| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم المقدادي

 

 

 

 

الأحد 23/4/ 2006

 

 


لِمصلحة مَن تتواصل التصفيات الجسدية للكوادر العلمية العراقية ؟!!

 

د. كاظم المقدادي *

يتواصل مسلسل التصفيات الجسدية للكوادر العلمية العراقية، بينما تقف الحكومة العراقية عاجزة عن ردع المجرمين.اَخر هذه الجرائم إغتيال ثلاثة اساتذة جامعيين وإصابة رابع بجروح خطيرة من جامعة ديالى أثناء عودتهم الى منازلهم في بغداد في 19 / 4/ 2006، من بين الشهداء رئيس قسم اللغة العربية في كلية التربية وزوجته، وهي أستاذة جامعية في الجامعة المذكورة،وتحمل شهادة الدكتوراه.وبذلك أرتفع عدد الأساتذة الجامعيين، الذين قتلوا على يد مسلحين، الى أكثر من 153 استاذاَ- بحسب اَخر إخصائية لرابطة الأساتذة الجامعيين- أغلبهم من حملة الشهادات العليا.

ويذكر ان مسلسل التصفيات الجسدية بدأ بالعلماء النوويين العراقيين أولاً، وطال 16 عالماً منهم. ولم يكن اختيار العلماء العاملين في مجال الذرة للقتل والاغتيال عشوائياً،بالتأكيد، فالشارع العراقي مليء بهذا النوع من القتل العشوائي الذي تمارسه العصابات والجيوش السرية المتحاربة على النفوذ والسلطة، او الموكلة اليها مهمة اعدام الامن في العراق- على حد تعبير الأستاذ زهير الدجيلي(" القبس" الكويتية، 7/9/2005).بعدهم تحول مسلسل القتل الى الأكاديميين الآخرين من مختلف الإختصاصات وفي مختلف الجامعات والمعاهد العراقية.بعد ذلك، جاء دور أساتذة المدارس.ولعل أبشع الجرائم في هذا المسلسل هي ذبح أستاذين أمام طلابهما في المدرسة في مدينة الشعب ببغداد، وفرار الجناة، كالعادة، دون عقاب.وأكدت " ديلي تلغراف" قبل أيام بأنه قتل خلال 4 أشهر 331 مدرسا، كما قتل 9 ممرضين وموظفين صحيين في يوم واحد في الموصل في اَذار/ مارس 2006 ، مما دفع الأطباء والممرضين هناك الى القيام بإضراب للمطالبة بتوفير حماية لهم في المستشفيات.وكان من المعتقد ان سقوط نظام صدام سيؤدي الى تدفق الأطباء الخبراء في إختصاصاتهم لمعالجة المواطنين وتوفير الزخم المطلوب لأعادة بناء البلد من جديد .

والملاحظ أنه لا توجد لليوم إحصائيات دقيقة عن عدد ضحايا هذه الجرائم البربرية، وما نشر عنها يتسم بالتناقض. فبحسب تصريح لرئيس رابطة الأكاديميين العراقيين الأستاذ عصام الراوي شهدت الاشهر الثمانية عشر، منذ سقوط النظام المقبور، مقتل نحو 250 من اعضاء الهيئات التدريسية في الجامعات والمعاهد العراقية. وإن اكثر من الف منهم هرب للخارج. فيما قالت مصادر في وزارة التعليم والبحث العلمي تعرض نحو 200 استاذ جامعي للخطف او الاغتيال. من جهتها،ذكرت وزارة الصحة ان حصيلة اغتيال الاطباء وصلت الي 65 طبيباً منذ سقوط النظام السابق.وأشارت إحصائيات نقابة الأطباء العراقيين إلى مغادرة 10 في المائة على الأقل للبلاد من الأطباء المسجلين والبالغ عددهم 32 ألفاً في بغداد، خلال الأشهر الاثني عشر الماضية. ويعتقد أطباء آخرون أنهم يمكن أن يكونوا مستهدفين في أي لحظة.وقبل أيام أكد نقيب الأطباء العراقيين في المؤتمر التأسيسي لجمعية الأطباء العراقيين في خارج الوطن،الذي إنعقد في دبي من 11- 13 / 4/ 2006، بأن عام 2005 وحده شهد مغادرة نحو 1000 طبيب للخارج، وما يزال غيرهم يحاول،مؤكداً أنه يوقع يومياً نحو40 طلب لأطباء يرغبون مغادرة العراق.وقال إن 67 طبيباً تم إغتيالهم.واَخر الأطباء الذين أعلن عن إغتيالهم كان يقوم بواجبه أثناء حملة تلقيح الأطفال ضد شلل الأطفال- بحسب وكالات الأنباء.

وكان تقريراً أصدره المركز الدولي لرصد الإنتهاكات في العراق،قبل عام، ذكر بأن عدد الكفاءات العلمية والطبية والعلماء وأساتذة الجامعات الذين تعرضوا للإغتيال على يد عصابات القتل والإجرام خلال عامي 2003 و 2004، تجاوز الـ 100أستاذاَ وعالماً، وتعرض 50 عالما عراقيا اَخراً للخطف ثم الإبتزاز.وشهدت الجامعة المستنصرية وحدها تعرض 15 أستاذاً للخطف والإغتيال. وفي ذلك الوقت غادر العراق 500 عالما عراقيا، من مختلف الإختصاصات الطبية والعلمية، خوفا على حياتهم من المجرمين والإرهابيين الجهلة.

وقبل أيام، أكدت منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) بأن نحو 180 أكاديميا عراقيا قتلوا عقب غزو العراق. وأدان مدير عام اليونسكو، كويشيرو ماتسورا،حملة العنف التي تستهدف الجامعيين والمثقفين العراقيين بشدة.وقال إن ترصّد ناقلي المعرفة والعلم والمهارات هو اعتداء على المجتمع برمته ولا يمكن القبول به أبداً.مؤكداً أنه من خلال استهداف الذين يمتلكون مفاتيح إعادة البناء والتنمية في العراق، يضع مرتكبو أعمال العنف هذه مستقبل البلاد وديمقراطيته على المحك. ودعا إلى التضامن والتعبئة لصالح التعليم والمعلمين في هذا البلد.بينما أفاد أوليفر بول من "ديلي تلغراف" أنه سقط منذ نهاية الحرب في نيسان عام 2003 ما لايقل عن 182 أستاذا جامعيا صريعا، عدا الكثير من محاولات القتل والخطف التي لم تدون بشكل دقيق.

وأعلن اكاديمي في رابطة التدريسيين العراقيين:اننا نعيش حالة من الحزن والاسي بسبب المعاناة التي يعيشها قطاع التعليم، فهو يفقد دعائمه يوما تلو الاخر،مشيرا الي ان جامعاتنا تعاني تراجع مستوي الرسالة التربوية التي يجب تقديمها بسبب المخاوف من استهداف الاساتذة، الامر الذي دفع الكثيرين منهم الي الهجرة، فيما فضل بعضهم الاخر البقاء في البيت حتي يتحسن الوضع الامني،ويتم تشكيل حكومة قوية،مؤكدا ان الهدف الرئيس من استهداف الكفاءات هو ايقاف المسيرة العلمية، وتجريد العراق من علمائه ومثقفيه،موضحا بان نحو 267 تدريسيا تعرضوا الي عمليات مسلحة واختطاف، فيما استشهد 182 منهم، واختطف او نجا من الاختطاف 185، وهاجر اكثر من 220 كفاءة عراقية عالية التخصص بسبب تلك المخاوف.وأكد رئيس جمعية الأساتذة الجامعيين بأن الجماعات السياسية خارج وداخل البلاد تحاول التخلص من الأشخاص المتنورين والمستقلين عبر هذه الاغتيالات والتهديدات .أما معاون عميد كلية العلوم السياسية فيرى أن الهدف هو إفراغ المجتمع من المعرفة لغرض وقف مسيرة تقدمه ، اما من يتحدى المسلحين فإنه قلق من مواجهة الغد بمفرده .

