| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

كمال يلدو

 

 

 

الأحد 14/2/ 2010

 

قناديل من كلية العلوم / جامعة بغـداد

كمال يلدو

" كلية العلوم، مثلها مثل الكثير من المـدارس والجامعات والمؤسسات، قدمت لهذا الوطن الغالي ولمسيرة الحزب مناضلين، روى قسم بدمائه الزكية ارض العراق، بينما ســطر آخرون ملاحم بطولية في الصمود بوجه الجلادين ، وآخرون حملوا اينما حلـوا كل الحب للعراق ...واليوم، وفي عيد الشهداء الشيوعيين نستذكر ملحمة البطلان نصير الصباغ و عبد حبيب جمعة ، ورودا وقناديل من كلية العلوم/ جامعة بغداد "

"نصير الصباغ – ابو نادية" وهـيامـه بالعراق
لـم تمهل الدكتاتورية "نصير" وقتا طويلا حتى يحيا شــبابه كما يريد او ان يتمتع بحياته الجامعية ، فقد حاربت حملت الافكار التقدمية وكل من عارضها بالرأي .ومـا كـاد العام 1979 يبدا حتى كانت اجهزة الامن تطبق على بغداد بعد ان انهت اولى جولاتها في البصرة ، حـين زحفت جحافل الامن والمخابرات حارقة الاخضر واليابس . في هذا العام لم يمض على نصير في كلية العلوم ســوى عامان ونصف ، ركب بعدها قطار الغربة الى (براغ) ، وهناك عادت الصلة بيننا برســالتان وصورة فوتوغرافية واحدة وذكريات ســـيمضي عليها 30 عاما هذه الســـنة، وبعض الشـــهود على محبة "نصير" للعراق .

لم تكن رغبتـه في الدراســة شــديدة ، خاصة بعـد المخاض الذي مر به، وصعوبة التأقلم مع البلد الجديد. وكانت انطلاقة حركة " الشـــيوعيين الانصار" في بعض المواقع بكردستان العراق حـافزا كبيرا لـه، فـقـرر ان يقطع دراســته ويلتحق بالحركة ، مترجـما حبه العتيد للعراق ورغبتـه الشديدة بالعودة لأرض الوطن ومحاربة الدكتاتورية في عقر دارها ، حتى وأن كان الثمن غاليا ، الشهادة. لـم اســـمع الكثير عن سيرته في تلك البيئة والظروف القاهرة التي كان يعيشها رفاقنا هناك الا نزرا يســـيـرا تضمنـه كراسـا اصدره الحزب استذكارا لشـــهداء الحزب الشيوعي العراقي في مجزرة جريمة "بشت ئاشـــان" التي قضـى فيها "نصير" ســوية مع 84 شهيدا شـــيوعيا كانـوا قـد تطوعـوا لمحاربة الدكتاتورية ونصرة المطالب العادلة للحركة القومية الكردية .
لـم تلن عزيمة النصير (ابو نادية) حتى في احلك الظروف، فقد وصف لي احد رفاقه الانصار (سمير) ســـاعـاته الاخيرة قائلا ، انـه الشهيد اصيب بذراعـه اثناء انســحاب مجموعته بأتجاه جبل قنديل ، وابدى شـــجاعة نادرة و قـاوم الم الجروح النازفــة وبمســاعدة رفاقه حتى وصـل الى قمـة الجبل ، هنـــاك فوق اعلى نقطـة جفرافية في المنطقة ، هناك وفي اقرب نقطة الى الســـماء ، هنـــاك اســـلم روحــه الطاهرة ، من جراء النزف والتعب والارهاق .... والغــدر ايضــا.
رصاصات غاشـــمة تمكنت منه والغت مشــروعه الانسـاني وأغتالت ابتسامته البريئة.وعلى غير عادة الاحباب ، وأن يكن قـد وري الثرى مع رفاقـه هناك ، فقد دفن بعيدا عن مدينته التي احبها ، عن شــوارعها وازقتها وصياح اولادها وضجيجها القريب من القلب . لـقد كانت الارض التي آوتـه غريبة عليه ، ولاحـقا غـدرت بـــه !
لكل منا احباب وأهل افتقدهم في يوم مـا، انما ذكريات الرفيقات والرفاق في كلية العلوم ســـتبقى عصية على النسيان، وتبقى تلح علينا بالســـؤال، لمـاذا جرى كل ما جرى ؟ وكيف السبيل لتفاديه مســتقبلا؟ وهل نكتفي بذكرى شهدائنا ؟ وهل ســيأتي اليوم لتقديم الجناة الى العدل؟ ام سيتقدم القتلة بأنفســهم ويعتذروا للشعب العراقي عن جرائمهم؟

