| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم المقدادي

 

 

 

الأثنين 24 / 6 / 2013



الريوع النفطية وبناء الديمقراطية في دراسة إقتصادية علمية رصينة

أ.د. كاظم المقدادي * 

يواصل الخبير الأقتصادي العراقي الدكتور صالح ياسر حسن إغناء المكتبة العربية والعراقية بخاصة بمؤلفاته العلمية الرصينة، متناولآ فيها العديد من الإشكاليات الفكرية والسياسية والأقتصادية- الأجتماعية الساخنة، مفرداً حيزاً وافياً منها لتلك التي لها علاقة بالأوضاع السائدة في العراق والحاجة ماسة لتسليط الضوء عليها والتنوير بحيثياتها.

اَخر ما صدر له، لحد الآن،ونسلط الضوء هنا على محتوياته ولو بعرض مكثف، هو:الريوع النفطية وبناء الديمقراطية الثنائية المستحيلة في إقتصاد ريعي،مركز المعلومة للبحث والتطوير، بغداد، 2013.

المؤلف الجديد يمثل دراسة أكاديمية رصينة، ضمتها 288 صفحة قطع متوسط.،مشتملة على: مدخل، وفرضية الدراسة واسئلتها الأساسية، و 5 فصول و 18 مبحثاً و7 مطالب،وخلاصة وإستنتاجات، ومحاولة تركيب بعض المقترحات.وضمت الدراسة 19 جدولآ ثرية بالأرقام والأحصائيات، وتستند الدراسة الى 152 مصدراً باللغة العربية و 45 مصدراً باللغات الأجنبية.

جاء في مدخل الدراسة:شهدت السنوات الأخيرة التي مر بها العراق "تحولات عميقة" في البنية الأجتماعية والطبقية، وتزايد الوزن النوعي للعديد من الفئات وتعاظم دورها الفعال في تحديد إتجاهات "التطور" بعد ان ظلت لفترة طويلة على " هامش التأريخ"..ويلفت المؤلف الأنتباه الى ان تجربة السنوات التي تلت سقوط النظام الدكتاتوري دلت على انه وبسبب عدم تبلور استراتيجية تنموية وطنية واضحة المعالم نتيجة جملة عوامل من بينها إنشغال القوى المتنفذة بالصراع فيما بينها حول السلطة والثروة والنفوذ، فقد جرت عملية تهميش إجتماعية واسعة، أصبحت عاملآ رئيسياً من عوامل بروز العديد من الأتجاهات،بما في ذلك بروز الأيديولوجيات والممارسات اللاديمقراطية والتي أتخذت تنويعات مختلفة، من بينها تعاظم النزعات المتطرفة وحروب الطوائف، والتي ما هي- في بعض جوانبها وليس كلها طبعاً- إلا تعبيرات اَيديولوجية عن الأقصاء والتهميش الذي عانته القوى المهمشة سياسياً وإقتصادياً...

ويشخص المؤلف بان الطريق الذي سلكته القوى المهيمنة بعد 2003 على إختلاف تلاوينها،كان طريقاً مسدوداً،إذ انه فتح الباب لتزايد الاستغلال وإنسياب متعاظم من الدخل القومي الى الخارج من خلال قنوات التجارة الخارجية والفساد، والى توزيع غير عادل للدخل القومي.كما أبقى البلاد سوقاً للسلع الصناعية والزراعية والخدمات الأجنبية من دون أية ضوابط. أضافة الى الهبوط المستمر في التنمية وانخفاض الدخول الحقيقية للجماهير الكادحة.كما برز ضعف الرأسمالية المحلية.

ويضيف منبهاً: مر عقد من السنين على إنهيار النظام الدكتاتوري المقيت وخلال هذه الفترة حدث العديد من التمايزات في بنية السلطة التي قامت بعده وفي موقع الفئات والطبقات الأجتماعية، الأمر الذي يتطلب البحث التفصيلي لمعاينة هذه التمايزات، ومن بين ذلك صعود فئات البرجوازية والطفيلية والكومبرادورية الذي إقترن بقضم متواصل لهوامش الحريات الديمقراطية ومحاولات تغول المؤسسات الأمنية بحيث يمكن تسجيل بداية العودة لاى أشكال الأستبداد القديمة وهيمنة المجتمع السياسي( الدولة) على المجتمع المدني والذي كان أساساً لبدايات نشوء السلطة الدكتاتورية-القمعية-الأستبدادية.ولم يكن ذلك بمعزل عن عوامل عديدة، من بينها تراكم الريوع النفطية التي وفرت للقوى المهيمنة القدرة على المناورة و" خلق" القوى الأجتماعية الجديدة التي تستند إليها كقاعدة إجتماعية "مضمونة".

