| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

كمال يلدو

 

 

 

الأربعاء 15/10/ 2008



قتل المسـيحيين في الموصل،
جـرائم ابادة عـرقية يجـب ان يحاسـب القائمون عليهـا !

كـمـال يـلـدو

كثيرة هـي الاحداث التي يزخـر بها الواقع العراقي والتي تحتمـل اكثر من تحليل وتفســير، خاصـة عندما نتوقف امام الكيفية التي جرت وتجري فيها العملية السياسية والمرتكزة اصلا على المحاصصة الطائفية وتغليب مصـالح الفئات والاحزاب على حســاب المصلحة العامة. ألا ان قضـية اســتهداف المســيحيين وابناء القوميات والاديان الصغيرة مثل الصابئة المندائيين واليزيدية والشـبك لـم تعـد تحتمــل تفســيرات متعددة ، اذ ان البصـمات التي يتركها الجناة في مسـرح الجريمـة هـي ذات البصمات وان اختلفت المناطق . وببسـاطة متناهية ، وبعودة ســريعة الى شــريط الاحداث ســنكتشـف ماهية وحجـم المخطط المرســوم خلف هذه الجرائم والتي تشــترك فيه اكثر من جهـة مترافقـة مع ميوعة الموقف الرســمي الحكومـي وموقف القوى السياسية الرئيسـية المشتركة في العملية السياسية ، اي فـي دولة المحاصصة الطائفية .
لـم تمض الا ايام قليلـة علـى التاســع من نيســان 2003 حتى انفلت الحقـد الدفين متمثلا بأيتام النظام البائد والمتشـددين الاســلامين والعصابات المأجورة والمافيات ، كل على طريقتـه الخاصة وبأســلوبه المتميز. تـهديد اصحاب المحلات ثم حـرقها ، تهديد المواطنين ثم خطفهم وقتلهم ، تهديد المصلين ثم حرق كنائســهم وقتل رجال الدين ، الاســتيلاء على بيوتهم بعـد عمل المســتحيل لقذفهم خارج الحدود او بأبعادهـم الى مناطق قرى سهل نينوى او مدن كردســتان . اذا كانت كل هـذه المؤشــرات غير كافية لرســم ملامح الصـورة ، اذن ما هـو المطلوب ان يجري حتى تكون الصورة واضحـة ؟
لابد هنا من الاشــارة الى موقف الدولة ومؤسـساتها الامنية من هذه الاحداث ، فقـد تميزت المواقف دائمـا بألتأخير واللامبالات، وعدم اتخاذ اجراءات صـارمة وحتى عدم محاســبة المقصرين ، اذ بماذا يبرر نزوح اكثر من 350000 (ثلاثمائة وخمسين الف مواطن – اي حوالي ثلث عدد هذه الشريحة – وخلال خمسة سنوات فقط) خارج مدنهم او الى الخارج دون ان تكلف الدولة مســؤولية البحث عن الاسباب ووضع العلاجات اللازمة لها ، ولحد الآن ما زالت ملفات اغتيال المسيحيين وخطف نسـائهم وحرق محلاتهم وكنائسهم وقتل رجال الدين ، اغلبها ان لم اقل كلها ، ملفات مســجلة على اساس الفاعل مجهول ! او تلقى على شــماعة القاعدة والتكفيريين!!
ابتداءا بالبصـرة، وبعض مدن الجنوب، مـرورا ببغداد وخاصـة منطقة (الدورة) ثـم الموصل ، وحتى التفجيرات التي تجري بين الحين والآخر في قرى (سهل نينوى) تقف خلفها اجندات وسياسات باتت واضحة المعالم وهـي ما عادت قضـية دينية يراد منها نســف الاخوة العراقية (زيف) او وحدة النسيج العرقي (اكثر زيف) انما يجب النظر اليها ضمن ما تفرزه المحاصصة الطائفية والاتفاقيات المشــبوهة التي تبرم بين القوى العراقية الفاعلة في العملية السياسية وحتى بمرأى ومســمع من قوات الاحتلال الامريكي .فبماذا تبرر اذن قضـية الغاء الفقرة (50) من قانون انتخاب مجالس المحافظات ؟ اهـي قضية احصـاء ام صفقة طائفية؟ ولماذا التلكؤ في علاجها؟ هـل لأن الوضـع العراقي هادئ الى هذا الحـد، ام يراد تمييعها من اجل امرارها او الافـلات من هذا الاستحقاق؟
لقد استنكر رئيس الوزراء، الغاء الفقرة (50) واستنكر ايضا قتل المسيحيين في الموصل ( وماذا عن الذين قتلوا او شــردوا من قبل وفي ظل حكم السيد المالكي ؟) وتبعه بعد ذلك العديد من ممثلي القوى السياسية الكبرى، قسم منهم بصوت مسموع وقسم آخر بصوت خجـول، لكن يا سـادة يا كرام هـذا لا يكفـي، وهذه الاستنكارات لم توقف جرائم استهداف المسيحيين ونخشــى ان تكون تصريحاتكم عبارة عن ذر الرماد في العيون حتى تمــر هذه الازمــة وكمـا مـرت من قبلها الازمات ! وحتى موقف الحكومة (الخجول جدا جدا) بأرســال (9000) شــرطي لحماية المسيحيين في الموصـل، اين هـم وماذا فعلوا ؟ ولماذا الآن وليس قبلا؟ الـم تحســـب مخابراتكم واجهزتكم الامنية هذا الحســاب ، وهـل يجري التخطيط لهذه الجرائم بين ليلة وضحاها، وما شــكل منفذيها؟
ان نظرة جـادة لمســلسـل الاحداث الذي طال المســيحيين في العراق ومعهم الاخوة ابناء طائفة الصابئة المندائيين واليزيديـة في الســنين المنصرمة ســـيدرك بأن هناك خطرا حقيقيا يواجـه تواجد ابناء هذه الطوائف في وطنهم الاصـلى، لـم يواجهوا مثله من قبل حتى على يد اعتى الدكتاتوريات في العالم، نظام صدام حسين. فـهذه الجرائم لا تقل عن مثيلاتها من الجرائم التي اقترفت في الحرب العالمية الثانية وفي يوغسـلافيا الســابقة وفي روانـدا ، انها وبأمتياز شـــديد جـرائم تطهير عـرقي طال الزمن لكشـــفها وكشــف الايادي الخفية التي تحركها وتقف خلفها ، وبالتالي يجـب العمل وعلى اكثر من صعيد لوقف هذه الجرائم وفضح منفذيها وتقديمهم للعدالة.
من حـقي كمواطن عراقي ان اتساءل في مدى فاعـليـة قـرار الحكومة في ارســال اكثر من (40000– اربعين الف ) عســـكري في كل مناســبة دينية تجري في مدن كربلاء والنجـف ( والزوار ربما يستحقونها فعلا) ، بينمـا لا يجري هـذا التحشـــيد لتخليص العراق والعراقيين من الارهابيين المتمركزين في الموصل ؟ ولمــاذا تنتظر الحكومة ولا تقوم بعملها من اجل تلافـي وصول الاحداث الى ما وصلت اليه ، خـاصة وان جرائم هذه العصابات وبياناتها تجري في وضح النهار واحيانا امام انظار المســؤولين ؟
ان اســتمرار الاعمال الاجرامية ضد المسيحيين في الموصل وبغداد والعديد من المدن والمحافظات العراقية يبعث بالقلق الشــديد خاصـة وانه يترافق مع ضـعف الخطط الحكومية ان لم اقل انعدامها ، في مواجهة هذه الهجمة الاجرامية ، وعملية حصــر ابناء هذه الطائفة في مدن وقرى ســهل نينوى والتي تعاني بالاساس من ضعف الخدمات وانعدام اية فرص للتقدم نتيجة افتقارها الى المشـاريع والمؤسسات الصناعية والانتاجية ، لهـو خطر كبير على مستقبلهم ، وحرمانهم من التواجد في كل الارض العراقية ،ارض آبائهم واجدادهم . وهـو مخالف ايضا لأبسـط فـقرات الدستور التي ســاوت بين المواطنين العراقيين فحســب ومنحتهم الحق في السكن والتنقل في كل المحافظات العراقية . ان اســتمرار هذا الوضع ربما ســـينتج عنه لاحقا دفع ابناء هذا الشـــعب الى اليأس والخنوع او الى الهجرة خارج العراق وبالتالي افراغ الوطـن من ابنائه الاصليين، من شــريحة مهمة كان وما يزال لها دور في النضال الوطني العراقي وفي الثقافـة والعلوم والاداب والحفاظ على الهوية العراقية المتميزة .ولابد لـي هنا من التوقف قليلا امام تصريحات السيد المالكي في زيارته الاخيرة لبروكســل وطلبـه للحكومات الاوربية بعدم قبول طلبات لجوء العراقيين من اجل تسريع عودتهم للعراق، وحتى تصريحاته مع البابا وادعائه بتقديم التسـهيلات وحماية المســـيحيين. اين الواقع من تصريحاتك يا سيادة رئيس الوزراء؟ ومن ســيثق بوعودك مســتقبلا؟ فأنت تطلب من الذين فلتوا من القتل ان يعودوا من اجل مـاذا؟ حتى تنتهك اعراضهم وتســلب اموالهم ويقتلوا؟ الهـذا تريدهم ان يعودوا ام لمــاذا؟؟ اليس المفروض ان توفر الامان والكرامة للموجودين في العراق قبل ان تطلب عودة الذين هربوا من جحيم الارهاب والطائفيين؟ اليس المفروض من حكومتك ان تســاعد المواطنين الذين لجأوا الى مدن وقرى اخرى وتقدم لهم أنواع المســاعدات ناهيك عن مســاعدة اللاجئين العراقيين في دول الجوار؟

