| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

كمال يلدو

 

 

 

الأثنين 31/3/ 2008

 

على شرف الذكرى 74 لميلاد الحزب الشيوعي العراقي

الاغنية الوطنية، خبز الشيوعيين وزادهم

كمال يلدو

(لقد كنت وطنيا قبل ان اكون شيوعيا، وعندما صرت شيوعيا صرت اشـعر بمسـؤولية اكبر تجاه وطني!) بهذه المواصفات الفريدة يعبد الرفيق يوسف ســلمان "فهد" طـريق الشيوعيين الطويل والقاسـي ويحملهــم مســـؤولية الدفاع عن مصالح الكادحين والمثقفين. وقد اثبتت الايام بالتجربة الحية كم كان الشيوعيون العراقيين في مقدمة المدافعين عن مصالح العراقيين ووحدة وطنهم. وبقدر ماجلبت مواقفهم المبدئية هذه حقد الحكومات الرجعية، الا أنهم كانوا الملاذ والخيمة التي تجمّع حولها اوتفيأ بفيـّهـا خيرة الفنانين والأدباء والتشكيليين والشعراء وأصحاب القلم والفكر العراقيين، ولهذا اكتســبت جلسات واماسي وحفلات الشيوعيين طعم خاص، وطرحوا مفهوما جديدا للغناء الوطني مرفوقا بأروع ما ابدعته قريحة الشعراء من ابيات تتغني بالعمل والانسان والفرح القادم، بالطفولة والأمومة وبالعدالة والمساوات وحقوق المرأة، بأخوة العرب والاكراد وباقي مكونات الشعب العراقي، ولم تقتصر على الغناء والشعر العربي بل تعداه ليعكس الوان العراق الزاهية، فكانت الاغنية الكردية والقصيدة السريانية والشعر التركماني والأوبريت العربي وهكذا كان الوطن حاضرا بين احبابه. ومع ترسـخ فكر الحزب، نمت النخبة المثقفة والتي لم يمض وقت طويل قبل ان تؤســس لنفسها رصيدا في الساحة الثقافية وعند عامة المواطنين ، وانتشـرت الاغاني الوطنية التي صار صداها يتردد في المظاهرات او السـجون، ومع بزوغ شمس الحرية عشية ثورة 14 تموز، انتقلت الأغنية الوطنية إلى الأثير وتلقفتها الجموع (يا موطني يا موطني وهربشي كور وعرب للفنان الراحل أحمد الخليل، اغاني المرحوم عزيز علي، وأغنية انا العراق للفنانة مائدة نزهت، ومقام واغنية 14 تموز يوم الحقيقة لرائد المقام العراقي الاول الراحل محمد القبانجي).
لم تمنع السجون والمعتقلات الشيوعيين من اداء دورهم الابداعي، وتحولت جلساتهم الثقافية في سجن بغداد والحلة ونكرة السلمان الى منتديات ثقافية وشعرية وغنائية اغنت الثقافة والهمت المناضلين وشدت من عزائمهم، ومازال صدى تلك الايام حاضرا (يالرايح للحزب خذني، وبنار المعركة ذبني اغنـية الشهيد سلام عادل، اغنية سنمضي سنمضي إلى ما نريد، وطن حر وشعب سـعيد، وأغنية سـالم حزبنا سـالم حزبنا، يخســى اللي يضدنا والشعب حي ما مات سـالم حزبنا، والكثير يتذكرون رائعة الشاعر مظفر النواب التي الفها في الســجن، حن وآنه حن وانحبس ونـّه ونمتحن، مرخوص بس كت الدمع شــرط الدمع حـّده الجفن).
وحتى يثبت الشيوعيون لكل اعدائهم بأنهم اكثر الناس عشقا للحرية وللعمل العلني وفـي وسـط الجماهير،اذ بينـت الســنين القليلة مع بدايـة عقـد السبعينات والتي شهدت انفراجا سياسيا نسبيا، كيف انتعشـت الثقافة الوطنية الصادقة والتي قادتها كوكبة الشــيوعيون المخلصة واصدقاء الحزب والعديد من الذين تأثروا بتراثه الوطني.فلم تعد كافية صفحات الجرائد والمجلات للنقاشـات ولا حتى جلسات المقاهي الشعبيةبل امتـد الى اروقة اتحاد الادباء ونادي التعارف ونادي بابل وجمعيات المهندسين والاقتصاديين وغيرها التي كانت تموج بالنشـاطات.

وبينما والحال هــذا، كان على الضفة الأخرى من نهـر دجلة عمـل جبار يأخذ طريقه للنور وذلك بتأسيس فرقة الاجراس ( بيلز ) في نادي بابل الكلداني من مجموعة من العازفين الشباب زهير كه كه وماجد كه كه وثائر عبد جمعة وفاروش وآخرين ومن ثم وبإشراف والحان الفنان جعفر حسن كانت فرقة الأجراس تغطي عملياً كل نشاطات وحفلات الحزب والشبيبة الديموقراطية . ومن ثمار ذلك أن قام الحزب بمبادرة بإقامة مهرجان للأغنية السياسية في جمعية الفنانين التشكيليين في بغداد عام 1973 أحياه الفنانون جعفر حسن وكوكب حمزة والهام حسن بالمشاركة مع فرقة الأجراس الشابة والذين تحسب لهم المبادرة الأولى في إقامة مهرجان للأغنية السياسية ولأول مرة على مستوى العراق وكانت لهم الريادة الاولى أيضاً في الأغنية السياسية العراقية الحديثة .
ومن ثم لاحقاً صدحت حناجر شــابة غنت لشعراء ولملحنين شيوعيين أمثال فؤاد سالم وأنوار عبد الوهاب وشوقية فأبدعت بحق الحان طالب غالي وكوكب حمزة وسامي كمال وكمال السيد وجعفر حسن وحميد البصري وارتقى الذوق الفني بأشــعار مظفر النواب وكاظم إسماعيل الكاطع وعريان السيد خلف وكاظم السعدي وأبو سـرحان وإسماعيل محمد إسماعيل،الفريد سمعان ورياض النعمان وغيرهم عديدين .

كما تم لاحقاً دمج فرقة الأجراس في فرقة الرواد التي تأسست بمبادرة من الحزب أيضاً وبقيادة المبدع جعفر حســـن والتي أحيت الاحتفالات العلنية للذكرى الأربعين والثانية والأربعين لتأسيس الحزب ومهرجان الحزب الشيوعي اللبناني عام 1974 وكل الفعاليات والمهرجانات لاحقاً.

وحتى يكون الإنسان منصفا ويثمـّن مقدار العمل الذي أنجز في عقـد السبعينات والأساس الراسخ لـه، فأن حجم الضربة التي تعرض لها الحزب برفاقه وأصدقائه وما تلاها للثقافة والمثقفين العراقيين كانت ستنهي شــيئا اسمه الحزب او الثقافة الوطنية او الانتماء الوطني لـو لم يكن هناك أناسا مخلصين عملوا ليل نهار من اجل رفع راية الفكر الإنساني خفاقة عالية. إذ لم تكن الأغنية الثورية والوطنية والحزبية ولا شــعر الجواهري والنواب بعيد عن جلسات الشيوعيين، في السجون والمنافي، في صفوف الأنصار أو في اليمن والدول الاشتراكية، في بلاد الغربة أو للمناضلين الذين عملوا مع المنظمات الفلسطينية أو الأحزاب الشيوعية العربية. كانوا معروفين ويشار لهم بالبنان، ولمؤسس حزبهم "فهد" ولأغنية "سـالم حزبنه سـالم حزبنه" منزلة ووقع خاصين .
لم تحن الشيوعيين الضربات، ورغم توزعهم في كل الأقاصي، فهم لم يحملوا هذا التراث فقط، بل صـاروا له ســفراء، فكانت تجربة جعفر حسن الرائدة في لبنان وتأسيسه فرقة الشبيبة الديموقراطية اللبنانية سنة 1974 وفرق الشبيبة الاشتراكية في اليمن سنة 1979، وتجربة حميد البصري والمبدعة شـوقية ولاحقا أبنائهم في سوريا وأوربا، تجربة كوكب حمزة وسـأمي كمال وكمال السيد في سوريا ومن ثم أوربا، تجربة الرائع فؤاد سـالم في الخليج وسفراته وحفلاته مع الجاليات العراقية، تجربة حكمت السبتي وصبار نعيم. اما في المغترب الامريكي فكانت هناك تجربة فرقة الأجراس والفنان ماجد ككا، الفنان عميد اسمرو وفرقة الشمس وكلاهما من ديترويت لأكثر من خمسة وعشرين عاما في نشــر الغناء الوطني والثوري في أميركا الشمالية وباحتضان ودعم وتشجيع من الاتحاد الديمقراطي العراقي . ان هذا التراث الغني ما كان له أن يصمد أمام عســف وإرهاب الأنظمة والحكومات الدكتاتورية لولا مصداقيته ومبدئيـة فنانيـه، لولا التزامه الصميمي بقضية الشعب ودفاعه عن مصالح ومطالب الكادحين. فهو لم يتحدى الارهاب فحسـب بل قاوم المغريات والتهديدات، وقاوم مخطط النظام البائد في نشـر ثقافة تمجيد الحاكم وحروبه واغاني اعياد ميلاده الفجـّـة ورقصات الغجر التي اسـاءت للذوق العام ودفعته للحضيض، لا بل لـوثت كل ما كان طيبا وصافيا في الوسط الثقافي والفني والادبي العراقي .
ونحن على ابواب الذكرى الرابعة والسبعـون، نقف مرفوعي الرأس بفنانينا وادبائنا وشعرائنا وكل مبدعينا، ابناء مدرسـة الاخلاص للعراق والعراقيين في هذا الزمن الصعب الذي يعتصر وطننا، نتذكر الاحياء منهم ونتمنى لهم دوام العطاء والرعاية من الشعب العراقي بعد ان ضاع املنا بالجهات الرسمية والتي كان من المفروض ان تتوجه الى كل هؤلاء الفنانين وتقدم لهم ما يكفل لهم ولعوائلهم العيش الكريم بعد كل ما قدموه خلال مسيرة العطاء، نتذكر الذين رحلوا عنا ونعدهم بأن ذكراهم عطرة دائما ونطالب السلطات برعاية عوائلهم وتسمية المواقع الثقافية بأسمائهم.
امــا للحزب الشيوعي العراقي، فأني اتوجـه بالنداء المخلص من اجل ان يبادر ويخصص لجنة تعـني بجمع تراثه الغنائي الوطني والحزبي، تعني بجمع الاشــعار الوطنية والثورية والتي دائما ما تكون حاضرة عزيزة في نشـاطاتنا الثقافية والادبية، ان يبادر الى وضعها بمتناول الرفاق والاصدقاء الذين يفدون للحزب يوميا ليخوضوا غمار النضال الوطني الشـريف، آرشـيف يعني بسـيرة هذه النخبة النضالية ومآثرها، وتعريف الناس اكثر بها. لقد حرمتنا الدكتاتورية وحرمت ابناء شــعبنا من هذا النوع من الفن الملتزم، واليوم وبفضل الثورة التكنولوجية يمكن لنا تجاوز العديد من الصعوبات. وحتـى لايضـيع ويتبعثـر عمل وجهد العشــرات من الذين حافظوا على الغناء الثوري، هذا الذي ردنناه في اماسـينا، وخفف عنّـا غربتنا وعـزز عندنا الامل بأنتصـار قضيتنا العادلة في كل هذه الســنين، اتطلع لليوم الذي يكون عندنا آرشــيف نفخر بـه ويفخر به كل العراقيين. آمـل ان نقـدم هدية لليوبيل البرونزي (75) لميلاد الحزب في السـنة القادمة مجموعة الاغاني الثورية والوطنية موزعة ومغناة من جديد وبتقنية وكفائة عالية مستفيدين من فرقة الطريق في الوطن او من الاحبة في الخارج، ويمكن لكراس "اغاني الطريق" الذي اصدره الاتحاد الديمقراطي العراقي عام 1984، وصـفحة الاغاني في موقع الاتحاد، ان يكونا لبنة جيدة وبداية حســنة لأرشـــفة التراث الغنائي والفني للشــيوعيين العراقيين واصدقائهم، امانة للتأريخ وخدمة جليلة لرفاقنا الذين ولجوا الطريق، طريق الشــعب.


*
شــكر خاص للعزيز الاستاذ جعفر حسن لقيامه بتصحيح بعض التواريخ والمعلومات.

آذار 2008





 

Counters