| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

كاظم الموسوي

 

 

الأثنين 7/2/ 2011

 

التغيير ... من الأمل إلى العمل

كاظم الموسوي
k_almousawi@hotmail.com
www.kadhimmousawi.blogspot.com

أصبح التغيير في العالم العربي مطلبا ملحا وعاجلا بعد الذي حصل في تونس. لقد أعطت الجماهير التونسية للمطلب شعبيته وحولته من الأمل إلى العمل. ويكفي الشعب التونسي وشرارته محمد بوعزيزي في التاريخ العربي المعاصر هذه النقلة التي شرّعت الأبواب، وأشرت لما بعدها وحكمت وتحكم على مجريات الصراعات المتتالية في أكثر من مكان، مقارنة ومنطلقا لعمليات التغيير ودرجاته حسب تطورات الصراع وقواه الفاعلة في الظروف المعاصرة. رغم أن المطلب نفسه كان ومازال مستمرا كحاجة طبيعية بعد استمرار حالات الركود والتخلف واستشراء الفساد والظلم والقمع وحالات الطوارئ والتراجع في تقدم البلاد، وضرورة تحسين شروط حياة العباد. ومن المضحك المبكي أن بعض الذين ارتهنوا بالمشاريع الأمريكية يقومون بوضع إسقاط النظام العراقي بالدبابات الأمريكية والأجنبية مبعث هذه التحركات. وكأنهم يريدون القول إنهم مازالوا أحياء بعد كل هذه التحركات الجماهيرية والغضب الشعبي العارم. محاولين تزكية ارتهاناتهم وارتباطاتهم التي شكلت، من جانب آخر، صفحة سوداء في التاريخ العربي باحتلال بلد كالعراق، وسقوط المثال الذي ادعته قوات الاحتلال وإدارتها، التي تتغنى بممارستها في التخلص من الدكتاتورية وتزيين أتباعها، وهي لا تخفي خططها للهيمنة على ثروات المنطقة والتحكم في سياساتها وخدمة أهدافها الإستراتيجية، ليس في المنطقة وحسب، وإنما في العالم.

ما حصل في تونس مثال تغيير وطني فعلي، تحقق بغضب الشعب وتحركات الجماهير وإسناد الجيش لها وإعلان هروب الرئيس المستبد الذي فهم الشعب بعد تسلط وعبث وفساد وقمع وإرهاب دام أكثر من 23 عاما. وأعطى نموذجا عمليا للتغيير، مهما كانت أولياته ونتائجه وكيفية الاستمرار به والتحول في طريقته وأسلوبه، ومهما لعبت القوى المضادة للتغيير من أعمال عرقلة ومضادة للتغيير الثوري والتطوير الايجابي للانتفاضة الشعبية إلى الثورة الوطنية الديمقراطية. إن قوى التغيير التي تحملت السير بالمهمات مسؤولة اليوم عن الإنجازات التي تمت، ومسؤولة أيضا عن الحفاظ على التغيير والاستمرار به نحو الانتصار الحقيقي وبناء تونس لمصالح الشعب وتقدمه وتطوره. وكانت تلك إشارات موحية للحالات ذاتها المنتشرة في كل بقاع العالم العربي خصوصا. وكان امتداد الشرارة إلى خارج تونس أمرا طبيعيا واعتياديا في التاريخ. فالشعوب تتأثر وتستفيد من تجاربها وخبرات حركات التحرر العالمية أيضا، فكيف إذا حصلت في منطقة واحدة؟.

وجاءت التحركات في أيام الغضب في مصر استجابة طبيعية ضد الفساد والقمع والتجويع والحرمان التي كانت السلطات المتنفذة في مصر تمارسها ضد الملايين من الشعب المصري. ورغم استفادة السلطات المصرية من أجراس الإنذار وتهيؤها لها عبر وسائلها المعروفة في المنع والقطع والقمع. لكن الانتفاضة التونسية واستمرارها لثورة شعبية أعطت دروسا غنية بالعبر ومازالت تحت التطبيق وتحقيق الحالة الثورية رغم كل العوائق والمعيقات الداخلية والخارجية. ما حصل في مصر أشار إلى أن الأنظمة الدكتاتورية لن تتخلى عن وسائلها مهما كانت الضغوط عليها، بل وتعمل على التملص من تلك الضغوط، لاسيما الخارجية، بوسائلها الأخرى. فتم قطع وسائل الإعلام الحديثة، الانترنت وبرامج التواصل الاجتماعي، وكذلك الاتصالات الهاتفية المحمولة والأرضية، والتضييق على وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، وغلق فضائيات عربية واتهامها بما يرغب الحكم وأصحاب القرارات الفهلوية من اتهامات قد لا تكون من أهدافها الحقيقية. ورغم ذلك استمرت التظاهرات في ميادين التحرير والحرية في المدن الرئيسية في مصر، ورفعت الشعارات الأساسية المطالبة بإسقاط النظام ورحيل رؤوسه ومحاكمته علنا. وانطلقت التظاهرات يوم 25 كانون الثاني/ يناير يوم عيد الشرطة وبدعوة عامة من شباب مصر، عبر وسائل الاتصال الحديثة، وليس من الأحزاب التقليدية أو الحركات المعارضة. وكان الإجماع بين المتظاهرين والأحزاب السياسية والحركات الوطنية هو إسقاط النظام واستمرار الثورة.

لم تتوقف التحركات الشعبية والتعبير عن أيام الغضب عند البلدين هذه المرة، فقد امتدت وشملت بلدانا عربية أخرى معلنة، باختلاف صورها أيام غضبها ضد الاستبداد والفساد والتفاوت الطبقي والاجتماعي. كما هي الحال في مصر. استفادت السلطات في اغلب البلدان من دروس الثورة التونسية في الإعلان عن تراجعات محدودة، وفي إطارات الحفاظ على الشخوص والسياسات والتوجهات، رغم الطلاء البراق لفظا بالالتزام بتنفيذ المطالب الشعبية، والاستعداد للانحناء أمام الغضب العربي. كما حاولت الضغوط الخارجية، ولاسيما الإدارة الأمريكية في التدخل المباشر في ضبط الصورة وإطارها في خدمة مشاريعها وأهدافها الإستراتيجية في العالم العربي.

ليس جديدا وغريبا أن بعض السلطات العربية تواصل نهجها البوليسي حتى في هذه الظروف الصعبة، والانكشاف الإعلامي وبصلافة مؤمنة، فتستغل عصابات التخريب لإشاعة الفوضى والاندساس في صفوف المتظاهرين لتخريب الاحتجاجات السلمية والمعبرة عن غضب الشعب. حركة الشباب في مصر تقود التظاهرات وتضع المسؤولية المهمة على القوى السياسية الوطنية والثورية، ووحدات الجيش لحماية الانتفاضة وتطويرها إلى الثورة وبناء عهد جديد. وهذا السؤال الآخر في مصر وقبلها في تونس ومن الآن وصاعدا في غيرها من البلدان العربية.

درس تونس تاريخي ومهم، وضح أن الحكام العرب لم يفهموا أوضاع شعوبهم وبلدانهم إلا بعده. وأصبح يوم 14 من كانون الثاني/ يناير في تونس يوما تاريخيا أيضا، فأصبح ما قبله وما بعده في تونس، ومثله في مصر وغيرها من البلدان. وبات التغيير عنوانا للمرحلة، تحول من الأمل إلى العمل، ولكن: هل هناك حاجة للتذكير بأهمية ما حصل في تونس دائما؟!.

من قرأ الدرس والتغيير أكد أن ساعة العمل قد حانت، ودقت الأجراس، ولابد أن تفهم مجريات الأحداث. تندلع شرارة الثورة شعبية وعامة وشبابية وتليها الأحزاب السياسية والحركات المعارضة في رفع الشعارات التي حملتها وتؤكد عليها طيلة أيام الغضب. وتبقى دروس الانتفاضات التاريخية مطلوبة هي الأخرى. التحرك والتجمع والوضوح في الشعارات ومن ثم القيادة المشتركة في الميدان واستخدام أساليب الهجوم، القديمة والجديدة، والمبتكرة، وبابداع دائما وعدم قبول التراجع والدفاع فقط. وهي الدروس التي تتكرر وتتجدد ولابد من التعلم منها في كل الساحات. فالتغيير حان وقته ولابد منه ولات ساعة تأجيل، من أمل إلى عمل مباشر وسريع!.



 

 

free web counter