مـاهـو المطلوب اذن:
بتصـوري هناك حـزمـة من الامـور يجـب العمل عليها وعلى الصعيدين المحلي والدولي، فالحـاجـة تبـدو اليوم واكثر من اي وقت مضـى الى تـوحيد خطاب الاخـوة العاملين في الحركات القومية للشعب (الكلداني السرياني الاشوري) والاتفاق على المشتركات العامة وهي كثيرة ، ثـم تنســيق المواقف مع من تبقى من ممثلي ابناء الطائفتين المندائية واليزيدية ، وان تعـي هذه القوى مجتمعة بأنهم يمثلون نسـبة صغيرة جدا من ابناء الشعب العراقي وبالتالي فأن مصير قضيتهم مرتهن بحـل المعضلة العراقية حـلا وطنيا ديمقراطيا شــاملا وهذا لا يتأتـــى الا من خـلال توحيد قـوى التيار الديمقراطي الوطني العلماني العراقي ، التحالف الوحيد القادر على دحــر الطائفيين والعنصريين ، اعداء العراق والعراقيين .اما على الصعيد الدولي، فالقضـية يجب ان تثار وفي شــتى المحافل على اســاس ظهور بوادر ان لم اقل وجود "حـرب ابادة عرقية جماعية ضـد المسيحيين والمندائيين واليزيدية والشبك في العراق" وان تجـري الامم المتحدة والمؤسـسـات الدولية تحقيقاتها الخاصة وبالاستناد الى تقارير كثيرة صدرت في الآونة الاخيرة تشــير الى وجود هذه النزعات وهـذا يعني فيما يعنيه ان تقوم الامـم المتحدة ومنظماتها بالضغط على الحكومة العراقية وقوات الاحتلال للقيام بواجباتها تجاه ابناء هذه الطوائف في حمايتهم وتوفير الامن لهم ولمؤسـسـاتهم وان يكون الحل لهذه القضية عراقيا ، وليس عبر اخراجهم من العراق وبالتالي استيعابهم كلاجئين في دول العالم، وان تضغط الامـم المتحدة بأتجـاه الكشـــف عن القوى والحركات والشــخصيات القائمـة على هذه الجرائم وتقديمهم للمحاكم العراقية او الدولية حتى ينالوا قســـطهم من العدالة.
فـي الختام اود ان اشــير الى ان الحكومـة العراقية ربمـا ليســت مســؤولة عـن ما يجـري مباشـــرة ، لكنها اخفـقـت في القيام بواجباتها تجاه هذه الجمهرة المســـالمة وهي ايضا اي الدولة لا يحق لها بعد كل هذه الســنين ان تســـجل مســـلســل الجرائم المتواصـل هـذا بحق (مجهول) ؟ عنـدها يحـق القول عـن ســـبب وجودها على سـدة الحكم في العراق ان هي فشــلت في تحقيق ابســط مقومات الدولة وواجباتهـا، حماية المواطن وتوفير الامـن لــه؟

 

free web counter