| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم المقدادي

 

 

 

 

السبت 2/6/ 2007

 

 

ملف : محنة الطفولة تهديد خطير لحاضر ومستقبل العراق الجديد


الطفولة العراقية ضحية الحرب والإحتلال والعنف الطائفي والفساد وعجز الحكومة !
(4 - 5)


د. كاظم المقدادي

من أجل الأطفال اليتامى والمرضى والمقعدين !
من أجل مستقبل المجتمع العراقي المهدد بعلل وظواهر مرضية خطيرة مستديمة !

للسنة الخامسة على التوالي،لم يقدم نظام العهد الجديد،الذي نشأ على أنقاض نظام البعث الفاشي البائد، ما يفرح الطفولة العراقية ويسعدها لتشارك أطفال العالم في عيد الطفل العالمي- الأول من حزيران/ يونيو.. في هذه المناسبة،ومن أجل الأطفال اليتامى والمرضى والمقعدين، ومن أجل مستقبل الشعب العراقي،نستعرض في هذا الملف حقائق ومعلومات،معروفة وغير معروفة للجميع، متوخين تسلط الضوء على المحنة الراهنة للطفولة العراقية، التي تدين كل من تسبب بها، وعمل ويعمل على إستمرارها، أو تجاهلها،ولا يريد التخفيف منها،ضارباً عرض الحائط بتداعياتها وإنعكاساتها الخطيرة على حاضر ومستقبل المجتمع العراقي، المهدد بعلل وظواهر مرضية خطيرة مستديمة، ستشوه اصالته، وستتوارثها الأجيال، اَملين التحرك العاجل، وإبداء الرأي وتقديم المقترحات بشأن ما ينبغي القيام به من قبل أبناء وبنات العراق، في الداخل والخارج، تضامناً مع الطفولة العراقية المستباحة !

مدارسنا خاوية من أصوات التلاميذ و الأمية تتزايد في العراق
في ظل الأوضاع السائدة،وتداعياتها المأساوية، تسرب اَلاف التلاميذ العراقيين من مدارسهم قسراً، مخافة ان تنالهم التفجيرات أو عصابات الخطف وتطالب ذويهم بفديات يعجزون عن تسديدها. وقد حصل أن سددت العشرات من الأسر الفدية للمجرمين، لكنهم لم يعيدوا أطفالها أحياء إليها. وقد اكد تقرير للامم المتحدة في العراق بأن المدارس والاطفال أصبحوا عرضة للعنف الطائفي،وإنخفضت مستويات ذهاب الطلبة الى المدارس بسبب ازدياد الجرائم التي تستهدف الاطفال، والمدارس، مع ارتفاع وتيرة العنف البربري.
واليوم فان عدد التلاميذ المتسربين من المدارس، وتركوا تعليمهم، لا يقل عن ثلثي مجموع التلاميذ العراقيين. هذا ما أكده اَخر تقرير لليونسكو،صدر في 27/4/2007، وقال ان 30 بالمئة فقط من التلاميذ العراقيين، من أصل 3 ملايين ونصف مليون تلميذ عراقي، يتابعون تعليمهم [1].وقد إنضم هؤلاء الى زملائهم،الذين لم يكملوا دراستهم في عامي 2003 و 2004، وإنخرط معظمهم في سوق العمل في سن مبكرة، بسبب الضغوط الاقتصادية، وكانت نسبتهم نحو 40 بالمئة من التلاميذ. وهذه الأرقام هي من نتائج مسح وطني نفذه الجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات في وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية، بالتعاون مع منظمة «اليونيسيف».وأعلن ممثل «اليونيسيف» في العراق روجر اريت في وقته: «لا عجب أن تكون ويلات الحروب وغياب الأمن هي الشغل الشاغل لغالبية المراهقين والشباب في العراق، والذين يشكلون نحو ثلث السكان [2].
وإذا إستمر الوضع على ما هو عليه،فلن تسمع صوت تلميذ في مدرسة عراقية لاحقاً.نقول هذا وقد تزايد عدد العوائل التي تمتنع عن إرسال أطفالها الى المدارس، وضاعت عليهم فرصة التعليم، بسبب الإنفلات الأمني، وتصاعد العمليات الإرهابية، وعودة أنشطة عصابات الجريمة المنظمة، وبضمنها إختطاف الأطفال، والإغتصاب، والقتل، بينما يتواصل عجز الإجهزة الأمنية عن حماية المواطنين.
لقد كثر إقتحام المدارس، ولا أحد يحميها، من قبل مجموعات مسلحة مجهولة- كما حصل مؤخراً لمدرسة الخويلص الابتدائية (4كم) جنوبي الخالص، وأعدام المعلم جعفر العنبكي وزوجته، وهي معلمة أيضا في المدرسة نفسها، أمام التلاميذ والكادر التدريسي..وقبل ذلك أقدم مسلحون مجهولون على ذبح مدير مدرسة( آمنة) في منطقة الشعب- شرقي بغداد داخل مدرسته وأمام التلاميذ الصغار[3].وفي مدينة مندلي إستشهد 7 تلاميذ من مدرسة السعادة الابتدائية في قرية الند، واصيب 3 اخرون بجروح خطيرة، والحقت اضرار بالغة في المدرسة، إثر قيام مروحيات أمريكية بقصفها [4]
وحتى الأباء والأمهات الذين كانوا يوصلوا أطفالهم لمدارسهم ويعودون بهم بعد إنتهاء الدوام أصبحوا عرضة للقتل على أيدي قناصة محترفين، وأثناء التفجيرات..
حيال هذا الواقع المر،أُُغلقت العديد من المدارس أبوابها نتيجة العنف الطائفي الذي يعصف بالعراق.
ومن أسباب ترك الدراسة هو الواقع المزري لحال المئات من المدارس، حيث أعلن عن وجود أكثر من 1100 مدرسة مبنية من الطين، وتفتقر الى أبسط المستلزمات. ونقلت فضائيات ريبورتاجات عن مدارس يفترش التلاميذ الأرض في أكواخ من القصب، عدا عن صعوبات وصولهم إليها بشق النفس، خصوصاً في جنوب العراق. علماً بأن دراسة نفذتها الحكومة العراقية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف» بداية العام الدراسي 2004/2005، أكدت إفتقار اًلاف المرافق المدرسية إلى المستلزمات الأساسية اللازمة لتوفير التعليم اللائق للأطفال.وبينت بأنّ ثلث المدارس الابتدائية في العراق تفتقر تماما إلى مصادر تجهيز المياه، ولا توجد في نصفها تقريباً مرافق صحية على الإطلاق. وأظهرت الدراسة ان المحافظات العراقية الأكثر تضررا هي ذي قار، وصلاح الدين، وديالي، حيث تفتقر أكثر من 70 في المائة من مباني مدارسها الابتدائية تماماً إلى مصادر تجهيز المياه، او أن شبكة المياه الموجودة فيها معطّلة عن العمل.ولم تتخذ حكومات الطائفية والمحاصصة والفساد أي إجراء لتحسين الأوضاع المزرية للمدارس.
والسبب الآخر والمهم لترك الدراسة هو أن الآلاف من التلاميذ ، وبخاصة الذكور، تركوا مدارسهم وتوجهوا الى ميادين العمل، كي يساعدوا في إعالة أسرهم الفقيرة،إقتراناً بتردي الحالة الإقتصادية والمعاشية للآلاف من الأسر العراقية، وخاصة أسر الأرامل واليتامى، التي تفشى وسطها الفقر والجوع والحرمان، الأمر الذي إضطر الآلاف منها الى حرمان أطفالها من مواصلة الدراسة ومن التعليم ليساعدوا في الحصول على لقمة العيش..
وبعد هذا، من حق المرء ان يتساءل مع زهراء البيرماني : هل هناك حياة في بلد لا تسمع فيه اصوات التلاميذ في الصباح ؟ [6]..

حيال هذه العقبات الشاخصة أمام العملية الدراسية تبرز من جديد،في العهد الجديد،مشكلة الأمية في العراق، التي لم يقض عليها في ظل النظام المقبور،لا بل تزايدت في اَخر سنواته وبلغت نحو 50 % من مجموع شريحة المجتمع المدرسي، التي صارت أمية بالكامل، وطالت أكثر من 70 % من النساء.

