| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم المقدادي

 

 

 

الجمعة 1/8/ 2008



كل عام والصحافة الشيوعية بخير !

د. كاظم المقدادي - السويد

قبل عام،وبمناسبة عيد الصحافة الشيوعية،أجرى معي الأعلامي محمد الكحط لقاء لـ"طريق الشعب" أجبت فيه على العديد من الأسئلة بوصفي من العاملين في الصحافة الشيوعية العلنية.لم ينشر اللقاء في العام الماضي، وإنما نشر في هذا العام، عدد يوم 31/7/2008،الصفحة التاسعة.
للأسف، وردت في الإجابات المنشورة أخطاء، ومنها انني أتحدث عن الرفيقة سلوى زكو وليس بشرى برتو.كما وأن الأمانة تقتضي تدقيق وتصويب بعض الحقائق.وهذا ما أقوم به هنا:

أود في هذه المناسبة السعيدة أن أعبر عن فخري وإعتزازي لكوني كنت واحداً من العاملين في "طريق الشعب" ، ومن المساهمين في جريدة " الفكر الجديد"(بيري نوي)، وفي مجلة " الثقافة الجديدة"..ولا أغالي إذا قلت بأن فترة عملي في " طريق الشعب" العلنية، كمحرر طبي وعلمي، كانت من بين أجمل الأعوام التي عشتها، خلال الأعوام الـ 68 المنصرمة من حياتي.

وأسارع، فأقول بأنني لم أتخرج من كلية الصحافة والإعلام، لأنني لم أدرس الصحافة في أي كلية، وإنما تعلمت الكتابة بجهود ذاتية، وأصبحت تلميذاً نجيباً من تلاميذ مدرسة "إتحاد الشعب"، التي كنت مواظباً على قراءتها، وبنهم ، متأثراً، بأسلوب كتابة إفتتاحيتها،التي كانت يومية تقريباً، وبزاويتي "أبو سعيد" و "أبو كاطع"،وبالمقالات، والتحقيقات، التي كانت تنشرها. ولست الوحيد الذي تتلمذ في مدرسة"إتحاد الشعب"/"طريق الشعب" العريقة، فقد تخرج المئات منها، وأصبحوا كوادر صحفية وإعلامية عراقية مرموقة، وما يزال العشرات منهم أحياء يرزقون..

انضممت الى أسرة تحرير " طريق الشعب" في الأشهر الأولى من صدورها عام 1973، بعد أن أنهيت الخدمة العسكرية وعدت لعملي في بغداد. وواصلت العمل فيها حتى الشهر الأخير الذي سبق إغلاقها من قبل النظام البعثي في مطلع عام 1979،حيث طلب الرفاق مني الاختفاء بعد ان جرت محاولة فاشلة لاختطافي من قبل الأجهزة البعثية القمعية، وشرعت بإعتقال حتى الشيوعيين المكشوفين، من ممثلي حزبنا..

أتشرف بأنني ساهمت برفد العديد من صفحات الجريدة،مثل: "شؤون عربية ودولية"و " ثقافة" و "المرأة" و"حياة الشعب" و " المهنية"، وغيرها، بالإضافة إلى "الثقافة الجديدة"و" الفكر الجديد"، بعشرات، إن لم أقل المئات،من الترجمات، والمقالات، والمتابعات، والدراسات، في مجالات الصحة، وطب المجتمع، والعلوم والتكنولوجيا، والثقافة، والتعليم،وفي قضايا الأمومة والطفولة، والعمل المهني، وغيرها..

