظاهرات المتطرفين المسلمين في الغرب وهم رافعين لافتات وشعارات يتحدون ويستفزون بها الشعوب الغربية وحكوماتها ويتوعدونها بـ 11 سبتمبر قادم خاص بأوربا، وإقامة دولة الخلافة فيها.

إن هذا السلوك الشائن من الإسلامويين في الغرب لدليل على جهلهم، وقصر نظرهم، وما يتصفون به من غرور ومكابرة فارغة، ونتائجه ستكون كارثة على جميع المسلمين المسالمين الأبرياء الذين نزحوا إلى الغرب هروباً من ظلم حكوماتهم وقسوة الحياة في بلدانهم الإسلامية.

ولو كنت مؤمناً بنظرية المؤامرة، لقلت أن تنظيم صلاة الجماعة وبهذا العدد الكبير الاستفزازي في كابيتول هيل، وغيرها من الأعمال الاستفزازية، هي من تدبير وتخطيط الاستخبارات الأمريكية المركزية (CIA) لدفع المسلمين بالقيام بأعمال يستفزون بها مشاعر الشعب الأمريكي، وبالتالي إثارة عداء وبغضاء هذا الشعب وغيره من الشعوب الغربية ضد الإسلام والمسلمين وتشويه صورتهما. ولكن في الحقيقة لا تحتاج الاستخبارات الأمريكية والغربية وأعداء الإسلام والمسلمين إلى اللجوء إلى هذا التآمر، فالأعمال الاستفزازية التي يقوم بها الإسلامويون ضد غير المسلمين هي جزء من أيديولوجية الإسلام السياسي، وإستراتيجية بعيدة المدى يتباهون بها، وسلوكهم اليومي المتواصل ضد الغرب يكفي لتشويه صورتهم دون الحاجة إلى أن يتآمر عليهم أحد، إذ كما تقول الحكمة: (يفعل الجاهل بنفسه كما يفعل العدو بعدوه).
 

هامش:
CNNArabic.comأمريكا: آلاف المسلمين يقيمون صلاة الجمعة "بكابتول هيل"
http://arabic.cnn.com/2009/entertainment/9/26/friday_prayer.washington/index.html

 


العنوان الإلكتروني: Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com

الموقع الإلكتروني الشخصي:
http://www.abdulkhaliqhussein.com /


 

free web counter