| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

كمال يلدو

 

 

 

الأحد 2/3/ 2008

 

مـوجـز حياة العائلـة العـراقية ( اكس)

كمـال يـلدو

هـذا مـوجز بسيط لحياة هـذه العائلة العراقية ، واخترت لها الاسـم (اكس) حفاظا على حرمتها ولما تتضمن من امور شـخصية بالرغم من اشــتراكها في الكثير من العموميات مـع عوائل كثيرة ، واخترت هذه العائلة لمـا تربطني بها من صـلة قـربى وفـرت لـي المعلومة الدقيقة بغيـة ان يكون طرحي للموضوع مســتوفيا المصداقية والواقعية .

العائلة العراقية ( اكـس)
تـزوج الاب في مطلع الاربعينيات من القرن المنصرم ، وكـوّن عـائلة متواضعة ، وفي خلال تلك المسـيرة ســكنت العائلة مناطق عديدة من بغداد ابتداْت بصـبابيغ الآل ، ســوق الغزل ، العـوينة ، المربعـة ، مـدينـة الشـعب واخيرا منطـقـة الدورة . وكانت ان رزقت العائلة بالعديد من البنات والبنين :
1) البنت الكبرى ، درسـت وتخرجت ثـم تزوجـت وبعدها انتقلت الى بيتها الجديد ، رزقت بالاولاد .عملت موظفة اما في السنين الاخيرة فقد اصاب زوجها المرض الذي اقعده الفراش (الشلل) ولم تتمكن من علاجه بســ
ـبب عدم توفر العلاج له في العراق وضعف المورد المالي لعلاجـه في الخارج .
2) البنت الثانية ، درسـت هي الاخرى وتزوجت ، ورزقت بطفلين ، وشـاءت الاقدار ان يمرض زوجها بينما كان يؤدي خدمة العلم اثناء الحرب العراقية الايرانية ، ولم يمهله كثيرا ، فتوفـي وهو في عـز الشباب ، فترك لها الطفلين الصغيرين فتدبرتهم بمســـاعدة العائلة وانشأتهم حتى كبروا .
3)البنت الثالثة ، هـي الاخرى درسـت وتزوجت ورزقت بالاطفال ، واختارت ان تبقى ربة بيت وانتقلت للســكن في منطقة الدورة . تحملت في حياتها معاناة مزدوجة تراوحت بين مـرض مـزمن عانى منـه الزوج وابنـة معـّوقـة نتيجـة عـاهـة بدنيـة .
4) الأبن الأول ، درس فـتوظـف وشــارك مبكرا فـي تحـمل مســؤولية العائلة . تـزوج وبعدها نال منـه مـرض عضـوي لـم يجـد له علاج شـاف في العراق ،آثـر الغربـة فأســتقر لاجئـا في احدى الدول الاوربيـة . عــولج وشـــفى من مـرضـه .
5) الأبن الثانـي ، تعـلم في المـدرسـة واختار الاعمـال الحـرة لحياته ، وشـارك هـو الآخر في تحـمـل مسـؤولية العائلـة ، ثـم تـزوج ورزق بأطفـال . نال منه المرض لكنـه وجد العلاج في بغداد وأصــر على البقاء . عـاصـر الحروب والتغيرات والحصار واجتاز مـرحلة ما بعد 9 نيســان 2003 وأقـام فـي منطقة الدورة سـكنا لعائلته .
6)الابن الثالث ، ارسـلته العائلة لتعلم احدى المهن الصناعية فكان له حقل الكهرباء .عمل في الاعمال الحرة وتزوج ولم يتســع العراق لأحـلامـه فـقـرر الهجرة وهـو يعيش ويعمل في الولايات المتحدة . رزق بالاطفـال ويـدعـم عائلته في العراق مـاليـا .
7) الأبـن الرابع ،درس هـو الآخـر لكنه توجـه للأعمال الحرة فأفتتح محـل للتســجيلات في منطقة البياع . تـزوج مثل اخوتـه ورزق بالاطفال . مـرت حياتـه بصعوبات كثيرة بعد 9 نيسان 2003 ، وتعرض للتهديد مرارا فيما شـهد العديد من محلات التسجيلات تحـرق ، فـقـرر مغادرة العراق حيـث قـبل لاجئا في احدى الدول الاوربية ومازال هنــاك .

