| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

كاظم السيد علي

 

 

 

 

الأحد 2/5/ 2010

 

الشاعر الشهيد شاكر السيد نصيف
رغم رحيله المأساوي لم ترحل قصائده

كاظم السيد علي *

ولدت القصيدة عنده في مطلع الخمسينات، بعد أن ترعرع وعاش في بيئته الحلية. التي كانت زاخرة بفنونها وأدبها العربي الفصيح والشعبي الحسجة خصوصا إنها حفلت بالعديد من الأسماء في هذا المضمار إبان تلك الحقبة التي قسمت فيما بعد إلى عدة أجيال منها الرعيل الأول المتمثل بالشاعر عبد الحسين صبره ورهطه والرعيل الثاني المتمثل بصاحب عبيد الحلي ومعاصريه والرعيل الثالث المتمثل بالملا محمد علي القصاب. ومن ثم الرعيل الرابع المتمثلة بنخبة مبدعة من شعراء الحلة.. وشاكر السيد نصيف واحد من تلك النخب المتمثلة بالمشهد الشعري الحلي الستيني. رسخ أقدامه من خلال إبداعاته الشعرية، فهو امتداد من سبقهم من الرواد الذين قدموا أجمل ألوان ورودهم الفواحة بعطرها الجميل، والتي ما زلنا نستنشق عبقها كامتداد جذور النخيل من الفرات حتى طين الحلة.المدينة الأم التي انجبته حتى أصبح الشعر زاده اليومي.

ومن خلال المعانات السياسية والاجتماعية ومظاهرها الاقتصادية والحياة العامة للإنسان العراقي والتي يعيشها في تلك الحقبة كل هذه أثرت في مسيرته الشعرية إلى حد كبير حتى أصبح ذا طاقة شعرية متمكنة في القصيدة الشعرية (الكلاسيكية القديمة).
لكنه لم يستفد من الفرصة انتشاره عبر المشهد آنذاك إلا ما ندر سوى من شعراء ورفاق دربه في مدينة الحلة امثال كريم النور /عبد الستار شعابث / جليل بقلي / علي بيعي ..وغيرهم من المبدعين .

شاكر السيد نصيف اسم لامع في تاريخ الشعر الشعبي، لكن الأجهزة الأمنية والقمعية للنظام الدكتاتوري المباد اطفؤوا جذوة ابداعه الشعري في بداية الثمانينات. بعد أن شنوا حملتهم القذرة لاعتقال الشيوعيين خوفا من تأثيرهم في الشارع العراقي وغيبوا (شاكر الشاعر والإنسان) وضاع ذكره ولم يعرف عنه حتى هذه اللحظة أي شيء نهائيا: لأنه لم يذعن لإرادة النظام القمعي، حتى لا يصبح مرتزقا ومأجورا لكونه لم ينحني امام المغريات التي قدمها النظام الدكتاتوري.

وقف شاكر.. كسيف متحديا سياط وأهوال البطش الصدامي ضد المثقفين الوطنيين الذين يحملون الفكر الماركسي النير، فقدم شاعرنا من اجل قضيته التي يؤمن بها أغلى ما يملك إلا وهي روحه العاشقة للفكر والمبادئ الأصيلة.. لقد ترك شاعرنا أثرا كبيرا لدى محبي هذا الأدب الرفيع من خلال قصائده الجميلة والزهريات البديعة وفضلا عن الأغنية والأنشودة كما في (كرد وعرب) هذه الأنشودة التي انطلقت من ضمير شاعرنا حيث يبدو أكثر صدقا وامانة من خلال ما كان محملا بهمومه وحولا الحزن إلى فرح.. وجاء مبشرا لهم بالحب والتضامن والسلام في إعلان بيان الحادي عشر من آذار عام 1970 لأن الشاعر مرآة عصره:

كرد وعرب
نعلن سلم ما ننهزم
يوم الحزن.. يا لتستمع احنه
ما نردع ما ننخدع احنه
كرد وعرب لأجل الشعب
نبني الفخر طول الدهر
عدنه عبر
ما ننخذل.. احنه الامل
كول وفعل.. احنه
كرد وعرب

فقصائد (شاكر) تفيض بعذوبة وشفافية تمنحنى المتعة، خاصة في قصائد العتاب وشكواه.. ويذكر الحبيب بأيام الهوى الأولى كما جاء في هذه القصيدة الرائعة:

كل ظني العمر وياك يحلالي
خاين ما دريت أتعذب أحوالي.
****
رضيت انت ورضيت أنه وصبحنه اثنين.
وحده الروح ما تدري اشتمر سنين
هسة تلتفت ليه اوتدير العين!!
ليش اشحصل مني وياك يا غالي.
****
تعاهدنا اليضدك ينحسب ضدي
حبيبي انت مهجتي اوصرت كل ودي
بعد الحبر ما جف ضيعت عهدي
هذا الامل بيك تخون للتالي.؟

فقصائده تمتاز بشفافية والمفردة السهلة بكونها مستوحاة من البيئة التي يعيش فيها الناس البسطاء في الريف والشارع والمقهى والمدرسة.. انها تفيض بالحب والعشق الحلي الأصيل، مما سهلت الجو لاستخدامها وحفظها في أزهرياته، وهذا واحد منها:

للي يريد ينشـــــد لعـــد شــــافـــــه
عالراح كلبي يكون عالما بعد شافه
جذاب ولفي ويكلي للجرح شافه
انه السبب بالجره واشد على خله
هســــــــــــا تبين دليلي ممتلي خله
شــــــــــان الهـــــــــوه ما نفع خله
انظر اعيونه اشتكلك واسمع الشافه

يبدو أكثر تعبيرا فهو يتحدث عن حبه العنيف لوعته عند فراق الحبيب تلتمس عند قراءتك لكتابه حرارة العاطفة وروعة التعبير عن أحاسيسه الجياشة في ثنايا هذه السطور التي نظمها عام 1968:

تحاربني بسهام العين ما تكدر
الشوك أيزيد عندي والأمل يكثر
سبحان الخلق ولو جنتك صور
حجاياتك ابد متروح عن بالي

ونلاحظ من هذا الزهيري التعبير مشحون بصورة جمالية ومعاناة صادقة برهن فيها على عمق وعيه الشعري:

يلي خيالك بعثلي نوحــــي وأشجاني
وياك كلبي اشعمل صديته وأشجاني
مرتاح وحدي جنت حبيت وأشجاني
ظنيت توفي بوعدك والمحبة أوعود
بهواك عمري خلص يا يوم كلي أوعد
نرجع ونكعد سوه ما بين كاس وعود
يا عاذل الغيرك يا حاســــــــــــــد الدارك!!
بالكلب باني الالكترونية دون الخلك دارك
مظلوم حبك تراني واليحــــــــــــب دارك
آنه الزرعت الورد يشـــــــــتمه واشجاني

أن هذه الكتابات بما تتضمنه من أفكار واضحة، انما هي تعبير عن صلة الشاعر بالموضوع وطراز العمل الشعري الأكثر التصاقا بالواقع. وهي تعكس شخصيته الرقيقة وعاطفته وهيامه ولوعته وولعه الذي يكمن في روحه العاشقة من جهة ولم يبعد ولم يتجاوز الإنسان وهمومه كموضوع مطروح بقوة وايمان. لقد كان تغييب الشاعر الشهيد شاكر السيد نصيف إبان العهد الصدامي، فاجعا ومؤلما فانه في الوقت نفسه خسارة كبرى للأدب الشعبي العراقي، لكن تركته الشعرية ستبقى خالدة في ذاكرة الاجيال ومتوارثة جيلا بعد جيل رغم رحيله المبكر المأساوي فقصائده لم ترحل ولم يتوقف الدفق في جسدها الغض.

سلاما لشاكر الرجل الماركسي المعطاء، الواضح الأصيل النقي الطيب أينما وجدة رفاته الطاهرة.. والخزي والعار لجلاوزة النظام الدكتاتوري وحزبه الفاشي .
 

 

* رئيس تحرير مجلة الشرارة

 

 

free web counter