| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

كاظم الموسوي

kalm2011@live.co.uk
www.kadhimmousawi.blogspot.com

 

 

 

                                                                             الثلاثاء 3/1/ 2012

 

حرائق الكتب

كاظم الموسوي

كثيرة هي حرائق الكتب في التاريخ.. كثيرة هي الكتب التي احترقت.. كثيرة هي الأسباب وراء الحرائق، أو التبريرات لها في أكثر الأحيان بالأحرى.. وبقدر المبررات لا تحسب العواقب، أو تغيب عن البصر والتبصر.. ولكن المؤكد ان مَن وراءها هو عدو الكتب، بكل ما تعنيه الكلمة وما تدل عليه.

والأبرز فيه، من تجارب التاريخ وعبره، هم المستعمرون والمحتلون وأعوانهم وأذيالهم ومن يركب سياساتهم ويبذل جهوده متفاخرا في خدمتهم، حتى ولو بعد حين.. وليست بعيدة صور حرائق الكتب والوثائق في بغداد حين اجتاحها الغزاة الجدد. المستعمرون الأمريكان والبريطانيون ومن تعاون معهم ودفع لهم المال والرجال للقيام بعمليات الحرق والتدمير للكتب والوثائق وانتاجات الإبداع البشري. حيث يصح هنا السؤال: لماذا يكرهون الكتب؟ ويصبّون حقدهم عليها؟ ويحرقونها؟!.

ما حصل للمجمع العلمي في القاهرة مؤخرا.. أمر محزن.. كارثي.. لا يمكن تحمله ووضعه في صفحات ومسار التغييرات الجارية في مصر.. لا يمكن ان يكون ما جرى للمجمع العلمي من حرائق مقبولا .. ورغم التناقض في سيرته التاريخية، حيث بني بأمر من نابليون بونابرت وبعثته العلمية إلا انه ظل شاهدا مصريا بعد تشييده. المجمع العلمي وما يحويه أنشئ في القاهرة سنة 1798، وكان مقره في دار واحد من البكوات المماليك في القاهرة، وانتقل إلى الإسكندرية عام 1859، وبقي اسمه "المجمع العلمي المصري"، وعاد إلى المبنى الحالي بالقاهرة عام 1880. ويهدف المجمع إلى العمل على تقدم‭ ‬مصر‭ ‬العلمي‭ ‬ونشر‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة،‭ ‬وبه‭ ‬مكتبة‭ ‬تحوي‭ ‬نحو‭ ‬40‭ ‬ألف‭ ‬كتاب،‭ ‬وينشر‭ ‬مجلة‭ ‬سنوية‭ ‬ومطبوعات‭ ‬خاصة‭.‬

نقلت وسائل الإعلام عن محمد الشرنوبي أمين عام المجمع العلمي المصري أن الحريق الذي شب في مبنى المجمع المجاور لمقر رئاسة الوزراء نتيجة إلقاء زجاجات المولوتوف أتلف كل محتوياته تماما التي تمثل تراث مصر القديم. وأن كل المؤلفات والمقتنيات منذ عام 1798 حتى اليوم أتلفت تماما جراء الحريق، مضيفا أن هذا المبنى الأثري يضم حوالي 200 ألف كتاب، وأن احتراق هذا المبنى العريق بهذا الشكل يعني أن جزءا كبيرا من تاريخ مصر انتهى مشددا على ضرورة الكشف عن المسؤولين عن هذا الحريق.

كل هذه المقتنيات والآثار والمخطوطات النفيسة، التاريخية والعلمية، هي تراث إنساني أيضا، وليس مصريا أو عربيا وحسب، أي ان ما حصل في المجمع لا يهم مكانه ومحتوياته وحسب، بل والتراث والحضارة الإنسانية بكل تأكيد.. فكيف تتم مثل هذه الخسارة الكبيرة.. وكيف تمر مثل هذه الحرائق؟!!.

ليس الكتب وحدها احترقت في القاهرة في تلك الأحداث. لقد اختلط الدم البشري مع مداد الورق، وكأنها شهادة مستمرة تعبر عن التواصل والتناسق الإنساني بين الفكر والعقل والورق والتراث والتاريخ البشري. مشاهد توثق الجرائم المتعددة للحدث الجلل. نكبة اخرى للثورة والثوار في مصر.. خسارة جسيمة للتاريخ المصري والإنساني. المخطوطات النادرة والكتب الأولى والوحيدة التي كنزها هذا المتحف العلمي في القاهرة ضاعت بطرفة عين وأمام العيون التي تدعي أنها ساهرة على الأمن والأمان في البلاد والعباد. إنها مسؤولية كبيرة ولابد من تحميلها لمن سبب ومن صمت ومن تفرج على هذه النكبة الجديدة. صور المشاهد التي بثت عبر وسائل الإعلام الحديثة وانتشرت في أركان المعمورة عن المجمع والشوارع المحيطة به وميدان التحرير فضيحة بلا جلاجل، كما يقول المصريون لكل المسؤولين أو من يتحملونها اليوم في مصر.

ما احترق من المخطوطات النادرة من الصعب إعادته كما هو الإنسان الذي فقد حياته برصاص القتلة وبأوامر من يتستر وراءهم أو بظلهم ويتنكر كما اعتاد أسلافه.

حرائق الكتب ليست جديدة والاهم إلا تتكرر وان يحاسب عليها مرتكبوها علانية وبلا تردد أو صمت آخر. ولتتعاون كل الجهود والطاقات لإعادة بناء المجمع وحفظ التراث فيه بالوسائل الجديدة وصيانتها بكل الطرق العلمية واحترام الكنوز الإنسانية.

 

 

 

free web counter