| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

كامل السعدون

 

 

 

الأحد 12/10/ 2008



في ذكرى اكتوبر المجيد

ازمة الرأسمالية والحاجة إلى بديل إنساني عادل

كامل السعدون

-1-
على مشارف ذكرى اكتوبر الخالدة ، على مشارف تلك الأيام التاريخية التي اطلق عليها (جون ريد) الأيام العشر التي هزّت العالم ، على مشارف ذاك الزمن الجميل الذي تحول فيه مائة مليون فلاح سوفييتي بائس إلى ملاّكي اراضٍ في بحر ايام قلائل .
في ذكرى تلك الثورة البهية الخالدة العظيمة التي غيّرت مجرى التاريخ الإنساني كله لما يفوق القرن ولما يليه من قرون .
في ذكرى تلك الثورة العظيمة وفي خضم الوجع الإنساني العارم لما يصيب العالم من فزع ورعب وجوع ومرض سببته الرأسمالية في مرحلتها الإمبريالية العولمية الحاضرة ، يأتي هذا المقال .
تحية لاولئك العظام ، الجنود والفلاحين ، النسوة والرجال الجياع الذين إجتمعت كلمتهم على القيام بتلك الثورة الشعبية العارمة التي أنهت النظام الإمبريالي الرأسمالي المتخلف واطلقت الطاقات الإبداعية لملايين الروس ، ولاحقا الملايين من شعوب العالم في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ..!
لا ننكر سلبيات التجربة ، هفواتها وأخطائها الكارثية ..!
لا نرجمها كما فعل وللأسف الكثيرون من اهل اليسار .. !
لا نفعل ..لأنها جاءت في حينها ، في زمنها ، ضمن تحديات عصرها وظروفه ، ضمن وعي الناس في تلك الفترة ، ضمن ما امتلكت التجربة من آليات ، ادوات ، رجال ونساء وعالم غير عالمنا هذا ، ورأسمالية غير رأسمالية يومنا هذا .
لا نُخطِّئُها ولا نتجنى عليها ولا نقول ليتها لم تأتِ .. !
الثورة ما كان لها إلا ان تأتي وكما قال (لينين) حينها ، اليوم اليوم وليس غدا ..!
لقد طوت اكتوبر تاريخا شاملا كاملا متخلفا مترهلا مريضا ، ليس في روسيا حسب بل في العالم كله ، وبذات القدر افرزت زمنا جديدا وتحديات جديدة وتطور تاريخي كبير رهيب شمل الوعي الإنساني كله في العالم كافة .
بعد قرابة العشرين عاما من خروج السوفييت من ساحة الحرب الباردة وتوازن الرعب الذي كان نعمة لشعوب العالم الثالث ، بعد عشرون عاما وإذ الملعب ليس فيه إلا رأسمالية لم تكف عن أن تغدو اكثر وأكثر توحشا وهمجية.
بعد عشرون ، تصطدم هذه ممثلة بقطبها ومركزها الأوحد الأكبر ، بخيار اشار له (ماركس) قبل قرون ، خيار يتراوح بين الإنهيار التام أو العزلة والعودة إلى كهف الداخل الوطني لتضميد الجراح .
ربما ليس اليوم .. ربما ليس بعد عام أو عشرة ، لكنه سيحصل ..!
لأنها ليست عادلة ، ليست آمنة ، مثيرة للحروب ، خالقة للإرهاب ، مدمرة للقيم ، ملوثة للبيئة ، ناشرة للأمراض والاوبئة ، مدمرة للأرض وملوثة للفضاء ، مسفههة لثقافات الآخرين ، رافضة لحرية الناس في حكم ذواتهم وشعوبهم وثرواتهم وفق اجنداتهم الوطنية ..!

