نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عبدالخالق حسين

Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com

 

 

 

 

الأثنين 28/8/ 2006

 

 

الليبراليون ودعاة الحروب

 

عبدالخالق حسين

نحن الكتاب الليبراليين في حالة صراع محتدم وسباق المسافات الطويلة مع دعاة الحروب. وسبب هذا الصراع هو كما قال الصديق الرائع شاكر النابلسي: "... لأن الكاتب الليبرالي، ليس هو مطرب الحفل الساهر، ولا يسعى إلى تصفيق الجمهور، وباقات زهورهم، بقدر ما يسعى إلى كشف الحقيقة المُرَّة لهم، حتى ولو رجموه بالحجارة،... وشتموه، ورموه بأقذع الصفات السوقية كما نقرأ في ردود بعض القراء في بعض الأحيان." . ولأننا نكتب للمستقبل الأفضل، بينما خصومنا يركزون على الماضي ويعملون على إعادة مجتمعاتهم إلى الوراء، دون أن يدركوا مغبة أعمالهم ونتائجها الكارثية على شعوبهم. ولكننا واثقون من أن المستقبل القريب، وليس البعيد، سيثبت لهم كم كنا نحن الليبراليين على حق، وكم كانوا هم على خطأ قاتل. أنهم على خطأ لأنهم يطالبون بالمستحيل مثل قولهم (تحرير الأرض من النهر إلى البحر) وتحقيق الأهداف المرجوة بالحرب وحدها ويرفضون الحلول السلمية لهذه المشكلة المزمنة، كما إنهم يؤلهون المستبدين ويحاربون الحداثة والحضارة والديمقراطية، ويضعون شعوبهم في حالة مواجهة انتحارية مع العالم.

