| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم المقدادي

 

 

 

 

الخميس 1/6/ 2006

 

 

لمناسبة الأول من حزيران- عيد الطفل العالمي


واقع حال الأمومة والطفولة العراقية 

( 1 )

 

د.كاظم المقدادي *

لا يعقل، بل ونشك بأن أحداً من سياسيينا المحترمين يجهل بأن أطفال العراق هم عماد حاضر ومستقبل الشعب العراقي، وأن على من يفكر مخلصاً وجاداً بإعادة بناء العراق وإرساء ضمانات الحياة الحرة الكريمة والمستقبل الأفضل لشعبه أن يضع قضايا الطفولة ضمن أولوياته، وينطلق منها لبناء المجتمع الجديد.

بمناسبة الأول من حزيران- عيد الطفل العالمي- نجد من الضروري التذكير بأن حكومات المجتمعات المتمدنة في العالم تعتز وتفتخر بما ينعم به أطفالها من حياة مرفهة زاهية،غامرة بمستو صحي ونفسي وتربوي وثقافي محترم، وبما هم عليه من تطور بدني وذهني متقدم، وبما يتمتعون به من ضمانات لمستقبل أفضل.. ومن هنا فأن يوم الطفل العالمي عندها هو فرصة لإستعراض ومراجعة وتقييم ما أنجز في برامجها المكرسة لخدمة صحة وحياة ورفاه أطفالها،ولإسعادهم أكثر فأكثر، وما ستنجزه لهم لاحقاً، ويعكس مدى حرصها على عماد حاضر ومستقبل شعوبها. والى هذا فان البرامج الموضوعة للطفولة من قبلها مرتبطة، عادة، وثيق الإرتباط بمثيلات لها، لحماية الأمومة، وذلك لإدراكها بإرتباط الأمومة والطفولة عضوياً كشريحتين إجتماعيتين لا يمكن الفصل بينهما، ووفق هذا المبدأ الثابت يتعين رعايتهما من قبل الدولة والمجتمع في اَن واحد، وبإجراءات يكمل بعضها البعض الآخر.

فما الذي قدمته الحكومات العراقية لأطفالنا، وهم الذين حُرِموا لسنوات طويلة من مشاركة أطفال العالم عيدهم وأفراحهم وبهجتهم في عيد الطفل العالمي، بل ولم يفرحوا ولم يبتهجوا، وذبلت الإبتسامة على وجوههم الجميلة، وأُستبيحت طفولتهم، وهتكت براءتهم، سنين طويلة في ظل أعتى دكتاتورية مقيتة وأبشع نظام فاشي ؟
والى متى تفوت أطفالنا فرصة الإحتفال بعيد الطفولة والتمتع بحياة اَمنة ومرفهة وسعيدة ؟
ومتى ننتشلهم من واقعهم المأساوي الراهن ؟

المؤسف إن مجتمعنا العراقي، وبعد أكثر من 3 سنوات على سقوط النظام الدكتاتوري، لا يمتلك، بوضعه الراهن، ما يقدمه لأطفاله في مناسبتهم العزيزة هذه، وعاجز عن منحهم لحظة فرح، ولا حتى التخفيف من معاناتهم الطويلة القاسية، التي خلفها له النظام الهمجي المقبور. والمؤلم أن معاناة أطفالنا لم تكن ضمن أولويات الحكومات التي تعاقبت، بدءاً من سلطة الاحتلال،التي ولت، ومجلس الحكم المنحل،والجمعية الوطنية، والحكومة المعينة، والأخرى المؤقتة، وإنتهاءاً بالحكومة الجديدة المنتخبة، التي لم تعلن برنامجها بعد، ولا ندري هل ستضمنه ما يساهم جدياً بمعالجة قضايا الأمومة والطفولة، وهل ستكون أصلاً ضمن أولوياتها.وحتى الدستور الدائم لم يتضمن ما يلزم الحكومة بذلك، ولا يؤسس لرعاية جدية للطفولة العراقية ولضمان حقوقها وفق المعايير الدولية.