وما ينبغي التأكيد عليه هنا هو ان التشابك والتداخل العضوي في المصالح بين كافة الشرائح العليا هو تداخل في المصالح الأجتماعية –الأقتصادية من جهة، وهو من جهة أخرى تعبير عن " التوافق السياسي" الذي يحصل عادة بين هذه القوى بعد كل إستعصاء سياسي طالما ان ذلك يحافظ على ثرواتها ومصالحها وإمتيازاتها ومناطق نفوذها، ويضمن لها إستمرار تراكم تلك الثروات وتعزيز تلك المصالح وتعظيم ذلك النفوذ.
وينبغي الأدراك أيضاً ان هذا التحالف البيروقراطي- الطفيلي- الكومبرادوري-المالي-العقاري-الخ، المرتبط والمتشابك عضوياً مع رموز وأجهزة محددة في بنى السلطة، لم ينشط ويحقق هذه التراكمات في الثروة الطارئة، من الفراغ، بل ان هذا التحالف كان وما يزال متداخلآ في معاملاته وصفقاته المالية والتجارية مع عناصر ومؤسسات أجنبية، الى جانب العناصر المحلية.وكل ذلك جرى بالطبع في غياب مناخ سليم أو في ظل ضعف الشفافية والرقابة والمحاسبة وإستشراء الفساد.

فمنذ سقوط النظام الدكتاتوري المقبور وقيام سلطة الأحتلال بدأ في التشكل واقع إجتماعي/إقتصادي وسياسي جديد.هذا الواقع أو المجتمع الجديد،رغم انه ولد على أنقاض النظام السابق، وكان يمكن ان يتخذ مداه الرحب نحو تحول حقيقي صوب الديمقراطية، لكن خيار الحرب وما ترتب عليه من إستحقاقات للقوى التي قامت بالتغيير، قد حول العملية السياسية برمتها وفق إتجاهات حددها ميزان القوى الجديد على الأرض وعنصرة المقرر- سلطة الأحتلال المشرعنة لاحقاً بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1483.
هكذا إذاً، في المرحلة الجديدة بدلآ من ان تنطلق عملية سياسية جديدة تشكل نفياً للنظام السابق وتأسس لنظام جديد يقوم على أسس ديمقراطية ويؤسس بناء دولة القانون، فان هذه العملية سرعان ما تحولت عن مسارها الواعد نحو ديمقراطية حقيقية بفعل إرادة الطرف الذي "أنجز" عملية التغيير (الأحتلال) عبر خيار الحرب، ونشاط قوى الأرهاب وبقايا النظام السابق،إضافة طبعاً الى ممارسات القوى المتنفذة.

وفيما يتعلق بعنوان الدراسة،يشير المؤلف الى انه مع "صعود" دول النفط العربية على أثر إرتفاع أسعار النفط في أوائل السبعينات من القرن الماضي، بدأ الأهتمام بفكر الريع في الدراسات الأقتصادية وبدرجة أقل في الدراسات السياسية، الى حد يمكن معه القول بان العلاقة بين الدولة الريعية والديمقراطية لم تدرس بصورة معمقة، وظلت ملمحاً يشار إليه في سياق العديد من الدراسات القتصادية والسياسية.
وتطرح قضية الدولة الريعية " النخبة" الحاكمة فيها، والتي هي ليست حاملآ إجتماعياً للديمقراطية، إشكالية تتعلق بقدرة ومدى هذا الشكل من الدول وهذا النوع من "النخب" على إمكانية بناء الديمقراطية، في ظل واقعة ان الشغل الشاغل للفاعلين السياسيين فيها هو الأمساك والسيطرة على الريع والأستحواذ عليه بما يضمن اَليات إعادة إنتاج الهيمنة والسيطرة والنفوذ.وبعيداً عن الهجاء، فان الدولة الريعية-كما تشير التجربة الملموسة، تلد الأستبداد والتسلط، بسبب طبيعة بنيتها والقوى التي تستند إليها، حيث يحمي فيها مالك الثروة نفسه وأسرته وعشيرته و"القاعدة الأجتماعية" التي يستند إليها.وتشير التجربة التأريخية انه وخلال العقود القليلة الماضية لم تشهد البلدان العربية حالة إنتقال مكتملة الى الديمقراطية كما جرى في مناطق اخرى في العالم.