-2-
من صلب رأسمالية القرن التاسع عشر ، ولدت الإشتراكية العلمية مجسّدة بتحليلات (ماركس) الذكية المتقنة للغاية ، لنمط الإنتاج الرأسمالي والطبيعة الإستغلالية البشعة لعلاقات الإنتاج الإجتماعية المتولدة عن هذا النظام .
كانت الضرورة ملحة لإنتاج بديل إنساني ، ونظنها اليوم ليست اقل إلحاحا ، هذا إن لم نقل انها اكبر واخطر ..!
من يقرأ واقعنا اليوم ، يدرك بقوة ضرورة تغيير النظام الإقتصادي الإجتماعي الرأسمالي .
ما هو قائم يوجب التغيير دفاعا عن الحياة اليومية للملايين لا بل وإستمرار النوع البشري ، ناهيك عن كرامة الإنسان التي اهدرت بقوة حتى في حضن البيت الرأسمالي ذاته .
من يشاهد ملايين الجياع في الولايات المتحدة .. ملايين الناس المهددين بالطرد من بيوتهم بسبب الأزمة الإقتصادية الحالية ، ملايين العاطلين عن العمل ، ملايين الناس الذين تهدر اموالهم لتمويل الحروب الإمبريالية .
وفي الخارج .. في دول الأطراف ، مئات الملايين من العاطلين عن العمل ، ملايين الجياع من الفلاحين الذين تصحرت اراضيهم بسبب قلة المياه ورخص الناتج الزراعي الأمريكي والأوربي الذي لا يقوون على منافسته ، ملايين الأميين في كل انحاء العالم وبالذات في شرقنا المريض ، ملايين ممّن يموتون في آسيا وافريقيا بسبب الآيدز والأوبئة والتلوث البيئي ، والحروب الإمبريالية .
ما يقف خلف هذا كله وغيره كثير هو النظام الرأسمالي وطبيعته العدوانية التوسعية .
من اجل عالم خالٍ من العنصرية والطائفية والحروب والجوع والأمية ، من اجل عالم آمنٍ من التهديد النووي ، من اجل ارض نظيفة من التلوث ، ينبغي إيقاف المارد الرأسمالي عند حده بنظام إنساني عادل يحفظ للناس قيمهم وثقافاتهم وكراماتهم ويشبع عقولهم وضمائرهم قبل غرائزهم وبطونهم ..!
الحرية والديموقراطية التي يدعو لها النظام الرأسمالي ، هي في الجوهر حرية هيمنة الرأسمال على عقول الناس وبطونهم وايديهم عبر تحويلهم إلى قطيع يقتتل على الفتات ...!
الإحتكام إلى السلاح عند الفشل في تقاسم السوق سلميا ، كان ولا زال مكون اساسي من مكونات النظام الرأسمالي منذ عصر ظهور الرأسمالية قبل بضعة قرون .
واليوم وفي عصر العولمة لا زال ذات السلاح قائما ..!
الأمريكان يجتهدون اليوم لمحاصرة روسيا وإضعاف الصين وتوجيه ضربات إلى باكستان وإيران وخلق اكثر من حرب في مناطق عديدة من العالم ..!
وما تحركاتهم عند الجوار الروسي وتدخلهم في جورجيا وضغطهم على الصين من اجل سواد عيون اهل التيبت وإدعاءات حقوق الإنسان ، إلا بعض مظاهر هذا التوجه .
شبكة صواريخهم المزمع نصبها في المجال الحيوي الروسي ماذا تعني ؟
هل حقا هم خائفون من صواريخ إيران ، أم الهدف هو إركاع روسيا في المقام الأول وتأمين كل الطرق لبترول العالم المختزن في بحر قزوين والخليج العربي والعراق ؟
هي الطبيعة الرأسمالية .. طبيعة الرأسمال أنه لا يستطيع العيش بغير حروب ، وأي حرب هي بالنتيجة كارثة لا على الأمريكان بل على الشعوب الفقيرة البائسة التي تغذي ماكنة الحرب من دماء وأموال وثروات بلدانها ..!
قبل غزو العراق ، رصد الأمريكان مليارات الدولارات على امل أن تعود لهم مضاعفة في العقود القادمة من خلال إستنزاف بترول البلد ، وهذا ما صرح به احد ابرز زعماء المحافظين الجدد وثالث ثلاثة من المخططين لها ، نعني بول ولفووتز الذي قال امام الكونغرس (هذه الحرب ستموّل من واردات البترول العراقي ولن نتكلف دولارا واحدا فيها ) ..!
وهذا ما نظنه حاصل في المستقبل القريب إن لم ينتبه الشعب العراقي ويعي ما يخبيء له ..!

-3-
تستند الرأسمالية في مرحلتها الإمبريالية الجديدة على نظرية ديناميكية التدمير الخلاق التي جاء بها النمساوي جوزيف شومبيتر ( 1883-1950) .
خصوصا في ما يتعلق بالإبتكار ، إبتكار الحلول الجديدة التي تقلب الطاولة على البُنى القديمة عبر الإعتماد على مستجدات التكنولوجيا والإبتكار الفردي والجماعي .
حسِبَ العالم وبالذات مؤيدي تلك النظرية ، أن هذا ما تحقق بعد نصف قرن من رحيل الرجل من خلال القفزات التكنولوجية الهائلة التي حصلت في مضمار الكمبيوتر والإلكترونيات والإتصالات (تكنولوجيا المعلومات ) ، والذي اسهم بقوة في تثوير بُنى الأعمال على صعيد العالم كله ، وكان له عمالقته من مالكي شركات التكنولوجيا الحديثة الذين اقصوا عمالقة الرأسمالية القدامى وقوّضوا الدور الأمري التحكمي للحكومات لتتحول بدورها إلى تابع ذليل مُتبنٍ للتقدم التكنولوجي .
لكن ما حصل في الواقع اكبر من هذا بكثير ..!
نعني على الصعيد الإجتماعي والطبقي ، فالشركات الكبرى المهيمنة تمددت بشكل سرطاني ، إنتفخت بقوة عبر تكوين كارتلات عالمية تمثل الأساس المادي لنظام العولمة ، وعوضا عن رأس المال المحلي وحكومته التي تحارب من اجله ، صار لدينا اليوم نظام الشركات العالمية والبنوك العالمية المشتركة والكتل الإقتصادية العالمية الكبرى وحكومات تجمعها احلاف وتملك جيوشا مشتركة تقاتل في الخارج من اجل توسيع نفوذ مموّليها من اصحاب الرساميل .
وبالتالي فأبرز ما تمخضت عنه إطروحة شومبيتر، ما حمله لنا المحافظون الجدد وممثلهم الدبلوماسي (الآنسه رايس ) من تدمير خلاق للبُنى الإجتماعية القائمة عبر تفريق المفرّق من دول الأطراف ، تفريقهم إلى دويلات طوائف تقتتل فيما بينها .
بينما المركز يزداد تمركزا حول ذاته ( الولايات المتحدة وتوابعها في غرب اوروبا واليابان وهيئة الأمم المتحدة ) ، حاملا سوط العذاب لمن يقاوم توزيع الأدوار هذا ، تحت ذرائع حقوق الإنسان والديموقراطية وحرية التعبير وحقوق الأقليات وووو ..!

-4-
الواقع .. لم يقتصر تفوقْ رأس المال على العمل على الصعيد العالمي ، على هيمنة قانون القيمة وفائض القيمة الذي يبتلعه الرأسماليون والحكومات التي تعيش على مكرماتهم ، بل تجلّى في هزيمة العديد والعديد جدا من الحركات السياسية الماركسية والإشتراكية .
هزيمة كارثية في المعتقد اساسا .. هزيمة في الإيمان .. الإيمان بحقائق اكدتها سيرورة الحراك الإقتصادي والإجتماعي عبر التاريخ ...!
بمجرد سقوط الإتحاد السوفييتي ، الذي كان يتداعي منذ ما يفوق الربع قرن قبل سقوطه ، نقول بمجرد سقوطه ، حسبنا أن العقيدة .. العقيدة العلمية السليمة المجربة هي التي سقطت ، وأنسقنا وللأسف وراء ما اسمي (النيوليبرالية) التي هي في واقع الحال قناع مزوّق للرأسمالية في مرحلتها الإمبريالية المدعومة بالفصل السابع وبقية فصول الهيمنة الأممية عبر ذراع الأمم المتحدة الذي هو في جوهره ذراع المانحين الكبار في المركز الإمبريالي ، والمسلّط دوما على الشعوب البائسة في الأطراف ...!
هزيمتنا .. هزيمة اليسار من داخله وفي بيته ، في نقاباته وأحزابه ساعد الإمبريالية وبقوة على التقدم وتحقيق المزيد من النجاحات ..!
هل يكمن الخلل في الآيديولوجيا ؟ آيديولوجيا الإشتراكية العلمية ، أم في رؤيتنا لها ، في قراءتنا لها ، في فهمنا للحراك الإقتصادي والسياسي الذي بدا جديداً ومبهراً علينا ، من حيث تحقق تلك الطفرات التقنية الهائلة القادمة اصلا من المركز .. ( مركز رأس المال ممثلا بزعيمته الولايات المتحدة ) ؟
ما انا واثق للغاية منه ، هو أن الخلل يكمن في رؤيتنا ، في قراءتنا للأحداث ، في الصعقة التي اصابتنا نتيجة تفكك الإتحاد السوفييتي ( مركز الإشتراكية وقطبها الأكبر ) .
حسبنا وللأسف أن ما كنا نؤمن به من وجود إستغلال طبقي ينتج منه بالضرورة صراع طبقي موضعي ( في البلد الرأسمالي ذاته ) ، الواقع .. هذا غير صحيح بدليل أن المركز الرأسمالي لم يعد فيه البتة إستغلال طبقي ولا حضور لصراع طبقي ، بل وأكثر من ذلك ، يتجلى للعيان وجود وئام طبقي ورفاه عام ينعم به العمال والفلاحون والطبقات الوسطى ، دون أن ينخفض دخل الرأسماليين وممثليهم السياسيين الحاكمين في هرم السلطة في دول المركز وعلى رأسها امريكا ..!
ما فاتنا هنا وللأسف الشديد ، هو أن النظام الرأسمالي العالمي هيمن نتيجة قدرته على إستغلال الطبقات الشعبية في المركز والأطراف على حد سواء ، وغالبا وبحجم اكبر في الأطراف لتلافي التأثير على رفاه مواطنيه في المركز...!
نعم .. فائض القيمة لم يعد يُسلخ على النطاق الوطني ، الرأسمالية في مرحلتها الإمبريالية ما عادت بحاجة إلى تحريك الشارع ضدها في اوطانها ، صار بمقدورها تلافي الصراع الطبقي في الداخل عبر الضغط على الأطراف ، الأطراف البعيدة التي لا تملك ما يملكه اهل المركز من وعي ديموقراطي وحياة دستورية مستتبة قوية ..!
هناك .. لا احد يحاسبها ..!
هناك ليس من قوة إلا قوة ذراعها العسكري ، قوة سلعتها ، تقنياتها المصدرة ، لا بل وحتى منتجاتها الزراعية المصدرة والتي تخنق المزارع المحلي البائس اصلا ..!
إيماننا السابق بأن فائض القيمة لا يتحصل إلا على صعيد الإستغلال الطبقي في المجتمع الواحد ، لم يعد له البتة من معنى على ضوء نجاح رأس المال في تكييف وضعه والخروج من فخ الصراع الطبقي الداخلي صوب الخارج ناقلا لهذا الخارج امراضه وممتصا منه رحيق الحياة والرفاه لعماله ورأسمالييه ..!
نمط الإنتاج الرأسمالي لم ينجح وينتصر ( مؤقتا على الأقل ) لأنه خيار الإنسانية ، بل لأنه إمتلك القوة المالية النابعة من إتحاد اقطابه الكبار ضمن مؤسسات مالية جبارة كالبنك الدولي وغيره ، ولأنه إمتلك الهيمنة السياسية على الأطراف التي لا تستطيع أن تعيش دون انفاس المركز ، حيث هي عاجزة عن تطوير إقتصادها وأنظمتها السياسية والثقافية ولا تستطيع بالتالي إلا أن تكون مغذية للمركز بمالها وثرواتها المعدنية ، ومستهلكة لما ينتجه هذا المركز من سلع هي في الغالب إستهلاكية تزيد من فرص نيل الترف المادي الإستهلاكي المشوّه لإنسانية الإنسان والمثير في الغالب لرغبات الإستزادة والإستهلاك اكثر وأكثر ..!
هذا الترف .. يصيب في الغالب الطبقات الطفيلية القبلية المتخلفة في دول الأطراف تلك ..!