فهل مأساة الأمومة والطفولة العراقية خافية على السياسيين العراقيين ؟!!
لمن خفيت عليه المأساة نذكره بجزء من أبرز معالمها،ليطلع على واقع حال الأرامل،والثكالى، وذات الإحتياجات الخاصة،ومعدل وفيات الأمهات،الذي بلغ أعلى معدل في العالم.وعلى واقع حال الطفولة العراقية،وبخاصة الأطفال اليتامى، وأطفال الشوارع،وعمالة الأطفال،وجنوح الأطفال، والإدمان على المخدرات،وإنتشارالأمراض النفسية والعصبية والتخلف العقلي، وإنعكاسات الحرب، والإنفلات الأمني، وتصاعد العمليات الإرهابية، وجرائم التعصب الطائفي، والتهجير، وتردي الأوضاع الإقتصادية والمعيشية للأسرة على الأطفال، ومنها سوء التغذية، والتسرب من الدراسة وترك التعليم، وعجز الحكومة عن التصدي لأي من هذه المشكلات، ناهيكم عن أضرار مخلفات الحرب وإنتشار الإشعاعات على صحة وحياة الطفولة العراقية، وغير ذلك..

من واقع حال الأمومة العراقية
خلف النظام البعثي الفاشي المقبور لمجتمعنا العراقي برمته تركة ثقيلة وخطيرة ، لا أقلها الضغوطات الإجتماعية والإقتصادية والصحية والنفسية الوخيمة، التي عانت منها معظم العوائل العراقية.يكفي أن نشير هنا الى أن حروبه الداخلية والخارجية، قضت على أكثر من مليوني أباً، وخلفت أكثر من 900 ألف معوقاً، وملايين الأرامل واليتامى. دراساتنا لمأساة الطفولة العراقية في ظل النظام المقبور بينت بإن أكثر من 12 % من مجموع الاطفال العراقيين فقدوا اَباءهم، وأكثر من 7 % فقدوا امهاتهم، و 32.5 % فقدوا افراداً من أسرهم.وقد مات أكثر من مليون ونصف المليون طفلاً بسبب أمراض سوء التغذية، وإنتشار الأمراض السارية والمعدية، وتلك التي نجمت عن الإشعاعات والسموم، وفي مقدمتها التشوهات الخلقية والسرطانات والأورام الخبيثة .

وبدلاً من أن تخف معالم المأساة بعد رحيل النظام الساقط، إزدادت مؤشراتها عقب الحرب الأخيرة في عام 2003. فأكد اَخر تقرير للأمم المتحدة حصول إنتهاكات خطيرة لحقوق الانسان في العراق، بسبب إزدياد الأعمال التي يقوم بها الإرهابيون والمليشيات والعصابات الإجرامية، مما قوض وبشكل كبير مستوى التمتع بحقوق الإنسان لدى الفرد العراقي. مشيرا الى أن أعمال العنف استهدفت وبشكل متزايد النساء والاطفال والمهنيين..

وما أنفكت الأوضاع الأمنية السيئة في عموم العراق، وخاصة أعمال التخريب والتفجيرات والقتل الجماعي، تحصد يومياً أرواح الأبرياء من الأطفال والنساء، ويتزايد عدد الأمهات الثكالى والأرامل، وعدد الأطفال اليتامى. ومع تهدم البيوت،وتصاعد التعصب الطائفي، وترك العوائل لبيوتها خوفاً من القتل، راح يتزايد عدد العوائل التي أصبحت بلا مأوى، وتشرد أطفالها.وإنتشرت ظاهرة خطف الأطفال والإغتصاب والسرقة والسلب والقتل، التي تروع الأسر العراقية يومياً،الأمر الذي إضطر الكثير من العوائل الإمتناع عن إرسال أطفالها الى المدارس ..

ويؤكد أحدث تقرير لمكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية وجود 8 ملايين أرملة عراقية- حسب السجلات الرسمية ، وتؤكد سجلات وزارة شؤون المرأة في العراق وجود 300 الف ارملة في بغداد وحدها، وان مابين 90 الى 100 امرأة عراقية تترمل كل يوم نتيجة اعمال القتل والعنف الطائفي والجريمة المنظمة والإرهاب في العراق. وتشكل نسبة الارامل هذه نحو 35% من عدد نفوس العراق،ويمثلن نحو 65% من عدد نساء العراق، ونحو80% من النساء المتزوجات بين سن العشرين والاربعين، أي سن الخصوبة والإنجاب.