في ضوء ما مر، تنطلق الدراسة من فرضية أولية تحاول البرهنة عليها، وهي ان ضعف المكون الديمقراطي، وعدم التمكن من بناء الديمقراطية، وحالات الأستعصاء السياسي التي يمر بها العراق منذ 9/4/2003، وقبلها أيضاً وإن إختلفت الظروف، ناجم عن طبيعة الدولة وشكل الأقتصاد بإعتباره إقتصاداً يقوم على الريوع النفطية بدل الأنتاج، مما يحول البنية السياسية فيها الى الطبيعة التوزيعية التي لا تفرض مشاركة حقيقية، وبالتالي يمكن الإستغناء عن العملية السياسية وإستبدالها بصيغة التحالفات التقليدية التي توفر نوعاً من الأستقرار النسبي الشكلي بفعل أنصية التوزيع الريعية التي تحقق " التوافقات" بين القوى المتنفذة رغم تناقضاتها المعروفة.

يركز الفصل الأول، وعنوانه: الأطار النظري لإشكالية الريع، على بحث الأطار النظري لإشكالية الريع وإنتاج معرفة عنه والأستفادة من هذه المعرفة لاحقاً عند معالجة الملموس،أي إشكالية بناء الديمقراطية في ظروف بلد ريعي/ العراق نموذجاً.

ويشتمل الفصل على 3 مباحث، الأول- مكرس لمفهوم الريع، والثاني- يعالج أنماط الريع ومصادره.والثالث- يستعرض مقاربات المدارس الأقتصادية المختلفة لإشكالية الريع، كالمدرسة الفيزيوقراطية والمدرسة الكلاسيكية والمدرسة الماركسية والمدرسة النيوكلاسيكية.

الفصل الثاني- عنوانه:الأقتصاد الريعي:المفهوم-السمات-الآثار- القوى الأجتماعية.يمثل محاولة لضبط مفهوم (الأقتصاد الريعي) وتحديد سماته العامة، وما يتركه من اَثار، وما هي القوى الأجتماعية التي ترتبط به وتشكل حاضنته.وقد تضمن 3 مباحث، سعى المؤلف في المبحث الأول، والموسوم:مفهوم الأقتصاد الريعي، الى تدقيق ما الذي يعنيه بالأقتصاد الريعي نظراً لتنوع تعاريفه بحسب الخلفية الفكرية التي يستند عليها كل تعريف،إضافة الى التمييز بين مفهوم الأقتصاد الريعي ومفهوم الدولة الريعية.أما المبحث الثاني، والموسوم الخصائص والسمات والمظاهر الأساسية للإقتصاد الريعي،فيسعى لتحديد الخصائص والسمات التي تميز الأقتصاد الريعي عن الأقتصادات الأخرى.المبحث الثالث،الموسوم: القوى الأجتماعية التي يقوم عليها إقتصاد الريع،فهو يسعى لتحديد الاَثار والتداعيات والأبعاد الأقتصادية- الأجتماعية لهذا النمط من الأقتصاد.

الفصل الثالث يناقش:الدولة الريعية:إشكاليات منهجية وعملية طبيعة السلطة السياسية،طبيعة الدولة،إختلاط المصطلحات أم إختلاف المفاهيم؟..يقدم له المؤلف بإنه لبناء معرفة معللة بشأن " الدولة الريعية" يستلزم تدقيق مفهوم الدولة بشكل عام ليكون ذلك بمثابة الأطار المنهجي عندما يتم تدقيق مفهوم " الدولة الريعية". وفي ضوء ذلك إشتمل الفصل على 4 مباحث، كرس الأول منها لتحديد طبيعة الدولة، والثاني- سعى للتدقيق في طبيعة الدولة في الظروف المعاصرة،أي في عالمنا المتعولم.وكرس المبحث الثالث للنظر في بعض الأشكاليات المرتبطة بمفهوم الدولة الريعية.أما الرابع فكرس ضمن 3 مطالب لبحث الخصائص والمؤشرات الأساسية للدولة الريعية. وقبل ان يخوض المؤلف في تفاصيل كل واحد منها وجد المؤلف من المناسب تدقيق مفهوم السلطة، ذلك لأن هذا المفهوم ما زال بعيدا عن الوضوح النظري، ناهيك عن الناحية المنهجية.