أن العهد الجديد لم يشهد إنخفاض نسبة الأمية، ولا توجد أية إجراءات جدية لمكافحتها، بل بالعكس نشهد سطوة للقوى الظلامية والمتخلفة، الساعية لبسط هيمنتها على مقدرات البلاد، وهي تحارب التعليم والعلم والنور.واليوم فان مئات الآلاف من الأمهات العراقيات لم يلتحقن بصفوف محو الأمية،الى جانب ظاهرة ترك نسبة كبيرة من الفتيات للدراسة لأسباب أمنية وأقتصادية.
وهناك من يرغب من السياسيين المتنفذين بترسيخ ذلك وسط شرائح مجتمعنا !
في دراسة حديثة،أجراها المركز الإنمائي للبحوث التربوية والنفسية في محافظة الناصرية، بالتعاون مع دائرة الرعاية الاجتماعية، وبدعم من منظمة " وورد تشايلد" الإنسانية،بينت بان 60% من أفراد العينة، البالغ عددهم288 طفلاً تركوا الدراسة في مرحلة الصف الثالث الابتدائي، والـ 40% الباقية منهم على وشك ترك الدراسة بسبب ما يعانونه من صعوبات تواصلية وتعليمية نتيجة سوء حالتهم المعيشية والصحية والاجتماعية.وأكد تربويون عراقيون بأن أعمار التلاميذ الذين تركوا الدراسة تتراوح بين 7 و 15 سنة. وتعني الأعمار الأولى( 6 – 8سنوات ) أنهم تركوا التعليم وهم في الصف الأول، وهذا يعني أنهم لم يتعلموا شيئاً، وبقوا أميين.

ونتساءل:
من له مصلحة بإنتشار الفقر والأمية والجهل في المجتمع العراقي؟!
وأي مستقبل لمجتمع أطفاله يعيشون في ظل الفقر والجهل والتخلف؟!
ثم أليس بقاء الأمية ونحن في القرن الحادي والعشرين هو لطخة عار في جبين الحكام، وأبلغ دليل على تأخر الدولة ومؤسساتها المعنية سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً وثقافياً ؟

أطفال الشوارع و المخدرات والإدمان
ليس هناك من تحديد حصري لمفهوم أطفال الشوارع- يؤكد الباحث سامر سعيد، حيث يتفاوت فهمه وتحديده بين الباحثين والمنظمات الدولية.وتستخدم مرادفات له، مثل: المتشرد، المتسول، في الأدبيات عند تناوله.ووفق تعريف منظمة اليونيسيف ينقسم أطفال الشوارع الى صنفين: أطفال عاملين في الشوارع طول ساعات النهار ثم يعودون الى أسرهم للمبيت، وأطفال تتقطع صلاتهم مع ذويهم ويكون الشارع مصدراً للدخل والبقاء.أما منظمة الصحة العالمية فتصنف أطفال الشوارع الى 4 أقسام: الأطفال الذين يعيشون في الشارع.والأطفال الذين تركوا أهلهم وسكنوا في الشارع أو الفنادق أو دون الأيواء أو الأماكن المهجورة.وأطفال الملاجئ او دور الأيتام المعرضون لخطر ان يصبحوا بلا مأوى. والأطفال الذين تكون علاقاتهم بأسرهم ضعيفة او واهية وتضطرهم الظروف الى قضاء ليال خارج المنزل [12].

في العراق،إزداد عدد أطفال الشوارع، إرتباطاً بتردي بالاوضاع الاقتصادية للأسر، وما رافق ذلك من تفكك أسري، وكثرة حالات الطلاق والانفصال بين الزوجين،الى جانب الأعمال الإرهابية والعنف الطائفي والتهجير القسري، التي لعبت دوراً كبيراً في هذا المضمارً،الامر الذي عرض أطفال هذه الأسر ويعرضهم لمختلف الاخطار، بما فيها تعريض حياتهم للخطر، والتشرد والتسول.والظاهرة الأخيرة( التسول) إرتبطت دائماً بالفقر، فأينما حل الفقر يكثر المتسولون.

والواقع ان أطفال الشوارع في العراق، وهم من الذكور والإناث، ينتشرون في كل مكان، في المدن، والكراجات، والساحات العامة، وعند تقاطع الطرق، وفي الشوارع، والأسواق، والمحلات التجارية، مادين أيديهم الضعيفة، مستجدين عطف المارة، مرتدين الأسمال الوسخة، حفاة، شاحبي الوجه، نحيلي البدن، وهي علامات الفقر والجوع والمرض.

والملاحظ، ازدياد انتشار تعاطي المخدرات وآثارها الضارة بين الأطفال المشردين، وهو ما يُثير قلق الاختصاصيين، ويرون أن استمرار العنف مسؤول عن تزايد أعداد المشردين والمتعاطين للمخدرات من الأطفال. وقد أظهرت تحقيقات قام بها فرع المنظمة الخيرية العالمية NGO، زيادة بمقدار 20% بين الأطفال والشباب المستخدمين للمخدرات مقارنة مع بداية العام 2007الجاري.أعلن ذلك رئيس فرع المنظمة العالمية "حافظوا على حياة اطفالنا" KCA.وأضاف بأن 5 فروع للمنظمة نفّذت مسحاً ميدانياً بشأن قضايا تخص الأطفال، وتمّت مقابلة 1535 من الأطفال وعائلاتهم وسط وجنوب البلاد- أكثر المناطق المتأثرة بالمخدرات. ويُشير إلى أن السبب الرئيس لزيادة أعداد الأطفال والشباب الذين يستخدمون المخدرات المحظورة والإدمان على تعاطيها، يرتبط بالمؤثرات النفسية المتولدة عن العنف. إنه العنف، كما يقول الخبراء، الذي يدفع الأطفال لإيجاد طرق سهلة لنيسان مآسيهم.
ويمكن لأي شخص أن يحصل على المخدرات بسهولة، هذه الأيام، وهي تُباع عند مداخل المدارس في مناطق عديدة من العاصمة، بل أن البعض من الأطفال يُستخدمون لتهريب المخدرات إلى داخل المدرسة.وقال رئيس فرع المنظمة:أخبرنا الشرطة لمتابعة هذه الحالة، لكنهم قالوا أنهم مشغولون جداً مع العنف اليومي إلى درجة لا تسمح لهم هذه الظروف التعامل مع هذه الأمور.
وكانت تقارير ميدانية صدرت عن اليونيسيف،حذرت من إحتمال تحول استخدام المخدرات، وعلى نحو متزايد، الى ظاهرة بين أطفال العراق. وقالت المنظمة:إن بيئتهم تجعلهم أكثر ضعفاً وإندفاعاً ،مع تزايد أعداد الأطفال الذين ينتهون إلى الشوارع نتيجة تشرّد العائلات. عليه يزداد عدد أطفال الشوارع واليتامي في ظروف استمرار العنف- أعلنت ذلك السيدة كلير هجاج - ضابط ارتباط اليونيسيف لمركز دعم العراق - عمان [ISCA   [7. مثلما حذرت تقارير من تحول أطفال الشوارع الى ضحية سهلة لمافيا المخدرات وفريسة للدعارة والإغتصاب ولتجارة الأعضاء البشرية.ففي عام 2005 كشفت تقارير لوزارتي الداخلية والصحة إرتفاع نسبة المدمنين على المخدرات والعقاقير في العراق وبلغت واحدا لكل خمسة اشخاص، ووصفت التقارير ظاهرة الادمان بانها تهديد للانسان والمجتمع، وتدفع المدمن الى ارتكاب الجرائم والحوادث تحت تأثير المادة المخدرة، فضلا عن التاثيرات والمخاطر الصحية الكبيرة [8].