وفوق هذا،جعلت الظروف القاسية والمعقدة، التي مر ويمر بها العراق، الآلاف من النساء معوقات، ويعانين من محنة حقيقية والكثير من المشاكل، شأنهن شأن الآلاف من الأطفال، ولا تتوفر لهذه الشريحة من ذوات الإحتياجات الخاصة سوى جمعية واحدة،هي" جمعية النساء المعوقات في العراق" التي تتخذ من بعقوبة مقراً لها، وهي الوحيدة في العراق التي إهتمت بهذه الشريحة من النساء اللواتي تعرضن الى صنوف العوق..

ومع تفاقم الأزمة الإقتصادية والإجتماعية،وتدهور المؤشرات المعيشية، حيث بلغت البطالة أكثر من 60 بالمئة، إزداد الفقر في المجتمع العراقي.فأعلن د. ادريس هادي صالح- وزير العمل والشؤون الاجتماعية السابق- في مطلع كانون الثاني 2006،وجود (5) ملايين عراقي يعيشون تحت وطأة الفقر الشديد، وهم بحاجة الى مساعدة عاجلة من كافة النواحي، لاسيما العناية الصحية وتحسين وضعهم الغذائي.

في ظل هذه الأوضاع،تعاني الأمهات الأمرين، وخاصة الأرامل،اللواتي تحملن أعباء ومسؤولية إعالة أطفالهن اليتامى. يعشن في مستو مترد ودون الحد الأدني للمستوي المعيشي، ويعانين من أمراض عديدة مزمنة وخطيرة، في ظل الفقر والجوع والإرهاب. حيال هذا الواقع، بلغ معدل وفيات الأمهات العراقيات 370 وفاة من كل 100 ألف ولادة حية- بحسب صندوق الأمم المتحدة لرعاية السكان. وهو أعلى معدل في العالم.علماً بأن هذا المؤشر في الدول المتقدمة هو 21 حالة فقط. ولم تخصص الحكومة مخصصات مالية كافية لدعم هذه الشريحة الكبيرة من الأسر من أجل ان تعيش في مستوي معيشي لائق بها.

ويبدو ان الدولة غير مقدرة لتداعيات تزايد اعداد الارامل، التي تؤثر- بحسب المحامية زينب صبيح اللامي- على المجتمع العراقي ككل، موضحة بأن أهل الزوج قد يتخلون عن الأرملة بعد وفاة ابنهم، مما تضطر للعمل الى جانب رعاية أطفالها، وتمنع ابنها من الدوام في المدرسة، كيي يشتغل ويساعدها في إعالة أشقائه وشقيقاته الأصغر منه سناً. وتؤكد المحامية فائزة محمود بأنه لا توجد في العراق اية قوانين دستورية او عائلية، ولاحتى الية سياسية لحماية المرأة الارملة، او حتى التفكير بتحسين وتأمين حقوقها، او تمويلها بخدمات اجتماعية لها ولأيتامها، ولذلك لابد من سن قانون للارامل يجعلهن يواجهن الحياة ويربين اولادهن بثقة عالية بالنفس ومن دون الحاجة لأحد.

الأطفال اليتامى والمشردين والشحاذين
تعد مشكلة اليتامى في العراق مشكلة إجتماعية كبيرة وخطيرة، يتحمل مسؤوليتها النظام المقبور، وأيتامه، وعصابات الجريمة المنظمة، وتصاعد الجرائم الإرهابية، التي عجزت الحكومة العراقية لحد الآن عن وضع حد لها.
لليوم لا توجد إحصائيات رسمية بعدد اليتامى العراقيين.بينما تؤكد التقارير بأن عددهم بالملايين.متابعتنا لموضوعهم تقول أنه لغاية شباط 2002 كان يوجد أكثر من 5 ملايين و 200 ألف طفلاً يتيماً،يعيشون في كنف أرامل وثكالى، ومعظمهم يعاني من سوء التغذية، والأمراض المزمنة، والإنتقالية، وقسم كبير منهم من ذوي الإحتياجات الخاصة.وتضم دور اليتامى عدداً قليلاً.بيد أن قسماً كبيراً منهم يعيشون بلا مأوى،في الشوارع، حفاة، عراة. وقسم غير قليل منهم جرفه اصحاب الرذيلة وأرباب الجريمة وشوهوا نقاء طفولتهم وبراءتها.وتؤكد مصادر وزارة الداخلية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية ان الاف الاطفال اصبحوا مشردين في خرائب المدن وساحاتها وشوارعها. فيما إتهمت جمعيات مهتمة بحماية الطفل وحقوقه الوزارات المعنية بالتقصير في ايجاد حلول سريعة للاطفال المشردين.

لقد إزداد عدد أطفال الشوارع، إرتباطاً بتردي بالاوضاع الاقتصادية للأسر في العراق، وما رافقها من تفكك أسري، وكثرة حالات الطلاق والانفصال بين الزوجين، الامر الذي عرض هؤلاء ويعرضهم لمختلف الاخطار، بما فيها تعريض حياتهم للخطر.وتتواصل ظاهرة التسول، التي إرتبطت بالفقر، فأينما حل الفقر يكثر المتسولون.والواقع ان هؤلاء الأطفال، وهم من الذكور والإناث، ينتشرون في كل مكان، في المدن، والكراجات، والساحات العامة، وعند تقاطع الطرق وفي الشوارع والأسواق والمحلات التجارية، مادين أيديهم الضعيفة، مستجدين عطف المارة، مرتدين الأسمال الوسخة، حفاة، شاحبي الوجه، نحيلي البدن، وهي علامات الفقر والجوع.

والأخطر من ذلك، تحول أطفال الشوارع الى ضحية سهلة لمافيا المخدرات وفريسة للدعارة والإغتصاب ولتجارة الأعضاء البشرية.ولا نجد إجراءات رادعة للحد من هذه الجرائم، ولم تتحرك منظمات المجتمع المدني بالشكل المطلوب للتصدي للظاهرة، مع أنها بدأت تأخذ أبعاداً إجرامية خطيرة.وقد اشارت تقارير صحفية عديدة الى جرائم إختطاف الفتيات القاصرات وإجبارهن على الانضمام الى بيوت دعارة، وتحدثت عن اماكن محددة، ولاسيما في الباب الشرقي، أو في منطقة البتاويين، حيث تنشط عصابات بيع الصبية والفتيات وبأسعار تراوح بين 250 ـ500 الف دينار عراقي، بينما شهدت العديد من المدن عمليات قتل غامضة لأطفال بهدف بيع أعضاءهم.

جرائم الأحداث
وإرتباطاً بما مر،سجلت جرائم الاحداث، التي هي نتيجة طبيعية للأزمات الإقتصادية والإجتماعية، تزايداً مرعباً.أكد ذلك بحث اعده مركز البحوث التربوية والنفسية في جامعة بغداد.علماً بأن جرائم الاحداث في العراق ليست جديدة،وإنما هي وليدة النظام السابق،وإنتشرت في ظله، مقترنة بتفشي ظواهر الرشوة والفساد والإفساد وبيوت الدعارة والجريمة المنظمة والمخدرات،التي أنتجها ونماها النظام البعثي الفاشي .للمقارنة أشار البحث المذكور الى دراسات بينت ان العراق كان عام 1999 يحتل المرتبة الرابعة على صعيد الوطن العربي في شيوع الجريمة، فقد إرتفع عدد الجرائم التي ارتكبها الاحداث، وخاصة الطلاب، من 1404 جريمة عام 1995 لتصبح 1669 جريمة عام 1998و1826جريمة عام 1999.