الفصل الرابع يتناول:النظام الريعي:المفهوم-الأشكاليات الكبرى.إشتمل على 4 مباحث، تناول الأول، والموسوم:العائدات النفطية والعائدات غير النفطية، التمييز بين النوعين من العائدات،إضافة الى بيان مخاطر الأعتماد على العوائد النفطية.المبحث الثاني وعنوانه:أزمة الأنظمة الريعية- جذور وأسباب إنهيار النموذج الريعي في العالم العربي، مثل محاولة لبحث أزمة نمط محدد هو النظام الريعي في البلدان العربية. أما المبحث الثالث وعنوانه:رغم الأزمة البنيوية:التكييف الهيكلي هو الوصفة السحرية، فقد سعى المؤلف فيه لبيان اصرار القوى المتنفذة في البلدان العربية على إنتهاج إندماج إقتصاديات البلدان العربية في منظومة الأقتصاد الرأسمالي العالمي عبر تطبيق وصفات المؤسسات المالية والنقدية الرأسمالية الدولية رغم النتائج والآثار السلبية والمدمرة التي تركتها على إقتصادات ومجتمعات هذه البلدان وأدت الى الأنتفاضات الشعبية التي أطاحت بالعديد من الأنظمة في هذه البلدان.ويقدم المؤلف في المبحث الرابع، الموسوم:المظاهر والسمات الأساسية والجذور الممهدة للإنتفاضات الشعبية،قراءة إقتصادية- سياسية للإنتفاضات الشعبية بالتركيز على السياسات النيوليبرالية واَثارها.وهنا يتفق المؤلف مع زملائه الأقتصاديين الذين أشاروا لفهم ما يحصل في العديد من البلدان العربية من حراك مجتمعي التذكر بان النيوليبرالية قد تم إستيرادها في السياسات الأقتصادية العامة العربية على مرحلتين تأريخيتين:الأولى-من سياسة الأنفتاح الى أزمة المديونية الخارجية(1970- 1990).والثانية-تعميق وإنتشار سياسات التحرر الأقتصادي والمالي"(1990-2010).ويتناول الماَل الطبيعي الذي اَلت إليه: تفكك "النموذج" الريعي.

الفصل الخامس: والأخير عنوانه:من المجرد الى الملموس:إشكاليات الدولة وبناء الديمقراطية في ظروف بلد ريعي:العراق نموذجاً.ضم الفصل 3 مباحث، ساعياً خلالها التوقف عند الأشكاليات والأسئلة المطروحة.فالمبحث الأول ينطلق من سؤال عمومي هو:هل ان العلاقة بين الديمقراطية والليبرالية علاقة خطية؟ ففي الحقيقة ان الإقتران بين(الديمقراطية) و"الليبرالية) لم يقع،تأريخياً، ضربة حظ، بل بالعكس هو الصحيح تماماً، حيث ان (الليبرالية) قاومت (الديمقراطية) فترة طويلة من الزمن قبل ان تعود لأستيعابها بالتدريج.

أما المبحث الثاني، والذي يحتوي على مطلبين، فيبحث في أسباب وجذور العجز في بناء الديمقراطية في العراق منطلقاً من سؤال حيوي هو:هل ينتج الأقتصاد الريعي الديمقراطية ؟.ويسعى المؤلف للتوقف عند قضايا أخرى من قبيل مكانة النفط في الأقتصاد العراقي:الملامج الأساسية للإقتصاد الريعي في العراق،المخاطر المحدقة بالأقتصاد العراقي نتيجة طابعه الريعي.

ويركز المبحث الثالث، والذي يضم مطلبين أيضاً، على بحث تأثيرات الريوع النفطية على الأقتصاد وما تركته على الطبقات وما أحدثه من تبدلات في الخريطة الطبقية الأجتماعية ودلالاتها.

 

* د. كاظم المقدادي -  باحث بيئي عراقي مقيم في السويد
منسق الحملة من أجل تنظيف البيئة العراقية من مخلفات الحرب وإنقاذ الضحايا


 


 

free web counter