| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

كمال يلدو

 

 

 

السبت 31/3/ 2012

 

مغزى الأحتفال ب 31 آذار في الغربة

كمال يلدو

لم يكن حساب الملاجئ التي سيتوجه اليها العراقيين واردا ، حينما اطبق الأرهاب فكيه على كل وطني أو يساري او شيوعي بداية عام 1979 وما تلاها . بل اضحت الغاية تبرر الوسيلة في الوصول الى بـر بعيد عن سطوة البعث ومخابراته . وحينما حط البعض في ارض الولايات المتحدة ، كانت مهمة البحث عن اناس يشاركوه الرأي والفكر واحدة من المهمات الصعبة والمعقدة ، وربما بدافع احترازي ، في الخشية من ازلام النظام وانعدام الثقة ( ولو مؤقتا) ، كانت تلك الأرهاصات تضفي بعدا آخرا لهذه التراجيديا التي تزيد من محنة الملاجئ بادئ الأمر . أما مدينة ( ديترويت)، فمن محاسن الصدف ان تكون واحدة من الأستثناءات التي حملت كلا المتناقضين ، جالية كبيرة ، وشبكة عنكبوتية من منتفعي النظام وبعثاته الدراسية ، وجمع وطني غير قليل قذفته احداث 1963 الدموية وما تلاها في انقلاب 68 ، وساعد اكثر انهم من طائفة واحدة ، لابل من مدينة بغداد أو منحدرون من أقضية محافظة نينوى ، وطنيون او من عوائل وطنية وبعضهم كان لهم شهداء في طريق التحرر أو ممن ذاقوا مرارة السجون .

هذه المواصفات اوجدت مساحة مشتركة التقى حولها – اعداء البعث وصدام – يومها ، وانهم كانوا ، ولم يزلوا أصدقاء او مناصرين لنضالات الحزب الشسيوعي العراقي . مع تصاعد الهجمة ، تزايدت الحاجة للأقتراب ، والقيام بعمل ما!

صدرت بعض البيانات السياسية التي وزعت على ابناء الجالية في مدينة ديترويت ، وتوج العمل بتأسيس " رابطة التقدمين الديمقراطين العراقين في امريكا" ، ورافقها صدور صحيفة شهرية سميّت ( صوت الأحرار) ، وصار التصدي لنظام صدام حسين يدور بشكل اكثر علانية في مقاهي الجالية ، المكان الأكثر تواجدا وشعبية . امـا في لقاءات الرعيل المؤسس ، فقـد كانت الذكريات حاضرة ، منها ما كان غارقا في القدم ، ومنها ما تناول ثورة 14 تموز، ومنها ما كان حديث العهد . يحل آذار عام 1981 ، وتحل الحاجة لأحتفال بمناسبة 31 آذار ، عيد ربيع الحركة الوطنية. ولأنها المرة الأولى ويحمل بطياته كل ســمات التحدي ،فأقيم علنيا في قاعة (الرابطة) ، تماما في مركز تجمع الجالية العراقية بديترويت ، حضره المئات ، رجالا ونساءا ، شيبا وشبابا، ، وعلت الشعارات جدران القاعة ، فيما توسطت صورة للشهيدان فهد وسلام عادل منصة الحفل ، بينما أزدان المكان بزينة العيد والفرح والشعارات التي تمجد المسيرة والشهداء وتناهض الدكتاتورية . القيت كلمة الحفل ، والعديد من الكلمات والتحايا بالمناســبة ، وتليت القصائد الوطنية ، واعتلت منصة الحفل فرقة موسيقية حيث أشترك الكل في ترديد الأغاني السياسية الوطنية حتى بعد منتصف الليل .

هتافات واغاني كثيرة ملئت فضاء المكان ، كان احلاها وأكثرها ترديدا من الحضور :
( سالم حزبنه ، سالم حزبنه، حزبنه حي ما مات ، سالم حزبنه ، يخسه اللي يضدنه ، والشعب حي ما مات ، سالم حزبنه) .وفي الأعوام التالية درج "انصار الحركة الوطنية العراقية " بالحفاظ على هذا التقليد في اقامة الحفلات وفي قاعات عامة كبيرة حتى هذا اليوم .

على مدى (32) عاما ، حضر هذه الحفلات جمهور يعــّد بالآلاف ، قسم جاء مرة واحدة ، وقسم مرات ، وقســـم بقى ملازما طوال السنين ، وجوه يمكن لو رجعنا للصور وأفلام الحفلات سنقرا عليها صورة هذا الزمن المتسارع ، بعيدا عن الوطن. لا شك ان بعضا حضر الأحتفالات نكاية وتحدي للبعث ( آنذاك) ، وقسم كان لصيقا او عاملا في الحركة بالعراق، قسم لهم شهداء او كان اقربائهم او اصدقائهم من الشهداء ، ويعتبر حضور الأحتفال مناسبة لرد الجميل لذلك الشهيد او المعذب من قبل الأنظمة ، وقسم كان يرى ان حضور الأحتفال واجب وطني يمليه عليه سيرة الحزب النضالية ، وهكذا كانت الحالة ايضا مع ضيوف الحفل من فنانين عراقيين وعرب او شخصيات سياسية مرموقة ، او ممثلي الأحزاب الوطنية العراقية والمنظمات والأحزاب العربية ( من فلسطينيين ولبنانيين ويمانيين ومن بعض دول الخليج وحتى من شمال افريقيا) ، كانت الحفلات تمثل اعراسا وطنية عراقية تمتزج فيها الدموع بالفرح ، وتختلط الذكريات بالأماني ، ومصاعب الهجرة بحلم العودة .اغان وموسيقى ورقصات عراقية اصيلة تمثل كل الوان الفنون ولكل اطياف الوطن ودياناته وقومياته ، وكانت عادة الحفلات ان تزين الجدران بشعارات تلك المرحلة ، وصور الشهداء الميامين .

ولأن هذا الحفل ، كان متميزا بشعاراته السياسية ، فالحاضرون لايمكن ان يكونوا طارئين! الكل يعرف الى اي حفل ذاهب ، ويعي حجم التحدي من ذلك، لكن السؤال الذي يبقى : لماذا كان هذا الجمهور يصـّر على الحضور؟ هل لقضاء الوقت ؟ او للمجاملة ؟ ام لأن هناك موقفا مبدئيا يريد المشاركة في تثبيته بغض النظر عن حجم ما يمكن ان تضيفه مشاركته؟ اذن ، وعــى الكثيرون ، من مثقفين او غير متعلمين ، من عوائل الشهداء او مناصري الحركة الوطنية ، بأن حضورهم الأحتفالات انما هو تأكيد على الحاجة لوجود حزب شيوعي معافي في حياة العراق السياسية ، رغم كل ما شاب مسيرة الحزب من صعوبات ومآسي طوال ال 32 سنة التي خلت .

يعي الكثيرون ان وجود حزب الشيوعين هو حاجة للبلد ، حاجة للتنوع الفكري والسياسي ، ولأغناء الثقافة الوطنية ، حاجة للأصالة الوطنية والدفاع بلا هوادة عن مصالح الشعب ، من مثقفين او نساء او من الطبقات المحرومة والمسحوقة ،للشبيبة والطلبة ، وجوده حاجة ماسة لكشف اقنعة احزاب كثيرة رفعت شعارات الوطنية باطلا ، وجوده اماط اللثام عمـّن تقبل ان يساوم على وطنه مقابل المال او المنصب ، رضـى بسـرقة المال العام ، او صـار متكأ لمشاريع دول الأقليم والقوى العظمى على حساب أمن وأمان العراقيين ...حسابات كثيرة كانت تختمر في عقول العديد من رواد حفلات 31 آذار في ديترويت ، تقرأ اســـطع سطورها في شفاه اقل الناس تعلما ، وأكثرهم وطنية ...منهم من رحل ومنهم من يضرب لنا مثالا بالصبر والثقة بعدالة قضية الحزب الشيوعي العراقي.

شــابات وشباب ـ متوسطي الأعمار وكبار السن ، وقسم منهم امضى حاملا بين جوارح قلبه العلم الأحمر لأكثر من ستين عاما ...كم نحن مدانين لأخلاصهم ووفائهم !

حينما نحتفل بالجمهور الذي شارك في احتفالات ربيع الحركة الوطنية ، فالتحية موصولة لكل من جاد بوقته وماله وسهر لأنجاح الأحتفالات ، في توزيع البطاقات والدعاية للحفل ، وأبوا ان يكونوا العين الساهرة والمتوارية خلف الستار وبعيدا عن الأضواء ، ممن تبرعوا بسخاء لدعم نضالات الداخل، ممن دفعتهم غيرتهم الوطنية ان يخرجوا حفل 31 آذار بما يليق حقا بنضالات وأمجاد حزب الشهداء الأبطال ، حزب العمال والفلاحين والمثقفين والكسبة وكل كادحي العراق بقومياته ودياناته المتنوعة .

حينما تجد هذه السطور طريقها للنور ، تكون جموع المحتفلين في ديترويت ، وآلاف اخرى في كل المنافي والملاجئ ، تصبوا بأنظارها نحو الوطن الغالي ، نحو العراق ، منشـــــدة شعار الأجيال " ســـنمضي ســنمضي الى ما نريد ، وطن حـــر وشــــعب ســــعيد " !

عيدا سعيدا لكل من يحتفي بهذا اليوم ، ويعتبره تأريخا لحزبا وطنيا يستحق الحياة والتقدم بقدر ما يستحق الأحتفال به

 

31/آذار / 2012

 


 

free web counter