| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

د. قيس مغشغش السعـدي
drabsha@yahoo.com

 

 

 

 

السبت 27/9/ 2008

 

على خلفية قرار البرلمان العراقي بإلغاء المادة 50 من قانون إنتخاب مجالس المحافظات
 

الأقليات في العراق، بين الـ أكو والـ ماكو

د. قيس مغشغش السعدي
drabsha@yahoo.com

في أول كلمة لأول رئيس برلمان عراقي منتخب السيد حاجم الحسني أسقط ذكر المسيحيين والصابئة المندائيين والأزيديين عندما تناول مكونات الشعب العراقي. وحين سأله أحد الأعضاء عن سبب عدم ذكر هذه المكونات، كان جوابه أن ذلك سقط سهوا ً!!!. وقد كتبنا يومها وقلنا أن العذر أشد وقعا من الفعل. إذ كيف يكون السهو نصيب مكونات أساسية وأصيلة في نسيج الشعب العراقي وتاريخه، وهل هو سهو حقا في كلمة مهيأة مسبقا؟ واليوم وبعد هذه المسيرة من عمل البرلمان العراقي نعود الى ما هو أبأس من السهو، نعود الى الخطأ القاتل المتمثل في التجاوز المقصود والمدروس للتجني على وجود وحقوق هذه المكونات بحذف المادة 50 من قانون إنتخاب مجالس المحافظات. هذه المادة التي منحت حقا لتمثيل بعض هذه المكونات في مجالس بعض المحافظات بحصة محددة جدا.
والمفارقة في الأمر أن هذا القانون قد إعيد الى مجلس النواب، بعد أن أقره، بإعتراض من رئاسة الجمهورية على خلفية محافظة كركوك وطريقة توزيع حصص مكونات العراقيين الكبيرة في هذه المحافظة. وحين يتوصل مجلس البرلمان الى حل مناسب ومرضي لهذا الأمر، وجد البعض أن ذلك يجب أن لا يمر على حسابه، بل رأى ضرورة تعويضه. ومن أين؟ من حصة مكونات الشعب العراقي الأخرى التي رضت بالحد الأدنى للتمثيل في مجالس المحافظات. فكان القرار بإلغاء المادة خمسين التي منحت بعض مكونات الشعب العراقي من المسيحيين والأزيديين والشبك حصة محددة في عضوية مجالس المحافظات. ومع أن الغبن كان نصيب الصابئة المندائيين أصلا في إعتماد هذه المادة ذلك أنهم لم يخصص لهم ولا حصة واحدة في أي من المحافظات التي يتواجدون فيها، ومع أن في نفوسهم غصة في هذا الأمر، إلا أنهم وجدوا في الخطوة التي أقدم عليها مجلس النواب بإلغاء المادة أصلا تجاوزا مقصودا وعلامة أكيدة على التعصب الديني الذي يصدر من تحت قبة البرلمان العراقي، وهو الذي يراد له أن يشرع الديمقراطية ويحرص عليها ويتابع ممارستها كسلوك فعلي يقتدي به عامة الشعب. فهل رأى المجلس أن يساوى بقية المكونات بالصابئة المندائيين من حيث عدم التمثيل بديلا أفضل من العكس؟؟؟
يصرح رئيس لجنة الإقليم في المجلس بأن هذه المكونات ليست قليلة العدد، بل أن تعداد بعضها يصل 400-600 ألف نسمة، وعلى هذا فإن لها القدرة على المنافسة ضمن الإنتخابات، وهي ليست مثل غيرها، ويسوق مثلا الصابئة، الذين لا يؤهل عدد المتبقي منهم في العراق إمكانية حشد الأصوات ليترشح منهم ممثل في مجالس المحافظات. فإن كان هذا التبرير مقبولا فلماذا إذا ً لم يمنح الصابئة المندائيون أصلا مثل هذا الحق في الإقرار الأول للقانون؟ إن هذه المغالطات لا يمكن أن يقبلها أتباع هذه المكونات، بل يجدون فيها تلاعبا بمقدرات وجودهم وعدم إحترام كيانهم والحرص على بقائهم. فما ظر المجلس أن يبقي هذه الحصة الممنوحة بحد أدنى مثلا وليكن ممثلا واحدا في كل مجلس محافظة يتواجد فيها أتباع هذه المكونات، وإن حصل منهم شخص آخر على فرصة عن طريق الترشيح والإنتخاب فإن ذلك سيكون معززا. أما أن يطلب من أبناء هذه المكونات تعبأة أبنائهم للحصول على فرصة، فإن ديمقراطية العراق وسبل إجراء الإنتخابات، من خلال التجارب التي مرت، لا تؤهل قطعا أي إمكانية لهذه المكونات، المسالمة التي تعتمد كفاءتها وإخلاصها وخدمتها وعراقتها، بالحصول على فرصة طبيعية.
لقد صدم أبناء هذه المكونات بهذا القرار المجحف وإعتبروه إشارة بارزة لتهميشهم وتهديدا خطيرا لتمثيلهم والحرص على وجودهم ومستقبلهم في وطنهم الذي تحملوا فيه ما تحملوا من قبل إرهاب المجموعات الدينية المتعصبة التي ساومتهم القتل أو مغادرة الوطن، ليأتي إرهاب من نوع آخر يتمثل في حجب البرلمان حقهم في تمثيل مكوناتهم من أجل صوت ولو خفيف أو خافت يذ ّكر مجالس المحافظات بأبناء هذه المكونات في أي توجه. فلا يخشى من هذا التمثيل بأن سيكون له الغلبة بما يؤثر في القرار. كما أن وجود ممثل واحد عن هذه المكونات سوف لن يكون عبأ عدديا. إذ بدلا من عشرين عضوا، يمكن أن يكون العدد 23 مثلا. فماذا إذا ً غير قصد الحرمان بتوجه محسوب ورؤية بعدم الإستحقاق لنسخ الوجود.
لقد أسقط قرار مجلس البرلمان المجحف بإلغاء المادة خمسين الحجة من لسان الناشطين من أبناء هذه المكونات، الذين ما فتأوا يحاجون في أن العراق هو الوطن الوطين لهم، وبدد الأمل بأن مستقبل العراق الديمقراطي يمكن أن يضمن لهم المستقبل الآمن والأفضل أيضا. فعلامات وبوادر ذلك غير مطمئنة على الرغم أننا ما زلنا في بداية التوجه الديمقراطي. بل نرى أن عهود الإجحاف قد ولدت إجحافا في إقرار الحقوق على أساس سلمي وديمقراطي وولدت الحاجة لإعتماد القوة والميليشيات وسيلة. وأنى لهذه المكونات المسالمة ذلك؟ وأكثر من ذلك فإن حذف هذه المادة يقدم الحجة لكل من سعى ويسعى للنيل من هذه المكونات على خلفية إنتمائها الديني الحجة في مشروعية ما قام ويقوم به ضدهم.
كان الأمل مكافأة أتباع هذه المكونات التي هي مكونات نوعية وليست عددية حتى يمكن زيادة أعدادها لتكون منافسة، والتي عضت على جراحها وهضم حقوقها عهودا طويلة ولم تبرح العراق ولم تستبدله وطنا، فإذا بمجلس البرلمان يعاقبها بحذف مادة سبق وأقرها هو تمنح بصيصا لفسحة تمثيل وإن بالشكل الإعتباري. أليس هذا طرد واضح وفاضح لأبناء هذه المكونات من وطنها؟ فإن حصل، وهو حاصل، فماذا سيقدم البرلمانيون يوم يتكلمون عن تنوع مكونات العراق وعن إصالته وتاريخه الممتد في عمق الزمن من أدلة بشرية تفوق قيمتها قيمة الآثار المادية التي خلفها أجداد أتباع هذه المكونات بناة حضارات العراق ورمز عراقته وقيمته التي يتباهى بها جميع العراقيين في العالم.
إن الديمقراطية الحقة يجب أن تراعي ومنذ الآن الصغير قبل الكبير، وأن يكون الحق قائما على أساس عدالته لا بوسيلة فرضه. وأشد ما نخشى حينما نصحى على وجود الديمقراطية في العراق يوما ولا نجد أبناء له كانوا يوما فيه شهادة العراقة والقدم. بهم نرى باب عشتار وثور أشور ومسلة حمورابي، بهم نرى كلكامش وأنكيدو، ونراهم "يطمشون" في ماء الحياة تعميدا وشهادة بأن الماء حي وقد أكرم به الله أولا بلاد ما بين النهرين، يحفظون لنا في أصول لغتهم الأكو .. ماكو، والجا و اللعد و يمعود .." و يمعودين على بختكم يا برلمانيين!!"

إننا، وكما قضينا عهودا من تاريخنا في المناشدة، نناشد البرلمان العراقي بأن يعيد النظر بالقرار الذي إتخذه بحذف المادة 50 من قانون إنتخاب المحافظات وأن يصوبها ويكملها بأن يكون هنالك تمثيل للصابئة المندائيين أيضا، فما من إجحاف أشد إيلاما ولا تجاوزا للحق أكثر تبرما من أن لا نجد مثل هذا التمثيل لهذه المكونات التي طالما أشار الجميع بأنهم يشكلون باقة ورد العراق الملونة الجميلة وأنهم فسيفسائه البهيج. ونناشد السيد ممثل الأمم المتحدة في العراق وجميع المنظمات الدولية أن يكونوا سندا في مخاطبة البرلمان العراقي لأن يجد الحل المنصف لتمثيل هذه المكونات في مجالس المحافظات وعلى وفق إقرار الدستور لهم تسمية.
كما نناشد جميع الأقلام العراقية الحرة والشريفة بأن تقول كلمتها وتنصف هذه المكونات من الحيف الذي صار ملازما لها ولوجودها. وليساعدنا الجميع في أملنا بالعراق والعودة للعراق والبقاء في العراق.

 

free web counter