الباسـم دومـا " عبد حبيب جمعـة"
جماعتان في كلية العلوم عرفت الشهيد "عبد حبيب جمعة" ، الشيوعيون وأصدقائهم ، جلاوزة الأمن وعناصر الاتحاد الوطني. وبينهما كان عبد حبيب، ذو الوجـه الباســم يفترش النقاشات والاحاديث ، وكان يجـد لـذة خاصة في محاججة "بلطجية السلطة" متأبطا جريدته المفضلة - طريق الشعب – او بدفاعه عن القضية التي آمن بها ، مشــروع الحزب الشيوعي لعراق جديد . وعبثا حاولوا النيل منـه، او الوصول الى عمق ايمانه . في عام 1976 انتسب عبد حبيب جمعة الى كلية العلوم ، ليدخل قسم البايولوجي في العام التالي مضيفا بعـدا وألقا لجمهرة الشيوعيين وأصدقائهم في هذه الكلية التي لم تبخل بالمناضلين في طريق التحرر والوعي والدفاع عن مصالح الكادحين والمثقفين.
ومن مهازل القدر ان تأخذني 24 عاما قبل ان اقرأ اســم عبد حبيب في تموز 2003 ضمن قائمة (167) من شهداء الحزب الشــيوعي ، بعد ان توادعت معه في كانون ثان 1979 ، ليظهر اســمه ضمن المعتقلين عام 1981. هكذا اذن تختزل الايام والاحلام ، وهكذا ايضا اذلت الدكتاتورية خيرة الشباب.
عبد حبيب جمعة القادم من مدينة الثورة ، مدينة الفقر والكادحين والثوريين ، مدينة الامن والمخابرات ، كان امينا في دفاعه المستميت عن صحـة الافكار التي حملها ، لم يخشــهم ، بل بالعكس كانوا هـم من يخشــاه ، كانوا يضايقونـه ويعاكســوه في الجامعة ، حتى تمكنوا منــه ، لكنهم لم ينالوا من مواقفه شــيئا ســوى الصمود والبطولة والكبرياء، ليضم في صـدره اســرار حزبه ورفاقه وأن لا يبوح بها لهــم.
لم يســتدل على قبـر لــه ، ولا عن رفقتيه الشهيدتان (فريال وانتصار من كلية العلوم) ، فقـد دفنوا في المقابر الجماعية .لكنهم في مكان مـا من ارض العراق الفســيحة ، رووا بدمائهم الزكية اديم العراق بأمل ان تخضـر الارض نظاما وطنيا ديمقراطيا واعدا. ولكني حينما استذكر رحلة العمر القصيرة معـه ، لايســـعني الا ان اكتم في صدري عبرة حارقة لذكراه، وألعن الزمن الردئ الذي لم ينصــف عبد حبيب وســواه ، لالشــئ ، بل لما اصاب العراق بعد سقوط الدكتاتورية والتقسيمات التي جرت للتفريق بين الشهداء وطرق تكريمهم وحتى في منحهم حقوقهم المشروعة.
أرثي لك وضعنا رفيقي الغالي "عبد" ، فـقـد غيـروا اســـم مدينتك مرتان ، لكن لم يحســـنوا احوال اهلها ، لابل ان اوضاعهم صارت اســوء من ذي قبل . ابكيك لأن مدنا ومؤسـسات وجامعات ومدارس قد ابدلوا اســمائها لكنهم لـم يضعـوا اســمك على اي منها ، ولا حتى اشـارة الى نضالك او صمودك.
ايها الرفيق الغالي،انت في قلوب رفاقك ومازالت ذكراك حيـة في ضمائرهـم ، ورغم المحن ومشـــاق الطريق الطويل لكننا عاهدناك ان نمضي للأمتحان الصعب ولنرى من ســـيتعب اولا ، نحن ام هــم !

تحية عطرة لكمـا في عيد الشهيد الشيوعي
عزائي لعوائل شهدائنا من كلية العلوم فريال السامرائي و انتصار الآلوسي
ولعوائلكـم الكريمة، وكل من عرفكم وأحبكم الصبر والسلوان
الذكر الطيب لكم دائما، فأنتم في القلب وشــــغافه .

 

الولايات المتحدة
14 شباط 2010
 

* نشــر المقال في عدد جريدة " طريق الشعب" ليوم 14 شباط 2010 وفي الصفحة التاسعة
 


 

free web counter