أما نحن الليبراليين، فخلاصة ما ندعو إليه هو أن تحل مشاكل الشرق الأوسط وخاصة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، بالوسائل السلمية وإقامة أنظمة ديمقراطية والعيش بسلام مع العالم المتحضر والاستفادة مما أتنتجه البشرية من حضارة وقيمها الإنسانية النبيلة. أما الحروب الستة التي خاضها العرب مع إسرائيل فكانت نتائجها كارثية عليهم. لذلك فنحن ندعو إلى تحرير العرب من عقلية التدمير أولاً ونبذ العنف ثانياً، لأنه (لا يغيِّر الله بقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم)، ويركنوا إلى الواقع ويدركوا أن السياسة هي فن الممكنات، وإلى تبني الحلول السلمية مع إسرائيل لكي تعيش شعوب المنطقة بسلام وتستثمر طاقاتها للتنمية ولتلحق بالركب الحضاري السائر دوماً إلى الأمام.
بعد نشر مقالتي (آخر الحروب في الصراع العربي ـ الإسرائيلي ) انهال معارضو الحلول السلمية علي وعلى الكتاب الليبراليين الآخرين بالهجوم وتوجيه كل ما تبقى في جعبتهم من اتهامات جاهزة في العمالة للصهيونية والإمبريالية...الخ. أما الرسائل الشتائمية التي تصلنا عبر البريد الإلكتروني فحدث ولا حرج بما تحمل من مفردات سوقية بذيئة تعكس المستوى الثقافي والخلقي لهؤلاء. وهذا يعكس أيضاً مدى تأثير وفعالية مقالاتنا ودورها في إيلام هؤلاء. إذ كما يقول المثل الإنكليزي If it doesn’t hurt, doesn’t work . ولكننا نتحمل تهجم وبذاءات هؤلاء علينا لأننا واثقون من أن المستقبل لصالح أفكارنا ودعواتنا. فكافة المصلحين في التاريخ تعرضوا إلى أسوأ مما نتعرض إليه، ولكن في نهاية المطاف كان النصر حليفهم والخزي والعار كانا من نصيب خصومهم، وهذا هو منطق التاريخ في كل زمان ومكان.
أجل، التاريخ معنا، لأن بدأ المسؤولون العرب يتحسسون بصدق نوايانا وصحة أفكارنا ووطنية دعواتنا، لذا فقد تبنوا أفكارنا نحن الليبراليين، وليس أفكار ودعوات الذين يدقون على طبول الحرب. فهذا هو رئيس الوزراء اللبناني السيد فؤاد السنيورة أطلق دعوته لمشروع سلام الشجعان عندما أعلن للصحفيين يوم 20 آب الجاري إمكانية التوصل إلى "سلام حقيقي" قائلاً: (الحرب قد تمهد لسلام حقيقي مع إسرائيل) وقال السنيورة لصحافيين عقب لقائه الوزيرة السويدية المنتدبة للتعاون كارين يمتين "اعتقد انه في حال تصرفت اسرائيل بحكمة، ستكون هناك فرصة حقيقية" لتحقيق السلام. وأضاف إن "الفرصة هي كيف نحول ما حصل في لبنان، والنكبة التي حلت على لبنان، الى فرصة للتوصل الى سلام حقيقي". وتابع قائلا "القوة لا تحل المشاكل"، و"امن اسرائيل لا يمكن تحقيقه من خلال الاسلحة المتطورة التي تملكها". واشار الى ان "الامن والامان لا يمكن تحقيقهما الا من خلال الطريق التي تؤدي الى السلام العادل والشامل والدائم في هذه المنطقة". واضاف السنيوره "نحن دعاة سلام". (أ.ف.ب، إيلاف، 20/8/2006). والجدير بالذكر أن جاء هذا التصريح الشجاع بعد أن نشر الدكتور شاكر النابلسي يوم 15/8/2006 مقالاً بعنوان (لا خلاص للبنان إلا بمعاهدة سلام دائم). وهذا أول الغيث لتبني المسؤولين العرب لدعوة الكتاب الليبراليين للحلول السلمية. فالمطلوب من إسرائيل وكما طالبها السنيوره أن تتصرف بحكمة.
ليس هذا فحسب، بل طلعت علينا وكالات الأنباء العالمية بتقرير يفيد أن "الجامعة العربية سلمت مجلس الأمن تصور مبادرة عربية لمؤتمر دولي بإشرافه لحل الصراع العربي – الإسرائيلي" و تقترح مفاوضات مباشرة في إطاره قبل نهاية 2006 بين إسرائيل وسورية ولبنان ومنظمة التحرير ... وأكدت «اللاورقة» التي بعثها الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان ووزيرة خارجية اليونان التي تترأس مجلس الأمن لشهر أيلول (سبتمبر) ثيودورا باكويانيس، أن «العالم العربي مصمم على بذل قصارى جهده من أجل حل سلمي لنزاعه مع إسرائيل، وبهذا يساهم بمسؤولية في السلم والأمن العالميين». (رغدة درغام، الحياة، 27/8/2006). أليس هذا انتصار لنا نحن الكتاب الليبراليين ودعاة السلم وانتصار لشعوبنا المغلوبة على أمرها، وهزيمة لأفكار دعاة الحروب؟
كذلك ذكرت في مقالتي الأخيرة (آخر الحروب في الصراع العربي ـ الإسرائيلي ): " فمن المؤكد أن قيادة حزب الله نادمة على فعلها في اختطاف الجنديين الإسرائيليين يوم 12 تموز الماضي، العملية التي أشعلت فتيل الحرب المدمرة على لبنان، بدليل أنهم صرحوا بأنهم ما كانوا يتصورون أن يكون رد فعل إسرائيل بهذه القسوة والوحشية، والقوا اللوم على إسرائيل بأن اختطاف جنديين لا ييستحق أن يقود إلى حرب واسعة وبهذه الهمجية. وهذا يعني أن حزب الله نادم على ذلك وأنه سوف لن يكرر هذه المحاولة مرة أخرى.". وبعد يوم واحد فقط من نشر مقالنا هذا، صرح حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني قائلاً: إنه ما كان ليأمر باحتجاز جنديين إسرائيليين إذا أدرك أن الأمر سيؤدي إلى حرب. وأضاف قائلا في تصريحات لقناة المنار التابعة لحزب الله " لو كنا نعتقد، ولو بنسبة واحد بالمئة، أن خطفهما سيؤدي إلى ذلك لم نكن لنقدم بالتأكيد على هذا الفعل". وأشار إلى أن الجانبين لا يسعيان إلى "جولة ثانية" من القتال. (نصر الله "يأسف" لاشتعال الحرب، بي بي سي، 27/8/2006).
وماذا بعد، هل سيصر دعاة الحروب على أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك؟ فهذا "زعيم الأمة" نصر الله يعلنها على الأشهاد "أن الجانبين لا يسعيان إلى "جولة ثانية" من القتال"، أي أنه لن يسعى إلى إشعال حرب أخرى مع إسرائيل. فماذا يريد هؤلاء أكثر من ذلك ليتأكدوا من أننا نحن الليبراليين كنا على حق وهم على خطأ؟ فهل سيتهجم هؤلاء على نصر الله بعد أن أكد لهم أنه سوف لن يعيدها ثانية لأنه تعلم الدرس القاسي؟ انظروا إلى مدى الكلفة الباهظة التي دفعها الشعب اللبناني لكي يتعلم نصر الله هذا الدرس؟ أعتقد أن نصر الله وبعد هذه الكارثة قد تعلم الدرس القاسي، وسوف يسير على خطى السادات، أي أنه من الآن فصاعداُ، سينبذ الحروب ويتبنى الحلول السلمية لحل الصراع الإسرائيلي ـ اللبناني، إذا ما تحرر من سيطرة حكام دمشق وطهران وفضل مصلحة وطنه لبنان على مصلحة التحالف الإيراني ـ السوري.
والسؤال الأخير هو، هل سينهال دعاة الحروب إلى شتم الرئيس فؤاد السنيورة وعمرو موسى والجامعة العربية وقادة الدول العربية لأنهم تبنوا دعوة الليبراليين في حل الصراع العربي ـ الإسرائيلي سلمياً بدلاً من الحروب الكارثية؟ أيها السادة، أفيقوا من نومكم، فعصر العنتريات قد ولى إلى الأبد، وعالمنا اليوم ومنه شعوبنا العربية، يريدون العيش بسلام.