لقد طالت هذه الظاهرة،التي هي إحدى تداعيات تفاقم الأزمة الإقتصادية والإجتماعية،وتدهور المؤشرات المعيشية، الشباب،والصبيان، وحتى الأطفال بعمر الزهور. وغزت المخدرات الأسواق، وإنتقلت الى الجامعات، وشملت حتى الطالبات، مسببة مصائب لا أقلها التفكك الأسري، والفساد الأخلاقي، والجريمة بكل أنواعها.وأصبح خطر هذه الآفة الخطيرة يتهدد الآلاف.وهذا ما أكدته وزارة الصحة،قبل عامين،مشيرة الى رصد العيادات الحكومية والشعبية مراجعات 24 الفاً و 759 شخصاً في محاولة للحصول على حبوب الهلوسة.وأعلن الدكتور عامر الخزاعي- الوكيل الفني لوزارة الصحة بأن اَخر مسح صحي أجري أظهر أن في بغداد وحدها 2000 طفل دون الثانية عشرة مدمنين على المخدرات. وأعلنت مصادر في وزارة الصحة بان هذه الظاهرة بدأت تستشري بسبب الانفلات الامني، وضعف الرقابة على الحدود، في وقت لم يعرف كم كيلوغراماً دخل البلاد خلسة!..

والحق، إن ظواهر أطفال الشوارع و المخدرات والإدمان هي الأخرى ليست جديدة،وإنما كانت موجودة في ظل النظام البائد، لكنها،وللأسف، تفاقمت خلال السنوات الأربع الأخيرة، ولم نلمس أية إجراءات رادعة للحد منها من قبل السلطات المسؤولة، مثلما لم تتحرك منظمات المجتمع المدني بالشكل المطلوب للتصدي لها، مع أنها بدأت تأخذ أبعاداً إجرامية خطيرة.

جرائم الأحداث
إرتباطاً بالظواهر السالفة،سجلت جرائم الاحداث، التي هي أيضاً نتيجة طبيعية للأزمات الإقتصادية والإجتماعية، تزايداً مرعباً في السنوات الأخيرة.وأضحت ظاهرة منتشرة بشكل واضح وجلي في المجتمع العراقي الحالي.أكد ذلك بحث اعده مركز البحوث التربوية والنفسية في جامعة بغداد.
علماً بأن جرائم الاحداث في العراق ليست جديدة،وإنما هي وليدة النظام الساقط،وإنتشرت في ظله، مقترنة بتفشي ظواهر الرشوة، والفساد، والإفساد، وإنتشار بيوت الدعارة، والجريمة المنظمة، والمخدرات،التي أنتجها ونماها النظام البعثي الفاشي. وأكد بحث مركز البحوث التربوية والنفسية في جامعة بغداد،المذكور،أن العراق كان يحتل، عام 1999، المرتبة الرابعة في الوطن العربي في شيوع الجريمة.
أما اليوم، فلا تتوفر إحصائيات دقيقة عن جرائم الأحداث،لكن دلائل كثيرة تؤشر تزايد جنوح الأحداث،ولا إجراءات رادعة من قبل الحكومة.ويبدو أنها غير مدركة لخطورة هذه المشكلة إجتماعياً، حيث تتعلق بشريحة محددة من الفتيان والصغار والمراهقين والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 7ـ 17 سنة، يعول عليها في أن تلعب دوراً قيادياً في مستقبل العراق لو حظيت برعاية وتربية وتوجيه إيجابي وتقويم فعال يحميها من أسباب الجريمة والرذيلة والجنوح - وفقاً للأستاذ الدكتور إحسان محمد الحسن- أستاذ علم الإجتماع في كلية الآداب، الذي أجرى بدوره مسحاً ميدانياً بين أن من أهم أسباب جنوح الأحداث هو التدهور المعيشي، والتفكك الاسري، وتصدع العلاقات الإجتماعية ،الداخلية والخارجية، وانحلال وحدة تماسك الأسرة، وتحطم هيكلها التكويني، بحيث يتعذر على الاب والأم الإيفاء بالتزاماتهما والقيام بواجباتهم إتجاه بقية افراد العائلة والمجتمع..

والسؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح:
متى يدرك المسؤولون الحاليون خطورة هذه الظاهرة المرضية على مستقبل المجتمع العراقي ويضعونها ضمن أولوياتهم، ويسعون لمعالجتها جدياً ؟!!