لقد تفاقمت الظاهرة في ظل الإنفلات الأمني المتواصل وتصاعد الأعمال الإجرامية وعودة عصابات الجريمة لنشاطاتها السابقة، التي غذت الظواهر السلبية في الشارع العراقي، فتزايد جنوح الأحداث.ولا إجراءات رادعة من قبل الحكومة، والدولة الجديدة أثبتت عجزها في الحد منها، دون إدراك لخطورة المشكلة إجتماعياً، حيث تتعلق بشريحة محددة من الفتيان والصغار والمراهقين والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 7 ـ 17 سنة، يعول عليها في أن تلعب دوراً قيادياً في مستقبل العراق لو حضيت برعاية وتربية وتوجيه إيجابي وتقويم فعال يحميها من أسباب الجريمة والرذيلة والجنوح- وفقاً للأستاذ الدكتور إحسان محمد الحسن- أستاذ علم الإجتماع في كلية الآداب، الذي أجرى مسحاً ميدانياً، معززاً باستمارة إستبيان ومقابلة لـ120 جانحاً في المدرسة الإصلاحية و40 حدثاً جانحاً في محاكم جنوح الأحداث، وزيارة عوائل ومدارس ومناطق سكن الجانحين الأحداث، استغرقت دراسته 6 أشهر، فوجد أن من أهم أسباب جنوح الأحداث هو التفكك الاسري، وتصدع علاقتهم الإجتماعية ،الداخلية والخارجية، وانحلال وحدة تماسك الأسرة، وتحطم هيكلها التكويني، بحيث يتعذر على الاب والأم الإيفاء بالتزاماتهما والقيام بواجباتهم إتجاه بقية افراد العائلة والمجتمع.

المخدرات
وهناك ظاهرة الإدمان على المخدرات، التي طالت الشباب،والصبيان، بل وحتى الأطفال بعمر الزهور.وقد غزت المخدرات الأسواق وإنتقلت الى الجامعات وشملت حتى الطالبات.فنجمت عنها مصائب التفكك والفساد الأخلاقي والجريمة بكل أنواعها.وأصبح خطر هذه الآفة الخطيرة يتهدد الآلاف- بحسب وزارة الصحة، التي اكدت بان العيادات الحكومية والشعبية رصدت مراجعات 24 الفاً و 759 شخصاً في محاولة للحصول على حبوب الهلوسة.وأعلن الدكتور عامر الخزاعي- الوكيل الفني لوزارة الصحة بأن اَخر مسح صحي أجري أظهر أن في بغداد وحدها 1000 طفل دون الثانية عشرة مدمنين على المخدرات.وقال أحد الموطنين: إن منظر الاطفال هنا( في البتاوين) من الذين يتعاطون المخدرات، صار منظراً مألوفاً، مما يجعلهم عرضة للاستغلال من قبل عصابات السلب والاجرام، مقابل حصولهم على المخدرات، أو حبوب” الكبسلة “، فهؤلاء الاطفال مستعدون لعمل اي شيء، ويتم استخدامهم كمجموعات في عمليات الاحتيال والتسول لصالح اشخاص بالغين.ويتم إستراج الفتيات الى بيوت الدعارة، وهناك يتعرضن الى الاغتصاب الجنسي، وبالتالي يتم اجبارهن على امتهان الدعارة.وأكد ممثل لوزارة الداخلية تفاقم مشكلة المخدرات والمؤثرات ذات التأثير النفسي وانتشارها في مناطق مختلفة من العراق، وبيع بعض المذاخر والصيدليات في منطقة شارع السعدون والبتاويين لبعض المواد المخدرة والمسكرة بدون وصفات طبية، مبينا ان هناك ما يزيد عن 1000 طفل متشرد في منطقة البتاويين يتناولون بعض المواد المسكرة والمخدرة، كالثنر والسكوتين، الامر الذي ادى الى ظهور سلوكيات منحرفة لدى هذه الشريحة المهمة من المجتمع. وداعا الجهات المختصة الى وضع القوانين والاجراءات الصارمة للحد من انتشار المخدرات ومعاقبة مروجيها ومحاسبة الصيدليات والمذاخر التي تبيع هذه المواد دون وصفة طبية.. فضلا عن تشكيل لجان لتقديم دراسات ميدانية لاسيما في المناطق الشعبية لوضع الحلول والاجراءات المناسبة.
وأعلنت مصادر في وزارة الصحة بان هذه الظاهرة بدأت تستشري بسبب الانفلات الامني، وضعف الرقابة على الحدود، في وقت لم يعرف كم كيلوغراماً دخل البلاد خلسة!..نشير هنا الى ضبط 128 كغم من المخدرات خلال شهرين فقط في ميسان.ونشرت وسائل الإعلام العراقية عن ضبط كميات مماثلة وأكبر في العديد من المحافظات العراقية.بالمقابل حصلت مؤخراً فضيحة مخزية- إختفاء كميات كبيرة،كانت قد ضبطت لدى عصابة مخدرات، من بين جدران أحد مراكز الشرطة. ولم يعلن لحد اليوم إن تم إستردادها أو الكشف عن المتورطين بها.

والحق، إن الظاهرة هي الأخرى ليست جديدة.فقد أكد الدكتور هاشم حميد زيني- مدير مستشفى إبن رشد لمعالجة الإدمان، بانها موجودة منذ زمن النظام السابق، لكن التكتم عليها حال دون معرفة الاخرين بتفشيها منذ عقد التسعينيات، عندما اشتدت قسوة الظرف الاقتصادي على العوائل العراقية، التي وجدت نفسها عاجزة عن تلبية متطلباتها ومتطلبات ابنائها، لذلك انحرف الكثير الى جادة العبث وتعاطي المخدورات.
وأكد وزير الصحة الأسبق الدكتور علاء الدين العلوان أن مشكلة تعاطي المخدرات بين الشباب والمراهقين متوافقة مع إزدياد معدلات الجريمة يوماً بعد يوم داخل العراق.وأوضح في كلمة له خلال إنعقاد الندوة الوطنية الشاملة لمكافحة المخدرات وسوء إستخدام المواد ذات التأثير النفسي، التي نظمتها اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، إن مشكلة تعاطي المخدرات وإدمانها من أكثر المشاكل الإجتماعية خطورة ولها تأثير قوي على تقدم أي مجتمع، وتستنفد معظم طاقات الفرد والمجتمع وإمكانياتهما، وتعتبر من أعقد المشاكل، التي تواجه المجتمع الدولي في الوقت الراهن.وأوضح الوزير الأسباب التي أدت الى زيادة إستعمال المواد المخدرة في العراق أن هناك جملة أسباب، ومنها الوضع الحالي للبلد من حيث التغيير الحاصل من كافة النواحي الإجتماعية والإقتصادية وسهولة توفر المادة وضعف السيطرة على منافذ العرض والبيع، وضعف في تطبيق القانون بحق المتجاوزين، وكذلك حالة عدم الإستقررار الأمني وما يترتب عليه من شعور بالخوف والقلق، أحياناً واليأس والإكتئاب، أحياناً أخرى مما يمهد لأنتشار المخدرات وسوء إستخدام المواد ذات التأثير النفسي.
وحمل الدكتور صلاح حميد- مسؤول لجنة التوجيه والإرشاد في جمعية الإصلاح لمكافحة المخدرات مسؤولية تزايد ظاهرة تعاطي المخدرات والإدمان على العقاقير المخدرة على الفوضى الأمنية والسياسية والاقتصادية التي نجمت عن الاحتلال الأمريكي للعراق وحل الجيش والأجهزة الأمنية، وخاصة شرطة مكافحة المخدرات، مما أدى إلى إغراق البلد بأنواع المخدرات، وخاصة الهيروين والحشيشة، نتيجة التسيب الذي حدث في الحدود العراقية.وأكد بأن ارقام وزارة الصحة التي تؤكد وجود اكثر من 2000 طفل يتعاطون المخدرات، وهؤلاء معروفون للمجتمع العراقي،وهم من جيل الأطفال المشردين والأيتام، وشوارع بغداد بالذات تشهد حالاتهم، نستطيع أن نشخصها من هؤلاء الأطفال المشردين ونستطيع أن نقول إن نسبة هؤلاء تتصاعد يوماً بعد يوم في ظل استمرار الوضع الفوضوي الذي نعيشه.ولفت الإنتباه الى وجود نقص في هذه الأرقام، حيث هناك الكثيرين ممن إبتلوا بهذا المرض، لكن علاجهم يبقى سرياً، وفي عيادات خاصة، وأحيانا يترك المدمن حبيس البيت، حتى لا يسبب فضيحة أخلاقية لعائلته.


- يتبع -


*  أكاديمي وباحث عراقي، عضو الهيئة التدريسية للأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك.