| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عبدالخالق حسين

Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com

 

 

 

 

الثلاثاء 19 /12/ 2006

 

 

درس عملي في التسامح للمسلمين من البابا بنديكت

د. عبدالخالق حسين

يملأ المتأسلمون السياسيون الدنيا ضجيجاً بأن الإسلام دين التسامح، ولكنهم في نفس الوقت يهددون بقطع رقبة كل من يوجه أدنى نقد ضدهم، بل وحتى مجرد السؤال أو الشك عن فكرة دينية أو كتابة مقال أو نشر كتاب يشكك ببعض المقولات الدينية، حتى وتصدر الفتاوى بهدر دم السائل أو الكاتب. لذلك تعتبر الدول الإسلامية أكبر محرقة للكتب ومجزرة للمفكرين الأحرار عبر التاريخ، كما ونرى معظم المفكرين الأحرار في البلدان العربية والإسلامية، إما في المنافي، أو فضلوا الصمت طلباً للسلامة.

قبل أشهر، استشهد البابا بنديكت السادس عشر في محاضرة له أمام حشد من الأكاديميين في جامعة ألمانية، استشهد بقول لإمبراطور في القرن الرابع عشر عن اعتماد المسلمين على السيف في نشر الإسلام وأنه من الأفضل إتباع العقل والإقناع بدلاً من القوة في نشر الدين. فأقيمت عليه الدنيا من قبل الإسلاميين السياسيين ومشايخ الإسلام، وطالبوه بالاعتذار جاثياً على ركبتيه!! وكالعادة، لجأوا إلى إثارة الغوغاء في الشارع، وحصل ما حصل من اعتداءات على المسيحيين في الدول الإسلامية الذين يستخدمونهم كرهينة في ابتزاز الغرب بهم وحرق كنائسهم في مثل هذه المناسبات. وعلى سبيل المثال لا الحصر من هذه الاحتجاجات، خرجت مظاهرة في لندن احتجاجاً على البابا ودفاعاً عن التسامح الإسلامي. والغريب أن من ضمن الشعارات التي رفعت في المظاهرة، أحدها يهدد بقطع رقبة كل من يشكك في التسامح الإسلامي. لاحظ عزيزي القارئ، المظاهرة هي حول تسامح الإسلام. فكيف يجتمع التهديد بقطع الرقاب وروح التسامح؟ كما ورفعت لافتة مكتوب عليها تهديداً لأوربا (يا أوربا سوف تدفعين الثمن، 11 سبتمبر في طريقه لكِ). علماً بأن هؤلاء هم من الذين فروا من بلدانهم الإسلامية نتيجة المظالم التي عانوا منها من قبل حكوماتهم الإسلامية ووجدوا المأوى والكرامة والخبز والحرية في بلدان أوربا "الكافرة" التي يهددونها بـ 11 سبتمبر آخر. والأوربيون "الكفار" يتحملون كل ذلك بالتسامح الحقيقي وليس بالادعاء كما يفعل الإسلاميون. والسؤال هو: هل يستطيع المسيحيون في أي بلد إسلامي بالخروج بمظاهرة للمطالبة بحقوقهم؟


لافتة رفعها متظاهر مسلم في لندن

ولا أعرف لماذا ينكر هؤلاء، وبالأخص الأخوان المسلمون، دور السيف والعنف في نشر الإسلام. فالتاريخ العربي-الإسلامي ملئ بالحروب والغزوات للفوز بالدارين. فمرشد الجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي لا يقدم خطبة الجمعة إلا وممسكاً بالبندقية التي حلت محل السيف. كما وإن شعار حزب "الأخوان المسلمون" في مصر يحمل صورة القرآن والسيفين المتقاطعين، كما هو واضح في الصورة أدناه :