عمالة الأطفال
تمثل عمالة الأطفال- بحسب مصدر في وزارة التربية- فئة الأطفال الذين لم يستوعبهم التعليم أو حرموا في مرحلة عمرية مبكرة واتجهوا الى مجال العمل، رغم ما فيه من مخاطر تهدد نموهم الجسمي، وصحتهم النفسية، وتطورهم الإجتماعي، وتعوق ارتقائهم العقلي، الذي ينمي قدراتهم ومواهبهم من خلال التعليم، بالإضافة الى تعرضهم لظروف العمل القاسية، وذلك بسبب إتجاه الأطفال الى سوق العمل تأثراً بالعوامل الإقتصادية والتربوية والصحية والبيئية والإجتماعية.

لقد كثرت في الأعوام الاخيرة ظاهرة تشغيل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 7 و10 سنوات في أعمال لا تتناسب وأعمارهم، ولا حتى مع بنيانهم الجسماني،خلافاً للقوانين الدولية التي منعت تشغيل الأطفال في أعمال كهذه، والتي بات الطفل العراقي متعودا عليها بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي تمر بها عائلته،لدرجة أصبح منظر الأطفال العاملين في تنظيف شوارع بغداد " طبيعياً".وهم مضطرون أيضاً للعمل في معامل أهلية وحكومية وورش عمل مختلفة وحتى في اعمال شاقة لا يستطيعون تحملها، كأعمال البناء منذ الفجر وحتى أوقات متأخرة من النهار [9]. واضطرت الظروف مزيد من الاطفال والشبان الى العمل والقيام باعمال شاقة مختلفة غالبا ما تكون في ظروف عمل خطرة لتقديم دعم لدخل اسرهم المتدهور[10].
وكان مكتب حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة العاملة في العراق (يونامي) قد حذر في تقارير سابقة من هذه الظاهرة التي وصفها بـ"الكارثة الإنسانية بحق هؤلاء الأطفال الذين يعانون من مشاكل صحية واجتماعية صعبة، فضلاً عن مستوى التعليم المتدني لهم".وقالت البعثة الأممية في أحد تقاريرها: «لقد زاد مشهد عمالة الأطفال في العراق، وهو ما يشكل خطراً كبيراً على هذه الشريحة من المجتمع التي لا بد من توفير الظروف المناسبة كافة لها لضمان مستوى معيشي ملائم ينعكس إيجاباً على حياتهم العامة [11].

إن لعمالة الأطفال تداعيات خطيرة، خصوصاً وان النسبة الكبيرة من الأطفال " العمال" هم بأعمار بين 10 و 15 عاما ، ويتحملون بهذه السن الصغيرة مسؤولية إعالة عوائل كبيرة،إضافة الى مسؤولية إعالة أنفسهم.
ويمارس هؤلاء الأطفال أعمالاَ شاقة لا تتناسب وأعماره، ويتعرضون الى إصابات خطيرة.بينت دراسة للدكتور علي عبد علي بان مهنتا صهر المواد المستعملة، واعمال البناء، تشكلان النسبة الاعلى من المهن التي تسبب الامراض الناتجة عن بيئة العمل لدى الاطفال واليافعين،حيث بلغت نسبة كل منهما 22.2%، تأتي بعدهما مهنة بيع المواد المستعملة، ومهنة الاعمال الخدمية، وبنسبة 18.5% لكل منهما. وتشكل التمزقات الجلدية النسبة الاعلى من الاصابات لدى الاطفال وبنسبة41- 61% ، تليها الرضوض، والجروح، وبنسبة 25%. وتشير الدراسة الى ان النسبة الاعلى من الاصابات بين الاطفال العاملين توجد في صناعة المواد الغذائية وبنسبة 41.66% ثم تليها مهنة اعمال البناء.
على صعيد اَخر،أظهرت دراسة قام بها المركز الإنمائي للبحوث التربوية والنفسية في محافظة الناصرية، بالتعاون مع دائرة الرعاية الاجتماعية، وبدعم من منظمة أطفال العالم" وورد تشايلد" الإنسانية،مر ذكرها، أن اغلب المهن التي يعمل بها الأطفال هي أعمال ومهن غير مهارية، لا تعدهم للحياة، ولا لسوق العمل، وتتمثل في بيع الأكياس البلاستيكية (40%)، ودفع عربات الأحمال (40%) ، وصباغة الأحذية (10%) ، والحمالة ( 10%) . وتوجد مهن أخرى، كبيع الخمور، والأدوية المهلوسة والعقاقير النفسية. كما بينت ان ما معدله ( 3%) منهم يتعاطون مواد مخدرة ( كالسيكوتين ، والثنر ) ويتناولون حبوب الفاليوم لانهم يعانون صعوبات في النوم .
واكدت مديرة قسم مكافحة عمل الاطفال في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بلسم حسين وجود العديد من الاعمال،التي تؤثر صحيا على الاطفال، ومنها أعمال الصباغة، وتصليح السيارات، ودباغة الجلود، التي تتعامل بمواد كيماوية تؤثر على صحة الاطفال.
وأشار الباحث الإجتماعي كاظم عبد الرحمن الى إرغام الاطفال على هجر طفولتهم اما بسبب فقدانهم لذويهم، او لكثرتهم داخل الاسرة، وعدم القدرة على الايفاء بمتطلباتهم.ولفت الإنتباه الى قضية مهمة، بقوله: وما ان تنتعش الاحوال بعض الشيء حتى تجد الاب والابن يتصلب على جملة: “ المدرسة لا تطعم خبزا ” !!..

