| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

كمال يلدو

 

 

 

الأحد 16/11/ 2008



مطالب الجماهير بين المهنية وعطايا الحاكم

كمــال يـلـدو

في تفصيلات الحياة اليومية العراقية تتراكـم مطالب الجماهير خاصة الكادحـة منها، بين الطلبات "العظمى" مثل الكهرباء والماء والخدمات الصحية ،ناهيك عن الأمن والأمان، الى الطلبات "الوســطى" مثل تبليط شـــارع او تصليح شــبكات المجاري وجمع القمامة من الشـوارع وصولا الى الطلبات " الصغرى" والتي في بعض الأحيان تكتســـب الطابع الشـــخصي، مثل تمشــية معاملة او الحصول على مكسـب ما كأن يكون ســلفة مالية. لكن الملفت للنظر في الفترة الاخيرة هــو بـروز ظاهــرة ترجــي الحاكم او الوزير او المســؤول المعني وعبر وســائل الإعلام هذه المرة مـمـا يعيــد الصـور المؤلمة التي كانت تكتســـي بها صحف النظام او ما كانت تروج لـه أبواقه الإعلامية والتي اصطلـح عليها في العهد المقبور ب " مكرمـة القائـد" او " التفاتة عطوفة من الأب القائد" وما الى ذلك من ابتكارات عقول جمهرة المتزلفين والمتملقين الذين اعتـاشـوا على ما يلقى لهم من فضـلات مآدب الحاكم ومن باب " أعطوه الف درهم" .
المخيف الملفت في الإعلام العراقي شــبه الرســمي وأحيانا الأهلي أيضا هــو ظهور أشخاص يختزلون معاناتهم بمناشــدة مروءة السيد رئيس الجمهورية او تقـوى السيد رئيس الوزراء او نخوة السيد رئيس البرلمان او رجـولة وعطف وإحسان الوزير الفلاني لكي ينظر لقضية فلان نظرة إنسانية ويعجل بهــا ، وبهـذه الفصول الدراماتيكية ربما تنجـح هـذه المناشــدة او لا تنجــح ، والأنكى من ذلك هـو مبادرة هؤلاء القادة المياميــن الى لعـب ذات الدور لكن بأن تكون المبادرة منهم مثلا : هدية رئيس الوزراء بكذا الف دينار الى كل عائلة من ضحايا جســـر الأئمة ! او عطية رئيس الجمهورية الى القرى الإيزيدية حينما تعرضت للهجمات الارهابية او "التفاتة " الوزير الفلاني الى الفنان او الرياضي "فلان الفلاني" وبأختصـــار تعود الممارســات التي سئمناها من بطل القادســـية ليســـلك طريقها من يفترض ان يكونوا بناة العراق الجديد، العراق الذي يحفظ كرامة أبنائه ويضع القانون والقضاء وحقوقهم المشــروعة فوق كل شيء .

شـــخصيا، لســت من الميالين الى عتاب او محاســـبة المواطن البائس، فهذا المســكين تـدفعـه الظروف الصعبة والحالة الاقتصادية المتردية وإحساسه بأن الأبواب موصـدة بوجهه وإلا لما كان ليتوســل بالحاكم باكيا أحيانا من اجل تحقيق طلباته، لكن عتــبي على المثقفين والسياسيين العراقيين لعدم تصديهم الجريء لمثل هذه الظواهر من جهة، ورجال الإعلام ومؤســسـاته التي صـارت قنوات تنقل لنـا هذه الرسـائل (المواطن والحاكم في آن واحد) لـدرجة تجعلني أتخيل حالة النشــوة التي تنتاب الحاكم حين تذكر نشـــرات الأخبار بأن " المســؤول الفلاني تبرع بمبلغ كذا مئة الف دينار الى أعضاء الفريق العراقي لكرة القدم" وهكــذا .
خشـــيتي تكبر مع ازدياد حجـم معاناة الكادحين ووصول مطاليبهم الى الطرق المســدودة وان لا يترك لهم اي خيار ســوى ترجي الحاكم وبالتالي اختزال مؤســســات الدولة ووزاراتها وبرلمانها واختزال الدســتور وحقوق المواطن الى " عطية " من عطايا الحاكم، وكأن المواطن ليس إلا كيان يتعطـف عليه فلان او فلان ( من اصحاب المروءة طبعا والجيوب الثقيلة ايضا) والباقون ليس لهم مروءة لأن جيوبهم ليســت ثقيلة على حســب الكلمة . ان عودة هذه الظاهرة الى الســطح وعدم التصدي لها ســيخلق لنا حكاما دكتاتوريين لا يقلون عنجهية عن "الأب القائد" حينما صـرح في جمع من الفتية الأكراد وقال " على العراقيين ان يتذكروا فضائل صدام حســين ، فأنا الذي علمتهم ارتداء اللباس – الملابس الداخلية – بعد ان كانوا ســابقا يلبسون الدشداشــة ويدخلها الهواء من تحت ويخرج من فــوق " ، هــل يتذكر بعضنا هذه التصريحات " الشتائم" ام ان ذاكرتنا اصابها الوهن .

يصـعب علي كثيرا وتتملكني قشــعريرة وأصاب بالدوار وانأ أشاهد عبر العديد من القنوات العراقية ، نداءات واســتغاثات مواطنين عراقيين عانوا من الحرمان لسنوات طوال وليتراكم هذا الحرمان في الزمن الجديد وعلى يـد العديد من المســـؤولين الذين يســتريحون على الكراســي الوفيرة باسم " المظلومين" و " المظلومية ". وحتى لا القي القارئ في دائرة الفراغ القاتل او الفكرة المشــوشــة :
كم نداء لرياضـيـين قدموا للعراق أروع انجازاته وهم اليوم باعة متجولون او مرضى بلا راتب او رعاية؟ كم أديب ومثقف داخل العراق لا يملك بيتا او معاشا او حتى راتبا تقاعديا؟ كـم مريض يحتاج الى عناية خاصـة داخل او خارج العراق و لا يتمكن منها بسبب ارتفاع الكلف وأجور الطبابة؟ الفنان الرائـع فـؤاد ســالم واســتغاثتـه المؤلمة؟ التقرير الذي كتب عن الفنان المســرحي العملاق بدري حســون فريد المغترب في المغرب؟ محنة الرياضي العراقي الذي قدم من هنكاريا للعراق ولا يملك اجور العودة؟ والمئات لا بل الألوف المؤلفـة الذي لا يســـع مجال المقال ذكرهم مع الاعتذار لمعاناتهم منــي .
اليس معيبا ومخجـلا الوضـع المأســاوي الذي يعيشــه مئات الألوف من المهجرين العراقيين في الداخل، واللاجئين العراقيين في دول الجوار واغلبهم يضطـر للوقوف أمام مراكز الصليب الأحمر من اجل الحصول على المعونات وأرصدة بــلادة تعـد ببلايين الدولارات في البنوك الأجنبية؟ أليس مؤلمـا منظر العوائل المســيحية التي نزحـت من الموصل جراء الهجمات الارهابية الى قرى وقصبات ســهل نينوى والموقف الهزيل لمؤسسات الدولة مـن اعانتهم او تخفيف محنتهم ؟
قصـص كثيرة تمـــر من امامنـا وكأنها قــدر العراقيين في المعاناة تارة وفي انتظار "حســـنات" الحاكم او القائد المعطـاء – حفظه الله ورعاه كائنا من يكون.
ســـؤالي الى من يريد الخير والعزة والكرامة لهذه الوطن الغالي ولأبنائــه الأغلى ، متـــى ســتطالبون مؤســسـات الدولة بحقوقكم؟ ولماذا تتغاظون عنها وتتركون للحاكـم مســاحة اكبر من المســاحة المطلوبة ليتحول وبأموال الشـــعب ! الى "حاتـم الطائي" وهـو لا يســاوي هذا القدر إلا عندما يؤدي دوره الحقيقي كمواطن وليس كحاكم. متى ســنتمكن من الاستفادة من تجارب الشـــعوب ، شـــعوب الكرة الأرضية ، من ان هناك مؤســسـات يفترض ان تعني بحاجة المواطنين ، وان الوزارات يجب ان تكون لها صناديق خاصـة لإعانة منتســـبيها عند الحاجة من دون " عطية" احــد، وان رئيس الجمهورية او الوزراء او اي مســـؤول اذا اراد ان يقدم دعما ماليا فيجب عليه تقديمه بشـــكل شــــخصي، و أوكــد على كلمة شـــخصي، بإثبات نظافة الأموال ، الى الصناديق الخيرية وبدون ضجـة وبهرجة إعلامية، وان لا تقوم الصحافة ووسائل الإعلام بترويج أخبار ذات طابع شـــخصي يريد صاحب " الهبات" ان يظهر نفســـه " حاتم الطائي" للعهد الجديد، وان قام احد الأشخاص بتقديم هدايا او هبات يجب ان تكون موثقة وان لا تذهب الى الجيوب الخاصة بل الى مؤســســات معنية بذاتها وإلا فأنها توثق كـرشـــوة من قبل " المسؤول الفلاني" كما جرى حين التقاء "احدهم" ببعض مسؤولي الأندية الرياضية في " اقليم الوسط والجنوب" وقبيل الانتخابات الماضية بقليل وقدم " لهـــم" تبرعات لدعم المسيرة الرياضية (يا حنيّـن)!!!".
دعــوة مخلصة للحفاظ على كرامة المواطن، الذي يفترض ان يكون اغلى شيء في العراق الجديد. نحن نطالب بحقوقنـــا ، ولا نــريد "مكــرمة" مــن احـــد .
 

تشرين ثان 2008
 

free web counter