| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

كمال يلدو

 

 

 

الثلاثاء 25/12/ 2012

 

القدر الأحمر .... قدر مساعدة الفقراء
Salvation Army Red Kettle

كمال يلدو 

يقترن موسم الأعياد في الولايات المتحدة ، الذي يبتدأ بعطلة " عيد الشكر " وينتهي بعيد " الكرسمس" (نهاية تشرين ثان حتى نهاية كانون اول) ، بأكبر الحملات ذات الطابع الأنساني للتذكير بمساعدة الفقراء ، المعوزين ، المقعدين ، الأيتام ، العوائل المعنفة ، المشردين ، وأخيرا ضحايا الكوارث الطبيعية . وتتخذ الحملات اشكالا منوعة تشترك فيها المدارس والكنائس والمحلات التجارية ، دوائر البريد وصولا الى مراكز الشرطة ودور الأطفائية ، ناهيك عن فاعلي الخير الذين يقدمون التبرعات المالية والعينية . وتتزعم هذه الحملات جهتين كبيرتين ، هما جمعية " الصليب الأحمر – Red Cross “ و جيش الخلاص " Salvation Army”

ان فكرة هذا العمل الأنساني تعتمد على مبدأ التمويل من تبرعات الناس ، وعلى العمل الطوعي . وقد تكون الصدفة ، او الفكرة العابرة هي اساس كل هذا العمل الكبير .

تعود الحادثة للعام 1891 وبالذات في مدينة سان فرانسيسكو ، حيث وقف قبطان " جيش الخلاص " السيد (جوزيف مكفيي) محبطا وهو يشاهد طوابير الناس الجائعة عشية حلول عيد الميلاد . رسـم ساعتها في مخيلته مشروعا لأطعام (1000) من اكثر فقراء المدينة جوعا ، لكنه اصطدم بحقيقة الأمر والسؤال الصعب : من اين سيجد التمويل المالي لذلك ؟ قضى ليلته تلك متأملا ، وعادت به الذكريات الى مدينة ليفربول – بريطانيا ، حينما كان بحارا ، وكيف ان جماعة كانت قد وضعت قدرا حديديا كان يسمى " قدر سمسون" عند رصيف الميناء ، كان المارة يلقون به ما تيسر عندهم من نقود معدنية صغيرة ، ثم يجري جمعها وتقدم بعد ذلك لمساعدة الفقراء .

في صباح اليوم التالي قام السيد (جوزيف مكفيي) بوضع قدر مشابه قرب منصة احد مراكب النقل (اوكلاند فيري) ، وعلى مقربة من احد الأسواق الكبيرة ( ماركيت سكوير) ، وقد زين القدر بعبارة مؤثرة " حافظوا على غليان القدر!" ، لم يمض وقت كثير حتى تمكن من جمع المبلغ المطلوب لأطعام 1000 من جائعي المدينة في يوم عيد الكرسميس ، كهدية لهم ، وتعبيرا انسانيا عن مشاركتهم افراح هذا العيد .

أستمر العمل بهذا المشروع ، ولم تمض اكثر من 6 سنوات حتى توسع ليبدأ بالساحل الغربي للولايات المتحدة وليصل الى الساحل الشرقي . وفي مطلع العام 1901 وصل عدد من تشملهم وجبة العيد المجانية والمقدمة من قبل " جيش الخلاص – سالفيشن آرمي " الى اكثر من (150.000) شخص في مناطق مختلفة من الولايات المتحدة .

ليس غريبا ان يشاهد المرء بالقرب من المراكز التجارية او المحال الكبير ، رجالا او نساءا وقد ارتدوا ملابس سانتا كلوز التنكرية وهم يحملون بيدهم ناقوسا صغيرا يقرعوه بالقرب من منصة يتأرجح منها - القدر الأحمر – المشهور بعلامة جيش الخلاص - داعيا المواطنين للتبرع بما يمكنهم لمساعدة الفقراء والمعوزين ، ولا يعد من باب المبالغة ان تكون اعداد المتطوعين لهذا العمل النساني بالآلاف ، يؤدون هذه المهمة بفرح غامر ، وبشكر وأمتنان من المارة ، رغم تباين الأجواء المناخية في اكثر المدن الأمريكية ، لكنك تشاهدهم منذ الصباح الباكر وحتى ىساعة متأخرة من النهار ، يتحملون كل اتعاب المناخ من اجل رسم بسمة في وجوه الجائعين ، وقليلي الحظوة في المجتمع. بعد ان بدء المشروع بقدر صغير في احدى ضواحي سان فرانسيسكو ، توسع هذا المشروع الأنساني ليصـل جميع الولايات والمدن الأمريكية الرئيسية ، بل يمكن مشاهدته في العديد من العواصم العالمية ومنها طوكيو ، سيوول، ساندياكو في شيلي وعدة دول اوربية .

تشمل خدمات " جيش الخلاص " حوال ( 4،5) مليون شخص سنويا ، ليس فقط في موسم الأعياد ، بل على طول السنة وعرضها . ورغم ان برنامجهم الرئيسي يعتمد على " القدر الأحمر" في موسم الأعياد ، والذي يقدم الخدمة اصلا لحوالي ( 1،5) مليون شخص خلال مدة شهر من عمر موسم الأعياد ، الا انهم يعملون – طوعيا – طوال ايام السنة لمساعدة الفقراء والمعوزين والمعنفين والأيتام وضحايا حوادث الطبيعة من زلازل وبراكين وفيضانات او اي شكل من اشكال الكوارث ، وهذا التوسع فرض عليهم ايجاد مراكز مفتوحة طوال السنة . فمن السهل ان تشاهد محال بيع المواد والملابس المستعملة والتابعة ل " سالفيشن آرمي" وهي ما تجود به العوائل الأمريكية ، فيباع وتحول نقوده للمشروع الأنساني ، وذات الشئ يحدث مع المطاعم الشعبية والملاجئ ، حيث تملك هذه المؤسسة الكثير من المطاعم التي تقدم ( 1 أو 2 أو 3 ) وجبات طعام في اليوم للمعوزين والفقراء في معظم المدن الأمريكية وخاصة المراكز الفقيرة ، وتعج هذه المطابخ بالمتطوعين الذين يفدونها ومن كل الأعمار والمستويات الأجتماعية لتقديم خدماتهم للمحرومين .

ان حلم القبطان " جوزيف مكفيي" في اطعام 1000 جائع من فقراء سان فرانسيسكو ، قد تحول الى مشروع انساني يلامس حياة الملايين ، من مستفيدين منه ، او مشاركين في انجاحه .

كم من هذه الأحلام تحتاجها البشرية ، وكم منها يجد طريقه للنور ؟


 

كانون اول ، 2012

 

 


 

free web counter