-5-
كأي جديد يبدو للعيان جميلا ..!
كأي منتصر يبهرنا إنتصاره فنهرول خلفه على عجل ، هرول الكثير والكثير جدا منّأ ( اهل اليسار ) ، صوب (النيوليبرالية) ، ومن حيث نعي أو لم نعي ، صرنا بعض ادواتها وشكّلنا تيارا إحباطيا ، اوحى للقوى الشعبية أن لا امل في الخلاص من النظام الرأسمالي ..!
إنظروا .. يهتف قائلنا ( ها هو الإتحاد السوفييتي يهوى يتبعه محوره القريب ، وتلحق بهم لاحقا الأطراف في آسيا وأفريقيا ) ..!
لقد نجحت آيديولوجيا الليبرالية الجديدة في تدجين قطاعات واسعة من المثقفين ليكونوا ذراع الإحباط الجماهيري ..!
بذات الآن ، إجتهدت الرأسمالية عبر هذه الآيديولوجيا ، إجتهدت في خلق بديل للصراع العالمي ، بديل عن القطبية الثنائية العلمانية المتحضرة ، ممثلا بتحريك غرائز شعوب الأطراف ، غرائزها البدائية للإستهلاك الفكري والمادي.
الإستهلاك الفكري ممثلا بإشاعة مفاهيم الطائفية والقبلية والعرقية لتمزيق الأمم الكبيرة الموحدة تحت شعارات حقوق الإنسان ، أما الإستهلاك المادي فهو غزو اسواق الدول بمنتجات المركز لإبقاء الناس عاجزين عن إنتاج رغيفهم مما يبقيهم مستهلكين كسالى محرومين من فرص إثراء دولهم بإنتاجهم الشخصي وبالتالي إبقاءهم رهينة إبتزاز المركز والتبعية له ، وكمحصلة لهذا الإبتزاز وتلك التبعية ، يتم تحويل رساميل الأطراف نحو مصارف المركز كودائع تخدم الرأسماليين وتزيد من قوتهم المالية الجبارة الموحدة على الصعيد العالمي ( الكبار من مجموعة الثمانية ) .

