| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

كمال يلدو

 

 

 

الأربعاء 13/7/ 2011

 

على شــرف ثورة 14 تموز:
الشباب يعيدون مجد ساحة التحرير !

كمال يلدو

كان ذلك في الثالث عشر من شهر كانون الثاني للعام 1961 حين اكمل المهندس رفعت الجادرجي الاشراف على بناء الجدارية التي ستكون لاحقا واحدة من علائم بغداد المميزة ، ان لم تكن الابرز . يومها صعد الفنان النحات جواد سليم على الســـلم ووضع بيده اولى قطع نصب الحرية – الشمس – لتتوســط هذه الملحمة العراقية الخالدة ، لكن الاقدار واعتلال صحته كانت اســـرع من ان يشهد النصب كاملا ، فوافته المنية في المستشفى الجمهوري يوم 23/ 1/1961م اثر نوبة قلبية، وافتتح النصب الزعيم عبد الكريم قاسم في السادس عشر من شهر تموز لنفس العام.

كان نصب الحرية واحدا من اربعة مكونات توسطت هذه الســاحة المهمة التي ســـميت " حديقة الامـة" ، والتسمية هي اســتعارة من تمثال الام الذي انجزه الفنان خالد الرحال ، وجدارية ثورة 14 تموز من الجهة الاخرى لنصب الحرية بالقرب من ساحة الطيران التي صممها الفنان فايق حســن ، والحديقة ذاتها ، اي حديقة الامة التي كانت تتوسطها بحيرة فيها نافورة ويســبح بها البط، وطاولات مزودة بمظلات وكافيتريا تخدم العوائل البغدادية التي كانت تقصد هذه الحديقة المتميزة ، ناهيك عن المقاعد الخشبية والزرع والازهار في طول الحديقة وعرضها .
للكثيرين ، من الاصدقاء والاعداء كانت تمثل واحدا من رموز ثورة تموز. فمن احب الثورة كان يسترجع ايامها الزاهرة ، اما الآخرين فقد ناصبوها العداء، وما لا يتذكره البعض ان احد عناصر الحرس القومي قام برشـــق نصب الحرية بالرصاص عقب انقلاب شباط 63 ومازالت آثارها ماثلة لليوم ( في الثلث الأخير من الجدارية – تحت) ، وذات الشيء فعلـوا مع جدارية 14 تموز حينما طلوا حمامة السلام باللون الاسود بقصد اخفائها من المشهد . وتمر السنوات وتمعن السلطات في اهمالها لهذا الصرح الحضاري ، حيث فقدت الحديقة جمهورها وتحولت لمرفق يأمـه السكارى ، وصارت فندقا ليليا للمشردين، وعلت الروائح الكريهة جدرانها وخربت مقاعدها الخشبية، ومن اجل ان لا تكون مقصدا لأبناء بغداد ، فقد خنقت بنفق ســاحة التحرير ، وزادوا عليها بأن اقاموا في باحتها الامامية مجموعة من النافورات ، بينما كان الانضباط العسكري ايام السبعينات يعتبرها خير مصيدة للقبض على ما يسمون بـ " الفارين " من الخدمة او ممن تخلفوا عن الالتحاق بوحداتهم العسكرية، وكانت تشهد انوارها الليلية على الأسـاليب الاجرامية في التعامل مع الناس ، بالضرب والشتم والاقتياد بالعربات العسكرية . وكأن هذا لم يكن كافيا ، فقد اقدم النظام البائد على رفع تمثال " الام" ، رمز حديقة الامة ونقله الى حديقة الزوراء ، فيما صارت جوانب هذه الحديقة مركزا للباصات ولسيارات النقل العمومية . وباختصار شـــديد ، ارادوا قتلها ببطء ، وهم بهذا انما يجهزون على آخر ما تبقى من صروح تذكر الناس بثورة تموز وعبد الكريم قاسم، بعد ان هدموا نصب الجندي المجهول ، وأهملوا وزارة الدفاع في الباب المعظم ، وهدموا نقوش شعار الجمهورية الذي كانت تزدان به اعمدة "متنزه الوحدة " عند مفرق شـارعي السعدون والنضال .

لكن يبدو ان الزمن الدوار عاد ليبعـث الروح مجددا بهذه الساحة ورمزيتها الوطنية ، فرغم ان ارصفتها الخارجية اســتضافت لسنين طويلة الباعة المتجـولين منذ سـاعات الفجر الأولى لتطعم العمال والشغيلة والطلبة وكل من كان يمر من هناك بوجبة الفطور صباحا أو بالعشاء مساءا ، واحتضانها لعمال " المسطر" في الجهة القريبة من ساحة الطيران ، لكن هذا لم يكن كافيا لأعاده مجدها ، فكان لقاء الســـاحة التأريخي مع الشباب المنتفض ضد الخراب والفساد والاداري والمحاصصة والحرمان منذ عقود الدكتاتورية وحتى اليوم ... وبالضبط تحت نصب الحرية ، وكأنهم يقولون للعالم ، ها اننا نســتحضر كل تأريخ العراق منذ ان خطه السومريون مرورا بالبابليين والآشوريين ومرورا بثورة 14 تموز وحتى يومنا هذا ، وأن يجعلوا جواد ســـليم وعمله الخلاق في نصب الحرية شـــاهدا على هذه الانتفاضات الشبابية التي تريد انهاء التخلف والفقر والظلم ، ليكتبوا صفحة عراقية جديدة في ســــفر الوطن والوطنيين .

لقد اعادوا للســـاحة مجدها ، وتحت نصبها المشهود ، تنتشر صورهم وأخبارهم في كل العالم ، اعادوا لبغداد جزءا من القها الوطني بعد ان علاها الصدأ والخراب والتخلف على يد الميليشيات والعصابات والطائفيين .
حقا ان الزمن دوّار ، وأن العراق في طريقه لكتابة صفحة جديدة من تأريخه المجيد وبيد شـــباب " نصب الحرية " و " شــباب شباط " وكل القوى والتحالفات الخيرة التي تريد ان تعيد للعراقيين بسمتهم وكرامتهم وحريتهم المهدورة منذ عقود ، منذ انقلاب شباط الأسود وحتى اليوم .
 


 

free web counter