| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عبدالخالق حسين

 

 

 

الأثنين 20/ 4/ 2009



عودة إلى موضوع حل الجيش العراقي السابق

د.عبدالخالق حسين

لم يكن بودي العودة إلى موضوع حل الجيش العراقي السابق، لولا مواصلة الكثيرين من الكتاب الأفاضل، بمن فيهم من مؤيدي تحرير العراق، ترديد مقولة بين حين وآخر مفادها، أنه لولا قيام إدارة الرئيس جورج دبليو بوش بحل الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية السابقة، لما حصل في العراق ما حصل، وأنه كان من الأفضل إبقاء هذه المؤسسات والقيام بتطهيرها من العناصر الموالية للنظام السابق، والتي ارتكبت الجرائم بحق الشعب، بدلاً من حلها وخلق فراغ أمني، الأمر الذي تسبب في تفشي الإرهاب والجريمة المنظمة بعد سقوط البعث. بل راح البعض يصر على أن أمريكا حلت الجيش العراقي لتسهيل مهمة الإرهابيين، ولجعل العراق ساحة جذب لهم ومحاربتهم في مكان واحد بدلاً من محاربتهم في مختلف أنحاء العالم. كما وذهب آخرون من أصحاب نظرية المؤامرة إلى أبعد من ذلك، فقالوا أن غرض أمريكا من حل الجيش وجذب الإرهابيين هو لتدمير العراق وقتل شعبه عن عمد!!.

والجدير بالذكر أني تطرقت إلى موضوع حل الجيش بمقال خاص عام 2003 بعنوان (حل الجيش العراقي... ضرر أم ضرورة؟)، كما وناقشته في ندوة في لندن قبل عام أيضاً، إلا إنه مع ذلك ومع الأسف الشديد، ما انفك العديد من الزملاء الكتاب يعيدون بمناسبة وبدونها، كيل اللعنات على بوش وبول بريمير، ويعيدون الأقوال ذاتها باستمرار. وكان آخر تلك الصيحات بهذا الخصوص جاء من الدكتور أحمد الجلبي الذي يعتبره البعض عراب التحرير، في مقابلة مطولة معه من ثماني حلقات نشرت في صحيفة الحياة قبل أسابيع، فهو الآخر ألقى اللوم على بول بريمير، رئيس الإدارة المدنية لقوات التحالف عام 2003، وبرأ نفسه وزملاءه في مجلس الحكم آنذاك، من قرار حل الجيش، علماً بأن الدكتور الجلبي كان قد دافع في تصريحات سابقة له قبل سنوات، عن قرار حل الجيش، ومما قال في ندوة له في أمريكا في هذا الخصوص، أن الجيش العراقي قد اختفى بعد سقوط حكم صدام من تلقاء نفسه، وأن قرار بريمر كان بمثابة توقيع شهادة وفاة لهذا الجيش ليس غير. وهذا هو الصحيح.

ولكن المشكلة أنه عندما تسير الأمور على غير ما يرام، وتظهر الصعوبات أمام أية مسيرة تاريخية كبرى كالتي تجري في العراق، عندها ليس هناك أسهل من إلقاء اللوم على الآخرين وتبرئة الذات من المسؤولية، إذ كما يقول المثل الإنكليزي:
(After the event every body is clever) أي بعد فوات الأوان كل واحد يدعي الذكاء!!.

لا أريد هنا الدفاع عن أمريكا وقراراتها بهذا الخصوص، كما ولن تكون مفاجأة لي إذا ما وجهت لي تهمة العمالة والتخوين التي هي ديدن البعثيين والمتعاطفين معهم وكل من ناهض تحرير العراق وبناء نظامه الديمقراطي. فتهمة العمالة لأمريكا و"الصليبية- والصهيونية الحاقدة" هي غذاءهم اليومي في مواجهة خصومهم، وإنما الغرض من مقالتي هذه هو محاولة تفسير وتوضيح الحقيقة فيما يخص حل الجيش السابق، وهل كان القرار صائباً أم خائباً. باختصار، أعتقد أن حل الجيش العراقي السابق كان أمراً لا بد ولا مناص منه، التقت فيه ثلاث إرادات وهي: إرادة صدام حسين، وإرادة الإدارة الأمريكية، و إرادة التاريخ.

