| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

كاظم الموسوي

kalm2011@live.co.uk
www.kadhimmousawi.blogspot.com

 

 

 

                                                                             الثلاثاء 16/8/ 2011

 

بعض حصاد سياسات اليمين

كاظم الموسوي

ما حصل في بريطانيا من أحداث مثيرة، خلال الأيام الماضية، تعبير ناطق عن بعض حصاد سياسات اليمين البريطاني الحاكم، والتحالفات التي أوصلته إلى الحكم، والقرارات التي اتخذها ونفذها في مجالات متعددة، اقتصادية واجتماعية وسياسية. دفعت مفاعيلها وتداعياتها تلوين صورة مجريات أحداث هذه الأيام. تلك الحالة لم تكن جديدة ولا مفاجئة، فقد سبقت أمثالها قبل عقدين من الزمان، تحت حكم حزب المحافظين أيضا برئاسة مارغريت تاتشر وسياساتها اليمينية الشديدة الوطأة على الطبقات والفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة. وبالتالي هي نتائج عامة تتكرر لسياسات يمينية، تتوازى مع ما حصل في سنوات الركود الاقتصادي السابقة أو تعيد نفسها بتكرار أحوالها. فما حصل لم يكن كما قال رئيس الحكومة، زعيم حزب المحافظين، ديفيد كاميرون، أعمال سرقة وعنف فقط.. وإنما تحركات شعبية امتدت إلى مدن عدة وحولت العاصمة لندن إلى مدينة تحترق، وفرضت على أعضاء الحكومة والبرلمان قطع إجازاتهم الصيفية والعودة الفورية للاجتماع وتسجيل مواقف وتصنيع إجراءات صارمة وقرارات تعسفية تعبر عن حقيقة اليمين وأفكاره الوحشية في استغلال العمل والعمال وتسريع الإثراء على حساب المجتمع وقطاعات الشغيلة والمهمشة فيه وانتهاك الحقوق العامة والمكتسبة لأوسع قطاعات المجتمع، بما فيها الشؤون الأمنية والشخصية. ومن هنا فهي حركة غضب شعبي عام عبّر عن نفسه بهذه الأشكال، التي لم تكن جديدة ولا متفردة ولكنها صاخبة وغاضبة وحادة وليست منقادة بشكل منظم وموجه لأهداف عامة مطلوبة. والإجراءات التي أعلنها رئيس الحكومة والتهديد بإنزال الجيش فضلا عن آلاف الشرطة يدل على ذلك، لأنه شعر بان وقائع الحال غير الأفكار التي يروّج لها، وان الشارع الذي تحرك بهذه الأشكال يمكن قمعه بالقوة والعنف، رغم ادعاءات حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية وغيرها من الشعارات التي تروجها الدول الغربية الرأسمالية على العالم وتنسى نفسها حين تمر بمثل هذه الأوضاع، وقد تنجح هذه الإجراءات في التهدئة والسكون المؤقت إلا ان الأسباب ابعد من ذلك، وأطول مدى واشد غيظا. فالحرمان من العمل والإنتاج والخيرات والمستجدات في العلوم والتقنية والإعلانات تدفع الإنسان المحروم إلى خزانات من الغضب والبحث عن التنفيس عنه بأي اسلوب من الأساليب.

سياسات اليمين الحاكم التي بدأت ببرامج التقشف وزيادة أعداد الباحثين عن العمل بنسب وأرقام كبيرة وتشديد الإجراءات القانونية والعنيفة ضد المواطنين والساكنين في الأحياء الشعبية أو العامة، وتهميش أحياء وسكانها وزيادة التفاوت الطبقي والاجتماعي فضلا عن مشاعر الفصل والتمييز العنصري مع تصاعد الأزمة الاقتصادية العامة وتداعياتها وتأثيراتها الحادة على أغلبية السكان، لاسيما الشباب منهم، مع تزايد الضغوط الاقتصادية على هذه الفئات، وجعلها تعيش في ظروف غير ملائمة للحياة الطبيعية في بلدان تحسب بأنها قمة في التطور والتعايش والتقدم على مختلف الصعد، كل ذلك يشكل حاضنة وبيئة مؤاتية للإحتجاج والانتفاض. وقد كشفت أحداث الأيام الماضية ان بريطانيا والعديد من الدول الغربية ليست كما تصوّر أو يروّج عنها إعلاميا، (طبعا مع عدم المقارنة بغيرها)، حيث الفوارق واللامساواة والعنصرية هي سمات واقعية لما حصل ويحصل. وهي حقائق قاسية في مقارنتها مع التحولات والتطورات في مختلف المستويات في العالم عموما.

ان ادعاءات الحكومة البريطانية في تهجمها على المحتجين وأعمال العنف التي صاحبتها، بينت حجم التفاوت الطبقي والاجتماعي وسياسات اليمين البريطاني الاستعمارية، ففي الوقت الذي تستقطع الحكومة المليارات من الجنيهات الإسترلينية من برامج دعم التعليم والصحة والرفاه الاجتماعي تصرف مثلها أو أكثر في شن حروب عدوانية خارجية لا مصالح مباشرة للشعب البريطاني فيها، كما تغض الطرف عن "أعمال الشغب" التي يمارسها أصحاب المليارات في السرقة والفساد والتحايل على القوانين في البنوك والضرائب وغيرها، وقد يكون بعضها مما كشفته وسائل الإعلام، ومن بينها فضائح مؤسسة مردوخ الإعلامية وصلاتها بالفساد والإفساد في الإدارة والشرطة والتغول الأمني والعنصري فيهما على حساب الأقليات والأحياء الشعبية. وكلها جزء يسير أو راس جبل الجليد العائم.

إنتشار هذه الأحداث بعد مقتل شاب من قبل الشرطة ومنع التظاهر احتجاجا على ذلك، (وهذه قضية تتكرر باستمرار)، تعني وصول حالة الغضب إلى نقطة الانفجار، وتعكس رد فعل حاد على السلوك العنصري والممارسات العنفية لأجهزة الدولة الأمنية وبعض وسائل الإعلام التي تزيد الطين بلة في فضح أعمال بسيطة وتصرفات يمكن التغلب عليها وتتستر على أعمال إجرامية كبيرة أو تساهم هي بها بشكل ما. ولعل ما حصل فعلا لا يعبر إلا عن فشل واضح لسياسات اليمين الحاكم وما سبقه من سياسات يمينية مارستها قيادة حزب العمال ورئيسها توني بلير وخليفته غوردن براون أيضا.

هل ستتوقف هذه الاحتجاجات؟ سؤال ليس عما جرى وإنما عما هو أمر واقع وسياسات مرسومة بوحشية كاملة لا يهمها غير ملياراتها وأرصدتها وحساباتها على حساب الفئات الشعبية والمهمشة وهي التي تدفع إليها وستواصلها طالما تستمر مثل هذه السياسات وأعمال التعسف والقمع والعنصرية وضرب المكتسبات الشعبية وروح التعايش والتسامح أيضا. كما ان تحميل الشباب الغاضب وعوائلهم مسؤولية ما حصل كسبب وحيد أمر مجانب للحقيقة والواقع، ولابد من وضع الأمور بنصابها وتحميل أصحاب القرارات السياسية التي دفعت هذا الغضب إلى هذا النوع من الاحتجاج وعدم إنكاره أو الهروب إلى الأمام منه. ان ما حدث لا يتوقف بالتهديد العسكري والأمني ولا ينتهي بهما ولابد من التفكير بمسؤولية بحلول واقعية توفر ظروفا طبيعية واحتياجات الأغلبية الشعبية والمهمشة وتحتكم إلى قوة القانون وحقوق الإنسان لا إلى قانون القوة وإرهاب المواطنين الآمنين والأحياء الشعبية المهمشة.

 

 

free web counter