شعار حزب الأخوان المسلمين في مصر

ونرى تحت مقبضي السيفين كلمة (وأعدّوا) وهي بداية للآية ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم - الأنفال:60). وعلى هذا النص يعتمد الإرهابيون في قتل الأبرياء، لا لشيء إلا لأنهم من ملة أخرى.
أعتقد أن هؤلاء بربطهم السيف بالقرآن وجعله شعاراً لهم قد أساءوا إلى الإسلام نفسه من حيث يشعرون أو لا يشعرون. فمن المعروف في الإعلانات التجارية أنها تعتمد على علم النفس في الترويج لبضاعة ما، إذ يربطون البضاعة بشيء جذاب للنفس البشرية وذلك عن طريق إثارة الغرائز البدائية مثل الجنس، فيستخدمون صورة فتاة جميلة نصف عارية مثلاً للترويج للبضاعة... الخ. وبالعكس إذا أريد شن حملة مضادة ضد الخصم أو شيء ما، فيعملون على تشويه صورته، إذ ينشرون صورته مع شيء مقزز أو مرعب ينفر المشاهد. مثلاً نشر حزب المحافظين في إحدى الحملات الانتخابية في التسعينات صورة لزعيم حزب العمال (توني بلير) على شكل صورة إبليس يقدح الشرر من عينيه!!! وكانت لعبة غبية أدت إلى نتائج معكوسة. وهذا يسمى في علم النفس بالإعلان عن طريق ربط الشيء بالشيء (Advertisement by association). والفكرة مأخوذة من اكتشافات العالِم الروسي الشهير إيفان بافلوف ( 1849- 1936) في مجال الفسلجة وعلم النفس، أي الشيء بالشيء يذكر والاستجابات الشرطية "conditioned reflex,".
نحن نعرف أن السيف يثير الرعب في النفوس لأنه أداة قتل يستخدم في المعارك العنيفة لقطع الرقاب. فإذا تم ربط السيف بالقرآن مع التهديد بكلمة (وأعدوا)، فهذا يعطي نتيجة معكوسة، أي حتى عندما نرى القرآن سنتذكر السيف والعنف وقطع الرقاب فنشعر بالرعب. وبذلك أعتقد أن المسلمين قد أساءوا مرتين إلى دينهم. مرة عندما ربطوا السيف بالقرآن في شعاراتهم، وأخرى عندما ناقضوا أنفسهم بنكران دور السيف في نشر الإسلام وتعاملوا مع العالم بالعنف بدلاً من إبداء روح التسامح.

نعود إلى دور التسامح في الإسلام والديانات الأخرى. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يستطيع المسيحيون واليهود وأصحاب جميع الديانات غير الإسلامية، نقد رجال دينهم ومساءلتهم في كل شيء وإثارة الشكوك حول بعض المفاهيم عن معتقداتهم دون إثارة أية ضجة أو وقوع عنف ضد السائلين والمتشككين أو معاقبتهم. فقط المسلمون وحدهم يقيمون الدنيا ولن يقعدوها عندما يواجهون أي نقد أو سؤال في مسألة تخص دينهم. ومع ذلك يصر هؤلاء أن حرية الأديان والمعتقدات مضمونة في الإسلام والبلدان الإسلامية.

إن آخر ما قرأت بهذا الخصوص هو مقالة للدكتور أحمد البغدادي على موقع آفاق بعنوان: (
حماية الدين بالجهل).
ويا للهول، يشير الكاتب إلى عزم "وزارة التربية الكويتية لحذف المادة (18) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من مقرر حقوق الإنسان الذي يدرس لطلبة الثانوية لأنها تنص على أن كل شخص حر في الفكر ويشمل ذلك حرية تغيير الدين والمعتقد. وقال رئيس اللجنة الفنية للمقرر وأستاذ القانون في كلية الحقوق رشيد العنزي .. إن إلغاء تدريس المادة 18 من حقوق الإنسان سببه خلافها للشريعة الإسلامية، مشيرا إلى أننا في مجتمع إسلامي محافظ ويجب أن نرسخ فيه المعتقد الديني والإسلامي بما يتناسب مع الشريعة الإسلامية ، لذلك جاءت هذه المادة غير ملائمة لما نريد أن يكون عليه الطلبة." لقد نقل الدكتور البغدادي الخبر من صحيفة "القبس" الكويتية. ومع ذلك فالإسلاميون متسامحون والويل لمن يشك في تسامحهم وحرصهم على الحرية!!

كذلك بعث لي صديق من مصر صورة لرسالة النائب عصمت السادات موجهة إلى رئيس مجلس الشعب المصري، يطالب فيها بدعوة رئيس الوزراء ومساءلته عن التفرقة الطائفية بحق الأقباط وهم أهل مصر الأصليين. وحسناً فعل الصديق الدكتور أحمد أبو مطر في نشر صورة الرسالة هذه في مقال له عن هذه الفضيحة بعنوان: (
يحدث هذا في مصر!! ) وجاء في نص الرسالة: "بشأن منع بنك فيصل الإسلامي شراء أسهمه والمضاربة على أمواله من خلال مستثمرين أقباط، الأمر الذي يعد تصنيف طائفي للمصريين ...الخ" أي أن المصرف المذكور قد اتخذ قراراً يمنع فيه الأقباط من ممارستهم حق الاستثمار في وطنهم كبقية المواطنين المصريين، لا لشيء إلا لأنهم أقباط. وهذا تمييز طائفي صريح دون أي مواربة.
المشكلة أنه ما أن نشير إلى محنة المسيحيين الأقباط في مصر حتى وينهال علينا سيل من تعليقات ورسائل الاستنكار من المتأسلمين ينفون فيها أي تمييز طائفي ضد الأقباط في مصر. وذات الشيء يتكرر في حالة الدفاع عن أية أقلية مضطهدة في البلاد العربية. وهذا مثال آخر على عدم تسامح الإسلام السياسي مع أصحاب الديانات الأخرى.

وفي الدول الخليجية لا يسمح للمسيحيين أو أصحاب أية ديانة غير الإسلامية ببناء كنيسة أو معبد أو حتى اصطحاب الإنجيل أو أي كتاب مقدس غير القرآن، إذ يصادر من المطار لو عثر عليه. بالله عليكم، أين التسامح يا أيها المسلمون الحريصون على سمعة الإسلام؟
أما في العراق في هذا الزمن الأغبر، فقد قام الإسلاميون، من طالبان السنة والشيعة، بتفريغه من المسيحيين والمندائيين وهم من السكان العراقيين الأصليين وبناة حضاراته الأولى كما أفرغت الأنظمة السابقة العراق من اليهود. لا شك أن كل ذلك يتم باسم الله والإسلام وأنهم سيفوزون برضاء الله الذي سيكافئهم على أعمالهم الشنيعة هذه بالجنة وحور العين مقابل ذلك.

لقد أعطى البابا بنديكت السادس عشر في زيارته الأخيرة لتركيا درساً عملياً في التسامح المسيحي للمسلمين في العالم. إذ لم يتراجع البابا عن وعده بتنفيذ الزيارة رغم التحذيرات التي وصلته، وحتى من السجين التركي، أحمد أجا الذي قام بمحاولة اغتيال البابا يوحنا الثاني في الثمانينات، محذراً إياه في رسالة خاصة أن الإسلاميين في تركيا يخططون لاغتياله ونصحه بإلغاء الزيارة حفاظاً على حياته. إلا إن البابا جازف بحياته وقام بالزيارة رغم المخاطر. لقد أعطى البابا الدرس العملي في التقارب بين الأديان والحضارات والثقافات. كما وأعطى درساً عملياً مؤثراً في التسامح الديني، حيث قام بزيارة المسجد الأزرق في اسطنبول يوم 1/12/2006، وصلى مع المسلمين متوجهاً نحو القبلة. وقال مفتي اسطنبول مصطفى شاغرجي إن «صلاة» البابا في المسجد الازرق «لها دلالة أكبر من تقديم اعتذارات... كانت بادرة رائعة من جانبه وجه من خلالها رسالة الى المسلمين». كما ودعي البابا إلى احترام الحريات الدينية. (الشرق الأوسط، 2/12/2006).

هذا هو التسامح الديني أيها المسلمون، فهل بلغت بكم الشجاعة والتواضع لتقوموا بالمثل؟ أم تفسرونه تفسيراً بدوياً فتعتبرون هذه المبادرة علامة ضعف من البابا ودليل انتصار المسلمين على "الصليبية الحاقدة"؟ وكما كتب لي صديق، وهو إسلامي متنور، رسالة بالمناسبة قال فيها: "اعتقد بأن البابا أعطى درساً بليغاً للمسلمين في الاخلاق وكيفية التعامل مع الآخرين. كان الأجدى بالقرضاوي أن يأخذ هذا الدور بدلا من تهيج الشارع المسلم ضد البابا وخاصة بعد أن عرض البابا اعتذاره للعالم بأجمعه ورفضه القرضاوي في حينه... لقد أثبت (البابا) أنه صاحب إخلاق عالية وديانة لا تعرف الذبح والسلخ والتقطيع لأجساد البشر".
فمتى يتحكم المسلمون العقل والحكمة وجوهر الإسلام الحقيقي في تفسير النصوص الدينية بسياقها التاريخي وبما ينسجم مع العصر الراهن ليعشوا بسلام مع العالم؟ فهل من يسمع؟


مقالات ذات علاقة:
1. د. أحمد البغدادي ( حماية الدين بالجهل )
2. د. أحمد أبو مطر ( يحدث هذا في مصر!!
 )