والواقع،تُعد ظاهرة عمالة الأطفال مشكلة حقيقية يعاني منها مجتمعنا العراقي، وهذه المشكلة تقف عائقا أمام التنمية الاقتصادية، فضلا عن الآثار الاجتماعية والنفسية التي تخلفها، والتي تلحق بالأطفال. أما الآثار المترتبة على عمالة الأطفال فهي كثيرة:بدنية،وصحية، وإجتماعية، وسايكولوجية ونفسياً، مما يجعلهم عرضة للعديد من المخاطر المهنية والإجتماعية- لا مجال للخوض بها الآن.

بعد هذا، فما هي الإجراءات الرسمية المتخذة لحل المشكلة جذرياً،أو على الأقل لتقيلص حجمها ؟
- لا شيء- كالعادة !
قبل نحو عامين طالبنا مجلس النواب، والحكومة العراقية، تشكيل لجنة واسعة لدراسة المشكلة، ووضع المعالجات الجذرية لها، وفي مقدمتها تحسين الظروف الإقتصادية والمعاشية للأسرة..
لليوم لم يتحقق هذا المطلب المشروع لأنه ليس من أولويات حكام العراق الجدد !


1 - ثلث وفيات شباب العراق سببه العنف ،القاهرة- " الحياة "،20/1/2005
2- مسلحون يعدمون معلما ومعلمة أمام تلاميذ مدرسة بالخالص،من عاصم طه- بعقوبة-(أصوات العراق)،7/5/2007
3- مندلي: إستشهاد وإصابة 10 تلاميذ في قصف جوي امريكي،محمد العزاوي – بعقوبة- PUKmedia ،8/5/2007
4 - بغداد ـ رويترز10/5/2007
5- زهراء البيرماني، الموت وأطفال العراق،"إيلاف"، 21/1/2007
6- اليونسكو: 30% فقط من التلاميذ العراقيين يتابعون تعلمهم ،باريس- وكالة (آكي) الايطالية للأنباء،27/4/2007.
7 - IRAQ: Drug abuse among children on rise, (IRIN NEWS), 9 May 2007.
8 - واحد من كل خمسة عراقيين مدمن على المخدرات، المؤتمر،22/5/2005
9 - ظاهرة عمالة الأطفال تزداد في العراق.. والأمم المتحدة تحذر من استغلالهم:تلاميذ تركوا الدراسة ليعيلوا عوائلهم وكثيرون منهم لا يجيدون القراءة والكتابةبغداد: حيدر نجم ،الشرق الأوسط،7/3/2007
10- عمالة الأطفال في العراق باتت ظاهرة طبيعية ، هاشم حميد، "المدى "العراقية- 12-03-2007
11- أطفال العراق... مالهم لذويهم ومستقبلهم في خطر ،بغداد - من حيدر الحاج- "الرأي العام" الكويتية، 9/3/2007
12 - سامر سعيد،أطفال الشوارع في العراق، المجلة العراقية لحقوق الإنسان،العدد الخامس، كانون الثاني 2002، ص 27- 28.

¤ الحلقة الثالثة

¤ الحلقة الثانية

¤ الحلقة الاولى