| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

أ.د. قيس مغشغش السعـدي
drabsha@yahoo.com

 

 

 

                                                                                    الخميس 31/5/ 2012

 

المعـدان = الشروﮒ = المشرقيون

أ . د. قيس مغشغش السعدي *

ارتبطت كلمة "معدان" بقوم عراقيين معروفين من حيث الوجود وموقعه الجغرافي، ولست هنا بصدد الجانب الأنثروبولوجي أو الأركولوجي، ففي هذا هنالك من هو أقدر مني بدراسة المعدان، لكني بصدد التسمية التي ظلت غير معروفة وذهب فيها كل من تناول التعريف بهم ما ذهب. بل أنهم هم ذاتهم لا يعرفون معنى التسمية رغم أنها تطلق عليهم ويتسمون بها. فبعض قال أن تسميتهم جاءت من قبيلة بني معد لكثرة نزاعاتهم مع قبائل أخرى! وبعض آخر يرى أن التسمية جاءت من المعدن تشبيها لهم بأصالة المعدن فصاروا "معدان"! وآخر يرى أنها جاءت من المعاداة وتأسست على أنهم عادوا الإحتلال الإنكليزي فصار يطلق عليهم كلمة هؤلاء المعادين، ومن ذاك صاروا معدان! ومن الغريب ربط الكلمة بمهنة قيادة "المشحوف: سفينة الهور المعروفة" ليكون هو المُعَدّي مثلما تلفظ كلمة المَعَدّاوي الشائعة في مصر للذين يعبرون النهر بسفينة!

ولا يظهر في تخريجات التسمية التي ذكرت عنهم أي إشارة إلى معنى لغوي يقوم على واقع جغرافي أو صفة معينة غالبا ما ترتبط الأسماء بها لقوم أصلاء موجودين منذ القدم. فما الربط بين قبيلة بني معد وبين سكان جنوب العراق وأهواره ؟ وهم ليسوا الوحيدين من شعب العراق من ذوي خصال تقارن بمعادن أرض الرافدين أصالة، وأيضا هم ليسوا وحدهم من قاوم الإحتلال البريطاني، وكيف يرتبط اسم قوم باسم عملية تتمثل في تسيير المشاحيف في الأهوار رغم أن هذه ليست مهنة بل متطلب حياة.

ولم يذكر الأكاديميون أمثال علي الوردي، والمستشرقون الذين عايشوهم وكتبوا عنهم تخريجا لاسمهم والذي صار مرتبطا بطريقة حياتهم وما موجود في بيئتهم من مياه وقصب وبردي وكل ما يؤهل لتربية البقر والجاموس وزراعة الرز، وهذه كلها لا علاقة لها بالتسمية.

لأنهم قوم سكنوا جنوب العراق، فهم من أساس بناة حضارة العراق. وإن امتداد الإنسان فيها مرتبط بأصول تلك الحضارة وإن خبت، وهذا يسحب إلى إن تسميات الأقوام لابد أن تكون قديمة. ومثلما لم يتم الإتفاق للآن بشكل قاطع على مرجعية أصل تسمية العراق، هكذا بقت تسمية المعدان أيضا. ونرى أن على من يريد أن يتابع معرفة أصل الكلمة ومعناها الرجوع إلى لغة العراقيين القدماء ويبحث فيها.

وفي متابعتي المستمرة في لغتي الأم لغة الصابئة المندائيين الآرامية والمعتمدة حصرا في العراق، واستكمالا لمرجعية المئات من الكلمات الشائعة في العامية العراقية والتي وجدنا تأصيلها في هذه اللغة واللغة الآرامية عامة، فقد شدني موضوع كلمة المعدان وأصالتهم في جنوب العراق. وقد ظهر لي بأن الكلمة تلتقي مع كلمة "الشروﮔـية" والتي تعني الساكنين في الشرق يوم كان العراق شرق الدنيا. ونرى أن كلمة معدان تقوم على الفعل "دنا" في اللغة المندائية وفي أغلب عائلة اللغة الآرامية والذي يرد بمعنى أشرق وأنار وتألق. وباعتماد اسم الآلة من الفعل، فإن المشرق ، بناء في اللغة، هو "مادنا". وأساس الكلمة فعلا ونحتا من اللغة الأكدية حيث ترد كلمة المشرق في قاموس اللغة الأكدية على " مَدنحو". وصار يلفظ في الآشورية " مَدنخا" وفي السريانية " مَدنحا"، أما في المندائية فالشرق " مادنا" والمشرق" مادانا". ولأن المندائية لا تلفظ حرف العين فقد سقط لفظه رغم وجوده في الأبجدية وتحول إلى ما يشبه لفظ الهمزة وهذا يعني أن المشرق الـ"مادانا" يلفظ " مئدانا". فالـ" مئدانا" هم المشرقيون الذين سكنوا الجهة الشرقية في بلاد ما بين النهرين. وعلى هذا نرى أن تسمية المعدان ما هي إلأ الـ" مئدانا" لفظا ومعنى وهي تسمية مبنية على الموقع الجغرافي، وهذا أصوب من التخريجات التي لم تربط الكلمة بأي مدلول مقبول. والتسمية بهذا تلتقي من حيث معناها مع كلمة " الشروﮔـية " الشائعة لا لإعابة أو نقص أو تدني، بل تسمية جغرافية تماما مثل الغربية أو الشمالية.

ولأن الجانب الشرقي من العراق عرف بأهواره وما يفرضه ذلك في الزراعة وتربية الحيوانات ونوع البيوت وطريقة الحياة، فقد نقل العديد طبيعة الحياة هذه إلى التسمية وصار ذكر كلمة المعدان مقترنا بتلك البيئة وحياتها، في حين أن التسمية لا علاقة لها بذلك بل إن قِدمها يشير إلى قِدم أصحاب التسمية ذاتهم ووجودهم. هكذا نرى أن المعدان هم المشرقيون وهم الـ "مئدانا".
 


* أمين الرابطة المندائية لعموم ألمانيا
عضو مكتب سكرتارية إتحاد الجمعيات المندائية في المهجر
سفير السلام العالمي


 

 

 

free web counter

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس