| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

كوهر يوحنان عوديش

gawher75@yahoo.com
gawher75@homail.com

 

 

 

الأربعاء 30/6/ 2010



الطفولة في العراق تبكي الاطفال وتفتقدهم

كوهر يوحنان عوديش

تعتبر فترة الطفولة من اهم المراحل التي يمر الانسان لانها بمثابة الاساس الذي تبنى عليه شخصية الفرد وتحدد الاتجاه الذي يسلكه هذا الفرد مستقبلا، لذلك لا عجب في ان نرى ان الاهتمام بالاطفال في الدول الديمقراطية والمتحضرة يفوق كل الاهتمامات بوصفهم ثروة البلد وقادة غده فينفقون في سبيل تربيتهم وتأهيلهم وتكوينهم وحفظ حقوقهم مليارات الدولارات وسنوات كثيرة من التعب والانهاك الجسدي، عكس دول العالم الثالث الفقيرة والغير مستقرة التي تختفي فيها الطفولة فينام اليتامى في الشوارع ويشحذ ابناء الفقراء منهم في الشوارع او يبحثون بين القمامة عن لقمة خبز لم تتلوث بلعاب الكلاب او اقدام القطط.
كان العراق من بين البلدان الكثيرة في المنطقة الذي هدرت فيه طفولة الطفل وضاعت حقوقه دون ادنى التفاتة في بلد يعتبر من اغنى بلدان العالم، وقبل ندخل في أي نقاش او نسطر أي كلمة بخصوص الطفولة ومآسيها في بلدنا (العراق) علينا ان نسأل انفسنا والمتربعين على العرش وكافة المسؤولين الحكوميين سؤالا جريئا يختصر كل المواضيع وكل النقاشات وبفس الوقت يجيب على كل الاسئلة التي تخص الطفولة، وهو:- هل هناك طفولة في العراق؟ والجواب هو لا عموماً ونعم نسبياً، ومع ان فترات نمو الانسان واحدة في العالم كله ولا يجوز اعطائها نسبة، فالطفل طفل والشاب شاب وكذا بالنسبة للعجوز، لكن الوضع بالنسبة للعراق مختلف عن بقية الدول والمجتمعات كما هو حال سياستنا المتقلبة واموالنا المنقولة من جيب الى جيب، فالطفل العراقي عاش حياة قاسية في العقود الثلاثة الاخيرة وخصوصاً السنوات السبعة الاخيرة، فمنذ بداية الثمانينات مع نشوب الحرب العراقية الايرانية والى يومنا هذا لم يعش الطفل العراقي طفولته بل ولد عجوزاً حفرت وجهه السنين واعيت اعينه الدموع والاحزان، فعاش اليتم اولاً والحرمان ثانياً والتشرد ثالثاً والعذاب رابعاً، فاما نراه يتيم الاب، الذي استشهد او قتل غدرا او اختطف واختفى او اخترقته شظية عمياء من احدى المتفجرات او المفخخات التي يشتهر بها العراق الجديد، او يتيم الام او كلاهما وقليل من هؤلاء يكون محظوظاً فتشمله رعاية احد الاقارب والبقية تتشرد لتنبش القمامة وتتوسد الارصفة وبذلك تكون فريسة سهلة للمتاجرين بالاعضاء البشرية وغيرهم من تجار الرقيق الابيض.
تشرد الطفل العراقي بسبب اراء ومواقف عائلته السياسية فكان ضحية التقلبات السياسية في البلد وكثيرا ما دفع ثمن ذلك حياته، فلا احد منا ينسى ما عانته عوائل المعارضين كباراً وصغاراً ابان النظام الاسبق والوضع مستمر على هذا النحو اذا لم يكن بأسوأ، فكل الطرق والاساليب التي مورست قديماً لا زال معمولاً بها، والاطفال المشردين في دول الجوار حالهم حال الفقراء في الوطن ( اما بائعي حلويات وسجائر او ماسحي احذية او بائعي ماء او يمدون اياديهم في تقاطعات الطرق يستعطون المارة والسواق ) الذين عليهم الاجتهاد والكدح والعمل حتى الاغماء لمساعدة
عوائلهم في تدبير لقمة خبز شريفة مضحين بمستقبلهم العلمي محرومين من طفولتهم ولذتها، فالمعارض للنظام السياسي القائم لا يتجرع التشرد والتعذيب والمطاردة لوحده فقط بل تمتد كل تلك الاجراءات الى افراد عائلته صغيرهم وكبيرهم دون استثناء.
اضافة الى اليتم والحرمان والتشرد عانى ويعاني اطفال العراق من امراض خطيرة وحالات عوق ولادية معقدة ونادرة نتيجة سوء التغذية ايام الحصار الظالم الذي فرض على العراق لمعاقبة شعبه وتدميره علمياً وتفكيه اجتماعياً، ونتيجة الاف الاطنان من القنابل والبارود التي انعمت بها علينا امريكا وحلفائها في حروبها وهجماتها الصاروخية ضد العراق من عام 1991 لغاية الاطاحة بالنظام السابق عام 2003 بحجة تحرير الكويت مرة وتدمير اسلحة العراق مرة ثانية وتحرير العراق مرة ثالثة ومحاربة الدكتاتورية مرة رابعة وارساء العدالة والديمقراطية مرة خامسة، وكانت نتيجتها ملايين الاطفال من المشردين واليتامى والاميين والاف المرضى والمعوقين، اما فضائح التعذيب والاغتصاب التي حدثت ولا زالت تحدث في دور الاحداث وفي معتقلات خاصة بالاطفال واليافعين لدى وزارة الداخلية في زمن الاحتلال، زمن العدالة والحرية والمساواة، التي هزت مشاعر الانسانية ليس في العراق وحده بل في العالم اجمع فهي ان دلت على شيء فانما تدل على الخطط المدروسة والمعدة مسبقاً لتدمير مستقبل العراق كون اطفال اليوم مستقبل البلد الاتي، فاذا جرد البلد من حاضره ونواة مستقبله أي غد هذا الذي ينتظره؟
تدل الكثير من النظريات والبحوث والدراسات الحديثة على ان مرحلة الطفولة هي المرحلة الاهم في حياة الانسان، فاذا كان الشخص قد نشأ وتربى في بلد فقير تدمره الحروب على امتداد اشهر السنة وتحكمه عصابات وميليشيات شيطانية، وامضى طفولته في بيئة لا انسانية مجردة من المشاعر والاحاسيس منبوذاً ومحتقراً ومستغلاً ومحروماً ليس من الالعاب والطمأنينة والعطف الابوي فقط بل من لقمة خبز نظيفة تسد رمقه، فأي ابداع علمي او تصرف عقلاني او عمل خيري او كلام مؤدب ينتظر من مثل هذا الشخص؟ اليس اساس الجريمة وجود طفولة تعيسة وغير سعيدة في بيئة بدائية غير متحضرة؟ اضافة الى كل هذا التعاليم والمنهج التربوي الخاطيء الذي يعتمد عليه لتعليم وتثقيف الاطفال، ليس في العراق فحسب بل في الشرق الاوسط عامة، حيث تكدس اطنان من الحقد والكراهية والتعاليم السوداء مكان البراءة والافكار البيضاء والاحلام الوردية التي يحملها الطفل ويأمل بتحقيقها يوماً، فأي مستقبل نأمله من شباب تربوا على الحقد والقتل والانتقام؟
على الحكومة العراقية المنتخبة الجديدة ان تفكر بجدية بمستقبل الاطفال الذي هو مستقبل بلدنا، فالنظام القائم على الافكار والممارسات الدينية والطائفية لن يستقيم يوماً الا اذا اجتهد القائمين على السلطة في نبذ التعاليم والممارسات الخاطئة وتقديس الطفولة واعطائها حقها المشروع لبناء مجتمع انساني ينبذ الاجرام ولا يعترف بالانتماءات القومية والدينية والسياسية وهذا لن يحدث الا بمعاقبة المتاجرين بالاطفال مستغلين ضعفهم واحتياجهم اولا، اما ثانياً رعاية الايتام وذوي الاحتياجات الخاصة وتمويل دورهم مع مراقبة دورية لكشف المواهب الدفينة لهؤلاء الاطفال ومعاقبة المقصرين بادائهم من المدراء والمشرفين وكشف المواهب، وثالثاً تغيير النظام التربوي والتعليمي وما يتلائم والفكر الانساني متجاهلا الاحقاد والمواريث الدينية والقومية والطائفية التي تزيدنا جهلاً وخرافة.

 

 

 

 

free web counter