أولاً، إرادة صدام حسين
كل متتبع لتاريخ حزب البعث في العراق يعرف أن صدام حسين وحزبه قد خططوا منذ اغتصابهم السلطة عام 1968 أنهم جاؤوا ليحكموا العراق ليس لثلاثين سنة بل لأكثر من 300 سنة، وأن الذي يحكم العراق من بعده سيستلمه أرضاً محروقة بلا شعب. وقد هيأ الحزب، وبعقلية انقلابية متميزة ومعهودة، الشروط اللازمة لتحقيق هذا الغرض. ومن هذه الشروط أدلجة الجيش بأيديولوجية البعث. كما وصرح مسؤولون بعثيون كبار بعد سقوط حكم البعث، أن حل الجيش كان بقرار مسبق من "السيد القائد" حيث أبلغ القيادات العليا عشية الحرب الأخيرة، بأن الجيش العراقي غير قادر على مواجهة الجيش الأمريكي في حرب نظامية، لذا عليه أن يحل نفسه للحفاظ على طاقاته وإمكاناته، ومن ثم يدخل مع الأمريكان في حرب عصابات. ولهذا فما أن دخلت القوات الأمريكية بغداد حتى واختفى الجيش العراقي عن الأنظار بعد أن نهبوا جميع المعسكرات ومخازن الأسلحة والعتاد. والمعروف أن جميع المحافظات الشمالية استسلمت دون أية مقاومة تذكر.

ثانياً، الإرادة الأمريكية،
من الطبيعي في الحرب أن كل جيش يحاول تحطيم جيش العدو وإنهائه بشكل وآخر. فبعد كل هذه الحروب التي خاضها الأمريكان ضد الجيش العراقي في حرب تحرير الكويت ومن ثم تحرير العراق، ليس غريباً أن يعمل الأمريكان على حل هذا الجيش وإعادة بنائه من جديد. ولذلك فقرار صدام حسين بحل الجيش جاء منسجماً مع قرار ورغبة الأمريكان أيضاً. وعليه فمن المنطق أن يأتي قرار بول بريمر بحل الجيش بمثابة الاعتراف بالأمر الواقع وتوقيع شهادة وفاة لهذا الجيش.

ثالثاً، الاستحقاق التاريخي.
من المعروف أن الجيش العراقي قد تأسس قبل ولادة الدولة العراقية الحديثة عام 1921. وكان مسيَّساً من البداية، فمعظم رؤساء الحكومات المتعاقبة والوزراء في العهد الملكي كانوا من العسكريين. ونتيجة لتسييس الضباط العسكريين، لعب الجيش العراقي دوراً رئيسياً في عدم الاستقرار السياسي، وفشل المشروع الديمقراطي. فأول انقلاب عسكري حصل في العالم العربي كان في العراق عام 1936 بقيادة الفريق بكر صدقي، ثم توالت سلسلة الانقلابات، إلى ثورة 14 تموز/يوليو 1958 التي أسقطت النظام الملكي وأسست الجمهورية. ثم استمرت الانقلابات العسكرية في العهد الجمهوري وكان آخرها عام 1968 الذي أعاد البعثيين إلى السلطة ثانية.
لذلك كان الجيش العراقي هو الجيش الوحيد في العالم الذي كان يملك دولة، وليست الدولة التي كانت تملك جيشاً. ولهذا كان الجيش يتدخل في السياسة ويقوم بانقلابات عسكرية عندما لم يكن موافقاً على أي قرار تصدره السلطة المدنية، الأمر الذي حرم الشعب العراقي من الاستقرار السياسي والتطور الاجتماعي الطبيعي وتحقيق الديمقراطية والنمو الاقتصادي.
وفي عهد البعث قام البعثيون بأدلجة الجيش أي فرض الآيديولوجية القومية البعثية على جميع منتسبيه وطرد أو سجن أو قتل كل من يشك في ولائه لحزب البعث الحاكم وقيادته المتمثلة في شخص صدام حسين. فكان الجيش عبارة عن حزب سياسي مؤدلج إضافة إلى مهمته العسكرية.
ومن هنا نعرف أن الجيش العراقي القديم المسيَّس والمؤدلج بآيدولوجية البعث الفاشية، لا يمكن الوثوق به والاطمئنان إليه في الحفاظ على أمن واستقرار البلاد وضمان عدم الانقضاض على الحكومة المدنية الديمقراطية بعد سقوط البعث. فبقاء الجيش القديم يعني استمرار خطر الانقلابات العسكرية، كسيف ديموقليس معلقاً على رقبة الحكومة الديمقراطية. إذ لا يمكن الجمع بين جيش مسيَّس وحكومة ديمقراطية. ولهذا من المنطقي أن العراق الجديد كان بحاجة ماسة إلى تغيير جذري لكل شيء وخاصة في بناء قوات مسلحة جديدة ومتحررة من العقلية الانقلابية والسياسية والآيدولوجية القديمة، يتعهد فيها الضابط على احترام القيم الديمقراطية وحماية أمن المواطن وسلامته وكرامته، والدفاع عن حدود الوطن من العدوان الخارجي وعدم التدخل بالسياسة مطلقاً، وأن يكون وزير الدفاع مدني. وهذا لا يتم إلا بحل الجيش القديم وبناء جيش حديث يتثقف أفراده بالقيم الحضارية الديمقراطية الجديدة.