حيال المحنة التي يعيشها العلماء والأكاديميون والأساتذة العراقيون عقد في لندن، بدعوة من هيئة التعليم العالي ومؤسسة الإمام الخوئي ورابطة الأكاديميين العراقيين في المملكة المتحدة،إجتماع، في 8/4/2006، كرس لهذه المحنة، حضره أكثر من 70 أكاديمياً من أنحاء مختلفة في بريطانيا، وأصدروا نداء تضامن، تناول المعاناة التي قاساها العراقيون من النظام الصدامي الاستبدادي وويلات الحروب المتتالية والحصار الجائر عل الشعب العراقي ومدة الاحتلال.وأشار الى أن العراق أضحى اليوم ضحية العنف والإرهاب الذي أمتد ليشمل مختلف عناصر المجتمع ويهدد وحدة واستقرار البلاد ومسيرتها نحو التحول الديمقراطي وتمتع أبنائها بالحرية وبنعم خيراتها وازدهارها الاقتصادي وتقدمها الاجتماعي وتطورها الثقافي.
وشخص المجتمعون بأن على الكوادر العلمية والتكنولوجية والطبية وكافة أصحاب الكفاءات تستند البلاد في إعمارها وبناء مستقبلها وتحقيق طموحاتها المشروعة. وتقف ضد ذلك كل قوى الظلام والإرهاب التي تتصدى لترويع الأسرة العلمية باغتيال العديد من عناصرها من العلماء والمفكرين والأكاديميين والأطباء والمهندسين ومن جميع الاختصاصات الأخرى، وتهديد الكثيرين منهم وإجبارهم على الهجرة ومنع من هو في الخارج من العودة إلى الوطن. مؤكدين بإن اختلال الأمن وتفشي القلاقل والفتن والانشقاقات والعمليات الإرهابية والصراعات الدموية والنعرات الطائفية والعرقية، وعدم قيام إدارة حكومية قادرة على توفير السلامة وحفظ الأمن، عرٌض للخطر الكثيرين من العلماء والأكاديميين وعائلاتهم من مختلف القوميات والأديان والطوائف والاتجاهات السياسية، وجعلهم فريسة للتطرف والعمليات الانتقامية وللعصابات المنظمة وللخطف والاغتيال. وأستفحل الأمر ليشمل العديد من الجامعات، مما أدى إلى اضطراب الحياة الجامعية وعطل المسيرة التعليمية وأعاق الكوادر الجامعية من مواصلة نشاطها وعملها التربوي.
وأعلن المجتمعون:إننا الأكاديميون والعلماء العراقيون وعدد من الشخصيات العراقية،نقف في لقائنا في لندن اليوم خاشعين إجلالاً وإكباراً في ذكرى شهدائنا الأبرار من العلماء والمفكرين والأكاديميين من جميع التخصصات، الذين اغتالتهم أيدي الإرهابيين المجرمين ومنعتهم من مواصلة المسيرة من أجل بناء وازدهار وطننا الحبيب، ونتوجه بندائنا هذا للتنبيه للأخطار التي تواجه البلاد، ونطالب الحكومة العراقية ومنظمات المجتمع المدني وجميع الشرفاء والمخلصين ببذل كل الجهود من أجل ما يلي:
1- المطالبة وبإصرار من أصحاب القرار العراقي، لتحمل مسؤوليتهم ولتدارك الأخطار وتوفير الحماية اللازمة للأكاديميين والعلماء، من أجل الحفاظ على حياتهم وصيانة كرامتهم وتكليف هيئة قضائية بالتحقيق الجنائي وتحديد الجهات والأفراد المقترفين لهذه الجرائم، وسوقهم للعدالة.
2- دعوة الحكومة العراقية والمسؤولين في الجامعات لأتخاذ أسرع الإجراءات لتوفير الحماية لكافة أعضاء الهيئات التدريسية وعوائلهم، مثل توفير السكن اللازم في نطاق الحرم الجامعي وضمان الحراسة بأنواعها والتي أصبحت ضرورية لهم.
3- دعوة مسؤولي الحكومة العراقية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والجامعات لأتخاذ الإجراءات الناجعة لاحترام حرمة الجامعات وحماتها من تأثير التدخلات السياسية والحزبية والدينية في أداء المؤسسات الأكاديمية.
4- دعوة الأحزاب والتنظيمات السياسية والدينية كافة لاحترام حرمة الجامعات وعدم استخدامها كمنابر لدعاياتهم ونشاطاتهم وحملاتهم السياسية والدينية.
5- التأكيد على أن الجامعات "حرم آمن" وعلى الأجهزة الأمنية والعسكرية مراعاة ذلك واحترامه، مع تأكيد التلازم العضوي بأن الأمن الأكاديمي جزء من حالة الأمن في العراق.
6- الطلب من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إبداء الرعاية الخاصة لأبناء وعوائل الأكاديميين الشهداء وشمولهم بالحقوق التقاعدية وتسهيل تأهيلهم.
7- السعي لدى الجامعات في المملكة المتحدة وأمريكا وباقي الدول الأوربية وغيرها من البلدان لفسح المجال لاستقبال أعضاء هيئة التدريسيين العراقيين من الراغبين لقضاء فترة التفرغ العلمي، وقيام المنظمات العراقية والجهات المعنية في الخارج بتقديم المساعدات اللازمة من الناحية المالية وغيرها في سبيل ذلك.
8- ترسيخ مبدأ الوحدة الوطنية وتجاوز الخلافات ونبذ عوامل الفرقة والانشقاق، مع تأكيد الالتزام بالمبادئ الدستورية وحقوق الإنسان.
9- كفالة توفير الحريات الأكاديمية، وتعزيز حقوق الأستاذ الجامعي في طرح الرأي العلمي داخل الحرم الجامعي، والعمل على وضع تشريعات تكفل حرية البحث والتفكير والتعبير في المؤسسات الأكاديمية.
10- دعوة الأكاديميين العراقيين في الخارج ومن خلال منظماتهم لتنظيم حملة تتولى:
أ- التوعية بمعاناة الأكاديميين والعلماء في العراق وتعبئة الجامعات والمراكز العلمية في العالم للتضامن معهم ضد الممارسة العنفية والإرهابية التي تواجههم.
ب- الطلب من منظمة اليونسكو والمنظمات الدولية العربية والإسلامية اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية ذُخر العراق من العلماء والأكاديميين ومساعدتهم في تجاوز محنتهم.