طيلة تلك الفترة، كان رئيس تحرير "طريق الشعب" الرفيق المحامي عبد الرزاق الصافي، ومدير تحريرها الصحفي المعروف فخري كريم، ومدير الإدارة المرحوم نوزاد نوري. وكان يعمل في أقسام الجريدة كوكبة لامعة من السياسيين والمفكرين والصحفيين والكتاب والشعراء والأدباء والمترجمين والرسامين،الذين عاصرتهم، أذكر منهم: المرحوم شمران الياسري، د.فائق بطي، المرحوم حميد بخش (أبو زكي)، عزيز سباهي،المرحوم محمد كريم فتح الله، عبد السلام الناصري، جلال الدباغ، هادي العلوي، إبراهيم الحريري، جيان، فاضل ثامر، سعدي يوسف،المرحوم رشدي العامل، سلوى زكو،المرحوم يوسف الصائغ، عبد المنعم الأعسم، حميد الخاقاني، رضا الظاهر، صادق الصائغ، المرحوم عبد اللطيف الراوي، سعاد الجزائري، أبراهيم أحمد، د. مجيد الراضي، محمد سعيد الصكار، فاطمة المحسن، ليث الحمداني، عدنان حسين، فاضل السلطاني، عامر بدر حسون، د. فالح عبد الجبار، ياسين النصير، زهير الجزائري، د. نبيل ياسين،المرحومة رجاء الزنبوي، عبد اللطيف السعدي ، حمدان يوسف، عبد الأله النعيمي، د. عصام الخفاجي،د.محمد عارف، عبد الكريم كاصد، فاضل العزاوي، جبار ياسين، عواد ناصر، د. محمد خلف، عبد جعفر، جمعة اللامي، د.محمد كامل عارف، د.عدنان عاكف، هادي محمود، فيصل لعيبي، مؤيد نعمة، عفيفة لعيبي ، فاضل الربيعي.. وهناك غيرهم بالتأكيد، أعتذر لمن فاتني ذكر أسمه- بسبب " الكبر" - ضريبة العمر..

عملت أول الأمر في قسم " المنوعات"(الصفحة الأخيرة)، محرراً للزاوية الطبية. وقد تعاقب على رئاسة القسم كل من: أبو كاطع، حميد الخاقاني، مصطفى عبود، ويوسف الصائغ..كانت "الزاوية الطبية" أسبوعية، تصدر كل يوم ثلاثاء. وقد لعبت دوراً كبيراً في نشر الوعي الصحي والثقافة الطبية الشعبية.وقد نظمت العديد من حملات التوعية الصحية التي تابعها اَلاف القراء،كل حملة كانت على مدى شهر كامل، ومنها :"ضد التدخين"، "ضد الكحول"، " ضد السل"، " ضد الكوليرا".والحملة الأخيرة تزامنت مع إنتشار مرض الكوليرا في العراق عام 1976، وعلى أثرها نظمت وزارة الصحة برنامجاً إعلامياً إسبوعياً في التلفزيون يظهر فيه مسؤولون يتحدثون عن سبل الوقاية من الكوليرا، لكنهم كانوا يتجنبون الحديث عن أهمية التطعيم ضد الكوليرا لأن السلطة لم توفر الكميات الكافية منه للمواطنين، وإقتصرت التطعيم على البعثيين.في اليوم التالي نشرنا تعليقاً في زاويتنا قلنا فيه ان المسؤول الذي خرج ليلة أمس على المواطنين بموعظة " التطعيم لا يفيد كثيراً في الوقاية" نسي أنه كان يتحدث وخلفه بوستر كبير أعدته منظمة الصحة العالمية ويدعو الى أهمية التطعيم ضد الكوليرا.بعد ذلك إنهالت تلفونات المواطنين تطالب الوزارة " وفروا التطعيم إن كنتم حريصون علينا".
وإعترف معدوا البرنامج في الاسبوع التالي بان " طريق الشعب أحرجتنا "..

ولابد من الإشارة هنا إلى أن " طريق الشعب" هي أول صحيفة عراقية ساهم في تحريرها، وفي تقديم الإستشارات العلمية لقرائها، علماء وأطباء، في مقدمتهم العالم الجليل المرحوم محمد عبد اللطيف مطلب، والأطباء الأخصائيين:عبد الصمد نعمان، محمد صالح سميسم، غالب العاني، صادق البلادي، وغيرهم..

في عام 1977 تطورت "الزاوية الطبية" إلى صفحة كاملة، أسميناها "طب وعلوم وتقنية"،وكانت أسبوعية أيضاً. عدا الأخبار والتقارير والتحقيقات العلمية المنوعة، كانت لها افتتاحية، في كل عدد، تناولنا فيها قضايا صحية- طبية، وعلمية هامة، تهم المجتمع العراقي.كان مسؤول القسم اَنذاك المرحوم مصطفى عبود، وهو الذي إقترح الأسم.وكان المشرف على الصفحة هو الدكتور صادق البلادي- عضو سكرتارية تحرير الجريدة اَنذاك، الذي له دور مشهود في الصحافة الشيوعية العلنية وفي توسيع تعريف الثقافة لتشمل الفروع العلمية، الى جانب الأدب والفن والتعليم.

لقد حققت " طريق الشعب" وصفحتها " طب وعلوم وتقنية" نجاحاً كبيراً في مجال نشر العلوم والثقافة العلمية الشعبية، بإعتراف الصديق والخصم.ولا أدل على ذلك من الأمر الوزاري الذي أصدره وزير الصحة اَنذاك الدكتور رياض الحاج حسين بجمع وحفظ كل ما تنشره " طريق الشعب" وصفحة " طب علوم تقنية" في غيابه ليطلع عليه عند عودته.وقد نقل لي أحد الأطباء العاملين معه في الوزارة اَنذاك أنه سمعه مرة يتحدث بالتلفون وقد إمتدح " طريق الشعب" التي تنتقد الأخطاء والسلبيات في مجال الصحة، وتضع الحلول والمعالجات.وقال بالحرف:"طريق الشعب"أشرف من "الثورة"..

ولا تفوتني الإشارة هنا إلى انه بعد النجاح الذي حققته جريدتنا وصفحتها ، بادرت جريدة "الجمهورية" الحكومية إلى إصدار صفحة، ومن ثم ملحق أسمته " طب وعلوم"، وطلب المسؤولون عن الجريدة من حزبنا رسمياً مساعدتهم بمحررين لهذا الغرض. وفعلاً كلفني الحزب أن أعمل محرراً في الصفحة، وفي الملحق المذكور. وقد نقلنا له تجربتنا، وعكسنا فيه أفكارنا وتوجهاتنا. وكان المسؤول عن تحرير الملحق لغاية عام 1979الصحفي سجاد الغازي، الذي لم يتدخل، ولم يعترض على ما كتبناه. وأخبرني بان مبيعات "الجمهورية" في اليوم الذي يصدر فيه ملحق " طب وعلوم" إرتفعت إلى 10 أضعاف الأيام العادية، ووصلت إلى 50 ألف نسخة.

لم يكن عملنا سهلاً إطلاقاً، وساد، منذ عام 1975، ظرف سياسي متشنج، مقروناً بحملة معادية لحزبنا، كانت أول الأمر خفية، ثم أصبحت علنية وسافرة، انتهت بغلق الجريدة.. تلك الظروف فرضت علينا، كشيوعيين، صعوبات جمة، فكان علينا كإعلاميين البحث والإبداع باستمرار في سبل تحركنا، وفي مجمل عملنا، وبخاصة كيفية إيصال المعلومة المطلوبة، وصياغة الفكرة، وتحقيق الهدف منها، بحيث تمر على الرقيب، ولا تعرض الجريدة لمضايقات إضافية، في وقت كانت الأجهزة البعثية القمعية تترصد كل كلمة وكل صورة وكل رسم أو تخطيط. ولكن..مقابل الصعوبات، كانت تسود عملنا في الجريدة أجواء أخرى تخفف الأعباء وتسهل المهمة..

ليس سراً، أن معظم العاملين في الجريدة، وكان بينهم عدد غير قليل من غير الشيوعيين، أصدقاء للحزب، يعملون طوعياً، ولم يستلموا أجراً لقاء أتعابهم. وكان الجميع، نعم الجميع، يعملون برغبة وحماس وإخلاص وبتفان. ليس هذا فحسب وإنما كان أغلب العاملين في " طريق الشعب" يساهمون في تحرير أكثر من مطبوع، في"الفكر الجديد" و"الثقافة الجديدة" و" بري نوي" وغيرها.

أتذكر أنني تلقيت يوماً تلفوناً من الرفيقة سلوى زكو، طالبة "إسعافها" بصفحة كاملة، وإلا فان عدد الغد من " الفكر الجديد" لن يصدر، منوهة بان " لخبطة" حصلت، وان المواد المتوفرة تحت يدها لا تكفي، وهي مشغولة جداً في إعداد مواد العدد، ولم تجد غيري للمساعدة وإنقاذ الموقف. وإختتمت حديثها بأنها سترسل لي سيارة الجريدة لأخذ المادة حالما أنتهي منها،على أن تكون الصفحة في المطبعة قبل الساعة الثالثة صباحاً.. كنت في وقتها في عيادتي، وكان لدي عدد من المراجعين غير اعتيادي. فعدت إلى البيت في حوالي التاسعة مساءاً، وكنت منهكاً، ومع هذا، وما أن أنتهيت من تناول وجبة العشاء، وأخذت أدوية وجبة الليل ( طبيب يداوي الناس وهو عليل)، ووضعنا التوأمين علاء وصفاء في فراشهما، وأخبرت أمهما بالمهمة الإضافية التي سأقوم بها الليلة، وتقبلت إحتجاجها وإنتقادها لي بأنني لا أهتم بصحتي، أعددت الصفحة المطلوبة، وكانت حول التعليم والجامعة في العراق.. وجاءت سيارة الجريدة في حوالي الساعة الثالثة صباحاً، وأوصلت المادة للرفيقة، ومنها للمطبعة، وصدر العدد في وقته.. وعندما وجدت الجريدة في الصباح مع الصحف الأخرى " تبخر" التعب، وزال الإرهاق، وغمرتني السعادة..

إلى هذا، لن أنسى أبدا ذلك الجو الرفاقي الحميم، والإحترام المتبادل، والعمل الجماعي، وتقدير الجهد المبذول، وما إلى ذلك، الذي كان يسود عملنا في الجريدة. وهنا أشير بأنني شخصياً لم ألمس من أي رفيق مسؤول في الجريدة إستخفافا أو تعد على أي مساهمة، لا بل أن أي تغيير يرتأونه يتم بموافقة كاتبها.. ولن أنسى أيضاً سمة التواضع الجم، التي لمستها وعايشتها، حيث لا فروق "طبقية" ، ولا إمتيازات، ولا تكبر، أو تعالي، بين رئيس التحرير وحتى أصغر محرر..وكانت هذه السمات متجسدة في العمل اليومي، وفي اجتماعات الأقسام، واجتماعات مجلس التحرير الدورية، وحتى أثناء " لزم السره" في حديقة الجريدة، في شارع السعدون، بإنتظار وجبة طعام الغداء من يد الرفيقة العزيزة أم جاسم- طيبة الذكر، حيث يقف رئيس التحرير، أو مدير التحرير، أو مدير الإدارة، خلف أي محرر أو شغيل كان قد سبقه..

إن مثل تلك الأجواء الحميمة، من جهة، وعظم المسؤولية، من جهة ثانية، ونحن نؤدي مهمة إعلامية وفكرية وسياسية، مطالبين بإنجازها على خير ما يرام، رغم كل العقبات، كانت هي المعين لنا على تخطي الصعوبات الكثيرة، خصوصاً في الأعوام الثلاثة الأخيرة، وأتعسها العام الأخير من عمر الجريدة، منذ أن شرع البعثيون الأوباش بالمضايقات والإعتقالات والتعذيب بحق الشيوعيين، وبضمنهم عدد غير قليل من المحررين، ومحاولة إسقاطهم سياسياً.. لكن نظامهم المقيت ذهب إلى مزبلة التأريخ غير مأسوف عليه، بينما واصلت " طريق الشعب" مسيرتها النضالية. وها هي اليوم تواصل صدورها العلني من جديد، في عهد جديد،بجهود كوكبة، لا يقاس عددها بما كان أيام زمان، منكرة لذاتها،متفانية إلى أقصى الحدود، وهي تسعى لتخطي الصعوبات والعوائق الكثيرة، ولتطوير الجريدة، في سبيل خدمة قضايا شعبنا ووطننا في هذه المرحلة الحرجة ..
ليس سراً أن أسرة تحرير " طريق الشعب" اليوم بأمس الحاجة الى الدعم والمؤازرة..وأنا شخصياً أعرف الكثير من الكتاب، من رفاق وأصدقاء ومحبين للحزب، ممن لديهم الرغبة والأستعداد لمد "طريق الشعب" بمساهماتهم وإبداعاتهم إذا ما فسحت قيادة الحزب صدرها الرحب أكثر للرأي الآخر، وخففت أكثر من رقابتها الحزبية المتزمتة عن التحرير! فما الداعي للتخوف والتجبب من الرأي الآخر ما دام ما ينشر يعبر عن رأي كاتبه ؟

تمنياتي المخلصة لأسرة تحرير " طريق الشعب" بالسلامة وموفور الصحة والتوفيق في مهمتها النبيلة !
وكل عام والصحافة الشيوعية بخير!
 


 

free web counter