أما الأعمال الإرهابية التي حصلت بعد التحرير، فقد ذكرنا مع غيرنا، أسبابها وشرورها، مراراً وتكراراً في مقالات عديدة، وخلاصتها أنه بعد كل هذا الدمار الذي حل بالعراق خلال أربعين عاماً من حكم التيار القومي- البعثي الشمولي، وحروبه العبثية، وإصرار العديد من دول الجوار على إفشال النظام الديمقراطي في العراق، لذلك فتفشي الإرهاب والجريمة المنظمة كان تحصيل حاصل وليس مخططاً مسبقاً من قبل الأمريكان كما يصر البعض، بل كان مخططاً مسبقاً من قبل البعث وبعض دول الجوار.

وفيما يخص دور البعث في الإرهاب، فقد عثر على وثيقة خطيرة صدرت بتاريخ 23/1/2003 فيها تعليمات من مديرية المخابرات البعثية موجهة إلى البعثيين ومنتسبي الاستخبارات البعثية، تكشف بوضوح عن ملامح مرحلة فوضوية جاء فيها:[قوموا بنهب وحرق كافة دوائركم الخاصة بمديرياتنا وغيرها، وتغيير سكناكم بين حين وآخر، وتخريب محطات توليد الطاقة الكهربائية، وتخريب محطات المياه، تجنيد عناصر ومصادر معتمد عليها وإدخالها إلى الجوامع والمساجد والانتماء إلى الحوزة العلمية في النجف والانتماء الى الأحزاب والتجمعات الوطنية والإسلامية، وقطع الاتصالات الداخلية والخارجية، وشراء الأسلحة المسروقة من المواطنين، والتقرب من العائدين من خارج القطر، واغتيال أئمة وخطباء الجوامع والمساجد.). (من دراسة موثقة للأستاذ صلاح التكمه جي، وفيها صورة لنص الوثيقة، الرابط في الهامش). وهذا غيض من فيض من مخططات حزب البعث لإفشال العملية السياسية في العراق. فكانوا قد خططوا مسبقاً إما هم يحكموا العراق إلى الأبد أو يحرقوه وفق شعارهم (وليكن من بعدي الطوفان).

خلاصة القول، إن حل الجيش العراقي السابق كان تحصيل حاصل لثلاث إرادات ذكرناها آنفاً، وكان نتيجة لحكم التاريخ العادل، وفي محصلته النهاية كانت في صالح الشعب العراقي ودولته الديمقراطية الحديثة، إذ لا يمكن الجمع بين جيش مسيس ومؤدلج والنظام الديمقراطي، وفي جميع الأحوال لا يصح إلا الصحيح.
 

مقالات ذات علاقة بالموضوع:
1- صلاح التكمه جي: دراسة عن أستراتيجية البعث في العراق بعد السقوط - المرحلة الفوضوية
http://www.baghdadtimes.net/Arabic/print.php?sid=43350
2- عبدالخالق حسين: حل الجيش العراقي... ضرر أم ضرورة؟
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=0&userID=26&aid=13058
 


العنوان الإلكتروني:  Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com

الموقع الإلكتروني الشخصي
http://www.abdulkhaliqhussein.com /
 

free web counter