حيال كل ما جرى ويجري، نتساءل: لمصلحة من تجري عمليات الإغتيال والتصفيات الجسدية للكفاءات العلمية العراقية، في وقت عاد فيه عشرات الآلاف من الكوادر البعثية الى وظائفهم السابقة،وفي العراق ثمة ظاهرة خطيرة، وهي كثرة اعداد الاشخاص الذين منحوا رتبا عسكرية من دون استحقاق، والحاملين للشهادات الجامعية العليا (الدكتوراه وغيرها ) المزورة التي تم شراؤها من بعض الدول العربية، وايران، ومن الجامعات العراقية،ويحتل حملة الشهادات العليا المزيفة الان أعلى المناصب الرسمية في الدولة بفضل احزابهم ونظام المحاصصة ( خضير طاهر،"إيلاف"، 19/4/2006) ؟!!

من له مصلحة بإفراغ الجامعات ومؤسسات البحث العلمي العراقية من العلماء والكوادر العلمية العراقية، الذين رفضوا أن يغادروا بلدهم مكرهين، و فضلوا البقاء في الوطن، وسط أسرهم، وطلبتهم وزملاءهم، متحملين كل شيء، في وقت لا تجد فيه الكفاءات العلمية الموجودة في الخارج،الراغبة بالعودة الى الوطن الأم للمساهمة بإعادة بنائه، لا التشجيع، ولا الإهتمام المطلوب من قبل المسؤولين، بل وهناك من الوزراء من سمح لنفسه إبداء " النصح" لهم بان" لا يعودوا" للعراق ؟ّ!!

وأخيراً، وليس اَخرا: هل ستضع الحكومة،التي طال تشكيلها، حماية أرواح الكوادر العلمية ضمن أولوياتها الراهنة ؟


* أكاديمي وباحث عراقي، مقيم في السويد،رئيس قسم إدارة البيئة بالأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك