| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

كمال يلدو

 

 

 

الجمعة 17/5/ 2013

 

بشار رشــيد، الدالّة في طريق العراق الجديد

كمال يلدو 

قال مارتن لوثر يوما في الجموع:" حتى لو اني علمت بأن العالم سيهشم ويتناثر الى قطع صغيرة غدا، فأني عازم على ان ازرع شـجرتي اليوم". ها نحن نلتق في هذه الأيام، بينما يفصلنا دهر عمره 35 عاما على ذلك الصباح الدموي الذي دفع فيه بشار رشيد ورفاقه الميامين حياتهم ثمنا للعقلية الأقصائية الدموية المتأصلة في قيادات حزب البعث والتي ما لبثت ان اصبحت سياسة عامة في السنوات اللاحقة ادخلت العراق في متاهات، انجبت ومازالت تتناسل في اثرها آلات الأستبداد في زيجات غير شرعية عبر ادوات الدولة القمعية وملاحقها الأعلامية.

في سني السبعينات، كانت "الساحرة المدورة" معشوقتنا، وكنا حينها من مشــجعي الفرقة المدرعة الثالثة، ثم الجيش، ولم يفتنا هذا النجم ان سطع او ذاك، حتى لو كان من فرق الخصم. ربما تكون الدورة التي اقيمت في استراليا الشاهد الكبير على نجومية اللاعب الدولي بشار، فقد تابعناها بشغف وفرح. لم تمض اياما كثيرة حتى شــاع بين متابعي الكرة خبرا مفاده:" ان اتحاد الكرة اوقف اللاعبين بشار رشيد وستار خلف عقب وشاية من احدهم، الذي شهد بأنهما كان في وضع اخلاقي شاذ". وما بالكم ان تنطلق مثل هذه الدعاية على لاعب دولي، وفي مجتمع محاصر ومحافظ مثل مجتمعنا العراقي. حتما ستكون النهاية، وهو الأنتحار بكل معانيه. ويبدو ان من خطط لهذا الخبر، قد اتقن اللعبة جيدا ، وحاز على ما اراد اخيرا. ان فكرة القاء تهمة بهذا الحجم على اللاعب بشار كان يراد منها ارسال رسالة له اولا، وللآخرين مفادها بأننا قادرون على فعل اي شئ "دفاعا عن الحزب والثورة". يومها كانت وسائل الأعلام محصورة بالسلطة، ومعرفتنا بالاعب بشار لم تتعد ما شاهدناه في الملاعب، ولم نكن نعرف شيئا عن انتمائه او ميوله السياسية، رغم ان ذلك كان اختياره الشخصي، لكن لمن سمع بتهمة "الأساءة الخلقية"، كيف له ان يتضامن مع بشار، وكيف له ان يذكر سجاياه او انتمائه الوطني؟ كانت هذه بحق اللعبة القذرة التي انتجتها عقول البعث والمخابرات الغارقة حتى النخاع بالفساد وكل انواع السقوط الأخلاقي والسياسي.

في آيار 1973 صدر قرار حرمان بشار رشيد من الملاعب مدى الحياة، ثم نقض القرار من قبل منتخب الشرطة الذي اثبت بعد التحقيق بأن لا صحة لهذه التهمة، ثم عاد للملاعب نجما (ربما لا احد منّا يعرف حجم الألم الداخلي الذي كان يعانيه)، حتى يوم 15 ايلول من العام 1975 حينما اقتاده مخبروا الأمن العامة من غرفة تبديل الملابس قبيل مبارات الشرطة مع الجامعة! اما الأعدام فتم يوم 17 آيار 1978 وقيل بعد التاسعة صباحا، وقيل ايضا بأنه رفض شـّد عينيه لأنه اراد ان ينظر الى قاتله!

يجمعنا اليوم هاجس الذكرى الأليمة، لكنه غير كاف. اذ تطرح ذات الأسئلة نفسها مرة اخرى مســتفســرة: اين عامة الناس، ونخبنا الثقافية والأدبية والعلمية، اين احزابنا الوطنية مما جرى وما يجري؟
كيف يمكن لجريمة (وجرائم) مثلها ان تمر دون حساب؟ كيف يمكن ان يفلت منها الجلاد وأن لا يشعر بأي حرج من اقترافها؟ وكم مرة علينا ان نحتفي بذكرى الشهداء، فيما القتلة مازالوا احرار؟

كنت دائما اتساءل قبيل سقوط النظام وأمني النفس، بأن يوما جميلا جديدا سيشرق على العراق، سيخرج القتلة ويدانون، ويخرج المغرر بهم ويعتذرون للشعب العراقي، وسننهي فصول الدم والقهر، وسنتعلم دروسا جديدة في الحياة وليس في القتل والدمار، وها انتم معي تشهدون على هذه الأحلام، فأين يكمن الخلل؟

في بحثي عن الشهيد بشار رشيد وقعت يدي على العديد من المقالات، اذكر بعض كتابها بالمحبة والشكر لما قدموه في ذكرى رحيل اللاعب الدولي بشار رشيد (ابو مسار)، وأخص بعضهم مع امتناني للذي لم اذكره، منذر العذاري، جليل صبيح، رحيم العراقي، عبدالرحمن فليفل، جواد الخرسان وكاظم عبود. وأضم صوتي لصوتهم بأن يعاد تكريم اللاعب بشار رشيد ويرفع عنه الغبن وتعوض عائلته وأن تقام دورات رياضية بأسمه وأسماء رفاقه الذين استشهدوا معه، وأن يسمى احد الملاعب في ذكراهم العطرة، وأن يقام نصب تذكاري له او لهم. هؤلاء الأبطال الرياضين الذين ارتعب البعث منهم، وخاف يوما ان يقوموا بأنقلاب رياضي على حزب الأمة العربية، خافوا لأنهم كانوا نتاج المؤامرات والعمالة للأستخبارات الأجنبية، التهمة التي لم يتمكنوا من الصاقها بالشهداء الرياضيين.

الذكر الطيب للشهيد اللاعب بشار رشيد، ورفاقه الميامين
ودعوة مخلصة لكل من يحب العراق، بأن لا يدعو اظافر الجلاد تكبر من جديد، حتى لاتمر مثل هذه الجرائم دون حساب، حتى لا نخسر كامل شياع وهادي المهدي وغيرهم ، مثلما خسرنا بشار رشيد، وننشغل بأقامة الأماسي التذكارية لهم. اننا حقا بحاجة لتحصين انفسنا وشعبنا من الولادات القسرية التي مالبثت تخرج رأسها هنا وهناك، والتي تدعي بأننا شعب غير مؤهل للديمقراطية، وبأننا لا نقاد الا بحاكم قوي! هذه العقليات هي التي انتجت قتلة بشار رشيد، هي التي انتجت الأجرام الذي قاده صدام وجلاوزته.

لقد شبعنا موت، وشبعت ارضنا من الدماء.


 

 


 

free web counter