محمود صبري
الفنان الذي انشغل بعذابات الإنسان
كاظم السيد علي
من
خلال العالم المليء فنيا بالمحاكاة والأفكار
المتمثلة بالنضال الوطني ومن المعانات
السياسية والاجتماعية ومظاهرها الاقتصادية
ونتيجة للوعي السياسي برز عدد من الفنانين
الذين صاغوا ملامح الحركة التشكيلية وصمموا
على أن يعالجوا جميع الظواهر الحياتية في
إعمالهم الفنية ومن هؤلاء الفنان الكبير ..
محمود صبري .. الذي كان مهيأ فكريا وفنيا
ومؤمنا بقضية الناس الكادحين والمتعبين الذين
اكتسح الفقر وجوههم والذين يعانون القحط
والبؤس في الحياة المحيطة بهم آنذاك ، فآمن
بضرورة المساهمة الجادة في خلق حركة فنية
تشكيلية من خلال اطلاعه ومتابعته لكل ما يحدث
حوله ، لقد اتصف الفنان محمود صبري بالأصالة
والتميز عن زملائه خلال تماسكه بهما واثبت
وجوده من خلال الأبعاد المضمونة والأسلوبية
المستوحاة من واقع الحياة النضالية للناس ،
حيث اخذ يعبر عن صدقه وإيمانه من خلال أعماله
الفنية الرائعة لكونه ملتصقا بتاريخ شعبه
ووطنه وتراثه لكي يسهم في بناء مستقبله
الحضاري من خلال بلورة أسلوبه المعروف في تطور
فنه ومنحه سمة تؤكد على نقل الواقع في أعماله
وطرحها إلى المتلقي بوعي فني متقدم ، لقد
تعايش الفنان محمود صبري مع مجتمعه وترجم في
فنه ما يحيط بالحياة والبيئة بعيشها وشكلها
المرئي والفكري ونقله لعذابات الناس المتعبين
الكادحين الخفية والداخلية بألوانها المأساوية
القاتمة وبقوته التخطيطية الحادة ، يمنحها
طابعا مؤثرا لأفكاره الوطنية مؤمنا بأن الفن
مرآة وضمير وهذا ماتجلى في أعماله ( نساء
ينتظرن ) و(الشهيد ) و(الأمومة ) و( الريف
المهاجر ) و( أناس فقراء يجابهون رعب فيضانات
1945 ) و( ثورة الجزائر ) التي وصفها الفنان
نوري الراوي في إحدى دراساته " إنها رمز أثير
من رموز تلك الفترة المشحونة بالتوتر والغليان
السياسي ، لأنها تلتهب داخليا وتثور " ، لقد
ساهم الفنان صبري مساهمة جادة في تطوير حركة
الفنون التشكيلية وتوثيقها لهذا اتجاه ، والتي
عالجت الكثير من القضايا في واقعنا من خلال
ملامسته لمعانات الإنسان ( جعل من أعماله صرخة
عنيفة في وجه الظلم ) كما وصفها الناقد جبرا
إبراهيم جبرا ،فكانت بنمط أسلوبي متقدم مباشر
ولكن برؤية معاصرة ، فألانسان عند محمود صبري
هو محور الفن ولغة تعبيره ، يعتبر من الفنانين
الذين شقوا طريقهم من خلال التيار الواقعي
والالتزام الاجتماعي وحتى التعبير الحضاري
والثقافي مما ثبت موطئ قدمه في الواقعية من
خلال الطرح التقني فضلا عن ممارسة التنظير
الفني لهذه الطريقة التي اسماها (واقعية الكم)
وهي نظرية علمية فنية مهمة اكتشفها عام ..
1971 في معرضه الأول الذي أقيم ببراغ وعرف
بأسلوبه الجديد بعيدا عن مواضيعه السابقة
وأسلوبه اقرب إلى التركيب الهندسي التجريدي .
كما عبر في بيانه وأعماله التي عرضة في المعرض
المذكور التي أطلق منه نظريته أراد منها
التأكيد على التغير المستمر للإنسان والكشف عن
الواقع الموضوعي من خلالها،وعلى هذا الأساس
انطلقت نظرية( واقعية الكم )، وهذا ما يؤمن به
الفنان صبري ، وأخيرا لابد من القول إن الفن
التشكيلي عند الفنان محمود صبري .. هو المرآة
لاكتشاف ما في الواقع يقدمه للجمهور وثيقة
جمالية بأعمال فنية فكرية لكونه فنانا وظف فنه
بوعي للتعبير عن الموقف السياسي والفكري
للفنان الملتزم والذي يستلهم تطلعات وهموم
الجماهير . ويعد اليوم " صبري " من ابرز فناني
العراق ومثقفيه المعاصرين في منفاها الذي
استقر فيها منذ عام 1963 إلى يومنا هذا ،
منشغلا بالاهتمامات السياسية والنظرية وقد
شارك في العديد من الفعاليات والمؤتمرات
والندوات العربية والدولية المهمة ومن بينهم
عضوية لجنة الدفاع عن الشعب العراقي إلى جانب
ألجواهري وجلال طلباني ونزيهة الدليمي وفيصل
السامر ودنون أيوب وصلاح خالص ونوري عبد
الرزاق ..
وفي عام 1991 شارك في مؤتمر بيروت للقوى
والحركات والشخصيات العراقية المعارضة للنظام
الدكتاتوري ،
ببلوغرافيا ..محمود صبري :
* من مواليد بغداد 1927 .
* أكمل دراسته الإعدادية وحصل على دبلوم في
العلوم الاجتماعية من بريطانيا عام 1949 .
* درس الفن بصورة شخصية .
* برز في خمسينيات القرن الماضي في مجالات
الفن العراقي الملتزم ضمن " جماعة الرواد "
وله العديد من المشاركات في معارضها حتى عام
1962 .
* عمل في مؤسسات اقتصادية ببغداد 1949 – 1960
وآخرها مدير عام مؤسسة
والمؤتمرات والندوات العربية والدولية المهمة
من بينها عضوية لجنة الدفاع عن الشعب المعارض
العراقية بعد ثورة 14 تموز 1958 .
