| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عبدالخالق حسين

 

 

 

 

الأربعاء 14 /2/ 2007

 



الاقتتال في العراق ليس طائفياً

 

عبدالخالق حسين

قد يبدو العنوان للبعض مثيراً للسخرية بعد كل هذا الاقتتال وسفك الدماء في العراق باسم السني والشيعي وعلى الهوية الطائفية، ولكن مع ذلك أرجو الصبر وضبط الأعصاب ومواصلة القراءة، فلدي أدلة أثبت بها صحة هذه الفرضية التي مفادها أن ما يجري في العراق هو حرب بين حزب البعث وحلفائه من جهة ضد الشعب العراقي بجميع مكوناته من جهة أخرى، وليس بين السنة والشيعة كما يطبل له الإعلام ويبدو في الظاهر.

فالعراق ليس البلد الوحيد في العالم الذي يتكون شعبه من تعددية الأعراق والأديان والطوائف، إذ معظم الشعوب هي كذلك ولكنها تعيش بسلام. كذلك أشد الغلاة التكفيريين الذين يكفرون الشيعة هم في السعودية ولم نسمع باقتتال بين الوهابيين والشيعة الذين يشكلون أكثر من 10% من الشعب السعودي ويسكنون في القسم الشرقي من المملكة. كما وليس لأول مرة يستيقظ الشعب العراقي من سبات عميق ليجد نفسه بعد سقوط نظام الفاشية أنه مكون من سنة وشيعة وقرر الاقتتال ليستحوذ على العراق إما سنة وإما شيعة ولا يمكن التعايش بينهماً، بل كان هذا الشعب مكوناً من هذه التعددية منذ أكثر من 14 قرناً ولم يذكر تاريخه المدون أن حصل أي اقتتال طائفي. ليس هذا فحسب، بل تفيد إحدى الدراسات أن 30% من العائلات العراقية مختلطة عن طريق الزواج، ومعظم العشائر العربية العراقية مكونة من سنة وشيعة مناصفة تقريباً. وإذا حصل أي نوع من صراع تحت هذا العنوان فكان بين الدول الغازية (العثمانية والصفوية) التي اتخذت من العراق ساحة لصراعاتها الدموية على المصالح السياسية، تماماً كما يحصل اليوم في مواجهة الإرهاب على الساحة العراقية.
كذلك لم نقرأ لأي سياسي أو كاتب أو شاعر عراقي يحترم نفسه أن روَّج للطائفية، بل وحتى غلاة الطائفية الذين ترتكب مليشياتهم الجرائم مثل أتباع (هيئة علماء المسلمين وجيش المهدي) ضد الشعب ينكرون أنهم طائفيون.
لذلك أرجو من العراقيين أن ينتبهوا إلى هذه اللعبة القذرة والخطيرة التي صنعها وهيأ الأجواء لها حزب البعث منذ تأسيسه في الأربعينات من القرن المنصرم وإلى الآن. نعم هناك نوع من المنافسة بين المجموعات البشرية أينما وجدوا، وكذلك حساسية البعض ضد المختلف باللون والعنصر والدين والمذهب والانتماء الطبقي والسياسي....الخ. وهذه صفة لها علاقة بالطبيعة البشرية، وهي جزء من الصراع في عملية التطور. ولكن ما يجري في العراق هو ليس من هذا النوع مطلقاً. والصراع الطائفي إن وجد في العراق، كما في معظم بلدان العالم، فهو محصور بالهمس وغالباً للتفكه ليس أكثر، ولم يصل إلى مستوى الاقتتال كما هو جار الآن.
لقد أعلن مرة العلامة علي الوردي أنه ألف كتاباً بعنوان (الصراع الطائفي في العراق)، وهذا الإعلان موجود على الغلاف الأخير لأحد كتبه. ولكنه عدل عن رأيه فيما بعد ورفض نشره لاعتقاده الجازم، كما قال في كتاب لاحق له، أن الطائفية في طريقها إلى الزوال لأنها هي ابنة الدين، ومع التقدم الحضاري ورفع المستوى الثقافي لدى أبناء الشعب الواحد، فالدين نفسه في طريقه إلى الاضمحلال ومعه ابنته الطائفية. ولم يخطر على بال الوردي أن يأتي زمان كزماننا الرديء هذا تبعث الحياة في الأديان والمذاهب وينفخ فيها الروح ليتخذها بلطجية السياسة لبوساً لهم لسفك الدماء من أجل تحقيق أغراضهم السياسية وتحت شعار الدين والطائفة.

وكما ذكرت في مقالة سابقة لي بعنوان (الإرهاب والوضع الراهن في العراق) أنه ليس هناك حزب في العالم استطاع توظيف التراث ومخزون الثقافة الشعبية والموروث الاجتماعي والمفردات اللغوية لخدمة أغراضه السياسية كحزب البعث. فالتراث العربي-الإسلامي حافل بالأحداث التاريخية، الجيدة والسيئة، وهي جزء من الماضي السحيق. ولكن قام دهاقنة البعث ببعث الحياة في تلك المناسبات، وخاصة السيئة منها، وتفعيلها لبعث النعرات الطائفية لفرض حكمهم على الشعب عن طريق إضعافه وفق سياسة (فرق تسد). ففي خلال الحرب العراقية- الإيرانية، كانت هناك القادسية والقعقاع، وصدام في هذه الحالة هو المثنى بن حارث الشيباني الذي يلحق الهزيمة بالفرس المجوس الذين هم من المخلوقات الثلاثة (الذباب واليهود والفرس) التي أخطأ الله في خلقها كما أفتى بذلك السيئ الذكر خير الله طلفاح، خال الرئيس المقبور صدام حسين. أما في حالة القضية الفلسطينية، فهناك صلاح الدين الذي خرج من تكريت ليحرر القدس من الصليبيين، فكذلك صدام جاء من تكريت ليحرر فلسطين من اليهود الذين هم "أحفاد القردة والخنازير"!! أما إثناء انتفاضة أبناء محافظات الوسط والجنوب عام 1991 التي سميت بالمحافظات السوداء فأبناؤها هم المعدان الذين جلبهم القائد العربي محمد القاسم مع الجواميس وأسكنهم جنوب العراق. واليوم وبعد سقوط النظام الفاشي على أيدي الجيش الأمريكي وبمباركة معظم العراقيين، لجأ البعثيون وكعادتهم إلى التراث للإغتراف منه فيما يخدم أغراضهم. فالشيعة صاروا صفويين وأحفاد العلقمي، علماً بأن الذين سلموا مفاتيح بغداد هم قادة البعث من العسكريين ومعظمهم من أبناء عشيرة صدام من أبناء العوجة الذين يطلق عليهم أبناء تكريت بـ(الحرامية) لشهرتهم في اللصوصية وجرائم السطو والنهب وقطاع الطرق وترويع الناس في القرى والمدن المجاورة. أما المحافظات الشمالية-الغربية فيما يسمى بالمثلث السني، فقد سلّم قادة جيش صدام هذه المنطقة إلى القوات الأمريكية دون أي قتال يذكر. وفي هذه الحالة فمن هم أحفاد العلقمي أيها البعثيون؟ وهكذا إلى ما لا نهاية للعبة البعثية الخبيثة في توظيف التراث القومي والديني واستخدام المصطلحات التاريخية والتلاعب بالألفاظ لتزييف الوعي ولي عنق الحقيقة وتمرير ألاعيبهم وخدع الناس بأكاذيبهم.

أجل، ليس هناك مثل حزب البعث في استغلال الظروف لصالحه من أجل البقاء. ونحن قد خبرنا قدرة البعث على الاستفادة من الظروف المحلية والدولية في عقد التحالفات حتى مع الشيطان في ظروف خاصة. ففي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، فقد استفاد البعث وهو في السلطة من ظروف الحرب الباردة والصراع المحتدم بين المعسكرين، الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي والرأسمالي بقيادة أمريكا، فعقد معاهدة الصداقة مع الأول وتظاهر بالعداء للثاني، وبذلك طرح نفسه كحركة تقدمية في النضال ضد الاستعمار ونصرة الشعوب المظلومة لكسب تأييد حركة التحرر العالمي...الخ. وهو أول نظام خارج الكتلة الاشتراكية في العالم يعترف بجمهورية ألمانيا الشرقية وذلك لنيل دعم وثقة هذه الكتلة. كما ونجح في عملية خدع قيادة الحزب الشيوعي العراقي وغيره، فعقد التحالفات معهم وحسب الحاجة ليتنكر لهم بعد أن استغني عنهم وعمل على تصفيتهم. وفي سنوات الحرب العراقية-الإيرانية كانت علاقته مع أمريكا والغرب الرأسمالي على أقوى ما يكون للحصول على الدعم ومواصلة الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية، وكذلك خدع الدول العربية وخاصة الخليجية الغنية منها للحصول على الدعم المالي والإعلامي بحجة أنه حامي حمى البوابة الشرقية للأمة العربية.. ثم تنكر لها وغزا الكويت.
واليوم وبعد أن فقد البعث السلطة فإنه لن يتورع من استخدام كل ما في الوجود لصالحه. وفي العراق ومحيطه وفي العالم هناك كم هائل من التناقضات بسبب الصراع على المصالح، يمكن لفلول البعث استثمارها وتوظيفها لمخططاتهم الجهنمية ضد العراق الجديد بمثل ما نجحوا في استثمارهذه التناقضات لصالحهم عندما كانوا في الحكم. فبعد سقوط نظامهم الجائر يوم 9/4/2003، عقدت فلول البعث حلفاً مع منظمة القاعدة الإرهابية، مستفيدين من الهياج الديني الذي أثاره خطباء المساجد في البلاد العربية وبالأخص السعودية ودول الخليج الأخرى، في إثارة المشاعر الدينية ضد "الصليبيين والصهاينة" المحتلين.
ومن كل ما تقدم نعرف مدى خبرة وشطارة هذا الحزب في توظيف الطائفية وشن حرب على الشعب العراقي تحت هذا الغطاء والادعاء بأنه هو حامي حمى السنة العرب من "الشيعة الصفويين عملاء الفرس المجوس" بعد إضافة (عملاء الأمريكان والصهاينة).
فمنذ سقوط حكم البعث الغاشم، ورغم هذه الحرب الإرهابية البشعة والإبادة الجماعية ضد الشعب العراقي، لم يصدر حزب البعث أي بيان باسمه ليدعي مسؤوليته عن أية عملية إرهابية، فإما يصدر تحت اسم منظمة (القاعدة في بلاد الرافدين) أو تحت أسماء إسلامية أخرى مثل أنصار السنة وجيش محمد وغيرهما من الأسماء الدينية. أما الحقيقة، فإن معظم هذه التنظيمات هي مجرد أسماء وهمية لعصابات فلول البعث.
وقد جرب البعث جميع الوسائل الدنيئة والخبيثة لإشعال الفتنة الطائفية وإثارة الشيعة ضد السنة ففشل حيث كام المرجع الشيعي المعروف السيد علي السيستاني يحث أتباعه على ضبط النفس وعدم الرد بالمثل. وعندها لجأ البعثيون إلى أخس الوسائل دناءة ألا وهي تفجير مرقد إمامي الشيعة، علي الهادي وحسن العسكري في سامراء، بغية إشعال الفتنة الطائفية. ويبدو أنهم نجحوا إلى حد ما حيث اندفعت عناصر من جيش المهدي، ومعظمهم بعثيون أيضاً، بالاعتداء على السنة ومساجدهم ليظهروا أنفسهم حماة الشيعة في منافسة غبية مع المليشيات الشيعية الأخرى لكسب جماهير الطائفة المخدوعة، ضحية الإرهاب، فيقومون بالاعتداء العشوائي على الأبرياء من جميع الأديان والطوائف كما هو معروف.
