| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

كمال يلدو

 

 

 

الخميس 15/3/ 2012

 

المادة الثانية من الدستور العراقي، موضع التطبيق!

كمال يلدو

لا اظن ، ولو للحظة واحدة ، بأن المشرع القانوني العراقي قد غاب عن وعيه حقيقة ان الشعب العراقي ، شعب مسلم ، ملتزم بالقيم والأعراف العراقية والعربية والأسلامية ، خاصة وانه يمثل الأغلبية المطلقة في هذا البلد متعدد الأعراق والأديان ( لحد الآن!) .لكن ، لماذا اصـّر هذا المشـّرع على ادراج  فقرة :

المادة (2):

أولا: الأسلام دين الدولة الرســمي، وهو مصدر اسـاس للتشريع .

أ: لا يجوز ســن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الأسلام.

ولماذا اصــّرت القوى السياسية المتحكمة بالعملية السياسية ، على ادراج هذه الفقرة الدستورية ، كثاني فقرة في الدستور ، ولماذا اصرت ايضا على وجود العديد من رجالاتها في لجنة صياغة الدستور ، رغم انهم لا يحملون  اية صفة قانونية للدخول بلجان متخصصة ، كلجنة صياغة الدستور ؟

وللجواب على هذا التساؤل المشروع ، لا نحتاج للبحث كثيرا ســوى ان نرى تطبيقات هذه الفقرة على ارض الواقع .

فالقوى السياسية المتنفذة اليوم ، والتي في معظمها احزاب دينية، ســنية أو شـــيعية  ، كانت بحاجة الى مـادة  (دســتورية !) تستطيع من خلالها التحكم بواقع اية حركة مجتمعية ، تتوجس منها الخطر على مصالحها ، أو على مكتسباتها ، ولهذا فأن هذه المادة حاضرة متى ما شعر السياسي بالخطر من احتجاج الجماهير، او تذمر من سوء الخدمات،  او  حينما تعلوا الأصوات في محاسبة المفسدين والسراق ، هذا اولا ، اما ثانيا ، فأن هذه المادة تمنح حصانة لقوى الأسلام السياسي تشهره متى ما ارادت بوجه اية حركة شبابية تنبثق من رحم معاناة العراقيين ، لأنهم الشريحة الأكبر والأكثر تضررا  من سياسات الحكومات الطائفية التي تعاقبت على حكم العراق منذ التغيير والأحتلال عام 2003 .وهذه المادة ، وطبيعة القوى التي تطبقها ، تمثل ورقة ارهاب بأمتيازات خاصة ، تضعها موضع التنفيذ متى ما شاءت، وكيفما ارادت ، فيما تركت الدولة عملية التطبيق على مئات  المفتين وآلاف رجال الدين ، الذين اطلق العنان لفتواهم ، وأجتهاداتهم لتجد طريقها للتنفيذ كقوانين مرعية في بلد يتشــدق بالديمقراطية وتطبيق القوانين الدولية ، بينما المؤسسات التشريعية والتنفيذية وقوى الأمن تقف متفرجة، خشية المساس بالمادة الثانية من الدستور، فيما تستمر هذه اللعبة بتناوب الأدوار بين احزاب الأسلام السياسي وأذرعها من الميليشيات او من مسؤلي الدولة التابعين لها .

ظواهر لا تعد ولا تحصى صارت تطبق في العراق، وكأن البلد والمجتمع تحول الى مختبر  افكار وأيديولوجيات هذه الأحزاب الدينية، بينما العراق غارق في أزمات لا اول لها ولا آخر .ولأستعراض بعض هذه المظاهر اذكر مثلا ، محاولات السعي لفصل الجنسين في الجامعات ، وحتى المدارس الأبتدائية  ، فرض الحجاب أو زي  محدد في العديد من المؤسسات والمدارس الأبتدائية ، محاربة السينما والفنون والغناء ، الغاء المشاركات الغنائية والفنية في مهرجاني المربد وبابل ،  ناهيك عن تجييش العشرات من الحزبيين ورجال الأعلام والبرلمان  في صولات (ايمانية) للحفاظ على القيم الأسلامية والعربية والعراقية من الغرب الكافر! ، هذا الغرب الذي هو ذاته من اتى بهم الى هذه المناصب والكراسي والأمتيازات التي لم يكونوا ليحلموا بها يوما ، حينما كانوا لاجئين في دول الجوار!

واليوم، تطل علينا حملة ايمانية جديدة وجدت لها عدة عناوين منها " الأيمو" و " عبدة الشياطين " و " مصاصي الدماء" ، في محاولة جديدة من الأحزاب الدينية الحاكمة ، وبالأستناد الى المادة الثانية من الدستور ، في اطلاق حملاتها القمعية ، في محاربة الشباب وبث الرعب والخوف في صفوفهم ، خوفا وتفاديا من تنامي حركاتهم الأحتجاجية ضد الواقع العراقي البائس الذي ينعكس عليهم بأسوء حالاته.

والسؤال الذي يتبادر للذهن هو : موقف الدولة ، ومؤسساتها الأمنية والبرلمان من اسلوب وطرق معالجة ازمات الشباب العراقي المستفحلة والآخذة بالأزدياد يوما بعد يوم ، من جراء انعدام فرص العمل امامهم ، وضعف الخدمات ، والمستقبل المجهول الذي يواجههم جراء تلكوء العملية السياسية وحالة الصراع المقيت بين القوى المتنفذة، وسيطرة نظام المحاصصة الطائفية والولاءات الحزبية على كل مفاصل الدولة والحكومة العراقية .

هل يعقل ان تكون تسريحة الشعر ، او لبس بعض الألوان،  مهددة للأمن والسلم والقيم والثقافة والمبادئ العراقية والعربية والأسلامية ، بينما السراق ، ورجالات المشاريع الوهمية ، والعقود الكاذبة وأصحاب الشهادات المزورة ، يتحكمون بمصير اكثر من 30 مليون عراقي ؟ هل صفات هؤلاء السياسيين تنطبق مع القيم الأسلامية ؟ ام ان تطبيق المادة الثانية من الدستور تشمل كل من يعترض على الفساد والمحاصصة الطائفية وحماية السراق ؟ هل حقا من اجل هذا وضعت المادة الثانية ، ام لماذا لا تطبق بالشكل الذي يجعل المواطن العراقي يحترم هذه الفقرة؟ ولماذا يكون في بلدنا اطلاق اللحى حقا مشروعا ، وصفة من صفات التورع والتدين ، بينما يدان الشاب اذا رغب بتسريح شعره بطريقة لا تبدو للآخرين مرضية ؟ وهل هذا يعني بأن ما قام به خير الله طلفاح (خال صدام حسين) كان صحيحا في محاربة الخنافس في بداية السبعينات ؟ وهل ان اطلاق اللحية وحمل القرآن هو مظهر كاف  على الأيمان والتورع؟  كما فعل صدام حسين ، في أواخر أيامه؟.

تقع اليوم مسؤلية كبرى على النخب الوطنية العراقية ، السياسية والثقافية ، على الأحزاب الكردية التي لها تأريخ نضالي تحرري  ، والشخصيات السياسياسية ذات الأتجاه الوطني المتواجدة في الأحزاب الأسلامية ، مسؤلية جسيمة في كشف القناع عن كل من يتستر بالمادة الثانية من الدستور العراقي ، في فرض الأرهاب ، ومحاربة اية مظاهر احتجاج على تقصير هذه الأحزاب بالوفاء للمواطن العراقي الذي انتخبها بعد ان وعدته ببرامج معسولة ، تقع عليها مهمة قطع الطريق امام تجار الدين ، ورثة حملات صدام حسين الأيمانية ، وتقع عليها مهمة الدفاع عن الدولة المدنية ، عن دولة الدستور والقانون ، لا دولة الملالي  وتجار الزيارات!

العراق بين مفترق طرق ، فأما ان نرضخ  لآيديولوجيات ، برهن التأريخ والتجربة فشلها الذريع ، ان كان في السعودية او السودان او باكستان او ايران ، او ان نسعى لبناء العراق الجديد ، العراق الذي يشعر فيه المواطن بالأمن والأمان ، العراق الذي يكون فيه القانون هو سيد الموقف ، وليس اجتهاد  أو فلسفة أو فتوى من هذا او ذاك!

 

اذار 2012

 


 

free web counter