-6-
فوضى الإنتاج وتدني معدل الأرباح وازمات الرهن والفوائد وتدني معدل الربح والأزمة في مضمار العرض والطلب ، جميع تلك المفردات تمثل اليوم واقع النظام الرأسمالي ، وتفرض تلك عليه العودة إلى انماط عفى عليها الدهر أو هكذا ظننا ..!
1- الهجوم على مكتسبات الطبقات الشعبية في الداخل ( في داخل المركز ذاته ) .
إشعال الحروب وإعادة إستعمار الدول التي تحررت منذ عقود عديدة ، وقد سهل عليهم الأمر غياب المنافس السوفييتي وإنتهاء توازن الرعب الذي كان قائما .
وطبعا يصطف مع المركز الإمبريالي في هجومه على الأطراف ، يصطف بعض الحكام ، الذين يجرّون ورائهم شعوبهم وثرواتهم إلى محرقة لا ناقة لتلك الشعوب بها ولا جمل ، كما في غزو العراق حيث موّله الكويتيون والسعوديون مضافا للبترول العراقي الذي سينهب لاحقا حين توقع معاهدة الإنتداب قريبا ..!
وفي الحرب القادمة على إيران أو ربما سوريا ، سيكون الممول ذات الأطراف مضافا إلى العراق ، بينما فائض القيمة والأرباح ستدخل جيوب الرأسماليين الكبار في المركز الإمبريالي ..!
ما نتمناه على اهلنا في العراق ، ومثقفينا في المقدمة منهم ، أن يبينوا تلك المخاطر ويسلطوا الضوء على الكوارث القادمة اللاحقة ، أما تلك المظاهر التي تتجلى اليوم من سيارات حديثة وتلفونات نقالة وإنترنت وصحافة وقنوات تلفازية ورفاه ظاهري ، فجميع هذا ليس إلا بعض طُعّم صنارة الإمبرياليين (النيوليبراليون) وشركاءهم في النهب ممن جاءوا معهم على قاطرة الإحتلال .

-7-
هل سيكون مستقبل العراق رأسماليا ؟
بدءا لنستعرض بعض الصفحات البيضاء من التاريخ الإشتراكي ..!
بغض النظر عن هفوات .. بل وكوارث البيروقراطية السوفييتية ، فإن الإشتراكيين هُم من وقفوا إلى جانب النضال النقابي والنضال النسوي من اجل المساواة بين الجنسين ، وهم من وقفوا مع العلم والتعليم وأجتهدوا في سبيل تطوير المناهج التعليمية وهم من شجعوا على القضاء على الأمية وتطوير الريف وإصلاح انظمة الملكية الزراعية.
عندنا في العراق ، كما في دول العالم الثالث جميعا ، لا بل وحتى في الدول الصناعية الرأسمالية الكبرى ، كان اهل اليسار هم المهماز والمحرك للتقدم والعدل والمساواة وتحرير المرأة ونقل الصراع من صراع إمبريالي في الخارج إلى صراع فكري علمي ثقافي في الداخل من اجل تطوير مستوى حياة الطبقات الفقيرة والنسوة والأطفال..!
نعرف جميعا ونؤمن أن الحروب لا تليق بالإنسانية ، لأنها مهما كانت المبررات ، فهي في الواقع تدمير للجنس البشري ، وهدر للثروات ، لكن الرأسماليين يرون غير ذلك ، يرون في الحروب منافع في السيطرة على الأسواق وتحقيق فائض قيمة يعود إلى جيوبهم ..!
الإشتراكيون يرون غير هذا ، لأجل هذا وقفوا مع السلام العالمي .
كانوا ضد الإمبريالية في غزوها لفييتنام والعراق وإفغانستان ، بغض النظر عن الموقف التقدمي لهم من الإرهاب والدكتاتوريات ، من حيث أن الإمبريالية والرأسمالية هي المنتج الأول للإرهاب والداعم الأول للأنظمة الدكتاتورية ، وأن الشعوب هي وحدها المسؤولة عن تحرير إرادتها من انظمتها الفاسدة الطاغية .
وكما أن تلك الحروب غير لائقة من حيث أنها جائرة ولا إنسانية ونافعة حسب لمنتجي السلاح والإعلام من الرأسماليين ، فإن من غير اللياقة أن يعيش الملايين تحت خط الفقر وأن يتحول آخرون إلى افواه آكله حسب تتحكم بها الغرائز افرادا وعقلا جمعيا ..!
ليس من العدل ولا الإنسانية أن تنتصر الإستهلاكية على الكفاية وتتغلب المادة على القيم والروح والضمير والتعايش الإنساني النبيل ، وليس من اللياقة أن يسيطر جنس على جنس آخر ، أن يسيطر الرجل على المرأة .. أن يحتلها ليفرض عليها سوط أنانيته وقيمه من حيث أنه المنتج الأكبر لفائض القيمة والعائل لأسرته من فتات هذا الفائض ..!
إذن .. ليس إلا نظاما إشتراكيا هو السبيل لحرية المرأة وأمنها وكرامتها ..ليس إلا هذا ، وإلا فالبديل حسنات المحسنين من شيوخ الفتوى وتجار الدين من لصوص الطوائف الطفيليين ..!
بالمناسبة وعلى ذكر الطوائف .. !
لقد ركبت الرأسمالية في مرحلتها الإمبريالية النيوليبرالية الحديثة ، ركبت موجة الدين ، لا بل إحتلته وسخرته لتبرير حروبها الإستعمارية في الخارج ، وتلقف الطفيليون من اعوانها في الأطراف ذات الأمر فأشعلوا الحروب الداخلية ، كما في العراق وما يدور بشأن التمدد الإيراني ووعود الطرف الآخر بالرد على إيران بذات السلاح .
في الداخل الإمبريالي نسمع اليوم اتباع الرأسمال من رجال الدين يهتفون بالمرأة بعد أن تدنت الأرباح وأتسع جيش العاطلين ، ( المرأة الطيبة هي المرأة الكاثوليكية البارة بزوجها وبيتها والتي تجلس في البيت لرضاعة الطفل ورعايته ) ..!
وأظن أن الحال عندنا ذاته ، فالمرأة اصلا معطلة بسبب الحروب والبطالة والإرهاب والإحتلال ، ولهذا فأن نسبة الأمية عالية للغاية في بلدنا ، وغير خاف أن الجلوس في البيت لفترات طويلة يفضي إلى البلاهة ، والبلاهة هي المدخل الأثير للمشعوذين والروحانيين الزائفين وتجار الإسلام السياسي ، للهيمنة على الأسرة من خلال المرأة .
فالمرأة الجاهلة البلهاء خير من ينتج اتباع للزعماء المشعوذين ، وخير من يضخ عليهم المزيد والمزيد من الثروات عبر الف قناة وقناة من قنوات النهب والإستغلال .