وبمناسبة مرور عام على هذه الجريمة الشنعاء (12 شباط/فبراير) من المناسب أن أقتبس ما جاء في بيان صادر عن مكتب المرجع الشيعي أية الله السيد علي السيستاني في ذكرى تفجير مرقد الامامين العسكريين في سامراء : "لقد أراد المجرمون التكفيريون الذين ارتكبوا ذلك الاعتداء الآثم أن يجعلوا منه منطلقا لفتنة طائفية شاملة في العراق، بعد أن عجزوا عن إشعال الفتنة فيه لأزيد من عامين منذ بدء الاحتلال، بالرغم من كل ما ارتكبوه من مجازر وحشية في مختلف الأماكن لاسيما في المدن المقدسة النجف وكربلاء والكاظمية". كما دعا البيان العراقيين الى "مراعاة أقصى درجات الانضباط خلال احيائهم لهذه المناسبة. وأوصى العراقيين الشيعة بعدم الاساءة قولا أوفعلا الى المواطنين من أهل السنة الذين هم براء من تلك الجريمة النكراء ولا يرضون بها أبدا". (موقع آفاق 12/2/2007). وكما ذكرت مراراً أن هذه الفعلة هي بعثية بامتياز.
ونفهم من كل ما تقدم، أن ما يجري في العراق هو ليس اقتتال طائفي، بل حرب تشنها عصابات البعث السائبة وحلفاؤها من أتباع منظمة القاعدة الإرهابية والتي تتلقى الدعم من حكام إيران وسورياً ودول جوار أخرى لخوفهم من نجاح الديمقراطية في العراق فيصل عدواها إلى شعوبهم، لذلك قرر هؤلاء الحكام دعم الإرهاب ومحاربة أمريكا على الأرض العراقية غير مبالين بأرواح الأبرياء من الشعب العراقي.
فكما يقول الأستاذ فؤاد هاشم: ".. لا وجود لحرب طائفية في العراق، بل هي حرب سياسية عليها لبوس طائفي، وتعالوا نقرأها بهدوء ونقول: الجمهورية الاسلامية في ايران ترفع راية الشيعة والدفاع عنهم في كل مكان، فلماذا تستضيف الارهابيين السنة ومنهم سعد بن لادن وسليمان بوغيث وعدد آخر من هؤلاء آخرهم كان سعوديا عاد الى بلاده من طهران.. برغبة منه في العام الماضي؟! الارهابيون السنة يدخلون الى العراق لقتل الشيعة من سورية، ودمشق حليفة لطهران، فلماذا لا تطلب طهران من سورية وقف دخول القتلة الذين يسفكون دماء.. الشيعة؟! و.. دمشق تسمح بـ«التشيع» على اراضيها وتسهل دخول «السنة» الى العراق لقتل الشيعة، و«تعالوا حلّوا لنا.. هالمعادلة»؟! لكل تلك الاسباب مجتمعة نقول للشيخ «الضاري» ـ حامل لواء الدفاع عن المسلمين السنة، «شوف لك ملعب غير هالملعب.. تلعب بيه... طوبة»!! (فؤاد هاشم، الوطن الكويتية، 14/1/2007).
كذلك أفادت الأنباء بأن " لقي 5 تلاميذ بمدرسة ابتدائية في مدينة الرمادي حتفهم لدى تفجير انتحاري لشاحنته قرب المدرسة. (بي بي سي، 27/1/2007)، وبالتأكيد لم يكن هذا الانتحاري شيعياً ليقتل أطفال السنة الأبرياء. وبمثل ما تفيد الأنباء عن اقتتال بين أبناء العشائر السنية ضد الإرهابيين البعثيين وأتباع القاعدة الذين هم من السنة أيضاً، كذلك هناك اقتتال بين مليشيات شيعية فيما بينها. فأين الطائفية من كل ذلك؟
وحتى هذه الحملة الهمجية الضارية التي تقوم بها المليشيات المنفلتة ضد السكان الآمنين بتهجير السكان من أحيائهم هي عمليات يقوم بها بعثيو الشيعة ضد السنة، وبعثيو السنة ضد الشيعة.

لذلك وكمثقفين يجب أن لا نسقط في الفخ البعثي، إذ مهما قيل عن هذا الانتحار الجماعي، فإني أعتقد جازماً، أن الاقتتال الجاري في العراق هو سياسي وليس طائفي بين السنة والشيعة كما يبدو في الظاهر، وإنما هو حرب تشنه فلول البعث وحلفائهم من جماعة القاعدة وبدعم من إيران وسوريا من جهة، والشعب العراقي بجميع مكوناته من جهة أخرى. ولكن البعثيين نجحوا في إضفاء صبغة الطائفية على إرهابهم وذلك لكسب السنة العرب في العراق والبلاد العربية إلى جانبهم، وليبرؤوا أنفسهم من بشاعة الجرائم التي يرتكبونها ضد الشعب العراقي. صحيح أن هذه الأعمال الطائفية تتلاءم مع آيديولوجية تنظيم القاعدة السلفية التكفيرية، ولكن الانتحاريين التكفيريين لن يستطيعوا القيام بأي عمل ما لم يكن بتوجيه وسيطرة وأوامر البعثيين.
إن ما جري في العراق من اقتتال هو الصراع سياسي لتحقيق مكاسب سياسية فئوية ولكن تحت غطاء طائفي.