رحـل والدهـم في اواســط الثمانينات بعد مـرض مفاجـئ ، وبقـت معهـم الوالدة التي آثرت اللحاق بزوجها اواسط 2005 . وخـلال كل تلك الســنين عاش افراد هـذه العائلة فـي عـلاقات طيبة فيما ســكنـوا قريبين من بعضهم البعض وكانوا يقتسـمون الزيارات .
* * * * * * *
منذ عامين او ثلاثة ، ســقطت مدينة الدورة بيـد الارهابيين ، فعاشـــت العوائل الثلاث اهوال المعارك والتهديدات وغياب الدولة واجهزتها ، وصار المسلحون و " الجهاديون " هم الكل بالكل . ووصـلت الامـور الى درجة لاتطاق بعدما طلب المسـلحين من " الابن الثاني " ان يقدم ابنه - 21- عاما للتطوع معهم ، فقررت العائلة حينذاك ترك الدورة وســـكنت شــارع فلســـطين . قاوم هذا الاخ كل اغـراءات السفـر للخارج ورفض دعـوات اخوته ، رفضها واصّـر على البقاء على الاقل بالقرب من شـقيقاتـه و مع امـــه المســـنة .
لم يكن ســهلا عليه ان يترك بيته في تلك الليلة السوداء وفي هذه الاوضاع الاقتصادية الصعبة ، وفي احد صباحات بغداد الرمادية قرر ان يذهب للدورة ويجلب بعض الحاجيات من بيته ، فأســـتقل سيارة العائلة بصحبة ابنه . رصـده " المجاهدون " وســـقط في شـــركهم بينما فـلت ابنـه بأعجوبة .
تمـر الدقائق اثقل من الجبال ، فنهاية القصـة معروفـة ســلفا ، كيف سيرجع الابن للبيت ؟ وماذا ســيخبر امـه او عـمـاتـه ؟
اتصـلوا بزوجته التي ارعبها المشــهد ، وطلبوا فديـة ...وامهلوهم ثلاثة ايام على ان لا يخبروا الشــرطة او اية جهة رســمية ، والا اصبح الشــخص في خبر كان .
اســتدانوا ، وباعوا الثمين ، ودبــّروا ال " فدية ". وبعد ترتيب الاتصالات ، ســلمت الاخت الكبيرة المبلغ المطلوب بعدما اوعدوها بأطلاق ســراحه ، وانتظرت ان يفرجـوا عنـه .
قـالوا بعد يـوم ...بعـد يوميـن ....ربمـا ثلاثـة !
لم تكن صحتـه كاملة ، فقد كان يأخذ حبوب مرض ارتفاع الضغـط يوميا ، وانقطاعه عن الدواء يعني الكارثة ..
تـرى ، كيف تدور الصــور في ذهـن زوجتـه الثكلى ...ماذا يأكل الآن ؟ ماذا يشـرب ؟ هل اخذ الدواء ؟ هل نام جيدا ؟ هـل آذوه ؟ لمــاذا ؟ فهــو طوال حياتــه لـم يؤذي حتى النملة
تمـر الايام ثقيلة على الكـل ، بين كتم المشاعـر والخوف من المجهول، لا بل الخوف حتى من المســلحين اللذين يمكن ان يكرروها مع واحد اخر من افـراد العائلة ، تمر الايام ولا خبر عن الابن الثاني .

* * * * * *
قـررت الاخت الكبرى ترك العراق بعدما اصابها اليأس والخوف من ان يلحق بها ما اصاب شـقيقها ، واصطحبت معها زوجها المقعد وابنائها ، وانضمت اليها الاخت الثانية واولادها والاخت الثالثة مع زوجها واولادها ليشـــكلون قافلة تعبـر الوطن الى دولة مجـاورة ، غير عارفين ان كانت هذه آخر ما ســيحملون من ذكريات عن العراق ام مـاذا ؟
مضـت اياما قليلة على وصولهم ، اســبوع بالكـاد ، ويرحل زوج الاخت الثالثـة بعدما اشــتد عليه المرض واطبق على انفاســه .
ارملتان واخت مع زوج مقعد وثلاث اشــقاء في ثلاثة دول وشـــقيق مخطـوف !

وان كانت فصول هذه اللوحة السريالية تدور في الدولة المجاورة ، فأن فصــلا اتعس يتشــكل في بغداد ، وهذه المرة مع المفجوعة، زوجة الشـقيق الثاني المخطوف ، فلقد آثرت البقاء فـي العراق أمـلا بأعجوبة تعيد زوجها الى بيتـه وأولاده .
مـع اطلالة صـباح كل يـوم ..هناك امـل، وتبدأ الوانه بالانحســأر كلما مضـى اليوم ، وما ان يحـل المســاء حتى تطبق السـماء على قلب هذه الانسـانة البريئة ، وتنســـدل ســتائر الخيبة مقرونة بالحســرة والالم والفزع والقلق من القادم المجهول ، هذه الانسـانة التي وجدت نفســها فجأة في وســـط زحام لا اول له ولا آخـــر ،فـتبدأ مســـيرتها الشــاقة بالبحـث والسـؤال في مراكز الشــرطة ، والمســتشـفيات ، والقوات الامريكية ، محاولة ان تتجنـب الطب العدلي ، هذه البناية التي تمثل آخـر خيوط الارتباط الانســاني عند العراقيين .اما "ا م المهازل " فهـي التعامل مع الســماســرة الذين يقدمون خدماتهم بقصـد البحث نيابة عن العوائل في الطب العدلي مســتدلين بذلك من بعض الصـور الشـــخصية ، فيهربون بالصـور والنقـود ، ومـن في بغداد يأتمــن لكل هذه الرحلات بين المراكز والمسـتشـفيات في ظل التفجيرات والزحام والطرق المهدمة والمزروعة بالعبوات الناســـفة ؟

* * * * * *
اذن تحت هذه الســـموات ، تختزل العائلة العراقية ( اكس ) بثلاثـة اشــقاء يعيشــون في ثلاثة دول ، شــقيقتان ارملتان وشـقيقة اخرى بصحبة زوجها المقعد يقتســمون غرفتين في احدى دول الجوار ، وزوجـة نكبت بأختطاف زوجها ، ولـــم يعد منــذ اشـــهر ! رغم انها دفعت " الفدية " ، كان قد غادر البيت صـباح احـد الايام قاصـدا بيته القديم في مدينة الدورة

* * * * *
فـي العراق توجد مئات الاحزاب والمنظمات والجمعيات ، توجد قوات اكثر من عشــرين دولة ناهيك عن مخابرات دول كثيرة اخرى ، عشــرات الاذاعات والفضائيات ، مئات الصـحـف والمجـلات وبرلمـان من 275 عضوا ووزارة ب 32 مقعدا ورئيس جمهورية بنائبين.

فـي العراق وزارة تعني بالشـؤون الاجتماعية ، واخرى بحقوق الانســان ، وثالثة بالمهاجرين والمهجرين ، ووزارتان لتوفير وضمان الامن للمواطنين ، الداخلية والدفاع ، والتي تجاوز نصـاب منتسـبيهما مجتمعين اكثر من نصف مليون منتســـب وميزانية مالية تقدر بالمليارات

فـي العراق ، وعلى مقربـة من المنطقة الخضراء ، يســتباح المواطن العراقي وترتكب بحقه يوميا كل اشــكال الجرائم .

في العـراق ، يجتمع البرلمانيون والوزراء ، يتناقشــون ، يســتلمون رواتبهم الشــهرية كاملة وينعمون بالحماية والمميزات الاضافية ، وعـملهم يتوقف مرتان في الســـنة ، مرة للعطلة الصيفية واخرى للعطلة الشتوية ، وجدول حافل بزيارة الدول او بأســتقبال الوفود والحديث للصحافة واجهزة الاعلام والفضائيات ، وحتى ان معظمهم لا يسـتسـلم للكســـل ، بل يهب مسـرعا لتأدية مراسـيم الحج او الزيارات في اوقاتها المحددة .

فـي العراق ، نفخر بأن بلادنا احتضنت اولى الحضارات الانسانية ، ومنها خرجت اولى الكتابات وفيها خطت اولى الشــرائع ، فيها النهران العظيمان والقبب الذهبية والزيارات المليونية ، فيها المدينة المدورة وملوية سامراء ، فيها اشكال المراقد وانواع الجبال والاهوار .

في العراق ، لا يتعـدى ثمن المواطن العراقي اكثر من مكالمة هاتفية من التلفون "النقال " او " الجوال " والجــواب ب " نعــم " فقط ... والا فقد ينتهـي اســـمه في نشــرة الاخبار !

في العراق كانت تعيش العائلة ( اكس ) ،
مـن ســيعيدها الـى وطنهــا من جـديـد؟
مـن ســـيعيد لهـا ابنهـا الذي اختطفـه " المجاهدين " الارهابيين ؟
ويا ترى ، وبعد ان تمر الايام والســنين ، كيف سيتذكرون العراق ، موطن آبائهم واجدادهم ، وكيف سيتذكرون ارضه التي تحتضن عظام احبابهـم ؟
فـي العراق ، مـن ســـيمنحـهـم الجواب الشـــافي ؟
العائلة (اكس) ... مـاذا يعني العراق لهـــا ؟؟؟


 


 

Counters