-8-
حسنا .. ماذا بشأن المجتمع المدني ومنظمات المجتمع المدني ؟
في الداخل الرأسمالي ، تمكنت السلطة الرأسمالية من الهيمنة على المجتمع المدني حيث اضحت جل منظماته تتعايش مع الغول الإمبريالي ، أما الأحزاب في المركز الرأسمالي فقد نجحت الرأسمالية في إغلاق الباب خلف احزابها التي تتبادل السلطة كل بضع سنوات دون أن يحصل تغيير إستراتيجي في الفكر أو الإداء .
بينما احزاب الأطراف ( الذيول الصغيرة للمركز الإمبريالي ) فإنها غدت في الواقع احزاب طائفية ودينية أو عرقية قومية ، وهي قطعا متخلفة عن السياقات التي يتم فيها تبادل السلطة في المركز ، لكنها قطعا تخدم المركز من خلال تخلفها الآيديولوجي وسياقات عملها العنصرية الذكورية وعدوانيتها التي تخدم اغراض المركز .
بالمناسبة احزاب الإسلام السياسي في العراق ( الديموقراطي ) صارت تحسن اللعب اكثر من ذي قبل ، فقد امست تغير اسماءها وتفرخ افراخا صغار نشطون بأسماء وطنية ، لكنها تبقى غير بعيدة من الدجاجة الأم .
هذا ما فعله الأكراد في شمال العراق ، وما يفعله إسلاميو العراق الطائفة المنصورة وطائفة آل البيت ..!
وكما كان يهيمن حزب البعث على النقابات وفعاليات المجتمع المدني ، يهيمن طفيليو العراق اليوم على منظمات خيرية وإجتماعية وإعلامية ووو ، ومن خلال تلك الأنياب الصغيرة يلتهمون العقول والضمائر ويهضمونها على روية ، بينما هم ينهبون ، وينهب معهم المركز كل ما يقع تحت اليد من ثروات البلد ..!
حسنا .. نعود لسؤالنا السالف ، هل للعراق مستقبل رأسمالي ؟

-9-
إجتهدت دول عديدة في مساعي اللحاق بالمركز الرأسمالي ففشلت فشلا ذريعا ، لأن المركز يعيش على الإستقطاب ، على ان يكون هو الموجه ، المسيطر ، المهيمن ، المتقدم حتى عن اقرب حلفاءه بمسافة .
فكيف بدول بعيدة في الأطراف ، مثل العراق ؟
مبدأ الإستقطاب يسمح للمركز بإرسال سلع وخدمات وحتى عمال ( ومرتزقة يقتلون العراقيين ويتقاضون عشرات الآلاف من الدولارات كل شهر ) .
اما الأطراف فيجيز لها المركز أن ترسل رأسمالا ( الودائع والسندات والأسهم ووو في المصارف الغربية ) ، وسلعا مما لا ينتج وإنما يستخرج ( البترول مثلا ) أو القطن والمطاط وغيره ، مضافا للخدمات ، بينما لا يجيز لها تصدير العمالة ، اللهم إلا اولئك الذين يصلون في الأغلب جثثا ..!
القدر الممكن من الرأسمالية التي يسمح بها المركز للعراقيين ، هي في الأغلب رأسمالية طفيلية * ، رأسمالية إستغلال مناصب ونفوذ لإنتاج خدمات ونهب الثروات عبر التسهيلات والحضور السلطوي ( السياسي والديني والقبلي ) كما في حالة دول الخليج والعراق واغلب دول الشرق المريض .
مقابل هذا فإن التبعية للمركز ( عبر إتفاقية الإنتداب المراد توقيعها ) ، هذه التبعية تفرض علينا الإلتزام بأمراض المركز ومفردات اجندته ..!
من تخلف ثقافي وسيادة روح الإستهلاك وقمع المرأة وتشوه القيم ..!
هل بعد هذا نتوقع لبلدنا تطورا رأسماليا ونتمناه ؟
بالقطع لا ..!
والأمر منوط بالحراك السياسي والثقافي وتلك مسؤولية اهل اليسار ، رواد التحرير الحقيقي القادم في مستقبل نأمل أن لا يكون بعيدا ..!


* الرأسمالية الطفيلية :
هي تلك التي تعيش على الفائض الإقتصادي الحقيقي ، دون أن تسهم في إنتاجه أو تجديده أو تعميره ودون أن تقدم خدمات ضرورية تساعد على إكتمال دورة الإنتاج والتوزيع ، وهي تسعى للربح السريع عبر المضاربة بالعملة والأسهم والإقتراض من البنوك وإستغلال التسهيلات وأخذ العمولات مقابل خدمات تقدمها للشركات الأجنبية .
الرأسمالية الطفيلية تنهب وتشوه وتنشر الفساد ، ولا تنتج البتة خيرا ماديا أو تشجع على نقاء روحي وديموقراطية وعدل وحياة دستورية حقيقية ، ومثالها لصوص البترول والآثار والإختطاف وامراء الحروب وزعماء الميليشيات ومديروا قنوات التلفاز الأباحية والمعنية بالسحر والشعوذة والغيبيات ، وجميع هؤلاء هم في الغالب من اشياخ القبائل البترولية أو الطوائف الدينية ، دون أن تردعهم قيم قبائلهم أو اديانهم عن نشر الفسق والتخلف والإستهلاك الشره لما يشبع الغرائز الرخيصة .
على هامش الرأسمالية في المركز ، تتواجد رأسمالية طفيلية ايضا ، لكنها تخدم الرأسمال الوطني وتنتفع منه ، ورغم هذا فإن لها دورا تخريبيا كما لحظنا في الأزمة الأخيرة ، وما سنراه في القريب حين تفشل إجراءات بوش لتعويم البنوك والأباطرة المفلسين حوله .

 

النرويج – 12 اكتوبر - 2008
 

free web counter

 

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس