| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

د. قيس مغشغش السعـدي
drabsha@yahoo.com

 

 

 

 

 

السبت 31/7/ 2010



تصويب في موضوعة النفس والروح المندائية

د. قيس مغشغش السعدي

ضمن الموضوع القيم الذي تناوله الدكتور عدنان الظاهر عن الروح والنفس في الفلسفة والأديان، وقفت عند موضوعة الروح والنفس في الديانة المندائية. ومع معرفتي بقرب الدكتور الظاهر من المندائيين، إلا أنني أسفت لأن ترد في مقالته جوانب هي ليست في العقيدة المندائية. ولأنها أساسية وحتى لا تفهم خطأ عن الديانة المندائية وددت تناولها بالتصويب المستند إلى أدبيات هذه الديانة في كتبها.

فالنفس والروح في الديانة المندائية لا يختلفان في موضوعهما عما يرد في الديانة الإسلامية إلا في قلب التسمية. إذ أن "الروح" في القرآن هي تماما ما يقصد به بالـ" نفس" في العقيدة المندائية، ولذلك حينما يرد في القرآن الكريم" ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" الإسراء: 85 ، فأن الأمر ذاته في المعتقد المندائي من أن النفس هي هبة الحي نسمة وبضعة منه، خفت معرفتها حتى على أكبر الملائكة ولم يحملها لآدم سوى الأثري المبجل وأقنوم الحياة مندا إد هيي. حيث يرد في كتابهم المقدس الكنزا ربا القسم الأيمن:" أيتها النفس أنت وهبت من مقام الحي". والنفس هي الوحيدة من الكيان البشري التي تعود إلى مقام الحي، حيث يرد في الكنزا ربا أيضا القسم الأيسر:" أيتها النفس أنت لمقام النور تصعدين للحي العظيم". فالنفس هي أشرف ما في الكون لأنها هبة الحي ولأنها الوحيدة التي تعود له. أما باقي مادته وهيولاه فهو من طين ويعود كذلك. وما أجمل تصوير أبو إسحق الصابي لذلك بقوله الفلسفي:

جملة الإنسان جيفة وهيولاه سخيفــــة
فلمـاذا ليت شعـري قيل للنفس شريفـة
إنـمـــا ذلـك فيـــــه صنعة الله اللطيفـة

ولأن كيان المخلوقات الحية هو بالنفس وأن الأبدان يمكن أن تصنع لكنها لا تتحرك، لذلك صارت النفس أشرف ما في هذه المخلوقات، والأشرف بينها نفس الإنسان العاقلة.

والنفس " نيشمثا" ككلمة تقوم على الفعل الآرامي المندائي: "نشم" بمعنى تنفس ونسم، تماما كما في العربية.

أما مفهوم مصطلح الروح " روها" في المعتقد المندائي فيتطابق مع ما يرد في الديانة الإسلامية عن النفس. فالكلمة مشتقة من الفعل الآرامي المندائي:" رها " الذي يرد من معانيه: أحس، أدرك بالحاسة. وعلى هذا فإن كلمة "روها" إرتبطت في المندائية بالرغبات والأعلاق والشهوات والعواطف والإنفعالات التي تسعى في سحب النفس إليها وهي لا تشبع بالتأكيد. وعلى هذا صارت مكروهة لما تجلبه من طمع وأنانية وإستئثار يقود إلى باطل أوغدر وربما إلى كل ما ليس شريف قياسا بشرفية "النيشمثا". وعلى هذا حينما يرد في القرآن الكريم " ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها/ الشمس: 7، 8/ فإنه ينطبق تماما على ما يقصد به بالروح" روها" في المعتقد المندائي من أن في " الروها" جانبان إن إلتزمت فهي في التقوى، وإن لم تلتزم فهي في الفجور، وما من روح" روها" تلتزم. ولذلك جاء إن النفس أمارة بالسوء.

وعلى هذا أيضا إرتبط مفهوم "الروها" بالشر في المعتقد المندائي وأنها نقيض " النيشمثا" رغم أنها أختها وتجتمع وإياها في جسد واحد كما يرد في أحد نصوص الكنزا ربا / اليسار.

أما عن خلق آدم وحواء فقد أورد الدكتور الظاهر أن الديانة المندائية تحدد أن خلق حواء كان من ضلع آدم حيث يكتب:" الدين المندائي صريح في القول أن حواء خرجت من ضلع آدم ولكنهم لا يحددون من أية جهة ولا يتطرقون لذكر هيئة هذا الضلع أكان مستقيما أم أعوج الهيئة" ثم يبني على ذلك في الشرح والتحليل والمغزى. والحقيقة أن هذا لم يرد في الديانة المندائية مطلقا، بل إنه يرد عند اليهود في التوراة، ومنهم أخذ بعض من أخذ وأوّل حسبما يريد. إن خلق حواء في الديانة المندائية مكافئ لخلق آدم حيث انها جبلت من الطينة ذاتها التي جبل منها آدم، وأن النفس أحلت فيهما كليهما" ونيشمثا بآدم وهوا نفلت: والنفس أدخلت بآدم وحواء" وعلى هذا فمنزلتها مثل منزلته. ولا تعرف ديانة تساوي بين الرجل والمرأة أكثر من المندائية بل ربما تتفوق المرأة في حوانب لسنا هنا بصددها. كما أن آدم وحواء قد كشفت لهما المعرفة ذاتها، حيث يرد في الكنزا ربا:" وافرشلي مادا لآدم ولهوا زوا وشرباتا: وكشفت المعرفة لآدم ولحواء زوجه ولذريتهما".

والأمر الآخر في أن الدين المندائي يميز بين المرأة الباكر والمرأة الثيب كما يذكر الدكتور الظاهر، والحقيقة أن الديانة المندائية لا تميز بينهما من حيث قيمتهما الإنسانية وأن الأولى أعلى شأنا وأكثر قدرا من الأخرى، إنما الأمر يتحدد بإجراء الطقوس الدينية، فإن أجراءات عقد الزواج للمرأة البكر تختلف في بعض ممارساتها عن مثيله للمرأة الثيب، ومن ذاك أن من يقوم بالطقس الديني رجل دين مخصص يسمى " أبيسق". والأمر مقبول فعذرية المرأة الباكر ترتبط بكمال خلقتها كما ولدت، أما الثيب فهي من تزوجت سابقا، وبالتالي فطقوس المندائيين المتشددة والتي تحض على الكمال خلقة كما خلقه الخالق وإقتداء بكمال الخالق تتمثل في بعض الإجراءات ومنها هذا الإختلاف. أما من حيث النظرة والقيمة فلا تمييز في ذلك، ولا أثر له بالمرة في الحياة اللاحقة.

 

 

free web counter

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس